حسين عيسو.. لا تتأخر أكثر

عمر كوجري

لا يستدعي الأمر من الوجهة الاجتماعية أن تعاشر شخصاً لأيام طوال حتى تتأقلم مع طباعه، أو تقرر مصادقته ومزاملته أو عكس ذلك، فالحياة حبلى بصداقات عميقة رغم عدم التخالط اليومي مع القرين أو الصد فيق.

ما ذكرته ينطبق على صديقي الرائع، الكاتب اللامع والسياسي المتفقه حسين عيسو، الذي لم أره مطلقاً في الواقع، لكني أحببته من خلال مواقفه الصائبة، ومقالاته المعمقة،  والذي تمرّ اليوم الذكرى الثانية لبقائه خارج حرية الحياة، طيلة هذه الأربعة والعشرين شهراً، دون أن يكون قد ارتكب ذنباً أو جناية مخالفة المجتمع والقانون سوى انحيازه – مثله مثل كل الأحرار في بلادي الجريحة- لآلام الشعب السوري، ورفضه للظلم والقتل الرهيب الذي مورس بحقه طيلة سنتين ونيّف.
كلّ ما حمله العزيز حسين عيسو الغائب في سجون النظام الآن، والحاضر بألق روحه بيننا أنه آمن بقضية الإنسان السوري، ورآها قضية عادلة، وككل الأحرار، ككل الكتّاب المنافحين عن كرامة الإنسان استل حسين قلمه، وبدأ يكتب المقالات القيمة، وفي اللقاءات الخاصة والعامة لا يوفر جهداً وهو يدافع عن قضية السوريين كل السوريين، وبجميع مكوّناتهم  وإثنياتهم دون تفضيل هذا على ذاك.
من هذا المنطلق الإنساني نجح حسين في أن يكون قريباً من جميع السوريين،  وكلنا يعلم أن جميع المكونات السورية تزيّن اللوحة الفسيفسائية البديعة في الجزيرة..
كان قريباً من الجميع وعلى مسافة واحدة، لهذا كل من عرف هذا الكاتب الشجاع والمبدئي في قولة الحق دونما خوف، كل من عرفه، حزن على اعتقاله، وتغييبه القسري عن الحرية في غياهب مظلمة وقاسية.
لم التق بـ  حسين عيسو مرة بحياتي، بسبب تباعد الجغرافيا الحياتية بيننا، كنت أتابع نشاطه الكتابي، وشجاعته في عرض أفكاره وآرائه، وتسميته للأمور بمسمياتها دون مواربة، كان يتحدث عن النظام والاستبداد، وحقوق الناس الغلابة، والظلم الذي يلحق بالسوريين، وعدم شرعية وصلاحية ومنطقية الرد العنيف والشرس للنظام مقابل خروج السوريين في تظاهرات سلمية، وخاصة في العام الأول لبدء الثورة.
مرة واحدة تلفن لي، وتهاتفنا لأكثر من نصف ساعة، على أمل زيارته في منزله بالحسكة، تبادلنا الإعجاب والتثمين لكتابات وأفكار بعضنا، ولم تتم الزيارة للأسف.
كان حسين واثقاً من أن الشعوب لا بد فائزة بشمسها المشرقة رغم تلبّد الغيوم، كانت ثقته مطلقة بأن يوماً ما ستكون الغلبة للشعب، طالما أنه قرر أن ينفض عن كاهله غبار المذلة والمهانة.
صديقنا حسين:
 في ذكرى أربعة وعشرين شهراً وأنت بعيد عن أهلك وأولادك وكل محبيك، نتمنى أن نراك قريباً جداً بيننا، نحتفل معاً بحريتك وحرية الكثيرين.

نرجو ألا تتأخر أكثر صديقي، عد، عد، فالنوم ودّع عيون محبوبتك وعشيقتك الشمس….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…

في زمنٍ تتكسر فيه الأصوات على صخور الغياب، وتضيع فيه الكلمات بين ضجيج المدن وأنين الأرواح، يطل علينا صوتٌ شعريّ استثنائي، كنسمةٍ تهبط من علياء الروح لتفتح لنا أبواب السماء. إنه ديوان “أَنْثَى عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ” للشاعرة أفين بوزان، حيث تتجلى الأنوثة ككائنٍ أسطوري يطير فوق جغرافيا الألم والحنين، حاملاً رسائل الضوء، ونافخاً في رماد…

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…