علاقة متوتّرة


سعاد سليمان

في إحدى زياراتي التي تتضايق خطاها من قدميّ، التقيت وجوهاً جديدة، استدللت على المنزل، فتحت لي طفلة الباب، ثمّ استقبلتني شابّة في العشرين من عمرها، أوّل ما لمحت وجهها، حاولت جاهدة أن أجمع شمل تلك الملامح المبعثرة، حاولت جاهدة أن أجذبها، لتسيل في وادٍ واحدٍ، لكن لم أنجح، وعندما عدت إلى المنزل بتّ عندما أنظر في المرآة إلى أنفي الكبير أُرْبِتُ عليه وأقول له:
– كن آمناً لست في مشكلة خطيرة.
مسكين جدّاً أنفي، لطالما تلقّى منّي الإهانات، الواحدة تلو الأخرى، تنزل عليه كالرعود المتتالية في شتاء مجنون..
لطالما صبّت عليه اللعنات وكأنّه متشبّث بأثواب إبليس، يهتف بحياة تمرّده، وكلّما يحاول أن يقنعني أنّه لا يريد لي سوى الخير، أصفق الباب في وجهه قبل أن ينهي حديثه، لكن فلا يظنّ أحدهم أنّ أنفي بريء..

لطالما تمنّيت أن أرفع رأسي أمام نساء حيّنا، وبسببه ما استطعت، لطالما أردت أن أجرّب ابتسامة عميقة ذات معنى، ما استطعت، لطالما تمنّيت أن أفتح الحدود بيني وبين المرآة الجارة، ما استطعت..
– فهل هو بريء أنفي.. ؟!!!
– لا. لا ليس بريئاً.
لكن سمعت خبراً.. أدهشني الخبرُ. سمعت أنّ شابّاً تتقاتل عليه النساء في حروبهنّ الخفيّة، وتتسابقن للوصول إلى قلبه، قد أحبّته فتاة لها أمل كبير في أن تناله، والدهشة تأتي من أنّ الفتاة العاشقة المجاهدة في عشقها هي ذات الملامح المبعثرة.. لكنّ الحقيقة أنّ الدهشة لا تعادي العشق، بل هنا صاحبت أمل الفتاة في شابّ الوسامة ذاك.
عندما سمعت الخبر، قرّرت أن أقابل أنفي، وأن نتحدّث طويلاً، ذهبت إليه في المرآة، سألته:
– أتتذكّر.. ؟!! أتتذكّر يا أنفي عندما حاولت أن تقنعني بأن أذهب إلى حبيبي وأصارحه بأحداث قلبي..؟ وقتها صفعتك وقلت لك:
– لقد تجاوزت حدّك في الوقاحة..
فآويت إلى غرفة مظلمة لا تبارحها، وأنا كذلك آويت إلى زاوية لم أغادرها حتّى الآن..
هلاّ تسمع بهذا الخبر: بشعة لها أمل كبير بشابٍّ وسيم…!!  
طلب عندها أنفي منّي الإذن بالتحدّث، أذنت له، قال:
– أنا لا أعتمّ بكلِّ ذلك، أكبر همّي هو أن تكفّي عن تحقيري، وأن تمنحيني فرصة لإثبات جدارتي في أن أعيش..
رددت عليه فوراً:
– اصمت أيّها الأحمق، ألن تعقل ولو للحظة واحدة…!
أجاب:
– المسألة ليست مسألة تعقّل سيّدتي، لكنّه الأمل، وأيّ مخلوقٍ – يا ترى – في هذه الحياة قادر على أن يعيش بلا أمل..؟!!!
قلت:
– إذا لم تكن قادراً أن تعيش بلا أمل، إذاً لا تعش. وهل من الضروريّ أن يعيش أبله مثلك في هذه الحياة الجميلة.
كذا ستستمرّ علاقتي مع أنفي، لكن ليست هكذا هي علاقتي مع الحبّ والحياة.
عندما توضّحت علاقتي مع الحبّ والحياة، زرت أعماقي سابرة أغوارها، سوّيت تربتها، غيّرت البذور.
اشتريت لنفسي ثوباً وعطراً، لأتهيّأ للذهاب إلى تلك الفتاة التي هي مثلي (أنا مثلها)، أحبّت الحبّ والحياة، لأعتذر منها وأستسمحها..
لكنّني عندما سأنتهي من تلك الزيارة، سأعود إلى زاويتي التي لن أغادرها…!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…