بعض دوافع الجريمة السياسية

 دلكش مرعي

 لا يوجد مجرم يمتهن القتل غريزياً أو بالفطرة بل يكتسبه اكتسابا من خلال التربية أو التنشئة التي يتلقاه الفرد من محيطه الاجتماعي أو السياسي فهو يجسد جملة القيم والأفكار والمعتقدات الكائنة في بيئته….  فالسلوك الانساني بالرغم من كل تعقيداته واختلافاته التي يتباين فيها مستوى هذا السلوك ويختلف من بيئة إلى أخرى لا يتعدى كونه مجرد فعل منعكس من القيم السائدة في المحيط المذكور .. فالمجتمع المتخلف المأزوم الذي يعاني من الاضطهاد السياسي والظلم والقهر والاستبداد والجهل يعتبر من بين أكثر المجتمعات خصوبة لإنتاج السلوكيات المتطرفة وإنتاج القتلة والمجرمين والمافيات السياسية
 ويعود سبب هذه الظاهرة إلى سيكولوجية الإنسان المتخلف المفلس المقموع ذاته فهو لا يمتلك الحصانة الفكرية والمعرفية التي تقيه من الوقوع في الممارسات الخاطئة أو في الوقوع في مصيدة المافيات السياسية المجرمة. فهو يعيش حالة من الإحباط النفسي والقلق والإفلاس الكياني بسبب هدر كرامته من قبل المحتل أو النظم المستبدة أو حتى من الغبن ومن القهر الاجتماعي … 

وبسبب عدم امتلاكه للأدوات المعرفية لحل قضاياه العامة فيصبح نتيجة ظروفه تلك كالغريق الذي يتعلق بالقشة كي ينجو من الغرق فيستجيب لمعظم الصيغ والوصفات السياسية الجاهزة بتعصب وبشكل أعمى ويعتبر توجهه تلك كقارب النجاة التي سيرسى به إلى بر الأمان وبأنه سيستعيد عبر هذا الفكر الخاطئ أو ذاك كرامته المفقودة  وسيتحرر من الظلم والاضطهاد . اختصارا  فأن الوعي المتخلف هو وعي خام قابل للتطويع والصب في أي قالب يراد له وحسب الطلب أي من السهولة  ترويض الإنسان المتخلف وتشكيل قناعاته وعواطفه ليكون عبداً مطيعاً ينفذ ما يؤتمر به .. وهناك من استفاد في هذا الإطار من طرق المدرسة السلوكية لعلم النفس – behaviorism – وأشهر هذه الطرق هو الاقتران الشرطي الذي توصل إليه العالم الروسي الشهير – بافلوف – حيث تم استخدام نتائج أبحاثه في ترويض الحيوانات  إلى استخدام هذه النتائج في ترويض الجماهير وغسيل الأدمغة وعمليات القتل والتعذيب وتشكيل الميول والسلوكيات على المستوى السياسي والعسكري والأمني بالإضافة إلى العالم بافلوف هناك ما يسمى بتكنولوجية السلوك للعالم – سكنز – ولهذه التكنولوجية أيضا لها تطبيقات خطيرة في الترويض والإخضاع السياسي والأمني زد على ذلك فلسفة ميكافللي وغيرها من فلسفات الإخضاع والترويض والعنف وهناك من أستغل الدين أو لنقل استغل الله في إخضاع الشعوب لتحقيق مصالح ذاتية أو فئوية فأنتج هؤلاء  الانتحاريين والإرهابيين والحروب الطائفية والتخلف التاريخي وتدمير كيان المجتمعات وتحويلها إلى أنقاض وحطام وما يقوم به النظام السوري من دمار وقتل ممنهج في هذا البلد من منطلق طائفي تؤكد على نتائج هذا الفكر البغيض المدمر عند استغلاله سياسيا … بالإضافة إلى هذا وذاك هناك الفلسفة الماركسية التي تحولت هي الأخرى الى عقيدة جامدة او لنقل الى لاهوت بغلاف فلسفي فأنتج الستالينية والأنظمة المستبدة كحزب البعث وغيره من الأحزاب الدكتاتورية من الذين تأثروا بهذا الفكر.. 
ومن المؤسف قوله بأن التراث الكردي ونتيجة خلوه من فكر  يصون ويحمي استقلال كوردستان  ونتيجة الاضطهاد العنصري لمحتلي كردستان خلال العقود الماضية لجأ الكورد إلى معظم الأفكار الشمولية المذكورة فأثرت هذه الأفكار على ثقافة المثقف والسياسي الكردي في غربي كردستان فكانت النتيجة هو حالة التشرزم والفوضى السائدة التي يعاني منها الكرد في هذا الجزء حاليا …
 واعتقد هنا بأن الذي يمتلك فكراً ببنية معرفية  صحيحة لا يحتاج الى استخدام العنف والقتل والترويض القسري للشعوب إلا اذا كان الفكر ذاته مأزوما ويعاني من خلل بنيوي  لأن الفكر القائم على المنهج المعرفي الصحيح لا ينتج  الا التطور والازدهار والرقي للشعوب ولا يحتاج بأي حال من الأحوال الى استخدام وسائل العنف والقتل لترويض الناس .. كلمة أخيرة في نهاية هذه الأسطر نقول وكما ذكرنا في العديد من المقالات بأن الصراع في هذا العالم هو صراع فكري بين فكر معرفي يخدم البشرية وآخر ظلامي ينتج الحروب والدمار للبشرية 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…