مناكفة العقل الكوردي

فرمان صالح بونجق

العقل الجمعي الكوردي عقل غير قابل للمناكفة على الإطلاق ، وهذه ليست دُعابة ، وإنما سِمة من السمات الفعّالة لهذا العقل ، وهي إحدى المقدمات الأساسية التي تسببت مراراً ، وعلى مدى مراحل تاريخية ـ في اكتساب خاصية ممانعة قولبة العقل الكوردي ، وقد بات هذا الفعل سلوكاً رائجاً وملازما للشخصية الكوردية ، ولدى معظم الشرائح ، وتسببت هذه الممانعة فيما بعد إلى تكريس سمة المناكفة كسلوك احتمائي . والجدير بالإشارة ، أن المخزون الثقافي الشعبي يحتفظ بالعديد من الأمثال ذات الحضور التلقائي في مناسبات المناكفة ، خصوصاً إذا كانت هذه المناسبات بين ذات البيْن . ناهيك عن أن الأدب الكوردي شعرا ونثرا يزخر بامتداح هذه السمة ، ويصنفها كأحد فضائل هذا العقل .
وتأسيسا على ذلك ، فقد أثبتت وقائع تاريخية عديدة ، أن أولئك الذين ناكفوا العقل الكوردي ، سواء أكانوا أفرادا أو جماعات ، أو حتى كيانات سياسية كبرى ، ذهبت جهودهم أدراج الرياح ، إن لم نقل أن العديد من هذه الكيانات وفي حالات شتى ، تعرض للاندثار أو الانتكاس في أفضل الحالات . في حين مضى هذا العقل على مساره المناكف وهو متخم بالانتشاء . ومرد ذلك جملة من المقدمات التي أدت إلى جملة من النتائج ، كانت إحداها سمة المناكفة .
فعل المناكفة ـ في الأصل ـ هو فعل ارتدادي وانكفائي وتمترسي يعبر عن الرفض القاطع لقبول نقاش فكرة ما ، قد تكون مرت في مراحل اختباريه حتى اكتسبت صفة البداهة ، أو مجرد قبول فكرة الجدل حول إحدى الحقائق التاريخية المطلقة ، كأن يلجأ أحدهم إلى محاولة نفي صفة القومية عن الكورد ، أو اللجوء إلى نكران حق الحياة للأمة الكوردية على أرضها التاريخية . أو ما شابه ، عندئذ يلجأ العقل الكوردي إلى المناكفة حتى العظم ، وهو محق تماماً .

في الحديث عن التراكم الثقافي الكوردي ، ودوره في رسم مزايا هامة  للشخصية الكوردية ، نجد أن للمناكفة مقدماتها ، فقد استطاعت محركات القوى السلطوية المحاذية للمنطقة الكوردية أن تنقل المجتمع الكوردي من حالة الاسترخاء والخمول النسبي ، كَسِمة من سمات المجتمعات الزراعية الريفية ، إلى حالة من التوتر ، والنزق ، والعصبية والتوثب ، نتيجة سلبه مقدراته الاقتصادية ، وسلبه جنسيته ، وتجويعه ، وتشريده إلى المتروبولات المحلية والدولية ، ومحاولته سلبه لطموحاته القومية أيضا ، ومن خلال جملة من التشريعات الحاقدة استطاعت هذه المحركات أن توقظ الروح المتمردة للفرد الكوردي ، هذه الروح التي غالبا ما تكون في حالة الكمون ريثما يحرضها المحرض ، ويعتبر ما تقدم إحدى أهم مقدمات إنتاج فعل المناكفة . وبالإشارة إلى فعل المناكفة الذي يمارسه الجزء المختبئ خلف الشعارات والأطروحات ، وتوظيفها بالضدّ من العقل الجمعي الكوردي ، وهي كما تَقدَم مناكفة بين ذات البيْن ، نجد أن الكل وقد اكتسب صفة المهادنة والمسامحة مع الجزء ، إلا أنه سرعان ما يؤجج المناكفة عند حدّ معين من الحدود التي لا يمكن تخطيها ، وعندئذ وبالآلية ذاتها يخضع الجزء لقوانين المناكفة ، تماما كما يخضع الجسم الغريب عن هذا الكل . ولا يجرؤ الجزء إلا أن ينصاع لإرادة المجموع . وكمحصلة فإن المزايا التي تحصّن العقل الكوردي ، تُمكّن هذا العقل من امتلاك خيارات عديدة ومتعددة ، ولكل مرحلة خياراتها ، إلاّ أن الخيار المفضل لهذا العقل هو المناكفة …..  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

ا. د. قاسم المندلاوي

 

عامودا:

مدينة الفن والحب والجمال، تابعة لمحافظة الحسكة، وتبعد عنها 80 كم. تقع في شمال شرق اقليم كوردستان الغربي، وعلى الحدود مع تركيا وقرب مدينة قامشلو. معظم سكانها من الكورد مع اقليات عربية ومسيحية. يمر فيها نهر باسم “نهر الخنزير”.

اسست المدينة على يد مهاجرين سريان هربوا من تركيا في اعقاب مذابح…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في…

حاورها: إدريس سالم

 

في زمن الانهيارات الكبرى والتحولات الجذرية، لم يعد ممكناً التعامل مع القضايا المصيرية بمنطق الإنكار أو الاستخفاف؛ فالمشهد السياسي السوري، بكل تعقيداته وتناقضاته، بات يفرض على الفاعلين الكورد مسؤولية مضاعفة في إعادة تعريف أدوارهم، وترتيب أولوياتهم، وبناء مشروع وطني يتجاوز الاصطفافات الضيقة والانقسامات القاتلة، فالسكوت لم يعد ترفاً، ولا الشعارات تُقنع جمهوراً أنهكته…

فراس حج محمد| فلسطين

مقدمة:

أعددتُ هذه المادّة بتقنية الذكاء الاصطناعي (Gemini) ليعيد قراءة الكتاب، هذا الكتاب الشامل لكل النواحي اللغوية التي أفكّر فيها، ولأرى أفكار الكتاب كما تعبّر عنه الخوارزميات الحاسوبية، وكيف تقرأ تلك الأفكار بشكل مستقل، حيث لا عاطفة تربطها بالمؤلف ولا باللغة العربية، فهي أداة تحليل ونقد محايدة، وباردة نسبياً.

إن ما دفعني لهذه الخطوة…