الألم الكردي المشترك
وعن وجود سمات وتقاليد أدبية مشتركة للقصص المكتوبة بالكردية في الجغرافيات المختلفة التي يوجد فيها الكرد، و طبيعة هذه السمات، وما الذي يميز الأدب القصصي الكردي عن غيره في اللغات التي يتجاور معها، أو يعيش كتابه في ظهرانيها، يجيب محدثنا:” السمة المشتركة هي الألم. الألم هو الذي يجمع الإبداع الكردي من أقصاه إلى أقصاه، قلت في حوار سابق إن الرواية الكردية متعثرة بحجر الأيديولوجيا والهم القومي يطغى على الإبداعي. هذا ما يمكننا سحبه على حالة القصة الكردية أيضاً. طبعاً هناك كتاب كثيرون تجاوزوا مرحلة الهم القومي الضيق، كتاب إقليم كردستان العراق مثلاً تجاوزوا هذه المرحلة وأصبحوا يكتبون بحرية أكبر، وبهامش حركة أوسع بكثير من هامش الحركة الذي يتمتع به الكردي السوري مثلاً. لأن الكردي العراقي أنجز “حريته” ونال “حقوقه” فالتفت إلى أعماق الإبداع بدلاً من الوقوف عند المآسي والمجازر وجعلها مادة للأدب”.
أدب إنساني
أما عن أبرز كتاب القصة الكرد، وأين تكمن مناطق القوة في اللغة الجمالية وفي اختيار الكاتب لموضوعاته، يقول دوست:” في سوريا هناك فواز حسين ورضوان علي المقيمان وهما مبدعان لفتا الأنظار، كما أن هناك الكاتب المخضرم بافي نازي والقاص بير رستم، والقاص حليم يوسف، وهؤلاء يكتبون بالكردية، كما أن هناك كتاباً كرداً يكتبون بالعربية ومنهم الكاتب الساخر أحمد عمر، أما الكتاب الكرد من خارج سوريا فهم كثر وعلى رأسهم عطا محمد وبختيار علي وفرهاد بيربال ودلاور زراق وصلاح الدين بولوت وفرات جوري وحسني مته، وآخرون يجدهم القارئ في المختارات التي قمت بترجمتها إلى العربية. الكتاب الكرد لا يختلفون عن زملائهم العرب مثلاً في الكتابة عن اللحظات الإنسانية الأجمل كالحب والعلاقات العاطفية المحفوفة بالخطر، عن الحرية والسجن،.
وقد تحدث دوست عن مميزات اللغة الكردية ومحاولات إيصالها إلى العالم، حتى تفتك مكانة تستحقها، بقوله:”في اعتقادي أن اللغة الكردية تملك مخزوناً جيداً من المفردات التي استخدمت على طول التاريخ من أجل التعبير القصصي. فالحكاية الكردية موغلة في القدم، وحتى بين الكرد الرحل كان هناك من يسرد القصص والملاحم تحت الخيمة، تماماً مثل الحكواتي العربي في المدن الكبرى كالشام وحلب وبيروت”.
تأثيرات شرقية
امتزج الأدب الكردي بعديد الحضارات وتأثر برياح شرقية، بل وتجاوز ذلك جغرافيات مختلفة تلاقحت بآداب اللغات الأخرى التي يعيش الكتاب الأكراد في ظهرانيها، في هذا السياق يقول دوست:” الكرد استوعبوا محيطهم العربي والتركي والفارسي، إن لم يكن بإرادتهم فرغما عنهم، وأي كاتب كردي سواء في إيران أو تركيا أو سوريا والعراق لم يكن في أي يوم من الأيام بمنأى عن التأثر بالثقافة السائدة (الفارسية، العربية، التركية). ولقد كان الكاتب الكردي الكلاسيكي حتى بدايات القرن العشرين يتقن اللغات القومية الأربع في الشرق الإسلامي، العربية والفارسية والتركية والكردية بطبيعة الحال. في القصص الكردية نجد ملامح واضحة من الأدب العربي وكثيرا من أجواء ألف ليلة وليلة، كذلك ملامح من الملاحم الفارسية وقصص الحب والبطولات الشهيرة في الأدب الفارسي، كقصة رستم وأفراسياب، وخسرو وشيرين، ومجنون ليلى. ومن التركية أيضاً هناك تأثرات كثيرة.
الثقافة في الشرق الإسلامي هي ثقافة مشتركة صاغتها القرون الطويلة من العيش المشترك والحروب والصراعات وتداخل الأقوام والحدود.وعن سمات لهوية كردية مشتركة لدى جميع هؤلاء الكتاب، على اختلاف بيئاتهم ومرجعياتهم، بحيث يمكننا القول بوجود أدب كردي، بعيدا عن شتى الآثار التي حملها من ثقافات الأوطان والمنافي المختلفة، يرى دوست أن هناك هوية مشتركة، إلا أنها هوية متشظية وتخلق إشكاليات يعاني منها الأدب الكردي المعاصر. لكنه يعتقد أن اللغة غير موحدة، والأبجدية كذلك، كتاب كردستان إيران والعراق يكتبون بالأبجدية المتطورة عن العربية واللهجة السورانية، أما الكتاب الكرد في سوريا وتركيا فيكتبون باللهجة الكرمانجية والأبجدية اللاتينية، ولا يمكن التواصل بين كتاب هاتين الطبقتين إلا فيما ندر.
كمال البستاني / صحيفة العرب اللندنية
رابط المقال: