محاضرة بعنوان / المجزرة الأرمنية دماء وحبر / وذلك بتاريخ 14 نيسان 2014
في فندق البريستول في العاصمة الأردنية ،عمان ، برعاية النادي
الروتاري عمان ،جرش
وفي نهاية المحاضرة ، قام النادي الروتاري /جرش / بتكريم
الكاتب وشجعت على القيام بفعاليات مدنية ونشاطات التي تهدف للسلام …وذلك بحضور
عدد من المثقفين والمهتمين بهذا المجال .
فيما
يلي نص المحاضرة:
المجزرة الأرمنية دماء و حبر
((سحب
أوهان حصانه الأسود، ووضع رجله في الركاب الأيسر. وقبل أن يضع الثانية في الركاب الأيمن
وصل الحصان إلى قمة جبل صاصون. هناك وجد حصان دافيد، ابن أخيه، شارداً في الجبال من
دون خيّال. ورأى جيش الفرس يملأ السهل كأنه أمواج البحر))
الشاعر هوفهانيس تومانيان (مقطع من أسطورة “دافيد
الصاصوني”)
** ملكون ملكون
** عندما كان المطر ينقر على شبابيك بيتنا العتيق و
المزراب يدلف ماءاً فرحاً ليغسل حوش بيتنا كانت المدفأة تدمدم لهباً و حرارة و
قشور البرتقال تملأ الغرفة عطراً قادماً من زمنٍ مضى …. عندها كنا نهزم وحشة
الليل بالإصغاء لحكايات أهلنا عن وطنٍ جميل غادروه عنوة ذات حقد …. عن بلاد ضمت
أحلام أهلنا ثم بددتها رياح الحقد الصفراء اتقتلعهم من جذورهم هاربين من الموت
تاركين خلفهم أشلاء أهلهم و بقايا ذكرياتهم معلقة على جدران بيوتهم البسيطة و
الانيقة في آنٍ معاً .
في عيون أهلنا و هم يروون لنا حكايات و حكايات عن مجزرة
و دماء استبيحت كان يلمع بريق دمعة حزينة و لكن صوتهم لم يكن يتهدج أو يتلكأ ليفصح
عن قوة الحياة داخل الأرمني التي هزمت الموت الحاقد .
و بعد سنوات كانت الكلمات البسيطة و العميقة تلك تستقر
في ثنايا الذاكرة و تتعربش على جدران الروح و تستفز العقل ليبحث و ينبش في دفاتر
الماضي الحزين …. و أيضاً تحث الخطى لتزور ارض الأجداد و لتسلك طريق الحنين لتلك
الدماء البريئة التي اهرقت على مذبح الحقد .
و بعد سنوات كان عليّ ان ادرك ان صرخة الألم في اغنية
هاروت باموبجيان ” اور يير اسفاتز ” اين كنت يا الله يوم ذُبحنا ؟؟ لم
تكن تحمل كفراً بل كان الكفر بعينه ما فعله الاتراك الذين حتى يومنا هذا يسمون
الأرمني بـالـ كاورر أي الكافر ؟؟!!!! .
و كان عليّ أن اعرف ان كل هذا الشجن الذي ينهمر من الة
الدودك الموسيقية الأرمنية ليس سوى اختصار لكل الألم و الحزن الأرمني و صفعة تلطم
كل من يشيح ببصره عن دماء الشهداء الأرمن ….
و كان عليّ ايضاً أن اراقب والدي و هو يقتني بشغف كل ما
كان يرد من أرمينيا للقامشلي من بضائع بطريقة تشي بحنين مزمن و يفخر بانه قد علق
لوحة نحاسية للبطل الأرمني فارطان ماميكونيان في بيتنا ،و يروي بكثير من الألم
ساعات السفر الطويلة التي كان يقل فيها
الأرمن المهاجرين بباصه الى اللاذقية في موجة هجرتهم الثانية لارمينيا عام
1966 بعد أن سبقتها الهجرة الأولى عام
1946 .
و كان عليّ ان احترم نبل دموع صديقي البدوي الأسمر و هو
يروي حكاية جدته الأرمنية هايكانوش التي آوتها عائلة من بدو الجزيرة السورية و هي
طفلة هاربة بعد ان ذبح كل أهلها امام عينيها البريئتين ،و رغم انها أصبحت زوجة و
اماً و جدة في عائلة بدوية الا انها كان تطلب من حفيدا ان يذهب بها الى كنيسة
الأرمن بالقامشلي مرتين في العام لتقف من بعيد تبكي أهلها و تصغي لاحتفالات 24
نيسان ذكرى المجزرة و للحزن الذي يغلف أجراس الكنيسة في يوم الجمعة العظيمة .
و كان عليّ أخيراً ان امتطي اجنحة الحنين و ارشف من
ذكريات والدي و ازور مسقط رأسه حصن كيف حيث تم مجزرة إبادة المدينة عن بكرة ابيها
و كتبت بعدها قصة في الطريق الى الحنين و من ثم كتاب أبواب الحنين …..
الان …. دعونا نرتب قليلاً ما حدث و كيف حدث و لماذا
حدث ؟؟
قبل الحرب العالمية الأولى …. خرجت روسيا منتصرة من الحرب ضد تركيا
سنة 1878. في 19 شباط انعقدت معاهدة سان ستيفانو بين الطرفين. طلب المؤتمر من تركيا
إجراء الاصلاحات اللازمة في الولايات الأرمنية. لكن، وبعد ضغوط الانكليز الذين تسلموا
إدارة جزيرة قبرص بعد مفاوضات سرية مع الأتراك، تم عقد مؤتمر آخر في برلين استبدل خلاله
البند 16، المتعلق بالإصلاحات الأرمنية ، بالبند 61، الذي أعاد منطقة غارين (المعروفة
اليوم بإسم إرضروم) إلى تركيا، وولايات قارس وأرضاهان إلى روسيا. أبقى البند تركيا
راضية بحذف كلمة أرمينيا من البند السابق؛ و بذلك لم تعد تركيا مجبرة على القيام بالإصلاحات.
بالفعل
وبعد سنتين، راحت السلطات التركية تمنع استخدام كلمة أرمينيا في الوثائق الرسمية. وفي
سنة 1844، إنتفض الأرمن في منطقة زيتون ضد الضرائب التركية الخيالية. ثم قامت الحكومة
التركية بتقسيم أرمينيا الغربية إلى ولايات وهي: إرضروم، خاربوت، ديار بكير، درسيم،
تيفليس، فان، هيكياري، وسيواس ، وفي سنة 1888 أغلقت السلطات التركية الصحف والجرائد
الأرمنية في إسطنبول والولايات الأرمنية.
وبين
20 و 27 آب من العام 1894، وقعت مجازر كيلي غوزان في صاصون، حيث قتل الأتراك كل الأرمن
الأبرياء والمجردين من السلاح… وقد أرغم الجيش التركي السكان الأرمن على مغادرة منطقة
أنطاكيا نحو الغابات والوديان، ثم أحرقت هذه الغابات المكتظة بالأرمن. وكانت الحصيلة
النهائية لهذه المذابح مقتل 10 آلاف أرمني وتدمير 74 قرية أرمنية في صاصون.
وفي
16 تشرين الأول من العام 1895 شن الجيش التركي هجوما على منطقة أورفا في يتيسيا، ورغم
المقاومة العنيفة التي اصطدمت به، تمكن الجيش من ذبح حوالي 10 آلاف أرمني. وفي اليوم
ذاته ذبح حوالي خمسة آلاف أرمني في شابين كاراهيسار. وتكرر المشهد ذاته في 21 تشرين
الأول في منطقة أرزينغان في ولاية ارضروم، وفي 25 تشرين الأول في بتليس.
وفي
16 آذار سنة 1897 أكد تقرير القنصلية البريطانية على مجازر أورفة وحلب التي نفذتها
الفرق الحميدية في 27-28 تشرين الأول سنة 1895. وأرسلت القنصلية الفرنسية رسالة إلى
السفارة الفرنسية في إسطنبول، حيث ترجح عدد القتلى الذين وقعوا في دياربكر إلى خمسة
آلاف. لكن في الحقيقة كان العدد قد وصل إلى 30 ألفا مع تدمير 119 قرية.
وفي
10 تشرين الثاني، واصلت القوات الحميدية هجماتها المتكررة على مدينة فان ، هذا بالإضافة
إلى تدمير مدينة عنتاب ومقتل حوالي 1500 أرمني في 15-17 تشرين الثاني.
وفي
18 تشرين الثاني، وقعت مجازر مرعش. أما في نوردوز، هايوتس تسور، غافاش، كارشيفان فسقط
الأرمن ذبحاً أو حرقاً. وفي 28 كانون الأول، ذبح حوالي 8000 أرمني في أورفة. ومرة جديدة
أكدت القنصلية البريطانية والفرنسية عدد القتلى.
وهكذا
بلغ مجموع ضحايا سنة 1895 إلى 300000 دون ذكر هؤلاء الذين أجبروا على التتريك أو الهجرة
القصرية والذين يصل عددهم إلى 250000.
و بقيت المذابح تسير على نفس الطريقة و الدماء
تسيل بذات الحقد حتى الحرب العالمية الأولى و يومها كانت البطريركية الأرمنية في إسطنبول تقدر عدد الأرمن
الساكنين في تركيا بـ 2.100.000 نسمة.
في
تموز سنة 1914، إندلعت الحرب العالمية الأولى وحافظ الأرمن على حيادهم حرصا على مبدأ
عدم الخيانة للإمبراطورية العثمانية، وتجنبا للقتال مع أخوانهم الساكنين في أرمينيا
الروسية المنضمين إلى الجيش الروسي. ولكن، وبالرغم من هذه الحيادية، فقد تحول وجود
بعض الأرمن في الجيش الروسي إلى ذريعة كبيرة عند الأتراك لما سيفعلونه لاحقا للقضاء
على الشعب الأرمني.
في
كانون الأول سنة 1915، تلقى أنور باشا خسارة فادحة في معركته ضد الروس وقد شكلت هذه الخسارة فشلا كبيرا للأحلام الطورانية،
وكالعادة حمّلت السلطات التركية الأرمن مسؤلية ما حصل. هكذا تمّ جمع الشبان الأرمن
في فرق عسكرية تركية، وتحت ذريعة عدم قيامهم بواجبهم الوطني قُتلوا أو تم إستخدامهم
كأهداف للرماية.
ويصف
ترينسكي (عضو المجلس القومي الروسي) في تقريره، حالة المهجرين الأرمن ويذكر أن مع الهجمات
التركية، كانت الصفوف الأرمنية المهجرة تزداد أكثر فأكثر، مضيفا أن ما حصل لم يكن هروبا
من الحرب، بل ترحيلا قسريا لشعب بأكمله.
في
شباط من سنة 1915، عقد وزير الحرب أنور باشا إجتماعا سريا مع 75 من أهم القادة الاتحاديين.
كان الهدف من وراء هذا الاجتماع وضع الخطة النهائية للإبادة الأرمنية. وتشير الدلائل
إلى أنه تم اتخاذ القرار قبل بضعة سنوات.
وأمر
الثلاثي التركي (المؤلف من أنور وجمال وطلعت) جميع الحكومات المحلية بتنفيذ الإبادة
الأرمنية.
في
15 نيسان، هجم الجيش التركي على منطقة فان، بينما كان الأرمن يهربون نحو الشمال تحت
حماية القوات الروسية. فتم ذبح حوالي 24000 أرمني وتدمير نحو 80 قرية، بعدما اتهموا
بالتعامل مع العدو الروسي.
وفي
هذه المرحلة، دفع وصول أخبار المجازر وما يحصل في الولايات، الأرمن إلى اتخاذ تدابير
احترازية ومراكز للمقاومة. ومرة جديدة استخدمت السلطات هذه الظاهرة كذريعة على ما كانت
ستفعله لاحقا وتتهم الأرمن بالخيانة.
في
24 نيسان 1915، تم اعتقال اهم القادة الوطنيين الأرمن في اسطنبول (ويصل عددهم إلى
800 من حزبيين وأطباء ونواب ورجال فكر و رجال دين) واعدامهم إما شنقا أو من خلال قطع
الرؤوس أو رميا بالرصاص. طبع ذلك اليوم ذاكرة الأرمن وأمسى تاريخا لإحياء ذكرى الإبادة
الجماعية التي تعرضوا لها.
وفي شهر أيار صدر قانون مصادرة كل الأملاك والأراضي
التي تخلى عنها الأرمن هربا من ظروف الحرب.
وفي
24 أيار، حذرت كل من بريطانيا وروسيا وفرنسا السلطات التركية وبشكل علني من كل ما يحصل،
وحملت القادة الأتراك المسؤولية شخصيا. هذه كانت المرة الأولى التي تنبه فيها القوى
العظمى الدولة التركية بأن الإجراءات المتخذة بحق الأرمن تشكل جريمة ضد الإنسانية.
وظلت
المجازر والبشاعة موجودة حتى داخل صفوف الجيش حيث قتل 12000 جندي أرمني في ولاية دياربكير.
وتم
استكمال سلسلة الترحيل وإخلاء منطقتي خاربوت وطرابيزوند من سكانها الأرمن. ولا تزال
صور الوثائق التي تنص على الأمر بترحيل الأرمن موجودة في أرشيف الولايات المتحدة الأمريكية.
في
تموز بدأت مجازر موش وصاصون وتيبليس. و بدأ ترحيل سكان عينتاب وكيليس.
وفي 15 أيلول 1915، ذكّر وزير الداخلية طلعت باشا
ولاية حلب بأوامر ترحيل ومحو الأرمن من الوجود. ولاتزال النسخة الأصلية لهذه الأوامر
موجودة في كتاب “مذكرات نعيم بيك” لأرام أندونيان.
وفي تشرين الأول سنة 1915 أعلن اللورد جيمس برايس
أن الوقت قد حان ليضع العالم حدا لهذه البشاعة، وأضاف أن وصول عدد الضحايا إلى
800,000 حتى يومه لشيء معيب.
وفي
كانون الأول من سنة 1915، حذر طلعت باشا كل هؤلاء الذين تعاطفوا مع أيتام الأرمن وأمرهم
بارسالهم مع القوافل، نحو الصحارى والإبقاء فقط على الأيتام الصغار الذين لن يتذكروا
المجازر.
هكذا
إذا، تم تخطيط وتنفيذ أول وأكبر جريمة ضدّ الإنسانية في تاريخ البشرية الحديث. وقد
استغلت تركيا الظروف الدولية المتشنجة، خاصة اندلاع الحرب العالمية الأولى، لتنفيذ
مخططاتها الجهنمية. لكن، وكما ورد، صمد الشعب الأرمني بفضل إرادته الصلبة وشغفه للعيش
والاستمرار، رغم الخسارة البشرية الفادحة التي تلقتها.
اليوم،
وبعد مرور قرابة القرن على تلك الجريمة الكبرى، لا يزال المجرم ينكر فعلته الشنيعة
ولا يعترف بحقوق الشعب الأرمني. بل وأكثر، يحاول جاهدا طمس الحقيقة وتزوير التاريخ
أمام الرأي العام الدولي. لكن تبقى الحقيقة ساطعة مهما اعتراها غبار الزمن.
الحقيقة
و الدماء بقيت تؤرق الاتراك حتى يومنا هذا لذا فاننا نضم قتل الصحفي الأرمني هرانت
سركيس دينك للشهداء فيصبح العدد مليون و خمسمائة الف و واحد ، و هرانت هو صاحب ورئيس
تحرير صحيفة آغوس الأرمنية أغتيل في أسطنبول في 19 يناير (كانون الثاني) 2007 أمام
مقرالصحيفة ،و عرف هرانت بأنتقاده لمذابح الأرمن، اسس مع زوجته معسكر تزولا للشباب الأرمني الذي كان يحوي 1500
يتيم ارمني و لكن الاتراك في عام 1979 استولوا على المخيم ،ليسجن عدة مرات قبل ان
يؤسس في عام 1996 صحيفة آغوس التي صدرت
باللغتين الأرمنية و التركية ،و لكنه تعرض للتهديد قبل اغتياله في 19 كانون الثاني
عام 2007 بثلاث طلقات من مسدس التركي اوغون ساماست .
و
لان الحق لا يحررهم فان الأصوات التركية المبدعة التي حاولت ان تلامس الحقيقة
تعرضت للملاحقة و الاتهام و التخوين كما حدث مع الروائي اورهان باموق الحائز على
جائزة نوبل و الروائية اليف شفق اللذين اوضحا في راوياتهم عن وجوب الاعتراف
بالمجازر المرتكبة بحق الأرمن .
و
لكن كل المحاولات التركية لطمس الحقيقة لم تفدهم اذ اعترفت مع نهاية عام 2011 ، 21
دولة ،و من ضمنها 20 دولة من أصل 193 دولة
عضوة في الأمم المتحدة أي 10% من المجتمع الدولي. وتضم قائمة الدول المعترفة بالإبادة
الأرمنية أيضا 11 دولة أوروبية من أصل 27 وهو مجموع عدد الدول الأوروبية أي 41% من
المجتمع الأوروبي. كما أن قائمة الدول شملت 4 دول من أصل 12 دولة تنتمي إلى أمريكا
الجنوبية أي 33% من شعوب تلك القارة، حيث ضمت قائمة الدول المعترفة بالابادة
الأرمنية : الأرجنتين، أرمينيا، بلجيكا ، كندا
، تشيلي، قبرص، فرنسا، المانيا، اليونان، إيطاليا، ليثوانيا، لبنان ، هولندا، بولندا،
روسيا ، سلوفاكيا ، السويد، سويسرا، أورغواي، فاتيكان ، فينزويلا .
أما
الوسائل الإعلامية المعترفة بـ الإبادة فهي:
صحيفة الـ نيو يورك تايمز ، أسوشيتد برس، لوس أنجلوس تايمز، سي أن أن ، بوست نيوزوويك
ستيشن، بي بي سي، التايمز ،الأنديبيندنت ، دير شبيغل، لبيراسيون، لو موند ، آرتي تي في .
و
مابين ضمير حي و ضمير ميت تفاوتت التصريحات التركية حول المجزرة …
فالدكتور
ناظم … عضو اللجنة المركزية لحزب الاتحاد والترقي يقول في خطابه أمام أعضاء اللجنة)
: (( يجب ألا نترك أرمنياً واحداً في تركيا، يجب أن نقتل
الاسم الأرمني، سيتساءل بعضكم هل من الممكن أن نكون برابرة إلى هذه الدرجة؟ أو ما الضرر
الذي سيأتينا من الأطفال والعجزة والمرضى لنقتلهم؟ من الوحشية قتل الناس الأبرياء،
هكذا ستقولون: أرجوكم يا حضرات الأفندية، لا تكشفوا عن شعور الضعف والأخلاق في قلوبكم
فهذا مرض خبيث، نحن في حرب وما هي الحرب في نهاية المطاف؟ أليست هي الوحشية بذاتها؟
إن الوحشية تكمن في قوانين الطبيعة…
أما مولان زادة رفعت… أحد القادة المرموقين في حزب
تركيا الفتاة فيقول : ((عندما تحاول وصف الفظائع
التي اقترفها هؤلاء المجرمون يرتجف قلمك في يدك، أطفال أبرياء لا يعلمون شيئاً من مشاكل
العالم كان كل ما يحتاجون اليه هو المحبة والعطف، كانوا نائمين في أحضان أمهاتهم وابتسامة
ملائكية ترتسم على شفاههم، وفجأة يتم اختطافهم من أمهاتهم ويلقون حتفهم بضربة فأس قوية
وتسيل الدماء والدموع من أعينهم في حين يضحك الجزارون الأتراك بهستيرية على ما فعلوه
ويرغمون الآخرين الذين ينتظرون موتهم أن يضحكوا معهم، كيف يمكن وصف وحشية مجنونة كهذه
دون أن يهتز الجسد والروح معاً من هول هذه الفاجعة!)) .
و يقول طلعت باشا وزير الداخلية : (( إنني أنجزت
من القضية الأرمنية خلال ثلاثة أشهر فقط ما عجز عنه عبد الحميد خلال ثلاثين سنة )).
محمد شريف باشا سفير الدولة العثمانية في السويد
في مقابلة مع جريدة جورنال دو جينيف بتاريخ 21 /9/1915 يقول : (( المجازر الأرمنية
التي اقترفها النظام العثماني فاقت في وحشيتها وحشية جنكيز خان وتيمور لنك بدون شك،
ونوايا الاتحاديين لم تكشف إلى العالم المتحضر تحيزهم علانية إلى جانب المانيا، واذا
كان هناك وجود لشعب اتصف بصلاته الوثيقة بالأتراك واخلاصه وخدماته الجليلة للبلاد وصلته
برجال الدولة والموظفين والفنانين والأذكياء الذين قدمهم، فهو من دون شك الشعب الأرمني،
وأسفاه عندما يفكر المجرمون بأن شعباً بهذه المواهب يجب ان يختفي من التاريخ فإن أقسى
القلوب تنزف دماً على هذا التصرف وأنا أرغب من خلال صحيفتكم المحترمة أن أعبر عن غضبي
حيال هذه الممارسات الوحشية ضد الأرمن من قبل الجزارين وأسفي الكبير على الضحايا البريئة))
.
أما صحيفة يني استقلال التركية 11 آب 1965 فقد
كتبت في 11 آب 1965 : (( كم سننتظر؟ ألم تكونوا أنتم من دفن 40 فدائياً أرمنياً في
قلعة عنتاب وهم أحياء؟ ألم تكونوا أنتم الشعب الذي نصّب الراية التركية على قبب الكنائس
الأرمنية؟ ألم تكونوا أنتم نفس الشعب الذي أحرق بيوت الأرمن بمن فيها في عنتاب…)).
الأب الروحي
لتركيا الحديثة مصطفر كمال اتاتورك قال في شهادته امام محكمة زعماء حزب الاتحاد و
الترقي : (( لقد ارتكب مواطنونا جرائم لا يصدقها
العقل ولجؤوا إلى كل اشكال الاستبداد التي لا يمكن تصورها ونظموا أعمال النفي والمجازر
وأحرقوا أطفالاً رضعاً وهم أحياء بعد أن صبّوا عليهم النفط واغتصبوا النساء والفتيات
أمام ذويهم المقيدي الأرجل والأيدي واستولوا على الممتلكات المنقولة والغير منقولة
للشعب الأرمني وطردوا إلى بلاد ما بين النهرين والصحراء السورية أناساً في حالة من
البؤس والشقاء وأهانوهم واضطهدوهم خلال الطريق بوحشية لا توصف …لقد وضعوا الشعب الأرمني
في ظروف لا تطاق لم يعرفها أي شعب طوال حياته )) .
و اذا كانت المسئولية الاكبر تقع على عاتق الحكومة
التركية فان هذه المسئولية لا تموت بالتقادم وفقاً لقوانين الامم المتحدة و ستظل
تتحملها الحكومات المتعاقبة على السلطة في تركية ، كما تقع المسئولية على عاتق
الحكومات الاوروبية و الروسية و الامريكية التي جرت المذابح امام ناظري
دبلوماسييها و بعثاتها التبشيرية دون ان تبدي اي جهد للضغط على الحكومة التركية
لوقف تلك المجزرة و لعل مسئولية الالمان لا تقل عن الاتراك في هذه المأساة المروعة
اذ كانوا منذ البدء مشاركين فعالين في التخطيط و التحضير لها و كانوا مشرفين على
تنفيذها في بعض المناطق هذا بالاضافة الى قدرتهم على الضغط على الاتراك و ايقاف
المجزرة لو ارادوا ذلك بعتبارهم حلفاء للاتراك في الحرب .
و قد وصف ونستون تشرشل هذه المجزرة بالمحرقة الادارية و
بيّن ان هذه الجريمة قد خطط لها و تم تنفيذها لاسباب سياسية حيث كانت فرصة لتطهير
الاراضي العثمانية من العرق المسيحي ، و مما تقشعر له الابدان ان هتلر قد استغل
هذه المجزرة ليبرر القتل النازي قائلاً في عام 1939 : (( بعدما فعلت من الذي
سيتذكر ابادة الارمن )) .
و لكن لان الأرمني الذي ابيد ثلثي أبناء جلدته عاد لينهض
كطائر الفينيق و يزرع في كل بقعة من انحاء المعمورة وطأتها قدماه محبة و اخلاصا و
فنا و ابداعا و مهارة و تميز ،فنذكر على سبيل المثال لا الحصر : المطرب شارل
ازنافور – كارنيك طولوميان مهندس الفن التشكيلي في العالم الفنّان الذي شكل أحد أعمدة الفن العالمي –
هاكوب هاكوبيان مؤسس الشعر الثوري في الأدب
الأرمني الشرقي – هاكوب برونيان من رواد المسرح الساخر في أرمينيا
– باروير غازاريان اشهر الشعراء الأرمن – الكاتب وليم سارويان – العالم في الفيزياء الفلكية فيكتور هامبارتسوميان –
ألكسندر هاكوب صاروخان رائد فن الكاريكاتير في مصر – الرسام أيفازوفسكي: رسام البحر و افضل من رسم البحر – الموسيقار
آرام خاتشادوريان – و المصمم
جورجيو ارماني و اخرون كثر .
الان
….
الأرمني
الذي تطارده دماء شهداء اجداده و لكنه يغفو مطمئنا لان سوغومون تيرليان انتقم
للدماء المستباحة بقتل طلعت باشا في برلين بألمانيا ولان بيدروس
در بوغوصيان وستيبان دزاغجيان،قتلا جمال باشا في منفاه بجورجيا ،و لان أنور باشا الضلع الثالث في مثلث الشر و
الحقد التركي قتل في بخارى بمعارك ضد الجيش البلشفي .
الأرمني
يعشق عمله و يتقنه لدرجة الحذاقة …. مهما كانت مهنته لانه تعلم ان يكون مخلصاً
لمهنته و بارعاً في ادق تفاصيلها …. صناعي لا يشق له غبار … طبيب متميز …
مصور مؤتمن على ضحكات الناس و اسرارهم …. طباخ ماهر تأكل البسطرمة و السجق
حارقين من يديه و تطلب المزيد … ترتدي من بين انامله بدلة انيقة و تسرحِ شعركِ
تسريحة مغناج ….
الأرمني
يحمل لمجتمعه مدارس و كنائس و كشافة …. و
لكنة محببة تميز نطقه للغة العربية … و هاجس الدماء التي سالت لاجداده ليذكر
الجميع بها بلا كلل او ملل مؤكداً
أنه شعب يستحق الحياة ….
على
ملامح الأرمني ترتسم ملامح معدنه الأصيل و عند عتبة بيته يبقى هاجس المجزرة يؤرقه
حتى تستعيد العدالة و الحقيقة اشراقتها من جديد لتهمس في اذن مليون و نصف مليون
شهيد ارمني … اغفوا الان بهدوء .