أفين برازي
اليوم وانأ في انتظار الثلاثين دقيقة كي أكمل طريقي وأقيل القطار الذي سيأخذني للتعرف على عائلات سورية لاجئة تسكن أوربا ، وبينما أقوّم باختلاس النظر في كل دقيقة إلى الساعة الكبيرة في محطة القطار ، أخذت مقعداً حجرياً للجلوّس, أتأمل وجوه الناس وهم يعبرون أمامي كالحياة . فجأة !!!! سمعت ضجيجاً من الضحك, ألتفت إلى يميني وإذا بفتاتين وشاب, إحداهما كانت راسمةً على وجهها صورة قطة سوداء, أما صديقها فكان قد وضع اللون الأبيض على وجهه مع بعض منظر بعض الدماء وهي تسيل من عينيه لابساً الأبيض و الأحمر ، مروا من أمامي ووقفوا في زاوية يتحدثون بلغتهم الأم, كانوا يبدون كالدمى المتحركة أمامي ، أما الفتاة الثانية فقد كانت تلبس ثياباً سوداء اللون لأميرة ما.
كانت عقارب الساعة تمشي ببطءٍ. سمعت فجأة صراخ إحداهن فرحة وهي تركض باتجاه آخر الممر لتحتضن صديقتها التي كانت تشبهني ,فهي لم تضع شيئاً على وجهها ولم تلبس الملابس الغريبة تلك . .
اقتربتا من المجموعة فتقدم الشاب وهو يثني ركبته اليمنى على الأرض ليقدم للفتاة وردة حمراء بأسلوبٍ جميّلٍ ومفاجئ.
عندما رأيت ما فعله الشاب المتنكر , تذكرت أن اليوم هو عيد الحب وان هذه المجموعة تحتفل بذلك .
رجعت بي الذاكرة إلى حارات الشام وبالتحديد (باب توما) , فهنالك وقبل أيام من عيد الحب تكون جميع المحلات مزيّنة بالقلوب والألعاب والدببة وبالورد الأحمر .
لم أكن أريد أن أتذكر ما يعانيه بلدي من حرب ودمار, لم أكن أريد أن أقارن لون الورد الأحمر في هذه المناسبة بلون دماء الشهداء في وطني, فالعالم يحتفل بالوردة الحمراء ونحن نحتفل برؤية دماء شهداء الحرية تسيّل في أروقة وطني .
أطفالنا أصبحوا يبيعون الورد على أرصفة الغربة والذل ليؤمنوا لقمة الخبز لأهلهم فيكفيهم الموت قهراً وحسرة, تذكرت كلام الطفلين السوريين بائعَي الورد حين قال أحدهم : ” كل يوم أتمنى أن أموت ” .
وبعد أن استيقظت من ذاكرتي المتعبة نظرت إلى عقارب الساعة الميتة في بلاد الغربة , مرَ أمامي رجلٌ وامرأة مسنين , لفت انتباههم مجموعة الدمى المتحركة تلك فوقفوا مبتسمَين ليشاهدوهم .
اقترب الشاب من المرأة المسنّة وقدّم لها الوردة الحمراء كعادته ثانياً ركبته وهي بدورها قامت بالانحناء مبتسمةً شاكرة .
عادت عيناي للنظر إلى ساعة المحطة فقد بقي عشر دقائق على القطار، حينما رأيت شاب الدمى منشغلاً بربط حزام الأميرة السمينة ، قمت بسرعة ومشيت باتجاه القطار, لم أود أن يقدم لي الشاب أيّ وردٍ أحمر ، لم أكن أودّ رؤية أي مظهر احتفالي لعيد الحب, فنحن السوريون قدّمنا كل الحب للعالم ولم نرى أحداً يرأف لذلك الجوع والقهر والحرمان الذي أصبح يعشش في بلدي .
في طفولتنا كنا نلعب لعبةً نسميها بالعامية ” بيت بيوت ” نعمر فيها بيوتاً من المخدات والألعاب الصغيرة . أما الآن أطفالنا قاموا باستبدال البيوت قبوراً ليلعبوا بها .
وإنا أمشي بسرعة, كنت أرى وجوهاً متنكرةً ,البعض يضع شعراً مصطنعاً أحمر وأصفر مع ثياب بيضاء وورد حمراء, أردت فقط أن أغمض عينيّ, لا أريد أن أشاهد أيّ شيء, فقط أريد أن أرى ابتسامة أطفال سوريا من جديد ، أريد أن أمحي ذاكرة ذاك الطفل من مشاهد القتل والدم ، أريد أن اشتري الألعاب لأقدمها لهم ,كي ينسوا كل شيء حزين, أريد أن ينسوا منظر مدرستهم المدمّرة وأسرتهم المشرّدة , أريد أن أعوّض ابن الشهيد جزءاً من حنان أباه, أريد فقط أن أخبره أن أباه مسافرُ لا أكثر.
أريد أن أمحي الخوف من قلوب أطفالي, أريد أن ينسى أنه يوماً ما عمل لأجل تأمين خبز عائلته في عمر الورد , آه كم أريد وأريد . . .
اقتربتا من المجموعة فتقدم الشاب وهو يثني ركبته اليمنى على الأرض ليقدم للفتاة وردة حمراء بأسلوبٍ جميّلٍ ومفاجئ.
عندما رأيت ما فعله الشاب المتنكر , تذكرت أن اليوم هو عيد الحب وان هذه المجموعة تحتفل بذلك .
رجعت بي الذاكرة إلى حارات الشام وبالتحديد (باب توما) , فهنالك وقبل أيام من عيد الحب تكون جميع المحلات مزيّنة بالقلوب والألعاب والدببة وبالورد الأحمر .
لم أكن أريد أن أتذكر ما يعانيه بلدي من حرب ودمار, لم أكن أريد أن أقارن لون الورد الأحمر في هذه المناسبة بلون دماء الشهداء في وطني, فالعالم يحتفل بالوردة الحمراء ونحن نحتفل برؤية دماء شهداء الحرية تسيّل في أروقة وطني .
أطفالنا أصبحوا يبيعون الورد على أرصفة الغربة والذل ليؤمنوا لقمة الخبز لأهلهم فيكفيهم الموت قهراً وحسرة, تذكرت كلام الطفلين السوريين بائعَي الورد حين قال أحدهم : ” كل يوم أتمنى أن أموت ” .
وبعد أن استيقظت من ذاكرتي المتعبة نظرت إلى عقارب الساعة الميتة في بلاد الغربة , مرَ أمامي رجلٌ وامرأة مسنين , لفت انتباههم مجموعة الدمى المتحركة تلك فوقفوا مبتسمَين ليشاهدوهم .
اقترب الشاب من المرأة المسنّة وقدّم لها الوردة الحمراء كعادته ثانياً ركبته وهي بدورها قامت بالانحناء مبتسمةً شاكرة .
عادت عيناي للنظر إلى ساعة المحطة فقد بقي عشر دقائق على القطار، حينما رأيت شاب الدمى منشغلاً بربط حزام الأميرة السمينة ، قمت بسرعة ومشيت باتجاه القطار, لم أود أن يقدم لي الشاب أيّ وردٍ أحمر ، لم أكن أودّ رؤية أي مظهر احتفالي لعيد الحب, فنحن السوريون قدّمنا كل الحب للعالم ولم نرى أحداً يرأف لذلك الجوع والقهر والحرمان الذي أصبح يعشش في بلدي .
في طفولتنا كنا نلعب لعبةً نسميها بالعامية ” بيت بيوت ” نعمر فيها بيوتاً من المخدات والألعاب الصغيرة . أما الآن أطفالنا قاموا باستبدال البيوت قبوراً ليلعبوا بها .
وإنا أمشي بسرعة, كنت أرى وجوهاً متنكرةً ,البعض يضع شعراً مصطنعاً أحمر وأصفر مع ثياب بيضاء وورد حمراء, أردت فقط أن أغمض عينيّ, لا أريد أن أشاهد أيّ شيء, فقط أريد أن أرى ابتسامة أطفال سوريا من جديد ، أريد أن أمحي ذاكرة ذاك الطفل من مشاهد القتل والدم ، أريد أن اشتري الألعاب لأقدمها لهم ,كي ينسوا كل شيء حزين, أريد أن ينسوا منظر مدرستهم المدمّرة وأسرتهم المشرّدة , أريد أن أعوّض ابن الشهيد جزءاً من حنان أباه, أريد فقط أن أخبره أن أباه مسافرُ لا أكثر.
أريد أن أمحي الخوف من قلوب أطفالي, أريد أن ينسى أنه يوماً ما عمل لأجل تأمين خبز عائلته في عمر الورد , آه كم أريد وأريد . . .
ربما كنا أكثر الشعوب حبّاً للناس, فحتّى إنسانية الغير لم تستيقظ من سباتها طيلة هذه السنوات الدامية لوطني سوريا , لكن حتى لو منعوا عنا إنسانيتهم وعطفهم سنكون قادرين على مجابهةِ قساوة الزمن هذه , وسنبقى محبيّن لسوريا بكافة مدنها وزواياها , ففي كل بقعةٍ منها مداس شهيد وفي كل حفنة منها رائحةٌ للحريّة , سنبقى نحبّكِ سوريتي الجميلة فمن دونك أدركنا معنى الوطن ومعنى الحنين . . .