مساء قامشلو

  سردار احمه

مع بداية الليل يبدأ الخوف بالهبوط على سكان قامشلو، تلك المدينة القريبة من سفوح جبال طوروس والواقعة في الشمال الشرقي من سوريا، تحفظ بين طياتِها الكُرد والأرمن والعرب والأشوريين، تلك المدينة التي تعشق الليل والسهر والفرح, ولكن بعد عدة أشهر من الثورة السورية, كانت قامشلو من المدن الأولى المشاركة فيها, تغير الوضع مع الظلام الذي حلَّ على الناس ليزعجهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات متواصلة من قبل النظام السوري.
عندما يخيم الليل على المدينة الأطفال ينطوون على أنفسهم في زوايا البيت, وجوههم شاحبة وكئيبة، فلا لعبة يلعبونها ولا رقصة يرقصونها ولاشيء يذكر في هذا الظلام. أحياناً يتجمعون في وسط الغرفة لكتابة واجباتهم المدرسية على ضوء “الشاحن” الذي يبدأ بالنقصان ولا يقاوم إنقطاع الكهرباء الطويل، وعندما تقترب منهم تراهم أطفالاً في عمر الورد ومع ذلك بارعون في السياسة. يتحدثون عن الوضع الذي يعيشونه وينخرطون في الحديث عن الكهرباء والغلاء الفاحش الذي يقصم ظهر ابائهم, واسم بشار الأسد لا يفارق ألسنتهم مرفقة بجملة (الله يخرب بيتك يا بشار) .

الأطفال مثل ما رأيت هم الحالة الأحوج إلى المراعاة والحب, وإلى النور والأمل الذي يرحل من قلوبهم مع الأيام لينبت فيه الضعف والخوف والهم المفروض على مدينة قامشلو بشكل عام، ومع هذا يفضلون الظلام على صوت المدافع التي تقصف ريف قامشلو بشكل يومي من باحة المطار المتواجد في مدخل المدينة الجنوبي، ومع كل ضربة تهتز المنازل مدخلة الرعب إلى قلوبهم, وصوت المدفعية يرافقهُ أزيز الرصاص والطائرات الحربية، حتى باتوا يُميزون أصوات الطائرات إن كانت حربية أم للاستطلاع.

فجأة، و بدون موعد مسبق، تسمع صوت صراخ يخرج من كل انحاء الحي فرحاً بعودة التيار الكهربائي، يبدأ الجميع بالتحرك والعمل قبل انقطاع الكهرباء من جديد, فيبدأون بإعداد العشاء وإنهاء الواجبات المدرسية، والآخريخرج لزيارة صديق، وأحدهم يوزع الشواحن على علب الكهرباء لتزويدها بالطاقة، ويبدأ الحديث المعتاد بين الأطفال، الأول يقول ساعة ورح تنقطع الكهرباء،ولكن الطفل الأكثر تفائلاً وأملاً يرد عليه: لأ إن شاءالله رح تضل ساعة ونص. إنهم ينهون تلك الساعة المضيئة بالكلام عن موعد انقطاع الكهرباء، هكذا يكون مشوار العائلات مع الكهرباء في كل ليلة, وصباحاً حتى قدوم الليل من جديد، ربما تأتيهم الكهرباء ساعة أو لا تأتي, إنهم يقضمون أظافرهم من البرد والتوتر ولا شيء يدفِئهم سوى ثوبهم أو يتغطون باللحاف, ويبقون صامدين ويستمرون بالعيش رغم وضعهم الذي لا يُطاق. وتبقى مدينة قامشلو باقية بوجود أولئك الأطفال، وبحبهم لأرضهم وتمسكهم بترابها رغم كل المعاناة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…