أنطولوجيا شعرية لا بدّ من أن تملك منطقها الخاص. في «البهجة السرّية: أنطولوجيا الشعر الكردي في غرب كردستان» للقمان
محمود (دار سردم للطباعة والنشر) نقع على العديد من الفضاءات المختلفة التي تُشكل
منطق الكتاب، إذا جاز التعبير، أو لنقل أكثر من «منطق» واحد يشكل عماد الكتاب.
كلّ مختارات (أدبية)، هي في الأساس، محاولة لتعريف قارئ
بعيد عن أدب بلد ما أو مكان أو بقعة جغرافية. من هذه الزاوية، تأتي هذه المختارات
التي تضم نصوصا لأكثر من مئة شاعر وشاعرة من غرب كردستان (سوريا) لتتيح لنا إطلالة
على أدب غني بالأسماء وبالمناخات المتعددة، وحتى بالأساليب الشعرية،
وما
ذاك التنوع، إلا تنوع الأدب في العمق، إذ من البديهي أن لا يكون أدب بلد ما
متشابها وواحدا. بيد أن المحزن هنا، أننا نكتشف شعرا يقع على تماس معنا، حتى
بالمعنى الجغرافي، لكن لا نعرف الكثير من أسمائه، ولأسباب عدة، قد تكون السياسة من
أبرز هذه الأسباب التي جعلتنا على مسافة منه. ناهيك عن اللغة. ربما عرفنا عديدين
كتبوا بالعربية، لكن من لا يعرف اللغة الكردية لا بدّ من أن يكتشف الكثير من
الأسماء التي نقلها لقمان محمود إلى العربية.
إذن في هذا الانتقال بين اللغتين (أي بين من كتب رأسا
بالعربية وبين من كتب بالكردية) نجد أن المروحة تتسع أكثر لتأتي المختارات وتغطي
مساحة أوسع، لا بدّ من أن تثير قارئ الشعر، لأنه يجد فيها شمولا وأصواتا تعطيه
أكثر من فكرة عن «الشعر الكردي في غرب كردستان”.
بدأت فكرة هذه المختارات، وفق ما يقول الكاتب، خلال عمله
كمحرر لمجلة «سردم العربي» التي تُعنى بالتواصل الكردي – العربي، كان ينشر بين حين
وآخر نصوصا كردية مترجمة إلى العربية. وقد لاقت تلك النصوص ترحيبا لافتا من
الأدباء والكتّاب العرب… «باعتبارها كشفا جديدا لأدب جديد… كما أن الشاعر
الكردي الراحل شيركو بيكس (المدير المسؤول عن المجلة) وجد في النصوص المترجمة
والأسماء الجديدة فرحا كبيرا»… ويضيف محمود: «هذا الشاعر العظيم هو من شجعني على
تقديم كتاب يضم الشعر الكردي في سوريا… فقمت بترجمة النصوص مع نبذة أو سيرة
أدبية مضغوطة لكل شاعر وشاعرة”.»
بيد أن السؤال الأساسي الذي لا بدّ من أن يطرح، ما
الرابط الأساس في هذا الكتاب، بالنسبة إلى المؤلف هو «بناء جسر بين الشعرية
الكردية في غرب كردستان وبين الشعرية العربية من جهة وبين الشعرية الكردية في
العراق من جهة أخرى”.
في اختياره النصوص احتكم لقمان محمود بالدرجة الأولى إلى
فنية النص… «فبعض النصوص المبدعة كما يقول «فرضت عليّ طغيانها»… بمعنى إذا كان
لشاعر مُشارك «أكثر من نص وآخر نص واحد (مارست عليه الاختزال والرقيب الفني) يعود
السبب في ذلك إلى النص وحده». ويرى أنه ترك الشاعر جانبا في اختياره للقصائد…
«ربما لهذا السبب يوجد للبعض، في الكتاب أكثر من نص طويل… وللبعض الآخر نص غير
كامل”.
أكثر من مئة شاعر وشاعرة يطلون علينا من كلماتهم
الشاهقة، لكن هل ثمة أسماء غائبة؟ يرى الكاتب أن هذه الانطولوجيا قدمت لمحة شبه
كاملة عن الشعر في غرب كردستان، «لكنها لم تقدم جميع الشعراء… لأن الذين أرسلوا
نصوصهم للمشاركة كانوا أكثر من ثلاثمئة شاعر… أي أن الشروط الفنية قد أخذت بعين
الاعتبار في الاختيار والترجمة”.
كتاب نقرأه بأكثر من «بهجة سرّية»، هو بالتأكيد فرح
الشعر الذي يأخذنا إلى فضاءاته المتعددة.
إسكندر حبشجريدة
السفير اللبنانية