حين الشعور بالمسؤولية

غسان جانكير

كأني أسمع نواح نساء عامودا، وهنّ يبكين قبل أكثر من خمسة عقود خَلت، تبكي الواحدة منهنَّ، و ما مِن أحدٍ يواسيها، ذلك أنّ الكثرة الكثيرة منهنَّ في نواح، يُرافقه تساؤل استهجاني للربّ، (خودا يو ما ته جه كر – يا إلهي .. أيُّ فعلٍ أتيتَ به) !!!!.

في ذلك الوقت، وما قبله، وحده كان الانتخاب الطبيعي كان يفعل فعله، في الإبقاء على الأطفال أحياء، إذاء الأمراض الفتاكة التي تحصد الأرواح، مع عجز الأطباء، ونقص الخدمات الطبية في حمايتهم،
 فكان من الطبيعي أن يرتضي الناس، بالقَدَر المُخبأ للصغار يوم مولدهم، وكانت المزارات وتقديم الأضاحي لها، و أيضاً الورعون، شفيعي الناس لدى الله في تمنّي الأقدار اللطيفة لأولادهم، فإذا بعزرائيل في لحظة طيش، يحصد أرواح ما يقارب (الثلاثمائة) طفل، يستلذّ بصراخهم، والأجساد منهم تحترق في ألمٍ لا يحسّه سوى مَن لفَحَته النار من بعيد، فيهابها الكثيرين، فيرتضون بأيسر النارين، نارُ احتراق القلوب عجزاً في اقاذ الأكباد، تُلاقي قَدَرها المُميت، لا بالحمّة القاتلة هذه المرة، و انما حرقاً في سينما تحترق في مدينة أحرقت على إثرها جُلّ المواثيق المُضمرة ، بين الله و سكان هذه المدينة .

والنار المُتربّعة على عرش الآلهة منذ القِدم، تفعل فعلها مع القوب القوية قبل الصغيرة، سالبة إرادة البشر بلفحاتها المرعبة، وحده مَن يزى في نفسه قائدا، يرفى في نفسه الشجاعة لمجابهتها، و الآغا الذي سلبته ((الثورة)) ليس أراضيه فحسب، بل صلاحياته في قيادة المجتمع المحلي، وسلمتها الى الرعاع والحثالة، الذين استغلوا مناصبهم في السرقات و تلقي الرشاوى، ونشر الفساد، فقط كي يكونوا آغوات جبناء لا يعرفون من أمور القيادة سوى الفرار بأنفسهم حين تدلهمٌّ المِجن، في تلك الليلة الكارثة، كان الآغا (محمد سعيد آغا الدقوري) في حلٍ من أمره، و ما لأحد أن يعاتبه،فيما لو وقف مُتفرجاً كما الكثيرين خاصة بعد أن أعلمه مَن حوله بأن أولاده خارج السينما المُستعرة، غير أن ملكة القيادة، والشعور النابع من المسؤولية، كانتا من أهم العوامل، في أن يقتحم الاعصار الناري قائلاً : ” كلهم أولادي ” . 
Ghassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…