حين تكون «مصر» دون فاجوميها

   إبراهيم اليوسف

رحل أحمد فؤاد نجم..!

تقرأ الخبر العاجل عبر شبكة التواصل الاجتماعي، تشعر بمرارة وقع الصدمة الكبيرة، وأنت تتلقى النبأ، حيث ترمح أمام عينيك  قامة الرجل العالية، صوته المدوي، إباؤه، شموخه، مواقفه، بسالته، صلابته، ارتباطه بالناس، والتزامه بهمومهم، وآلامهم، وآمالهم، وتناوله كل التفاصيل اليومية التي تعنيهم دونما مساومة، كاريزما روحه، وضوح خطابه، أصالته، مشروعه الرؤيوي، انحيازه إلى عوالم البسطاء، والمغلوبين على أمورهم، نأيه عن الزلفى، والممالقة، ومناوأته المستبد،
 أياً كان، تحاول أن تسابق عقرب الساعة، وأنت تبحث عن أية ذريعة تدحض بها فحوى الخبر الأليم، دون جدوى، لاسيما عندما تجد أن صورة الشاعر الكبير تواجهك، وإلى جانبها، ما يثبت واقعة غيابه الصاعق، أنى مضى بك مركب العالم الافتراضي، كي يتعزز ذلك بتسلل الخبر إلى شاشة التلفزيون، كحدث استثنائي مرير:

 
رحل أحمد فؤاد نجم..!
لن تكون بحاجة إلى كتاب نقدي لمعرفة دور قصيدة نجم في متلقيها، هذه القصيدة التي استمعت إليها عن قرب، وتلقيت شحنة عالية من كهربائها، في إحدى أمسياته  في وطنك، وهو مع توأم روحه، أو الطرف الآخر في ثنائية الأغنية الثورية الأكثر بروزاً،أي: الشيخ إمام، وكان ذلك في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، حين أحييا أمسية فريدة، في تاريخ مدينتك، بينما كانا في ضيافة بلدك، يتقريان روحه، وخريطته، في مناسبة يوم عيد العمال، هذا البلد الذي ستعلم أن آخر ما قام به الرجل قبل ساعات من وفاته، أنه كان في زيارة إلى الأردن، ضمن مشروع مؤتمر لإغاثة أهله السوريين، وهو يأتي ضمن حياة مديدة، أهلته كي يكون الشاهد على مراحل عديدة، في حياة وطنه، منها ما كان في ظل الإنكليز، أو سواهم، بيد أنه دأب على دفع الضريبة، في كل مرة، ليسجن سبع مرات خلال حياته، من بينها أنه سجن مع الشيخ إمام، ليكون السجن محطة انطلاق جد مهمة في حياته، إذ تعرف هناك على عمال المطابع اليساريين، ليجد هؤلاء الذين سينضم إلى حزبهم الشيوعي، أقرب إلى روحه الرافضة للضيم، والذل، والعبودية، بل لتكون قراءته لرواية “الأم” لمكسيم غوركي تلك الزوادة الفكرية المهمة، التي راح يترجمها، وهو يكتب قصائده الأكثر أهمية، والتي لم يرددها شبابه مصر، في تظاهراتهم، سواء أكان ذلك في مواجهة الفساد، أو التطبيع، بل إن جمهور قصيدته باتت دائرته تتوسع، إلى الحد الذي كان أي متلق لخطابه، يحس إنما هو ليس مواطنه، فحسب، ولا جاره، بل ابن بيته، من دون أن تحول اللهجة المختلفة، التي كتبت بها، دون وصولها إليه، وهو أعظم ما يمكن أن يحققه أي مبدع على الإطلاق.
 
 
وإذا كان شاعر الشعب الأكبر أحمد فؤاد نجم، حامل جذوة الثورة، على امتداد عقود مديدة من حياته، فإنه وجد في ثورة أهله ترجمة لحلمه، ونبوءته، التي طالما كرس من أجلهما حياته، وهو يعاني من ألم حرقة أصابعه، ودفعه ثمن ذلك، سائراً عكس اتجاه الرياح الموقوتة في كل مرة، ما جعله يكون أحد أبرز من رددت الجماهير، الغفيرة، الثائرة، في ميدان التحرير، قصائده، تزرع في نفوسهم أمل الخلاص، الذي طالما بشرت به، في أصعب اللحظات في تاريخ مكانه، ما يجعلها جزءاً من ذاكرة الناس، جزءاً من تاريخ المكان، جزءاً من الثورة، كما قيل
 عنه بأن فصائده كانت جزءاً مهماً من حالة صناعة حرب تشرين1973 ،بل وهو ما يستحق أكثر من ذلك، مادام قد ارتقى عبر كلمته إلى مقام العالِم العالَم، والشاعر الكبير الحق، هو عالم وعالم على حد سواء، و هو ما سيجعل مصر ناقصة في غيابه، كما سيجعل عالمنا ناقصاً من بعده..!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…