حتّى العشق لم يفلت من براثن أحزابنا!!

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

منذ أكثر من خمسين عاماً وحتى يومنا هذا تحقّقُ أحزابُ الكردِ في سوريا إنجازاً إثْر إنجاز, بدءاً من التّقسيم الأوّل وليس انتهاءً بالتّقسيم الأخير, وما يرافقه من تقسيماتٍ ونزاعاتٍ وصراعاتٍ اجتماعيّةٍ وعائليّةٍ ومعرفيّة.

كلّ هذا تقبّلناه ككرد, واعتدنا على كلّ ما ينجزونه  ويفعلونه, ولكن أن يصل بهم الحدّ إلى  سحْقِ “العشقِ” بحوافرهم, وطحنه  بين براثنهم, ففي هذا “نفير  الخطر, وبوق الضّباب”الموبوءِ بويلاتٍ ما بعدها ويلات!! شابٌ كرديّ تلتقي روحه بروح فتاةٍ كرديّةٍ من خلال أنسام طبيعةِ الكردِ البهيّة, النّقيّة, فيرفعان المنديل الأبيض للأنسام, ويحوّلان المنديل إلى ما يشبه “بساط الرّيح”.
يعومان في فضاءِ العشقِ, يلجان حجراتِ عشّاقِ اليوم والأمس وما قبل الأمس الظّاهريّة منها والباطنيّة, يزرعان أزاهير الحسّ السّرمديّ والشّعور الأبديّ في حضن كلّ بقعة ترابٍ لم تكن تنبض بالحبّ, وتتلذّذ بالعشقِ, يتواعدان على الوصول إلى مملكةِ العشقِ التي بها تطهّر النّفس, ويتوب القلبُ.
يتعاهدان على تصفيةِ نوايا شعبهم الكرديّ, وإزالة شجيرات الحنظل والصّبار منها.
يهتفان: زمام القدرِ بيدينا, ومربط العمر بإرادتنا يُعْقَدُ. هذا الهتافُ يتحوّل إلى  رنينٍ دافئ يتسلّلُ إلى قلوب ونفوسِ أهل العاشقين, فيحوّلانِ الدّفء إلى نارٍ عجيبة تُضافُ إلى أنواع “نيران جهنّم” الموعودة.
لماذا؟ كيف؟ وما السّبب؟
لا لشيء, فقط لأنّ أهل كلّ طرفٍ ينتسبون إلى حزبٍ مخالفٍ في الرّأي, بل في نوعية الهتافاتِ والبيارقِ والخطابات.
يحاولان مراراً, يستخدمان كلّ وسائل العشقِ الظّاهرة منها والمستترة, يستغيثان بشهداءِ العشق والحبّ عبر العصور, يستنجدان بأبطال الأحزاب الكرديّة ورجالاتها الأماجد, يتخبّأان في بيارقهم ويصفّقان لخطاباتهم.يهدّدان, يصرخان, ولكن من دون أن يحصدا ذرّة من الأمل, فقط صدى صراخهما يوقظهما من غفوة أملهما وتأمّلهما.
بعد كلّ هذا, بعد اليأسِ من تحقيق ما كانا يطمحان إليه من تقاربٍ وتصالحٍ بين أحزاب الكرد. وبعدما يصلان إلى نتيجةٍ نهائيّة على أنّ قادة أحزاب الكردِ ومسؤوليهم كانوا وسيظلّون قلاعاً للصّمودِ والقوّة, وأن لا أحد من أبناءِ وبناتِ شعبنا الكرديّ المسكين والمغلوبِ على أمره يستطيع تحدّيهم, أو حتّى مجرّد التّفكير بمواجهتهم, يقرّرانوضع نهايةٍ  سعيدةٍ لحياتهما, التي يجدان فيها التّحدّي الأكبر, والصّفعة الأكثر شدّة وإيلاماً.
يا لنا ولما آل إليه حالنا: “حتّى العشق لم يفلت من براثن أحزابنا”.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…