بصدد الإعلام الكوردستاني

جان كورد

  في مثل هذه الأيام، قبل أكثر من قرنٍ من الزمان، بزغ فجر الصحافة الكوردية، حيث بدأ العمل على إصدار العدد الأول من جريدة “كوردستان” على أيادي الناشط والمثقف الكبير مقداد بدر خان، في القاهرة بمصر، في يوم الخميس/ 9 نيسان (30 ذو القعدة)، حسب ما هو مدون على صدر العدد الأوّل، وليس في 22 نيسان كما هو منقول ومشهور، يتساءل المرء عما هو مطلوب من الإعلام الكوردستاني، الذي تطور بشكل ملحوظ، وبالتحديد منذ عقدين من الزمن، في مختلف مجالاته السمعية والبصرية، وفي عالم الانترنت والتواصل الاجتماعي بصورة خاصة.
    وفي هذه الأيام بالذات، نجد مع الأسف من جعل من الإعلام مضرباً يضرب به ذات اليمين والشمال، دفاعاً عن حزبه أو زعيمه أو شخصه، لا تهمه في ذلك مصلحة الأمة ولا يكترث بالمهمة النبيلة التي تقع على عاتق الصحافة، بل جعلوا من برامجهم “الإعلامية” منابر للشتم والازدراء والسب وكأنهم ليسوا سوى أجراءٍ لدى عملاقٍ يستخدمهم لمآربه الشخصية أو الحزبية ثم يرمي بهم إلى سلة المهملات التاريخية غير آبه بمصائرهم، بل يتخلص منهم سياسياً أو مهنياً أو جسدياً، شأن كل الدكتاتوريين الذين يستعبدون الناس ويرمونهم في المعتقلات أو أخاديد النار متى ما شاؤوا.  وأغلب هؤلاء الأجراء هم صنائع الدكتاتوريين، يتربون على أفكارهم ويتبعونهم في صعودهم وهبوطهم، مادحين وطائعين، ولو تمرغوا في أوحال الخيانة لشعبهم فيتمرغون معهم. وهؤلاء إعلاميون ناشطون مع الأسف، نراهم بتلفيقاتهم ومدائحهم ورقصهم على إيقاعات الأساطير الفرعونية لزعمائهم يهينون مهنة الكتابة والإعلام، ولا يستحقون سوى أن نقول لهم وجهاً لوجه: ألا ساء ما تفعلون! كفاكم إهانةً لهذه المهنة…

   الإعلام الكوردستاني بصحافته المتنوعة ونشرياته الدورية، بقنواته التلفزيونية العديدة، بالكثير من مواقعه الالكترونية، وبمساهماته الواسعة في شبكات التواصل الاجتماعي والنشر الالكتروني، قد قطع شوطاً طويلاً في الاستفادة من التقنية الإعلامية، إلا أنه لايزال متخلفاً رغم التطور الهائل لوسائل الإعلام، ولا يزال تابعاً للحزب السياسي ومرتزقاً بكل معنى الارتزاق. والأسباب جمة وشرح هذا يطول…
  هناك اتجاهان سائدان في الإعلام الكوردستاني، تسجيلي وثائقي، لا يكلف نفسه بعناءٍ سوى تسجيل وتوثيق ونشر ما يقوم به حزبه أو تكتله السياسي من نشاطات وما يصدره من بيانات وما يحققه من إنجازات، ولا يفسح لديه إلا  حيزاً ضيقاً جداً لقبول “الرأي الآخر” الذي يكون على الدوام تحت إشراف وتقييم المشرف الحزبي على الإعلام، وهو يحمل مقصاً كبيراً يستخدمه لقص ما لا يعجبه من المواقف، سواء تلك التي للإعلاميين غير الملتزمين حزبياً أو  من الموالين للحزب، ناهيك عما يكتبه معارضو سياسة الحزب أو زعيمه، والاتجاه الآخر  هو الذي عليه المتمردون على سلطة الأحزاب وتسلطهم على مفاصل الإعلام الكوردستاني ويحاول بشتى السبل الوصول إلى شواطئ بعيدة وآفاق واسعة ينشر  فيها ما يرى نشره ضرورياً ومفيداً للشعب، حتى ولو كان على حساب تكتلٍ حزبي أو زعامة ما… ووظيفة الإعلام الكوردستاني الأولى تكمن في دعم هذا الاتجاه وتقويته ودفعه إلى الأمام من خلال التدريب والمساندة وإفساح المجال أمام الإعلاميين الكوردستانيين الذين يريدون أن يصبحوا صحافيين مهنيين بكل معنى الكلمة وان ينقلوا الحقيقة للشعب بدقة.
  حتى يتمكن الإعلامي من الكتابة عن الحقيقة يجب أن يكون باحثاً جيداً عنها ويحبها، لا أن يكون مكرهاً على التستر عليها والتنكر لها. ويجب أن يكون حراً حتى يستطيع الكتابة عن الحرية، لا أن يمدح الاستعباد والتبعية والخنوع ولا يتجرأ على الحديث بحرية عن الموضوع الذي يسعى لنشره، وعلى الإعلامي أن يكون مؤمناً بالديموقراطية وأن تكون له معرفة جيدة عنها وعن حقوق الإنسان في المجتمع الديموقراطي حتى يتمكن من الكتابة عنها، لا أن يكون عبداً ذليلاً لم تتعرف عيناه سوى على الذل والنظرة الأحادية والسياسة التي تؤمن بأن لا بديل لها والزعيم الذي يراه أتباعه معصوماً عن الخطأ ولا يضاهيه أحد في ذكائه وسياسته وفشله، بل وخيانته… كما يجب أن يكون الإعلامي مؤمناً بالكورد وكوردستان حتى يقدر على الكتابة عنهما بإخلاص وتفانٍ، لا أن يميل عن الدفاع عنهما حسبما تريد منه سياسة الحزب وإرادة القائد وتكتيكات الجماعة المنتمي إليها… ووظيفة الإعلام الكوردستاني الحر تكمن في بناء الشخصية الإعلامية وتثقيفها وتدريبها للدفاع عن هذا الاتجاه ضمن صفوف جيشها العرمرم.
  اليوم، نرى في شبكات التواصل الاجتماعي العالمية عدداً كبيراً من الإعلاميين الكوردستانين الذين يبحثون عن الحقائق وينشرونها ويدافعون عن قضية شعبهم الكوردي المظلوم بقوة من دون أن يكون هناك حزب حاضن لهم أو داعم يدعمهم، بل يستفيدون من الإمكانات الهائلة التي تقدمها لهم هذه الشبكات ويتخلصون من “الرقابة الحزبية” ومن توجيهات السيد “المشرف العام” و لا يكتبون إلا ما يرونه حقاً ويجب نشره للشعب، وتراهم يقضون مئات الساعات شهرياً من عمرهم دون مقابل ليتابعوا عملهم الدؤوب والضروري في خدمة تطوير الإعلام الكوردستاني، إعلام الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، إعلام الكورد كوردستان، لا إعلام التبعية الذليلة والتستر على الحقائق ودفن الضمائر الحية في ظلال الدكتاتورية البائسة التعيسة. 

    في هذه الأيام بالذات أحيي كل الأحرار الذين قدموا حياتهم في سبيل إعلامٍ عالمي حر، في كوردستان وخارجها، وفي مقدمتهم إعلاميي كوردستان الأوائل البدرخانيين، وكل الذين ساروا ويسيرون على خطاهم حتى اليوم، في الإعلام الحزبي والإعلام الحر، من أجل تعريف العالم بقضيتنا القومية العادلة وللتطرق إلى مشاكلنا الكثيرة، وفي سبيل دعم كفاح أمتنا المظلومة من أجل الحرية والحياة الكريمة، وأملي في أن تقوى عزيمة الإعلام الكوردستاني الحر أمل كبير…

22‏/04‏/2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…