محاربة الناقد حالة غير صحية؛ ولكنها طبيعية الأستاذين محمود وأوسي نموذجا

عارف آشيتي

تعريف النقد الأدبي: هو فن تفسير الإعمال الأدبية، وهو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكرة، للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الإعمال الأدبية. (1)

ظهر النقد الأدبي بعد ظهور الأدب، كان ولا يزال يلعب دور الضابط والمقوم للأدب. يبحث في طيات النتاج الأدبي عن مواطن القبح والجمال. عن طريقه يدرك الواحد منا تمايز نتاج أدبي بجانبيه السلبي والإيجابي عن غيره. هذه الوظيفة التي اختص بها النقد جعلنا ندرك الأدب العالي الجودة ونضعه في موضعه، وإلا لكنا فضلنا الكثير من الشعراء والأدباء على المشاهير أمثال أصحاب المعلقات في الشعر وابن العميد والمقفع والحريري في النثر.
فالناقد يحلل القطعة الشعرية أو النتاج النثري لنا مبينا ما بوسعنا إدراكه وما صعب علينا. بهذا يضعنا الناقد في صورة حسب ذوقه وخبرته في مجال الأدب. كما للأدب أصحابه العظام، فللنقد أيضا أصحابه الكبار. لا يتناول الناقد الكبير ما هب ودب من النتاج الأدبي. إذا تناول نتاجا ما يعني هذا أن هذا له قيمته الأدبية حتى حاز على صرف وقته فيه ليخرج لنا بنقده هذا.
فالأدب الكردي باللغة العربية في كردستان الغربية يكاد يكون في طوره الأول. لم يزد عدد الأدباء ذوي الأدب المتميز على ذلك الحجم الذي يؤهله إلى تجاوز المحيط الكردي إلى الفضاء العربي؛ حتى يتناوله النقاد العرب المشهود لهم في هذا المجال ليبعث في هذا الكردي صاحب هذا الأدب الفخر والاعتزاز بما أنتج.
فالأديب الكردي لعوامل شتى لديه انطباع خاص عن النقاد من بني جلدته، ويتبين من سيرته على مدة فترة لا بأس بها من ظهور نتاج هؤلاء الأدباء إلى حيز الوجود. هذا المنطق الراسخ لدى الأديب الكردي عن أشخاص بني جلدته ومحيطه نابع من عدة عوامل في مقدمتها نظرته الدونية لكل ما هو صادر من وسطه. ويأتي هذا بدوره من العقود الطويلة التي حرم الكردي فيها من نعمة التعلم، فسادت الأمية والبساطة على المجتمع الكردي ولم ينتج إلا البسطاء والأميين في معظم هذه المرحلة، وإذ به أي الكردي الأديب يجد نفسه الأول في مجتمعه يرقى إلى مجتمع الأدباء. وإن كان مستواه في هذا المجتمع أقل، إلا أنه لم يعد ذلك الكردي القروي والذي كانت جل حياته تدور حول محيط القرية أو العشيرة أو الأيام الغابرة من سيرة أجداده الكرد. كما نعلم جميعا أن الكتابة سابق النقد، فالكاتب، بطبيعة الحال، أقدم من الناقد. وحديث عهده في محيطه من حيث الأدب يصور له نفسه بأنه العظيم والبقية دون مستواه، فيرى في ناقده من الكرد دون المستوى، بل إنسانا لا يرقى إلى رؤية معايبه. فيأتي هجومه وابلا من النعوت والصفات والنابذ من الكلام دون مستند علمي، فيما هو محق أو غير محق. تدفعه ذهنيته البسيطة إلى هذا ويكون فيه انتحاره على مذبح المصداقية، يدمغ السذاجة والسطحية على نفسه إلى الأبد.
أود هنا إيراد نموذجين لما حصل مع الأدباء الكرد في كردستاننا الغربية وهي في طورها الأول ضمن هذا السياق. وأبتدئ بالأستاذ إبراهيم محمود الذي تعترف بمقدرته النقدية أصحاب هذه اللغة التي نكتب بها. وتقديرهم له لا يتوقف كونه ناقد من نقاد العربية فحسب، بل يعتبر من القلائل في العصر الحديث، هذا الكردي المتواضع، أقامت الدنيا ضده بعض كتاب الكرد منذ حقبة من الزمن في مهاجمته لنقده نتاجهم الأدبي، ولم يقعدوها، مثيرين ضجة لا أول لها ولا آخر في وقتها. بالرغم من هؤلاء وبغضهم له، ونظرتهم الدونية إليه، فهو كنز أشاد به من لا يتحمل حتى سماع كلمة الكرد من غلاة العرب، ومهاجمتهم إياه تبقى دليلا على ضعفهم ومحدودية رؤيتهم بمزايا هذا الفريد. فهو مصدر فخر واعتزاز للكرد كشعب وكأمة. فافتخارنا بابن العميد في زمانه وبابن خلكان كمؤرخ، وأبو مسلم الخرساني كقائد عسكري، والبرامكة وغيرهم كثيرون لا يقل عن الافتخار به بأي شكل من الأشكال. فهذا الرجل واحد من الكرد يعيد سيرة أجداده في مجال النقد ليصل بنا كشعب إلى المراتب العليا بين النقاد العرب، فهو لا يقل عن أحمد شوقي ولا عن الرصافي ولا عن الزهاوي ولا عن الزركلي ومحمد كرد علي، وعباس محمود العقاد وكذلك يوسف العظمة وغيرهم من هؤلاء الذين نمن بهم على العرب في العصر الحديث.
لا أظن لو أن أحد النقاد العرب الكبار تناول لأحد هؤلاء من أدبائنا الذين تناول الأستاذ محمود أدبهم وقدّم عليها نقده لحاربه هذا الأديب الكردي المنقود من قبله، بل لصم آذاننا فخرا واعتزازا لكون نتاجه الأدبي حاز اهتمام هذا الناقد العربي الكبير. ولا ألومه إذا افتخر بذلك، وإن كان جل نقد هذا الناقد المشهود له في الجانب السلبي. وهذا طبيعي؛ لأن نتاجه لو لم يكن مستحقا لما تناوله هذا الناقد العظيم. فأستاذ محمود كردي وإن كان عظيما لدى نقاد العرب سيثير حافظة الأديب الكردي. والمسألة بالنسبة لي طبيعية، كما ذكرت نظرته سابقا، فالدونية التي رسختها عقود التخلف والجهل فينا، قد تراكم في الأعماق، وصار عقله الباطن لا يصدق أن يكون كردي عصره عظيما، لأنه كلما نظر إلى الخلف وجد القروي الأمي والمجتمع المتخلف، فكيف لهذا المتخلف، وإن كان من أعظم الناس قاطبة، أن يصبح عظيما، ويتجرأ على نقده. ومن الناحية الأخرى هو بذاته لا يزال في السلم الأول من مرحلة الأدب، فأدبه لم يرق إلى المستوى المطلوب حتى يتناوله أمثال الأستاذ محمود من النقاد العرب. وأدوات هذا الأديب أو المؤلف، لا يتجاوز أدوات تلميذ المدرسة الابتدائية في مراحلها الأخيرة للاستنباط والاستقراء الأدبي. في وعيه الباطن لا يتجاوز مؤلفه هذا موضع الإنشاء للصف الخامس أو السادس الابتدائي والذي غالبا ما يكون عن وصف رحلة أو نزهة أو زيارة قام بها التلميذ، فلا بد أن يكون هذا الموضوع للتلميذ الجيد قريبا من الكمال بمقياس مرحلته الابتدائية. وعليه يجد نفسه محبطا، لدى النقد أو متجنيا عليه. ومن الصعب أن يدرك أن الأستاذ محمود بتناوله نتاجه هذا بالنقد قد انتقل به إلى الفضاء العربي من أوسع أبوابها، بالرغم من تواضع نتاجه. من الصعب عليه أن يقدر ذلك، ويسر له؛ لأنه انتقل إلى مرحلة أعلى بكثير من ذي قبل، ودخل في وسط لا بد أن يطلع عليه المهتمين بهذا الشأن من أدباء العربية، كنموذج للأدب الكردي في كردستان الغربية. لو أن هذا الكردي المنتقَد أدرك أبعاد ما قام به الأستاذ محمود في خدمته لشكره ما بعده شكر، ولكن جهل الأمور هو الذي ينزل بصاحبه إلى الدرجات الدنيا. لقد انتقل بهؤلاء الأستاذ محمود إلى الفضاء العربي إن شئنا أم أبينا، ولكن الذي أساء إليهم، هو محاربتهم للأستاذ محمود نفسه بقواعد وبنود خارج نطاق النقد وبنوده. فردهم لم يكن ضمن هذه الأسس، مما أدمغ عليهم البعد كل البعد عن معرفة النقد وقيمته وشروطه وأهميته للأديب والأدب على حد سواء. ربما يكون مفيدا أن أطيل على القارئ الكريم بحادثة وقعت معي عندما كنت في المرحلة الثانوية، سألني مدرس العربية عن مغزى ابن زيدون في بيت من قصيدة له “لا يكن عـهدُك وَرْدَاً***** إن عـهـدي لك آسُ“، فكان جوابي غير مقنع؛ حيث لم استطع أن أتبين قصر عمر الورد بالرغم من جماله وإدامة الآس وخضرته، مما دعا المدرس وبعض الطلاب إلى الضحك. يتخيل لي أن هؤلاء المحاربين لا يزيد عمق معرفتهم، في هذا المجال، عن معرفتي بمغزى ذلك البيت في ذاك الوقت أو أن الحقد والحسد يغلي في قلبوهم.
ستنتقل هذه المحاربة مع نقد الأستاذ محمود إلى متناول العرب الملمين بهذا الشأن، ويا للسذاجة والسطحية! لا أظن ألا يضحك بعض هؤلاء المتناولين عما وصلت إليهم عن طريق ناقدنا الكبير. فالأستاذ محمود-أمد الله في عمره- حي بيننا يرزق، علينا أن نستغل وجوده هذا في الاستفادة منه ليخرّج لنا جيلا يشبهه في هذا المجال، ومن الغباوة أن ندير له ظهر المجن. في هذه الحالة نتآكل كما يتآكل الحديد بالصدأ. علينا أن نضعه أمام أمر الواقع ليعين جيلا يكون بمستواه، وأن نعينه على ذلك إن كان ماديا أو إعلاميا… وأن نقدمه للعالم الخارجي غير العرب كمثال على بغض العرب للكرد وكرههم لكل ما هو كردي، مبينين أنه لو كان هذا ناقدا بإحدى اللغات الأخرى كالإنكليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من الأمم، التي اجتازت مرحلة التعامي عما هو خارج عنه، لكان لهذا الكنز مكانة عالية وراتبا من العيار الثقيل، ولكان مرجعا من مراجعها، بل لكان مرجعا عالميا. فمن سوء حظه هو من شعب أكثر شعوب العالم محاربة، وخاصة من العرب الذين لهم الثروة والسكان. فهم مصدر الخامات وسوق الاستهلاك للدول المتطورة. لذا يصعب على هذا الطود أن يرتاد ذراه هؤلاء من يكن لنا الكراهية. لو أنه كان عربيا، لكان في أعلى العليين وأشهر المشهورين. فهو يريد أن يرقى بأبناء جلدته، بالرغم من تواضع نتاجهم، إلى الفضاء العربي الواسع، يحاربه هؤلاء المتواضعون في نتاجهم، ممانعين من تغيير وضعهم، وهنا العطالة بذاتها، فهي قوية ومتمكنة منهم إلى درجة التآكل. وما يزيد على ذلك أيضا سوءا هو شحة معرفتهم لآفاق هذا المجال مجال الأدب في الحيثيات والدقائق. فأية محاربة للأستاذ محمود في مجاله هذا من قبل هذا الجيل لن يرقى إلى مستوى الاعتبار والتقييم؛ وإنما ستؤدي بهم إلى مهزلة التاريخ الذي سيكون مبحث دراسيا للطلاب علاوة على أصحاب هذا المجال من الفن الأدبي في كردستان محررة في القادم من الأيام. والذي لم يفكر بالمستقبل المنظور وطاشت به الحمية الساذجة، صبغ معرفته بالسطحية، وصار مثالا للأجيال القادمة في هذا المنحى. فالأستاذ محمود، لا يرقى بمدحي أو ذم أمثالي له ولا يزيد من مكانته العلمية أو ينقص منها بين عارفيه، فيعتبر مدحي أو ذمي في هذه الحالة كمن يمدح بالمقاييس أو يذمها، أي إذا مدحت أو ذمت مقياس الكيلو غرام أو الكيلو متر أو مقياس درجة الحرارة المؤية، لن أفيدها أو أسيء إليها قيد أنملة فهي المتعارف عليها كمراجع للمقارنة ومعرفة الأشياء بها. وكل ما في الأمر أنني أبدي للقراء سطحيتي وبساطتي وسذاجتي. هنا يعود الضرر عليّ، فأسيء ظن الناس فيّ كشخص اكتشف الماء الساخن أو أميركا ثانية كما يقول المثل.

الأستاذ هوشنك أوسي
فهو ليس بناقد وحسب؛ وإنما كاتب ومحلل سياسي من الطراز الأول، لا يشق له الغبار. وكل نتاجه إن كان سياسيا أو أدبيا يدل على طول باعه ورصانة منطقه لدى البحث في هذه الأبواب. لقد كتب طويلا يدافع فيه عن تنظيم لدى الكثير من الكرد لا تشكل الوطنية لديه (التنظيم) قيد أنملة، مع ذلك كانت دراساته السياسية في معرض دفاعه عن ذلك التنظيم متسما بالترابط والتناسق بمنطق سليم. لقد تناول ذلك من جوانب يدفع بالقارئ إلى قبول ما يريد قوله، وإن لم يكن على الحق في نظر القارئ نفسه، لكونه يتناول الموضوع في أحد جوانبه الصحيحة ويخلق مجالا معينا في هذا المنحى، يصعب على القارئ اعتباره خطأ أو أنه على غير الحق. هذا الأسلوب يتصف به الدهاة من البشر، ولا يخلو التاريخ البشري منهم. فالأستاذ أوسي اختلفُ (أنا) مع فكره التنظيمي أي مع فكر حزب العمال الكردستاني ومشتقاته جملة وتفصيلا، ولا أرى هذا التنظيم تنظيما كرديا؛ وإنما أداة من أدوات المحتلين الأربعة. ولكن يبقى الأستاذ أوسي لدي ذخرا كرديا افتخر واعتز به. في معرض دراساته وتحاليله لم يبين ذاك الجانب المتسم بالانحراف الواضح؛ وإنما اتخذ الحقائق الموجودة فيها وعرضها، لكي يبرر الباقي بأسلوب محكم. كما ذكرت تناول القضايا من زوايا للكرد فيها مصلحة. ولدى مهاجمة الخصوم يبرز جوانبهم اللا وطنية ويحاربها، فمدافعته يغلب عليها الالتفاف على المسألة. في عدة ردود على تهجماته من قبل بعض الذين انتقدهم الأستاذ أوسي كانت تبيان هذا الجانب وتوضيحها، والشبكة العنكبوتية لديها ما ذكرته بالأدلة. ربما يكون ما أقوله الآن تناقضا لدى البعض ولكنها الواقع والحقيقة. في موضوعي هذا لست بصدد الدفاع عن التفاف الأستاذ أوسي على المواضيع وقول الحق لإرادة الباطل؛ إنما أقوم بسرد ما أرى فيه كداهية وكمحنك في المجالات التي يتناولها. إن كنا مختلفين معه أو موافقين، مبغضين إياه أو راضين عنه، فهو يشكل ذخيرة كردية بغض النظر عن هذا كله وعن تناولاته السياسية الميلية. ومن المؤسف جدا تقييمه بمنظار ميوله السياسية فقط. يقيم المنطق العلمي الأمور من موقع الدارس المستقل المحايد، وليس الموالي والتابع أو الضد. مثلا، لدراسة سم الأفاعي، لا يدخل خطورتها على الإنسان في مجال الرغبة أو عدمها في البحث فيه إلا من جانب مؤثراتها. تبعا لهذا يستفيد علم الأدوية من سمها في مداواة بعض الأمراض وغيرها. لدى استخدامنا سمها في معالجة عللنا، هل نكون ضد أنفسنا أم أننا معها ونستفيد منها؟ فالأستاذ أوسي بمعزل عن أفكاره السياسية، يجيد فنونا في تمرير فكرته يشهد له بالعظمة. وهذه العظمة ليست لبني العرب، ولا لنبي الترك أو الفرس، فهو لهذا الشعب الضعيف المغلوب على أمره، وهي دليل على أصالته ورسوخه وشموخه، وإن كان اليوم يعاني شتى أنواع الضعف. وظاهرة الأستاذ أوسي والأستاذ محمود والأستاذ سليم بركات، بالرغم من اختلافنا معهم أو عدمه، هي دليل على أصالتنا. فتبيانها بالمنطق العلمي يعطي للجيل الكردي، الذي حرمه المحتل في أجزاء وطنه الأربعة، من كل ما يتعلق بعلو قدرته وأصالته، زخما معنويا تتفتق لديه المواهب والإبداع، بينما عكس ذلك يصب في مخطط المحتل الذي يحاول بشتى الوسائل إحساسنا بأننا من الشرائح الدنيا في المجتمعات، وأننا غير مؤهلين لنكون مبدعين ودهاة ومفكرين. علينا أن نشعر الأستاذ أوسي بأنه فوق أهواء السياسة، وهو ملك لكل الكردي، وعليه القيام بمهامه في هذا الاتجاه بالرغم من تحفيز نفسه إلى الدفاع عن طرف سياسي دون الآخر. لا أظن أن يكون ذلك صعبا على شخص الأستاذ أوسي ليقوم بهذا فكردستان أوسع من تنظيم أو جميع تنظيماتها. ولا بد أن يتغلب الكل على الجزء، لما يتحلى به أستاذنا هذا. وله الحق إذا نحن تشبثنا في دفعه للبقاء في مكانه ذاك، والذي يأسره ضمن مجال ضيق وضيق جدا. وما جنوحه إلى طرف سياسي دون غيره إلا وله أسبابه. بالرغم من التزامه بهذا الخط من السياسة، ظل الأستاذ أوسي متميزا على غيره بالمعرفة والإدراك. إذا خضنا البحث في ثنايا أطرافنا السياسية في كردستاننا الغربية لوجدنا الكثير من أمثال الأستاذ أوسي، وإن بدرجات أقل منه، ولكنهم متواجدون ويتمتعون بالكتابة السياسية ويلمون بالأدب من جوانبه الأخرى إلا أنهم غير معروفين، ويعانون من ازدراء حزبي وجماهيري إلا ضمن فئة قليلة وخاصة. لا أحب أن أذكر أسماء هؤلاء، ربما يسعفني الوقت لأخرج برأي عنهم مع ذكر أسمائهم الصريحة. فمجال اليوم هو عن الأستاذين الكريمين السابقي الذكر. والأستاذ أوسي لم يتبوأ بمنصب حزبي في تنظيمه السياسي، وهذا إن دل على شيء؛ إنما يدل على علو مكانته المعرفية، وعمق إدراكه للأمور وحصافته في أبعادها المستقبلية. والمرحوم جكرخوين انتقل إلى جوار ربه وهو عضو في حزب كان مرنا جدا مع النظام، وكان يدافع عن حزبه بكل طاقته. مع ذلك لم ينتقص هذا من مكانته في قلوب الكرد ولم يدنّ من علو مرتبته. والأستاذ أوسي لا يقل عنه في ملكية كردستان له. ليس بخاف على أحد كان المرحوم محاربا من قبل الأطراف المناوئة لتنظيمه السياسي، ولكن جماهير الشعب بقيت مقدرة له ولعظم مكانته.
ولست الوحيد الذي يرى في الأستاذين محمود وأوسي هما ملك لكردستان، بغض النظر عن أهوائهم السياسية والأدبية. لنكن كردستانيين، لا ننبذ نفائس كردستاننا، ونرميها إلى حيث لا ندري، بل علينا أن نقدرها، ونكن لها التقدير اللائق، وإن قست علينا هذه النفائس بما لا نستحق. بهذه الذخائر نأخذ مقعدنا بين أمم الأرض وشعوبها. وليس بالتخلص منها، وهذا لا يقدم عليه حصيف أو عاقل.
——————
(1) ويكيبيديا

عارف آشيتي ashityarif@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…