«أنا وأخي في قبر واحد»

ربحان رمضان

هذه العبارة كانت مكتوبة على شاهدة من شواهد  قبور الشهداء الأطفال في مدينة عامود الذين قضوا في الحريق ، لايزال المثقفون الكرد ، وكل من عاصر ” الحريق – الجريمة ”  يذكروه وفي عيونهم دمعة ، دمعة وغصة على الشهداء الأطفال ، وغصة من النظام لا تزال في الحلوق  ، لم يستطع الكرد بلعها .

سبب الغصة حريق ابتلع ” 280 طفل ” من أطفال مدينة عامودا ذات التعدد الديني والأثني أثناء حضورهم وفي مثل هذا اليوم الواقع في الثالث عشر من تشرين الثاني لعام 1960 فيلم عن الثورة الجزائرية .
يجمع المعاصرون للجريمة أن غالبية  الأطفال كانوا كردا ، وجميعهم دفعوا ثمن بطاقة الدخول إلى قاعة النار ، رغبة في ارسال ريع الفيلم إلى أهل الجزائر ، وثورة أهل الجزائر . 

المعاصرون للجريمة كانوا في فترة  أدلجة الوطن السوري وتحويله من كونه وطن للسوريين من العرب والكرد إلى وطن مغلق على فكر قومجي – عروبي  يرفض الشريك الكردي الذي ساهم في تحرير سورية والدفاع عنها عبر العصور ..
في مثل هذا التاريخ  الواقع في 13/11/1980 ، والمصادف ليوم الأحد .. وفي تمام السادسة مساء هب الحريق في سينما عامودا وفي جوفها مئتان  وثمانين برعم من براعم اطفال المدينة تباينت أعمارهم بين عشرة وخمسة عشر عام .

يقول الدكتور المهندس جمشيد عبد الكريم ، وهو احد المعاصرين للحريق : ” ان حريق السينما في عامودة كان واحد من سلسلة الخطط والمشاريع الشوفونية الحاقدة المخفية انذاك والتي بدئت تظهر للعلن بعد ان تتالت الحكومات الشوفونية على دست الحكم في سـورية .
فاالحزام العربي والاحصاء الرجعي ، الاحكام العرفية ، السياسات الاستثنائية ،  التعريب ، التجويع خنق الحريات ، اي انهم يطبقون ما ورد في كتاب الشوفوني محمد طلب هلال دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية -الاجتماعية
-السياسية بحذافيره الى يومنا هذا ..” .

ويقول الأستاذ دهام حسن في مقال له بهذا الصدد : ” في أمسية ذلك اليوم ـ على ـ من خريف عام 1960 باغتنا الفتى مهدي إسماعيل ملا أحمد، يقتحم علينا الغرفة، هلعا مضطربا، يهذي كالمجنون، وكنا في دار عمه ( علي ملا ) قائلا بالترجمة الحرفية لمعنى قوله: احترقت السينما، الكل احترقوا، ونجوت وحدي..!
نعم احترقت أجساد  الأطفال وفاحت رائحة الشواء في المدينة كلها ..
 قيل أن الحريق كان ممنهجا ومتعمد .

يستشهد الأستاذ دهام احمد بقول أحد الناجين يومها وهو داود علي ملا أحمد، بقوله  : ” .. جرني أحدهم من ذراعي، فانسلخ جلدي المسلوق حرقا، فرجوته أن يعاود الكرة، ثم شدني ثانية وأخرجني، لتكتب لي حياة جديدة بفضله ، وقال: ربما كان هو محمد سعيد آغا دقوري … ” .
الضحايا وحسب تصريحات غالبية المعاصرين للحريق – الجريمة كانوا كرد ..
واستنادا إلى ماشرحه الأستاذ دهام أحمد فإنه وبعد الحريق أشيع  عن وصول مساعدات مالية ، وصلت البلاد مقدمة من دول العالم ، لكن الإعانات التي وصلت ووزعت  على ذوي الضحايا كانت قليلة جدا تماما كالاعانات المرسلة إلى أهالي سورية في وقت الحريق الثاني الذي أشعله في هذه الأيام ديكتاتور العصر ” بشار الأسد ” .
وأهالي عامودا المتبقين من الحريق المجزرة يشيروا إلى الفيلم الذي روج له مدير الناحية يومذاك الملازم ” مصطفى شعبان  لم يكن يتلاءم مطلقاً مع أعمار هؤلاء التلاميذ الصغار !!!!!!
وأسئلة أخرى طرحت حول الحريق – الجريمة  لا تزال تشغل بال الكثيرين ممن عاصروه فتسائل أحدهم قائلا :
– ” لماذ حشر خمسمائة طالب دفعة واحدة في السينما مع العلم أن الصالة  لم تكن  تستوعب أكثر من  مئة وخمسين تلميذ  .؟

أين كان المدرسون حينما شبت النار في أرواح تلامذتهم ؟

– لماذ لم يمت ولا أستاذ واحد .. ولا عامل واحد ، لماذا اختار ملك الموت الأطفال وحدهم ؟؟

– لماذا تحلقت الشرطة بعد جريمة الموت أمام باب السينما ومنعوا الأهالي من من الدخول إليها مستخدمين الهراوات البوليسية ؟؟

– لماذا لم يتجرء احد من اقطاب النظام بعد الحريق على الحضور الى المدينة المنكوبة  ، ولماذا هرب مدير الناحية في تلك الليلة لمدة ثلاثة أيام .. !!
كل هذا يعني في النهاية أن أركان النظام كانوا مشتركين في الجريمة على عكس أبطال شجعان على رأسهم الشهيد  (محمد سعيد اغا ) ابن  32 عاماً الذي اقتحم النار مخاطبا ً الناس الذين أخبروه بأن ابنه خرج سالما ً : ”  كلهم أولادي ” وقام بإنقاذ  ( 11) طفل إلى أن انهار السينما واستشهد تحت الأنقاض التي تهدمت فوقه نتيجة الحريق – الجريمة .
إضافة إلى عدة  أبطال آخرون ساهموا في إنقاذ الأطفال وللأسف  لم يذكرهم التاريخ  أمثال ( محمد علي صالح حمو – محمد حميد – رمضان احمد حسين – عيسى زيرو ، والسيدة فريدة علي ) التي أنقذت كل من الأطفال  ( فصيح رشواني , رمزي محمد قابانجي , محمود هلال شيخموس حمو ,نبي محمد شريف نالبندي ,إبراهيم رستم ,ومحمد رستم ” .
رائحة الشواء لاتزال معششة في انوف أهالي عامودا المتحفزون للثورة دائما .. سيما وأن النظام ، وجميع الحكام الذيم استولوا على الحكم في دمشق لم تحاسب المسؤولين عن الجريمة ، تماما كما فعلوا إثر استشهاد سليمان آدي ، لم يسألوا عن القاتل ، وكما هو الحال الآن لم يسألوا ، بل يحرضوا كما حرض محافظ الحسكة مصطفى ميرو على قتل الكرد ، وحرق ونهب محلاتهم وبيوتهم .

الكرد في عامودا لم ينسوا ضحاياهم ، لذلك كانوا سباقين في الحراك الثوري ضد الطاغية الوريث الغير شرعي للجمهورية السورية  .

ضحايا عامودا ، وضحايا انتفاضة الكرد عام 2004 ، ومريدي الشهيد الخزنوي ، ومن بعده الشهيد مشعل تمو لن يشفي غليلهم إلا سقوط نظام الاستبداد الحاكم في دمشق وتسليم آخر الطغاة القتلة إلى محكمة لاهاي الدولية ليعاقب هو وموالوه بدلا عن جرائمهم وجرائم أسلافهم  منذ إذابة فرج الله الحلو بالأسيد وحتى قصف قرى الغوطتين بالأسلحة الكيماوية السامة .

لن يريحنا نحن السوريين جميعا إلا نظام ديمقراطي – مدني – تعددي فيدرالي تنتفي في ظله سياسة القمع والاضطهاد والجريمة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…