مزاودتي على كرد الداخل (الجزء الثاني)

د. محمود عباس

  من الصعوبة بمكان لقوة الداخل الانتصار بدون الخارج، والسلطة تضع في اعتبارها دائما الوجودين عند محاربة المعارضة الوطنية السورية أو القومية الكردية، كما وإنها تستخدم أذكى وأدق التكتيكات للإيقاع بينهما، وخلق الخلافات والصراعات بكل أنواعها. لا تتهاون في صرف الكثير من جهودها المادية والثقافية في إبقاء الهوة بينهما عميقا. ونحن نرى أن أغلب الاعتقالات التي تتم للمناضلين بين السياسيين في الداخل، القصد منها تبيان البعد القومي للأحزاب السياسية وخلق ثقل لها في الشارع، ومن جهة أخرى تتقصد خيرة المناضلين في الأحزاب السياسية لكسر عزيمتهم.
 أما بالنسبة للأقلام فالهدف واضح، وهو إسكات الصوت الحر القوي والمسموع، لهذا نجد أن من مهام الداخل إعطاء المجال للخارج في المواجهة الصارخة، ليس انتقاصا للداخل بقدر ما هو حذر وذكاء في كيفية محاربة السلطة الشمولية. عند تبادل الأدوار بين الطرفين ستسهل الكثير من الأمور لدى الجهتين في مواجهة العدو المشترك.  

  من المضر بالداخل تناول حيثيات الثورة ومحيطها بكل أبعادها، وخاصة تلك القضايا التي ستجلب إلى ذاتها شرور السلطة، مثل المواجهة الفعلية مع القوى المرتبطة بالسلطة سرا كالجهادية أمثال داعش وغيرها، فهي من مهام الخارج، ولا يعني هذا أن تقف الداخل مكتوفة الأيدي أمام هؤلاء وأمثالهم، ولكن بأسلوب لا يعرضه للمخاطر والمهالك، ويجب الانتباه على أنه هناك أخطاء وخلل بالطريقة الانفرادية في مواجهة هؤلاء التكفيريين الأشرار، الرافضين للقومية والوطن. ولا شك، بدون معلومات الداخل لا يمكن للخارج إعطاء تقييم تام ودقيق لمجريات الأحداث وحقيقة العلاقات السرية الخبيثة التي تعتمد عليها السلطة في وجود هيمنتها واستمراريتها، ولا شك أنه من مهام الداخل تبيان الواقع المعاش، والظروف التي يمر بها الشعب، وإظهار معاناة الأمة ومأسي الشعب بتفاصيلها، وهي الدقائق التي يجب أن يعتمد عليها الخارج ويبرزها لدى المحافل الدولية، وكذلك أساليب الخداع والمسرحيات التي تقيمها هذه السلطة كلما دعت الحاجة إليها.
  من غير المعقول، نجاح الطرفين (الخارج والداخل) في مهامهما من دون توزيع الأدوار بشكل منسق ودقيق، فكلاهما كل واحد، ولكن النظام يخلق الخلافات بينهما بمكر ودهاء. فأي جهد يفصل بينهما سينصب في مصلحة السلطة السورية، فنحن نعاشر الحالة هذه منذ نصف قرن أو ما يزيد. ولو كان الحراك الكردي السياسي منتبهاً إلى هذه النقطة، ومدركاً لضرورتها على الساحتين الوطنية والقومية ومدى ثقل دورها في المحافل الدولية لأرسل ممثلين عنه إلى الخارج، ولأعتمد على الخارج أكثر من اعتماده على الداخل، حينها، لكانت الأمور غير هذه، والحالة غير هذه الحالة المزرية في هذا الظرف العصيب. لكانت السلطة تحسب لهم ألف حساب. ولما ضيق عليهم النظام وحصرهم في إطارات تنظيمية هشة، بدون إرادة أو قرار أو صلاحية، تابعة لهيئات بلا حراك يذكر في الداخل، تلك الهيئات التي لو كانت لها قراراتها لأدركت مدى  أهمية وجود لوبي مدعوم ومستقل الرأي عن سيطرة الداخل المراقب والمسير من العدو بشكل دائم، ولو علمت الأحزاب الكردية مدى أهمية العلاقات مع المحافل الدولية، لكنا اليوم، من دون مبالغة، في صراع وحيد الجانب مع العدو وليس في صراع بين الداخل والخارج الكردي، ولوجدنا الآن دعماً مناسبا مبنيا على ركيزة من القوى الدولية لقضيتنا، وما كنا لنغوص في الأخطاء الجارية الفادحة، والمتعددة الجوانب.
  من اليوم وصاعدا من لا يسعى إلى توزيع الأدوار بين الداخل والخارج، ويصر على الاستمرار في النهج الساري راهنا، يخدم مخططات السلطة عن دراية أو بدونها. والصراع الجاري بيننا لا يمكن وبأي شكل من الأشكال أن تخدم قضيتنا، بل إنها تعمي بصيرة الشعب، وتخفي عنهم معرفة الحقائق، والجاهل في هذا أضراره أكثر كارثية من أضرار العدو الذي يخطط لها وبدراية. ويجب الانتباه بدقة إلى أن الصراع بين الداخل والخارج لا يَفْرق في كثيره عن الصراع الدائر بيننا وبين السلطة ذاتها، بل وكثيرا ما تنحاز السلطة جانبا كاستراحة المحارب الخبيث عندما يزداد أوار صراعنا بين بعضنا البعض.
  علينا الانتقال إلى مرحلة جديدة من التبصر والتمعن، نحن أمام بناء مرحلة ثورية لتغيير المفاهيم والرؤى السائدة، فالمراحل النضالية السابقة تحتاج إلى مراجعة مجردة من النوازع والعواطف مهما كانت الحقائق المستنبطة منها مرة ومؤلمة، وعلينا تقع مهام تدشين ثقافة نوعية مغايرة، وأساليب مختلفة عن كل ما سبق في النضال ضد العدو، نحن في ثورة، ومن لا يقتنع بها يعدم  جدلية التاريخ التي نمر بها والتي من النادر تكرارها،  إن لم نتمكن من انتزاع حقوقنا القومية في وطن الثورة هذه فإننا نكون قد أعدمنا حقوق أجيال قادمة على مذبح الحرية. 
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamkurda@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…