mbadili3@hotmail.com
المراهقة هي بداية انتقال الطفل – فتى أو فتاة – من الطفولة إلى الشباب، إلى ( الرجولة أو الأنوثة )، وهي بالضبط انتقال جسدي وعاطفي وعقلي واجتماعي. ومن هنا تأتي أهمية فهم المُربي (أباً أو أُمّاً أو معلماً) لفترة المراهقة وخصائصها وخطورتها. لتكون عوناً له على مساعدة الفتى أو الفتاة في اجتياز هذه المرحلة بأمن أكبر وسلام أضمن.
إذاً فالمراهقة هي من المراحل العمرية الهامة في حياة الإنسان، تلي مرحلة الطفولة المتأخرة ما بين سن 12 – 22 سنة، أي الفترة الواقعة ما بين مرحلة الطفولة والشباب حسب ما هو متفق عليه من قبل غالبية الباحثين في مجال العلوم النفسية والاجتماعية، لكنها قد تتقدم أو تتأخر تحت تأثير المناخ والعوامل الطبيعية والجغرافية، أو حسب نمو الفرد من الناحية الصحية .
1 ـ التغيرات الجسمية: المراهق (الشاب والفتاة)، يتلمس بعينه التغيرات التي تعصف بجسمه يوما بعد يوم، وأنها تفلت من سيطرته، كالطول والعرض ونمو الشعر وكبر حجم الأنف وخشونة الصوت وحب الشباب … الخ.
ويعد البلوغ من أخطر معالم التغير الجسمي، أو الحدث الجنسي البارز، وهنا يحس المراهق ولأول مرة بقوة جنسية فائقة يشعر من خلالها بقدرته على التناسل، ثم تدفعه نحو الاهتمام بالجنس الآخر، حيث يحدث تغيرات فيزيولوجية فيما يتعلق بالغدد الجنسية وإفرازها لمادة سائلة يبدأ بالاحتلام وممارسة العادة السرية عند الشاب، وبدء الدورة الشهرية وعادة الاستمناء وبروز الصدر وزيادة حجم الورك عند الفتاة، كل هذه التغيرات والتبدلات تظهر بشكل قسري دون إرادة المراهق، مما يسبب في خلق نوع من عدم التوازن في شخصيته، والمطلوب منه أن يتكيف معها بشكل مناسب حتى يتجاوز هذه المرحلة بسلام واطمئنان، وإزاء كل هذه التغيرات- ومن أجل استيعابها والتكيف معها- يحتاج المراهق إلى توعية ما يحدث معه إلى تفسيرات وشروح والإجابة على الأسئلة التي ترهق تفكيره في الكثير من الأحيان، حيث يجب أن يتم ذلك من قبل الأهل وبشكل خاص الوالدين ووعيهما في التعامل السليم مع هذه التغيرات.
2 ـ التغيرات الاجتماعية : يشعر المراهق بأنه في حاجة ملحة لتحقيق مكانته الاجتماعية، لكي يرى فيها ذاته، ولكي تسمح له بالتعبير عن أحلامه وهواجسه وآماله ، مقابل ذلك، يمكن أن لا يلقى الاهتمام والرعاية من أسرته، فكافة الاحتمالات مفتوحة هنا ، حيث يمكن للمراهق أن ينضم إلى ( شلة ) معينة، ويجدها فيما بعد ملاذاً آمناً، يربط مصيره بها، ثم يصبح هذا المكان مجالاً حيوياً لممارسة رغباته، وما يسعى إليه من تحقيق استقلاليته والتعبير عن ذاته واهتماماته وميوله واتجاهاته، وهذه ( الشلة ) يمكن أن تكون عبارة عن مجموعة من الأشخاص لهم اتجاهات متقاربة سوية أو غير سوية، كالانضمام إلى عصابة أو مجموعة رفاق سوء ينزلق فيها المراهق ثم ينحرف نحو الملذات الشاذة، أو الانضمام إلى جماعات سوية من خلال التنظيمات السياسية أو الثقافية والاجتماعية والأندية الرياضية، وبالتالي يسهم بشكل إيجابي في تكوين شخصيته بعيداً عن الانحراف والسلوكيات الشاذة.
وهنا يجب على الأسرة أن تلعب دوراً إيجابياً من حيث الاهتمام والرعاية والمرونة في التعامل بتقديم النصح والإرشاد السليم في وقتها المناسب بعيداً عن روح التسلط والضغط والإكراه.
3 ـ التغيرات النفسية :
إزاء هذه التغيرات تصبح ذات المراهق مضطربة وقلقة، لأنها تريد التعبير عن كيانها، ووجودها بشكل مستقل ، إضافة إلى ذلك فأن هناك مبالغة فيما ينشده المراهق، وتزداد طلباته، خاصة عندما يريد شيئاً ما، أو يسعى في سبيل شيء ما، نراه يركض مسرعاً من أجل تحقيقه، وكل هذه المحاولات من قبل الأنا، يعود في أسبابه إلى تضخم الأنا لدى المراهق ، فهو يريد أن يؤكد ذاته، ويبرز وجوده، ومكانته بين الآخرين، فهو يعتقد بأنه قادر على تحقيق كل الأمور التي يبغيها، فلديه خيال خصب وتفكير واسع، وأكثر الأحيان يفوق ذلك الخيال قدراته وإمكاناته. مثلاً نراه يفكر أحياناً بتحرير العالم من المشاكل والأمراض، وتحقيق العدالة والخلاص للشعوب، تعبيراً عن العواطف الإنسانية التي يملكها، أو التفكير في أن يستقل عن أسرته، ويفتح له بيتا،ً ثم يشكل أسرته الخاصة به تعبيراً عن رفضه للقيود والضوابط الأسرية وتعبيراً عن نزعته القوية نحو الاستقلالية.
إن هذه الأنا جديدة عليه، ومضخمة لديه، لأنه في الحقيقة لا يشعر بتمايزه عن الآخرين، أنه يرى نفسه كالبقية، ويعتقد في نفس الوقت بأن الجميع من حوله يقاومونه ويمكن أن ينزعج لأتفه الأسباب فهو شديد الحساسية إزاء توجيه الانتقادات إليه، ومن جهة أخرى يتخيل أو أنه هكذا يحلم بأن تكرار كلمة الأنا سوف يدعم مكانته ويحقق له استقلاليته كشخصية مستقلة ومميزة.
4 ـ التغيرات الانفعالية :
كما أوضحنا مسبقاً أثناء التحدث عن التغيرات الجسمية، كيف أن الحالة الجنسية، تبرز بقوة، لذلك فأن هذه القوة الجنسية، تدفع المراهق ذو الشعور الرقيق نحو الجنس الآخر، والإحساس بحاجة ملحة إلى الجنس الآخر، وأن عليه الاستجابة لها .
بلا شك أن هذه الطاقة، تلعب دوراً كبيراً في حياة المراهق، لدرجة أنه بأفكاره وهواجسه وخيالاته، يقع تحت تأثيرها( الطاقة )، فنراه في كثير من الأحيان، يعيش الألم والعذاب والحزن، وأحيانا أخرى، يعيش السعادة والفرح ويرى راحته فيها.
ثم تظهر هنا عاطفة الحب، لتدفع المراهق نحو الانجذاب الانفعالي للجنس الآخر، ورغبته نحو تواجد الآخر إلى جانبه بشكل دائم، والتحدث والاستماع إلى بعضهم البعض ،والانصهار في وحدة عاطفية.
بشكل عام هذه هي التغيرات التي تطرأ على حياة الطفل المراهق، وهو يودع أواخر مرحلته الهادئة، ليدخل مرحلة الشباب، والمطلوب من المراهق هنا أن يكون قادراً على الانسجام مع هذه التغيرات الجسمية والاجتماعية والنفسية والانفعالية، بشكل هادئ، حتى يتمكن من خلق أجواء مستقرة ومناسبة، يحقق فيها ذاته على المدى المنظور . والفترة الأخيرة للمراهقة، والتي تقع ما بين ( 18 ـ 22 ) السنوات الأخيرة للمرحلة ، وهي الزمن الجاد الذي تبدأ فيها أفكار المراهق وعلاقاته وقيمه ومبادئه شيئاً فشيئاً، وبشكل معقول بالمضي نحو الاستقرار، بمعنى أن المراهق يبحث عن ذاته الحقيقية، ذلك بعد أن هدأت تلك التغيرات .
0المحادثات والمناقشات حول المسائل الجنسية مع المراهقين:
بالرغم من التطور والتقدم والانفتاح الذي حصل وما زال مستمراً في العالم نتيجة الثورة التكنولوجية والمعرفية والاتصالاتية وتأثيرها بشكل مباشر أو غير مباشر في تغيير الكثير من المفاهيم والاتجاهات الفكرية والسلوكية وعلى كافة الصعد التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية..الخ، إلا أن مسألة التربية الجنسية تعتبر في واقعنا مسألة حساسة وشائكة والحوار في هذا الموضوع مع الأطفال والمراهقين يعتبر من المحرمات سواءً أكان على مستوى الفرد أو الأسرة أو المدرسة أو المجتمع ككل، مع العلم أننا صرنا نلاحظ أنه يتم طرح مثل هذه المواضيع عبر شاشات التلفزة وعلى الانترنت، لكن الانفتاح عليه من قبل المجتمع وتداوله فيما بينهم كجزء من الثقافة المجتمعية أصلاً، والتعامل معه كجزء من حياتنا الاجتماعية اليومية، بقي محرماً وإذا وجد بين بعض الفئات الاجتماعية مثل هذا النوع من النقاش والحوار إلا أنه في مستوى ضيق وضئيل جداً، وهذا يعود إلى اعتبارات عديدة منها:
1- الاعتقاد السائد لدى الآباء والمربين بأنه لا يجوز المساس ببراءة الطفل والتحدث أمامه في المسائل الجنسية باعتبار أن الطفل كائن بسيط غير قادر على فهم هذه المسائل وأنه سلوك مخالف للقيم والعادات الاجتماعية، لذا فأي نقاش في هذا الموضوع يعتبر من المحرمات .
2- غياب الوعي لدى غالبية الآباء والمربين وخاصة في المجتمعات المتخلفة والمتدينة ( المحافظة ) لأهمية التربية الجنسية في حياة الطفل ومنذ السنوات الأولى من تكوينه، وعدم إدراكهم بأن الحاجة الجنسية ككل الحاجات الأخرى في حياة الطفل كالماء والطعام واللعب..الخ، علماً أن تعاليم الدين في جوهرها لا تتعارض مع التربية الجنسية فهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تتناول هذه المسائل بشكل واضح وتدعو للبحث فيها دون التذرع بالعيب والحياء .
كما كان هناك اعتقاد سائد وما زال هذا الاعتقاد موجوداً بأن الحاجة الجنسية تظهر فقط في مرحلة المراهقة، أو الربط بين الجنس والمراهقة، لذلك كانوا يعتقدون أن الزواج في هذه المرحلة أفضل حل لمشاكلهم، في حين أن الكثير من حالات الزواج المبكر هذه شكلت فيما بعد مشكلات إنسانية واجتماعية معقدة؛ والمشكلة أنه حتى في مرحلة المراهقة بالذات لا يتم الاهتمام بموضوع التربية الجنسية بالشكل المناسب، بل يفرض على المراهق والمراهِقة على حد سواء القيود والضوابط الاجتماعية القاسية دون أي اهتمام بالتغيرات البيولوجية والنفسية لهذه المرحلة ومراعاتها عن طريق التوجيه والإرشاد المناسب.
3- الاعتقاد السائد لدى المربين والآباء بأن الحديث في هذا المجال سوف يسيء إلى أخلاق وتربية الطفل والمراهق، ويعتبرون أن أي خطاب من هذا الجانب من المحرمات، وذلك ينسحب تحت تأثير الدين وأخلاقياته.
فهناك الكثير من الأسئلة في هذا المجال تبقى غامضة ومحيرة بالنسبة للطفل والمراهق، بل يمكن أن يعاقب عليه من قبل الآباء والمعلمين.
كل هذه الاعتبارات وغيرها الكثير، تقف حاجزاً وسداً منيعاً أمام الاهتمام بالتربية الجنسية في حياة الطفل والمراهق،واعتقد أنه حتى يتم الاهتمام بهذا الناحية انطلاقاً من ضرورة نشر الثقافة الجنسية في المجتمع لا بد من إتباع الخطوات التالية:
1- إدخال التربية الجنسية كمادة أساسية في المناهج المدرسية،وفي كافة المراحل التعليمية وتدريسها إلى جانب المواد الأخرى، ويمكن أن يكلف بتدريس هذه المادة المرشدين النفسيين والاجتماعيين باعتبارهم أكثر الناس وعياً في التعامل مع هذا الموضوع ولديهم خبرة ومعرفة مناسبة حول حياة الطفل والمراهق والمراحل التي يمرون بها وخصائص النمو لديهم، أو أن يتم تأهيل كوادر من المدرسين المختصين في مادة علم الأحياء للقيام بتدريس مادة التربية الجنسية إلى جانب دور المرشدين النفسيين والاجتماعيين في المدارس.
2- اهتمام وسائل الإعلام بموضوع التربية الجنسية وطرحها عبر الصحافة وشاشات التلفزيون والانترنت.
3- اهتمام المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية بموضوع التربية الجنسية من خلال عقد ندوات تثقيفية بين المواطنين ( مراكز ثقافية، اتحادات العمال والفلاحين والنساء، نقابات ومنظمات شعبية…الخ).
4- مسألة الاختلاط بين الجنسين في المدارس وفي كافة المراحل التعليمية، أمر ضروري وهام يجب أن يأخذ بعين الاعتبار، وتطبيقه على أرض الواقع سيحدث تغييراً في كثير من الاتجاهات الخاطئة، وحلاً مناسباً للكثير من المشاكل.
كل هذه الخطوات سوف تساهم بشكل أو بآخر في بلورة الوعي الثقافي الجنسي وإلى خلق التوافق السليم بين التربية الأسرية والتربية المدرسية في المجتمع.
0 فهم أسلوب المراهقين:
المراهقون بشكل عام وفي كافة المجتمعات لديهم نزعة قوية نحو الاستقلالية والاعتماد على النفس، وهذا ما نلاحظه بشكل واضح في طريقة تفكيرهم وسلوكياتهم وميولهم واهتماماتهم واتجاهاتهم في التعامل مع الأمور والواقع من حولهم، وهذا يعود في أحد أسبابه إلى تأكيد ذواتهم داخل مجتمع الكبار، والميل باتجاه قراءة الجرائد والمجلات المصورة والتي تتطرق لمواضيع الجنس غالباً تعكس إشباع حاجتهم الجنسية بالدرجة الأولى، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن المراهقون عموماً وخاصة في السنوات الأولى والمتوسطة من المرحلة يعانون نوعاً من الكسل والخمول نتيجة التغيرات الفزيولوجية والنفسية لذلك نلاحظ أن اهتمامهم ضعيف بالمواضيع الأدبية والعلمية والتي تتطلب طاقة وجهد فكري في فهمها واستيعابها والتي في اعتقادهم أنها لا تبعث اللذة في نفوسهم، لذلك نلاحظ انهم يميلون إلى الأمور التي تشبع حاجتهم وتبعث فيهم اللذة دون أن يبذلوا جهداً فكرياً، وهذا ما نلاحظه في مجتمعاتنا أيضاً كجمع صور الممثلين والممثلات والفنانين والفنانات وكذلك قراءة الجرائد والمجلات التي تحوي الصور والأفلام الجنسية المثيرة التي تعرض حالياً على شاشات التلفاز أو أشرطة الفيديو، وكذلك إذا أردنا أن نلقي نظرة على أجهزة الموبايل الموجودة لدى المراهقين والمراهقات سوف نلاحظ الكثير من هذه الصور والرسائل الجنسية في داخلها.
واعتقد أن هذا الاهتمام والميل وخاصة في السنوات المتوسطة من المرحلة أمر طبيعي باعتبار أنها مبعثاً للذة وإشباع للحاجة الجنسية، وغير طبيعي إذا تم الحصول عليها بطرق غير شرعية وبعيدة عن أعين الأهل أو من مصادر مشبوهة ومروجة لمثل هذه المجلات والأفلام غايتها إثارة اللذة الجنسية وليست تهذيبها وإشباعها بغرض التعليم والممارسة الواعية. ومع ذلك كله يجب أن يكون هناك إرشاد وتوجيه دائم من أجل التعامل السليم مع هذه الأمور، ويمكن توجيه المراهقين نحو التسامي بها عن طريق الأنشطة الثقافية والأندية الرياضية والألعاب، وكذلك مناقشة قضايا الجنس معهم دون خوف أو خجل أو تردد، والتي من شأنها أن تخفف من حدة الغريزة الجنسية لديهم حتى يتجاوزوا هذه المرحلة بأمان، ذلك أن المراهق وفي السنوات الأخيرة من مراهقته ما بين 18 – 22 سنة، يلتفت بشكل جدي إلى ذاته وتبدأ أفكاره وعلاقاته وميوله واهتماماته واتجاهاته وقيمه تمضي شيئاً فشيئاً نحو الاستقرار النسبي، ويصبح يفكر بالمستقبل بنظرة واقعية وموضوعية نوعاً ما، ذلك لأن التغيرات النفسية والعضوية تتجه نحو الهدوء والاستقرار في نهاية المرحلة كما ذكرنا آنفاً.
0 آليات التعبير عن العاطفة:
في البداية يجب أن نؤكد بان عاطفة الحب حاجة طبيعية، حيث أن انجذاب المراهق نحو الجنس الآخر أمر طبيعي ناتج عن الحاجة البيولوجية ببروز الحدث الجنسي أي البلوغ في المرحلة الأولى من المراهقة، ثم تتطور هذه الحالة باتجاه التغيير الانفعالي لتظهر عاطفة الحب حيث يتجه رغبة المراهق ومحبته نحو الجنس الآخر ومصاحبته وان يكون بجانبه دائماً إلى درجة الانصهار معها في وحدة عاطفية ويسمى هذا النوع من الحب بالحب السماوي أو المثالي وهو الحب الطاهر، وفي المراحل الأخيرة من المراهقة وبعد أن تهدأ التغيرات تتجه عاطفة الحب لدى المراهق نحو شخص واحد بينما كانت في المراحل السابقة غير مستقرة وموجه نحو عدة أشخاص، والرغبة هنا تتركز حول الملذات ويصبح المراهق يفكر بالزواج حيث تسمى العاطفة هنا بالحب الشهواني، لذلك ننظر إلى الحب على انه حاجة أو نشاط نفسي واجتماعي في آن واحد منذ الطفولة إلى الشباب وفي كافة المراحل العمرية.
وهذه الحاجة النفسية والاجتماعية ( ممارسة عاطفة الحب) أيضاً تصطدم بالعادات والتقاليد والقيم والمبادئ الاجتماعية والأخلاقيات الدينية في المجتمعات المحافظة، لذلك نرى المراهقين يتمردون على هذا الوضع في سبيل ممارسة عاطفة الحب لديهم، وهناك عدة أشكال لهذه الممارسة:
1- اللقاءات السرية بين المراهقين في أماكن مظلمة وبعيدة عن عيون الأهالي، وأحياناً تحدث مشاكل وخيمة نتيجة هذه اللقاءات لممارسة العاطفة.
2- الوقوف من قبل المراهقين الذكور أمام أبواب مدارس البنات في الصباح وأثناء الانصراف مما يؤثر على سير دراستهم وإهمالها والتأخر عن الدوام أو الهروب في الحصص الأخيرة، كل ذلك من أجل ممارسة العاطفة.
3- الميل الشديد نحو قراءة الجرائد والمجلات المصورة التي تحوي على صور ومواضيع الجنس، بالإضافة إلى مشاهدة الأفلام الجنسية المثيرة عبر شاشة التلفاز وأشرطة الفيديو وكاسيتات السي دي (CD)، والإكثار من هذه المشاهدات والقراءات دون وعي وتوجيه مسبق سيكون لها أضرار سلوكية ونفسية وأخلاقية كبيرة على ذات المراهق ومستوى دراسته خاصة إذا كان الهدف منها تحقيق اللذة فقط ، وليس التوعية والإطلاع على كيفية الممارسة العاطفية.
4- التفكير في الجنس الآخر طويلاً، وسيطرة ذلك عليه في أحلام النوم وأحلام اليقظة اليومية، ونتيجة ذلك يمكن أن يتكرر لديه ظاهرة الاحتلام في الأسبوع لعدة مرات متتالية، وأحياناً يعاني بعض المراهقين من آلام خاصة أثناء عملية القذف، أو قد يصاحب عملية الاحتلام نزول نقاط من الدم، وعندئذ يجب على المراهق في هذه الحالات مراجعة الطبيب واستشارته.
5- إقامة علاقة عاطفية مع أول شاب أو أول فتاة يتم التعرف عليها، والاندفاع الجامح لطلب الزواج منها، حيث يعتقد بان سعادته ومستقبله وحياته يتوقف عليها، مع العلم يمكن أنه لا يعرف عنها شيئاً بل لمجرد لمس العطف منها بابتسامة أو كلام طيب وجميل، وعندما يصطدم حلم الشاب أو الشابة برفض الأهل، كثيراً ما يؤدي ذلك إلى مشاكل سلوكية ونفسية واجتماعية.
ولا بد من القول أن كل هذه الأشكال التي ذكرناها من الممارسات العاطفية يعود في أصلها إلى الحرمان والجوع العاطفي ومنبعه الرئيسي التربية الأسرية والوالدين وأساليب تعاملهم مع الأبناء على وجه الخصوص.
ولكن إلى جانب ذلك هناك أشكال أخرى من الممارسات العاطفية الناتجة عن الإشباع العاطفي والنفسي والأخلاقي والاجتماعي والممارسة الواعية للعاطفة والتي تقوم على أسس تربوية سليمة يكتنفها الصراحة والصدق والحب والمحبة والحنان والتسامح والإخلاص والوفاء والمسؤولية.
وهناك بعض الأشكال من الممارسات العاطفية تبعث على التشاؤم والاشمئزاز نتيجة الجشع والخبث العاطفي، حيث يتم استغلال عاطفة الحب لتحقيق مآرب مادية جشعة عن طريق الكذب والخداع والنفاق ، وهنا يمكن أن يكون الغاية وراء الوقوع بالضحية – من الجنسين – اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو نفسية، ويعتبر هذا النوع من الممارسة الخبيثة للحب من أبشع الأشكال التي يتم ممارستها سواء أكان من قبل الشاب أو الشابة، ولا شك أن نتائجها كارثية على المجتمع ككل.
0 أسباب الانحراف لدى المراهق :
هناك جملة من العوامل والأسباب ، يمكن لها أن تخلق أزمات حادة في حياة المراهق والمراهِقة على حد سواء، حيث تتطور هذه الأزمات لتظهر على شكل انحرافات ومثال ذلك حالات الإحباط التي تصيب المراهقين وتكرارها لتصل في النتيجة إلى حالة الاكتئاب أو مشاكل نفسية أخرى كفقدان الثقة بالنفس أو القلق الشديد..الخ، وحالات أخرى كالشذوذ الجنسي والسرقة والجرائم والإدمان على المخدرات والتشرد…الخ.
ومن جملة هذه العوامل:
1- التربية الأسرية: الأسرة لها الدور الرئيس في تكوين شخصية الطفل من كافة النواحي النفسية والعقلية والسلوكية والأخلاقية والاجتماعية..الخ، والمسؤولية الكبيرة في هذا المجال تقع على عاتق الوالدين بالدرجة الأولى ، حيث أن أهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الانحراف في هذا النطاق يمكن أن نحصرها في النقاط التالية:
أ – تسلط الوالدين أو أحدهما، والتعامل مع الأطفال في جو يتسم بالقسوة والعنف والديكتاتورية، وفي جو يفتقر إلى العلاقات الديمقراطية، ويفتقر إلى الحب العاطفي.
ب – المشاحنات والخلافات الأسرية وبشكل خاص بين الزوجين وتأثير ذلك على سلوكيات الأطفال.
ج – غياب الأب الطويل عن البيت بسبب العمل أو بسبب الوفاة أو وجوده غير الفاعل أو غياب الأم كما في حالة الأب أو بسبب الطلاق.
والوجود الطبيعي والفاعل للآباء تكمن في منح الأطفال الحب والعطف والحنان المعقول وتفهم احتياجاتهم واهتماماتهم، بمعنى أن يكون وجودهما نفسياً واجتماعياً في آن واحد وليس فقط وجوداً جسمانياً.
د – الدلال والعطف والحنان الزائد عن حده الطبيعي كما في الحرمان العاطفي الزائد، وإغراق الطفل في الماديات دون تفهم لاحتياجاتهم الحقيقية والاعتراف بكيانهم الشخصي الإنساني ورعايته.
هـ – القدوات السيئة: والقدوة هنا يمكن أن يكون أباً أو أماً، كالأب الذي يسرق أو الأب المجرم، أو الأم التي تمارس علاقات جنس غير شرعية…الخ، وكذلك رفاق السوء، المربين السيئين، الإعلام السيء. مثلاً الأطفال كثيراً ما يتأثرون بالعنف التي تظهر عبر شاشات التلفزة أو الأفلام الجنسية…الخ.
و – تعدد الزوجات وكثرة عدد الأطفال في العائلة الواحدة: من المستحيل أن يعدل الزوج بين زوجاته وكذلك بين أطفاله من الزوجات المتعددة، وحتى إذا عدل من ناحية، فلا شك بأنه سوف يخالف في ناحية أخرى، والعدل العاطفي مثال بسيط على ذلك، أي أنه لا يمكن له أن يوزع عاطفته بالتساوي على زوجاته وأطفاله، لذلك فالحرمان العاطفي والتمييز وارد جداً في مثال تعدد الزوجات وكذلك في كثرة إنجاب الأطفال.
2 – الواقع الثقافي – الاجتماعي المتخلف للمجتمع يساهم في الانحراف بشكل أو بآخر: جهل الآباء بالأساليب التربوية السليمة في التعامل مع الأطفال والمراهقين، تدني مستوى القيم والمبادئ العليا الأخلاقية والاجتماعية، ضعف أو غياب دور الأندية الثقافية والاجتماعية في الاهتمام باحتياجات المراهقين… الخ.
3- المدرسة: يمكن للمدرسة من خلال النظام القاسي في التعامل مع المراهقين وأساليب وطرق التعامل التسلطي وفرض العقوبات الجسدية في أكثر الأحيان من قبل الجهازين الإداري والتدريسي، أن تلعب دوراً سلبياً في هذا الاتجاه، حيث أن المراهق ينظر إلى هذا النوع من التعامل وكأنها إهانة لكرامته وتهديداً لوجوده وكيانه الشخصي، وكل ذلك يمكن أن يؤدي إلى نفوره من المدرسة والدراسة والتمرد عليها وعلى نظامها ثم يؤدي ذلك إلى انحرافه مستقبلاً.
4 – الأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة يمكن أن تسهم في انحراف المراهقين، مثلاً الظروف المعيشية السيئة ( الفقر والحاجة)، الاضطهاد والظلم بكافة أشكاله القومي والاجتماعي، التمييز، العنصرية، الاستبداد والإرهاب…الخ.
0 التعامل مع المراهق داخل الأسرة :
أعتقد أن ما يمكن أن نورده في هذا المجال، قد تم تناوله بشكل أو بآخر في نقاط آنفة تم التطرق إليها، بدءاً من كيفية التعامل مع موضوع التربية الجنسية ومع التغيرات التي تطرأ على حياة المراهق والمظاهر العاطفية التي يعبرون من خلالها عن ذواتهم واحتياجاتهم وانتهاءً بأهم الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف.
وباختصار يمكن أن ننبه إلى دور الوالدين وأساليب تعاملهم مع أطفالهم، من خلال السماع إليهم ولآرائهم ومصارحتهم في الكشف عن الكثير من الأمور التي تشغل عقولهم وبشكل خاص الأمور الجنسية دون فرض القيود وتحريم النقاش في هذا الموضوع أو اعتباره من المحرمات التي لا يمكن الاقتراب منها ، بل يجب توعيتهم وتقديم النصح إليهم بغرض تثقيفهم وتهذيب هذه الحاجة الضرورية لديهم.
وكذلك يمكن أن ننبه إلى دورهم في خلق جو أسري مناسب يملؤه الحب والعطف والحنان والعلاقة الديمقراطية في التعامل بشكل عقلاني وموضوعي بعيداً عن التسلط وفرض السيطرة والهيمنة القسرية، حتى يشعر المراهق بوجوده وكيانه وانتمائه الحقيقي إلى هذه الأسرة.
فيجب ألا يغيب عن بالنا بأن للمراهق شخصيته واهتماماته وحاجاته وأنه سوف يعبر عنها مهما كانت الظروف، وحتى يتم التعبير عنها بشكل صحيح وسليم يجب توفير الشروط والأجواء المناسبة.
وفي سبيل تخطي المراهق لهذه المرحلة إلى مرحلة الشباب بأمان واطمئنان، أكثر سلامة وتوافقاً، يجب أيضاً أن يتم تحقيق نوع من التكامل في تفاعل وتعاون كافة المؤسسات في المجتمع بدءاً من الأسرة إلى المدرسة إلى المؤسسات الثقافية والاجتماعية، كما أن للدولة دور ضروري وهام جداً في هذا المجال، انطلاقاً من تحسين الظروف المعيشية وتحسين البيئات المدرسية وتطوير المناهج وتفعيل دور المرشدين النفسيين والاجتماعيين بتوفير الخدمات الضرورية لعملهم وإزالة الصعوبات والمعوقات، وتوفير الحريات والأجواء الديمقراطية وتوفير فرص العمل وتفعيل دور المؤسسات الثقافية والأندية الرياضية والمسابح والسينما…الخ.
وأخيراً يمكن القول إن الإرشاد والتوجيه والإشراف من قبل الوالدين والمربين من الوسائل الهامة والناجعة في سبيل اجتياز المراهق مرحلة المراهقة إلى مرحلة الشباب، ويتم ذلك بالتربية السليمة عن طريق ممارسة الأساليب التربوية العلمية الحديثة والهادفة .
* ملاحظة : نشرت في مجلة ليلان – فكرية ثقافية تصدر في سوريا.