المقامة الكلبونية

غسان جانكير

حدثنا العطال البطال قال : لمّا استقرَّ بنا الحال في أوربّة, ورأينا مِن جمالِ النساءَ مواضعٌ غير مُحجّبة, و ما كنّا نسمعه عن حواجبهنّ المُذهّبة, وشفاههنّ الرطبة, والريق منهنّ بحلاوة الزبدة ممزوجة بالمربى, وأجسادٌ ملساء غيرُ مُزغّبة, وقاماتٍ فارعة تُنسي المؤمنَ التوبة, والجنّة الموعودة بحورياتها العشر مضروباً بأربعة, فغابَ عن بالنا ما يعانيه الخلّان و الأحبة, في الوطن الجريح, وقد طغى على جماله كلّ ما هو قبيح, وأبلهٌ يُمارس القتلَ والتشبيح, يخالُ في نفسه خطيبا و فصيح, جابه تغريدات الثوّار و الصوت المليح, بمجاميع ارهابية تُماثل الثعابين في الفحيح.
ولمّا وجدنا الصعوبة في سرعة الاندماج, وتحاشينا النظر الى عيونٍ يتطاير منها الانزعاج, وصرنا نلوذ بالحدائق الخاوية في تمضيّة الوقت, كي لا نتلقى ايماءات وجوه فيها الامتعاض و المقت, مع استثناءات كثيرة او قليلة, بحسب درجة العنصرية التي النفس بها عليلة, والشهادة لله, أنّ لبعضهم خدماتٌ على المهاجرين جليلة .
وبينا أنا في خلوة مِن البال, وإذ بفكرة تحومُ حولي على شكل سؤال, مفادها : ما سبب كلّ هذا الترحال, و مُجابهة المخاطر و الأهوال, مِن أجل عيشة هي دون الكلبونية, تليق فقط بالكلاب الأوربية, فيحياها السُذج على أنها الرفاهية, فقادني السؤال الى فكرة أخرى, وهي من وجهة نظري و كما أرى, أن شعوب الشرق تعمل كالعبيد, فيترفّه بكدّها الكلب البليد, الذي يعيش في بلاد الغرب البعيد, والفكرة بإختصار, ودون تنميقها بإطار, أن دكتاتوريات الشرق تسرق مِن مال الشعب, وتبثّ الدعايات على أن السرقات هي مجهود الحرب, على عدوٍ تختلقه بسهولة, و يؤازرها المنافقون بشعارات بالحماس مجبولة, فيُرسلون الأموال الى بنوك الدول الإمبريالية, فتستغلها في مشاريعها الإنمائية, فتُزكيّ مالها المُتضخّم على شكلِ هبات سخية, لشعوب الشرق الفقير, فيستولي على مُعظمه الدكتاتور و صاحب الشرطة و الوزير, فيرسلونها مُجداداً الى بنوك الغرب, بطُرقٍ لا يعرفها سوى الشيطان والرب, فتزداد الرفاهية في الغرب, فيستفيد منها الكلب .
وبينا أنا في هذا التفكير, و ألعن – نموذجاً – ( بشاركو) الحقير, و إذ بنباح الكلاب في الحديقة يتعالى, فخفتُ و لِذتُ بالدعاء لله تعالى, فما خابني و شرح لي صدري, و انحنىى الى طبيعته بعد أن قام مِن الخوف شَعري, و انكشف الموقف عن صراعٍ بين كلبين بطراً, الأول تراه مُكتنزاً شحماً و الأخر مُضبطراً, و ( بعثيكو قربانو ) يسعى في إصلاح ذات البين, بين الكلبين الغريمين, يُقبّلُ هذا في الجبين, و ذاك في الوجنتين و العينين, فقلتُ له : ما لك , لا أبا لك , حتى الكلاب تتضعضع لها ؟ , فقال : أقصر الدروب الى الأرب, هي صداقة الكلب, فيحنّ عليك صاحبه, و تغتني بما عليك يُغدقه و يهبه .
Ghassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الحسن بن هانئ المَعروف بأبي نُوَاس ( 145 _ 198 ه / 762_ 813 م ) ، شاعر عربي مِنْ أشهرِ شُعَراءِ العصرِ العَبَّاسِي ، وَمِنْ كِبار شُعَراءِ الثَّورةِ التجديدية . أحدثَ انقلابًا في مَضمونِ الشِّعْرِ العربيِّ وأُسلوبِه ، فَقَدْ تجاوزَ الأغراضَ التقليدية كالمَدْحِ والفَخْرِ ، واتَّجَهَ إلى…

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo menglo”التي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها،…

تنكزار ماريني

الصمت يتسلل إلى الوجود،

بدون ضجيج، صمت متلاشي.

الوقت يتساقط،

يرقص، يكشف ويبقى في طيرانه

متى يعود الدائرة،

متى يتم إعادة تحديد المسار؟

بسهولة، على حافة الصمت،

متشابك مع النهاية؛

تتساقط قطرات من الكلمات،

تنهار جسور من السطور،

تفتح الحروف الساكنة البوابات.

تتفكك الأصوات، تلمع الورقة،

تنبعث منها ضوء المقاطع؛

تستقر الكلمات أو تتدفق،

تتحول بهدوء.

الفن يعانق الحب.

في كل حصاة يعيش أنا.

السماء تتسع،

كل نظرة هي جنة صغيرة.

اليوم يمسح…