وطن على عتبة الثقافة

  دجـوار حسن

بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور من تداخلات ، والتي دفعت الكثيرين إلى النأي بأنفسهم عن الواقع ، بجميع تجلياته ، و لا يزالون  يشعرون بأنهم موجودون , و يعتقدون بأنهم يتفاعلون مع هذا الواقع ، و تأتي أطروحاتهم على عكس ما يجب . هناك أطروحات يجب تصحيحها ووضع لمسات عبقرية و مثابرة و مشجعة للخلاص من الوضع المفجع المتنامي ,خصوصا لدى شريحة من أصحاب الفكر ، المشتغلين بالهم العام ، و الذين يعتقدون بأنهم وجدوا أفضل الوسائل للخلاص ، آلا و هي التجاهل و عدم الاكتراث للأمور , متوهمين بأن إصلاح ما يمكن إصلاحه ، هو ترك الأمور على حالها دون تكبيد أنفسهم  مشقة توظيف الفكر و الثقافة كجسر للوصول إلى محطة الثبات و الاستقرار  ، عبر توظيف العقلانية والحكمة .
إن هذا النأي من أصحاب العقول و الحكمة في مجتمعنا ، يبعث على الرغبة في عدم السعي المسؤول عن مخارج الأزمة ، و بالتالي فإن هؤلاء يهيمون بعقولهم إلى عوالم أخرى ،تاركين خلفهم هذا الكم الهائل من الركام , مما يدفع الكثيرين للقول : وحدهم الجبناء يدخلون التاريخ من الأبواب الخلفية الضيقة ، تاركين المجال لغيرهم من بسطاء الناس لتسطير نسق جديد من أنساق التاريخ  ، عبر الصبر و المعاناة و العرق و الدم أحيانا ,
أن العلم والمعرفة اللتان تثقلان كاهل من يحملهما ، دون أن تكون للمجتمع فائدة ترتجى ،ألا بئس ذلكم العلم و تلكم المعرفة ، خاصةً و نحن الآن نمر بفاجعات و كوارث لم يسجل الزمن مثيلا لها ، مما يدفعنا للاعتقاد بأن أحداً من هؤلاء المتقاعسين لن يمر إلا عبر عقاب العدالة ، حتى إذا كان هذا العقاب أخلاقياً ، لأن مسؤولياتهم كشريحة مثقفة تحتم عليهم القيام بأضعاف الدور الذي يقوم به البسطاء . وإن لم يبادروا إلى ذلك ، فإنهم يضعون أجيالاً أمام حالة الضياع في غابة الحرب المستعرة التي لا يبان لها خلاص .
 فلماذا لا ندع العقل ثم القلم ليصححا المسار ، و نأخذ هذا الجيل الناشئ نحو إشراقة مستقبل الحرية عبر فكر حضاري ، و نبني جسوراً بأقلامنا لهم ، بتوعيتهم و فتح آفاق و أبعاد ليكونوا أمل المستقبل . بدلاً من أن يهربوا و يجعلوا طاقاتهم تعمل لعالم آخر ليس عالمهم ،  و هم يهدرون هذه الطاقات بطرائق بعيدة عن عالم الثقافة و العلم بمحض إرادتهم . نحن لسنا أصحاب فكر تصادمي ، لكننا عشاق ثقافة ، وجيل الشباب تواق لاكتساب المعارف ، و بسبب دخول المجتمع إلى متاهات قسراً ، ينبغي على هذا الجيل الأخذ بزمام الأمور ، و لو على الأقل بتفاعل كل فردٍ مع محيطه ، درءاً لتداعيات الحالة التي وصل إليه الواقع ، و اعتبار المعرفة أحد ركائز الخلاص , فكم من الأمم بنيت  بأقلام مبدعة , أقلام أصحاب عقول علموا أجيالاً لاحقةً، و دفعوا باتجاه عالم من النور .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

زاهد العلواني آل حقي

لي ملاحظة وتوجيه كريم إلى من يسمّون أنفسهم اليوم بـ “رؤساء العشائر”.

وبحكم الدور التاريخي للسادة العلوانيين آل حقي في جزيرة بوهتان منذ عام 1514م وإلى يومنا هذا، والدور الديني والاجتماعي والإصلاحي الذي اضطلعوا به بين العشائر الكردية في جزيرة بوهتان قديماً، وبين العرب والكرد حديثاً، في ظلّ الخلافة العثمانية التي حكمت المنطقة…

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الحسن بن هانئ المَعروف بأبي نُوَاس ( 145 _ 198 ه / 762_ 813 م ) ، شاعر عربي مِنْ أشهرِ شُعَراءِ العصرِ العَبَّاسِي ، وَمِنْ كِبار شُعَراءِ الثَّورةِ التجديدية . أحدثَ انقلابًا في مَضمونِ الشِّعْرِ العربيِّ وأُسلوبِه ، فَقَدْ تجاوزَ الأغراضَ التقليدية كالمَدْحِ والفَخْرِ ، واتَّجَهَ إلى…

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo menglo”التي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها،…