إبراهيم اليوسف
استطاع منتدى الثلاثاء الثقافي والذي تأسس في العام 1982 أن يكون نقطة تحول مهمة في الحياة الثقافية في منطقة قامشلو – خصوصاً- ومنطقة الجزيرة عموماً، حيث كان أول تجربة من نوعه في ذلك المكان، في الوقت الذي كانت فيه الحياة الثقافية الرسمية مصادرة للمراكز الثقافية في عدد من مدن منطقة الجزيرة، كما حال: قامشلو – حسكة – ديرك، كي تنشأ في ما بعد مراكز ثقافية في المدن الأخرى، مثل عامودا-على سبيل المثال- وكانت هذه المراكز الثقافية تمنع النتاجات الإبداعية التي لا تكون في مواضيع ثنائية: الغزل بالنظام وإنجازاته أو الغزل بالأنثى، للدرجة التي كانت الإشارة إلى الوطن تدعو إلى التدقيق فيها،
لاسيما في منطقة الجزيرة التي كان مفهوم الوطن إشكالياً، من خلال تناول المبدع الكردي له، وكان الحديث عن “الجبل، أو دجلة، والفرات، والخابور، وحتى “الجغجغ”، وهكذا بالنسبة إلى أسماء بعض الأعلام الكرد، والأمكنة يدعو الرقيب للاستنفار. ضمن هذه الحالة من التعتيم، فقد كان ضرورياً إيجاد متنفس لأصحاب الأصوات الإبداعية الجديدة، وهو ما كان صعب المنال، كما أن الكتابة باللغة الكردية، لم يكن مسموحاً بها،بل ممنوعة..
في هذه الفنرة، وبعد محاولات سابقة على تجربة المنتدى، وهي حلقات أيام الجمع التي استمرت إلى وقت قصير، وكان يشترك فيها عدد من الكتاب والمثقفين ذوي الحضور، ومنهم: “سلام نعمان – محمدعفيف حسيني – إبراهيم محمود – جمعة جمعة – أمير عبدالكريم – عبداللطيف سومري – جميل داري و أنا.. وآخرون” حيث كانت اليسارية مدعاة التباهي في تلك المرحلة تجمع هؤلاء إلى أن خفت بريقها” وضمن نطاق ضيق جداً، وبشكل سري، نناقش في كل مرة عملاً أدبياً، بيد أن ذلك لم يستمر لاسيما بعد التحاق بعضهم بـ “الجيش” ومنهم إبراهيم محمود. التقطت الفكرة، ووسعتها، من خلال الدعوة لأمسيات أدبية، تقام كل يوم ثلاثاء، سميت بـ “الملتقى الأدبي” أو “ملتقى الثلاثاء الأدبي – hevdîtina sê şemê” ومن ثم غيرنا التسمية إلى “المنتدى الأدبي” عندما فرضت هذه الأمسيات نفسها، وكانت في بدايتها، وإلى سنوات، تقام في منزلي، ومن ثم منازل بعض الأصدقاء، إلى أن قمنا بنقلها إلى “مكتب الحزب الشيوعي السوري” في قامشلو، وكان ذلك بعد العام 1986، حيث تم استيعاب هذه الحالة من قبل قيادة الحزب، حيث استطعنا فرض الاستقلالية على الحالة – وبمعونة بعض المتفهمين- لدرجة أنني في العام 1987 نظمت الحالة، بعد الإقبال الكبير عليها، فقمت بمبادرة ضم مثقفين من خارج الحزب الشيوعي السوري إلى “مجلس إدارة المنتدى”، ليكون المنتدى مشروعاً عاماً، وكان من بين هؤلاء كوني رش – أكرم حسين – خانم هيبو – عبدالباقي حسيني – فرهاد جلبي، وآخرون إلى جانب صاحب السطور وعصام حوج، وربما آخرون من الملتزمين بالحزب الشيوعي.
من الفعاليات التي كانت تقام – بشكل سنوي- إحياء يوم عيد الصحافة، وأتذكر أن أولى تلك الأمسيات تمت من خلال التعاون مع قادو شيرين، الذي وجه الدعوات الكثيرة إلى المثقفين والكتاب، وأحدث الاحتفال صدى كبيراً، كما أن من بين الأمسيات المهمة إحياؤنا أربعين شهداء حلبجة، وقد ألقيت في الأمسية قصيدة “حلبجة ترحب بكم”، وتمت في الفترة ذاتها أمسية أخرى للحزب الشيوعي جناج يوسف فيصل، وكانت أوسع من أمسيتنا، لأنها كانت “جماهيرية” بينما كنا نعمد إلى “فلترة” الجمهور، وانتقائه، ماعدا الأمسيات الجماهيرية التي كان الحزب الشيوعي يقيمها، باسمه، خارج برامج المنتدى. وهنا لابد من الإشارة، أن بعض الأحزاب، ومن خلال مجلاتها، أو كوادرها، حاولوا إقامة نشاطات غير منتظمة، لم تدم، ومن بين هذه الفعاليات منتدى د. نورالدين ظاظا الذي تأسس في أحضان “الاتحاد الشعبي” بإدارة الشهيد مشعل التمو، وكان من بين المتابعين للفعاليات، بل المشاركين فيها، وأتذكر أنه من بين تلك الفعاليات القليلة ندوة حول الدور الثقافي والفكري للمناضل د.ظاظا.
فقد اتخذنا في إدارة الملتقى/المنتدى، سياسة، وهي إقامة الأمسيات التي لا تتجاوز أعداد المدعوين إليها عن أربعين شخصاً، في بيوتنا الخاصة -أكثرها تم في منزلي- وبعضها في بيوت عدد محدد من الأصدقاء، بينما كنا نقيم الأمسيات التي ندعو إليها أعداداً أكبر إلى قبو مكتب الحزب الشيوعي*، بحيث تمت استضافة معظم من كان معنياً بالكتابة، للمشاركة في تقديم كتاباته، وإبداعاته، بل كانت الدعوات مفتوحة، للمعنيين، الفاعلين، دون تمييز، وإن كنا لاسيما في الهيئة المصغرة، غير الرسمية التي شكلناها عفوياً -وكانت مكتب الهيئة أو لجنة متابعتها المخولة بالتحرك- ندقق على الأسماء المدعوة لحضور الأمسيات، بحيث تكون نظيفة، غير مشكوك بها- وأتذكر أن الدعوات كانت شفاهية وهو ما جعل هذه الأمسيات الأدبية، تستمر إلى مدة طويلة، حوالي ربع قرن، ليحقق المنتدى مكانة مهمة، لائقة به، ويكون أحد المراكز الثقافية غير الرسمية التي لها دورها الكبيرفي الحيوات الإبداعية، كما قال لي ذلك الصديق تنكزار ماريني منذ أيام.
دأبنا في المنتدى، منذ انطلاقته، على إقامة أمسيات باللغتين العربية والكردية، حيث كانت هناك أمسيات تجمع بين اللغتين، في آن، بالإضافة إلى تلك الأمسيات الخاصة بالإبداعات المكتوبة، بإحدى هاتين اللغتين، كل منها على حدة، من دون أن ننسى الكتاب الآشوريين الذين شاركونا على نحو ملحوظ، من خلال التعريف بالثقافة الآشورية، وهكذا بالنسبة إلى: الأرمن – السريان، وقد أصبح لكثير من هذه الأسماء مكانتها، الآن، داخل سوريا، وخارجها، سواء أكان هؤلاء الذين يكتبون بالعربية، أو الكردية التي قمنا بتشجيع الكتابة بها، أو بغيرها من اللغات الأخرى، أتذكر وجهت كتّاباً كثيرين للكتابة بها ومنهم رستم حمزة ….إلخ- وإن على مستوى ضئيل، لأنه كان للكتاب السريان والأرمن، على وجه الخصوص منابرهم، كما أننا اهتممنا بالثقافة الإيزيدية، على نحو بارز، وكان الشاعر هوشنك بروكا، أحد أصدقاء المنتدى- كما كنا نسمي كل من يلتفون حول هذا المنتدى- وكان له دور مهم في تأصيل البحث في مجال هذه الديانة.
استطاع المنتدى أن يحرك الحياة الثقافية، في مكاننا، على نحو بارز، فقد تمت إقامة بعض الأمسيات، المناسباتية، من قبل بعض الأحزاب الكردية، بشكل منفرد، أو جماعي، وكانت تتم دعوة هؤلاء الشعراء الذين يشاركوننا النشاطات، باستمرار، بل استطعنا ومن خلال جهود بعض مثقفي الحزب الشيوعي، العمل على إصدار ملحق ثقافي لنشرة ” في سبيل الأرض والعمل” التي كنت من عداد هيئتها، كي تتم الموافقة، من قبل الحزب، على مشروع تقدمت به للكاتب د. يوسف سعدون، وهو مجلة مواسم 1992 التي قمت بتسميتها، والمساهمة في تأسيس هيئتها، من داخل الحزب الشيوعي ومن ثم من دائرة المقربين منه، في السنوات التالية، وكان ممن حضروا الاجتماع الأول: سليم مجيد – جنكو إبراهيم، ومن ثم خورشيد أحمد بعد أن تسرح من الجيش، بعد أشهر، عشية إصدار العدد الثاني، إلى أن توسعت، وكانت صدمتي بوفاة د. سعدون قبل الانتهاء من إعداد العدد الأول، ليعمل الصديق حسن قاسم، بالحماسة نفسها، ويتولى رعاية المشروع، لاسيما بعد تفهم قيادة الحزب الشيوعي له، بل كان عثمان إبراهيم الذي وقف ضد كل تلك المحاولات الداعية إلى إيقاف المجلة-وهي شهادة أقولها هنا رغم ما يمكن أن يوجه من نقد لشخص الرجل في تلك السنوات من قبل بعضهم- وكان ذلك بعد أن وصلت تقارير كثيرة، لاسيما من الحسكة، تشير إلى جنوح المجلة إلى القومية، فقد تم منع الحلقة الثانية من مادة كتبها لنا الراحل د.عبدالرحمن آلوجي عن “عروض الشعرالكردي”، بسبب زعم أحد مسؤولي الحسكة أنه يشن حملاته على الشيوعيين، وقد رأيت الراحل آلوجي يلقي كلمة مهمة أثناء التشييع الصادم لذلك الرفيق، بل إن من كان يريد منعه من دخول هيئة التحرير كان يسير تحت نعشه، وهي مفارقة طالما تحدثت عنها، خلال حياتي الحزبية، وكان مما ورد في تقرير مهندس غير كردي من الحسكة حضه عليه مسؤولوه هو “إبراهيم اليوسف يستعيد ما فعله جكرخوين من قبل، أي: “نشر الفكر القومي” فعلينا وضع حد له وإعادة المجلة للحزب- طبعاً شتان ما بين ما قمت به ورائد أدبنا الكردي الأكبر جكرخوين، فأين دوري كتلميذ من معلم عبقري كبير!!- ولا يزال التقرير الذي أرسل لقيادة الحزب وتم تحويله إلي بين إرشيفي”. خلال هذه الفترة صدرت جريدة ” كرزك كول – gurzek gul” للصديقين كوني رش و عبدالباقي حسيني، ومن ثم مجلة “زانين – Zanîn/ المعرفة” للصديقين: الراحل فرهاد جلبي و عبد الباقي حسيني، وكان صندوق بريدها ذو الرقم 79 لي، كما صدرت مجلة ” آسو – Aso” لكل من: حفيظ عبدالرحيم وسيامند إبراهيم وسلام داري، والتي كتبت فيها زاوية باللغة الكردية، وكان يساعدني في تصويبها اللغوي حفيظ عبدالرحمن، بل وساعدني في تصويب إحدى زواياي قادو شيرين. وفتحت باب مجلة مواسم أمام جميع الأقلام، وتم تشكيل هيئة تحريرها أكثر من مرة، وتوقفت بعد تركي للعمل التنظيمي في تيار قاسيون عشية سقوط بغداد 2003، وأعمل في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين، حيث كان معنا د. طيب تيزيني وإسلاميون وغيرهم.
كثرة الفعاليات التي كنا نقوم بها، جعلتني أحس بمعادل نفسي، روحي، لاسيما بعيد صدور أول قرار في العام 1987، بإبعادي عن التعليم في القسم الثانوي، إلى الابتدائي، بسبب ديواني “للعشق للقبرات والمسافة” ومن ثم نقلي إلى “مكتب محو الأمية” الذي تمت محاربتي فيه، من قبل مدير المركز الثقافي -وكان كردياً- حيث نقل مكتبي إلى”المجمع التربوي”، لأنقَل بعد سنة، من العمل في الإعدادي، فأكون تحت تصرف وزارة الزراعة “في ثانوية هيمو” وألعب دوراً مفرحاً بين آلاف طلابنا الذين تخرجوا، كما سأفعل في مدارس أخرى، علّمت فيها، وأعود في العام 2002، مع مدرسين آخرين، للتعليم الثانوي، فأدرس في معهد إعداد المدرسن، والمعلمين، والزراعة، ولأنقل بعيد استشهاد الشيخ معشوق إلى “تربسبي” وأعمل هناك لمدة سنتين، وأقدم استقالتي، نتيجة حادث غير طبيعي، لأقرر العمل في الخليج في العام 2007.
وإذا كانت المجلات المكتوبة باللغة الكردية، تصدر بين وقت وآخر، بشكل متقطع – فإن المجلات التي كانت تصدر بالعربية شبه متوقفة عن الإصدار ـ على ندرتها- أو متوقفة نهائياً، فإن مجلة مواسم التي تمخضت عن المنتدى، وبرعاية الحزب الشيوعي، استطاعت تحريك الركود الثقافي، فقد صدرت بعد سنة مجلة “حوار” وتم التعاون بيننا في العدد الاول، وما بعده، حيث كنا نحول بعض موادنا للمجلة، وقمت برفد عددها الأول وربما الثاني بزاوية “الإصدارات الجديدة” وكان من بينها خبر عن أحد كتب سليم بركات”، وأتذكر أن الراحل إسماعيل عمر قال لي: طرحنا اسمك للعمل في الهيئة” الأمر الذي لم يتم، لاعتبار محدد، وهو ما فعلته مع مجلة “أجراس” التي سميتها بنفسي، وتم رفد عددها الأول بعدد من المواد الثقافية، بل واستمرت العلاقة الإيجابية بيني وأسرة تحريرها، بشكل ممتاز.
أتذكر بعض الكتاب الكرد الذين أصبحوا بارزين، وقدموا نشاطاتهم الأولى ضمن هذا المنتدى، كما أتذكر أن الصديق تنكزار قام بعرافة أولى أمسية أقمناها في بيت “قادو شيرين” ، كما هو الراحل فرهاد جلبي الذي اختلف مع جريدة “كليستان” التي لم تنشر له أحد نصوصه، عندما كان يديرها الراحل كلش، وكان يعمل في مجال الفرق الفنية، للحزب التقدمي، وكانت إدارته لإحدى الأمسيات ضمن هذا المنتدى، ناهيك عن أن شعراء وكتاباً كـ هيبت بافي حلبجة، وكلش.. وغيرهم. وغيرهم…، من عداد المتابعين الدائمين|، بل المشاركين في فعاليات المنتدى.
لا أزال أتذكر مخطوط الشاعر تنكزار ماريني الأول الذي قدمه إلي، عن طريق شقيقه- سلر- إذ كان يكتب النص النثري المقفى، فوجهت إليه ملاحظاتي، وحدثته عن تجربة قصيدة النثر، وكانت فرحتي كبيرة، عندما وجدته بعد أسابيع قليلة، وهو يكتب النص الجديد، بل كان المثال الأوضح، على الشاعر الذي يطور تجربته، بسرعة، مدهشة، فقد كان يسعفه في ذلك تمكنه من الكتابة بالحرف اللاتيني، بالإضافة إلى معجمه اللغوي الذي صار يتوسع، تدريجياً. واسم تنكزار يحيلني إلى تنكزار آخر، كان هو الآخر صديقاً جد عزيز، آلمني رحيله المبكر في أوربا بعد لجوئه إليها، وكان يكتب القصيدة التقليدية الصرفة.
إحدى المحطات المهمة، في تاريخ المنتدى، تجسدت في انتقال الصديق محمد حلاق، من مدينة عامودا إلى مدينة “قامشلو”، وكان من الناشطين في صفوف الحزب الشيوعي، وقد استطاع أن يضخ دماً جديداً في المنتدى، لاسيما أنه كان يتمتع بروح نقدية، وكان جاداً، في إدارة الأمسيات التي تنسب إليه، وقد كان عضواً في لجان القراءة في المسابقات الأدبية التي تتم، بالتناوب مع جميل داري، وغيره، وهكذا تماماً مع انضمام الكاتب ريمون معجون لأسرة الملتقى، توسعت دائرة فعالياتنا، ما جعل بعض المعنيين بأمور المراكز الثقافية، يتحدث، وهو يحلل ظاهرة العزوف عن النشاطات الثقافية، بسبب “أمسيات البيوت” كما سماها.
أحد أهم الفعاليات التي قمت بالإشراف عليها، وهي جائزة جكرخوين التي أعلنا عنها في العام 2001، وتم منحها في دورتها الأولى للشاعر كلش، واحتضنتها مجلة “مواسم”، والتي لا تزال مستمرة، فقد منحت لعدد من الشعراء، وقمت بضمها لرابطة الكتاب والصحفيين، بعد توقف مواسم، وتركي لتيار قاسيون الذي رعى الجائزة، دون التدخل في أي من حيثياتها، لدرجة أنني عندما قدمت أسماء الراحل رزو وكل من كوني رش وحفيظ عبدالرحمن، لعضوية الجائزة، قبل الإعلان عنها بأسابيع، لم يتدخل أحد في شأن هذا الخيار، وكان من أكثر المتعاونين:عصام حوج، الذي كان أحد الذين يتم الاعتماد عليهم، ليس في تقديم الأمسيات الأدبية، بل وحتى والإشراف على ضبط جلب الجمهور لمكان الدعوة، غير المعلن عنه، سواء أكان في الأمسيات محدودة الحضور أو واسعة الحضور، وكانت رعاية هذه النقطة مهمة، حرصاً على الحضور وسيرورة الأنشطة.
لم يقتصر نشاط المنتدى على مدينة، واحدة، فقط، بل شملت مدن: الحسكة – عامودا – درباسية – سري كانيي – تربسبي – ديرك، وأتذكر من الأدباء الذين شاركونا نشاطاتنا: محمد باقي محمد – محمود الحاج – منير خلف – آل الحسيني….، كما تمت دعوة شعراء كثيرين من خارج الجزيرة، من أمثال: فواز قادري – أبو سلام…إلخ، وقمنا -آنذاك- بعدد من المسابقات الأدبية، في مجالي القصة والشعر، حيث دعوت منذ العدد الأول لفتح ملفات في القصة والشعر الكرديين، وجاء انضمام الكاتب خورشيد أحمد إلى أسرة التحرير بعد تسريحه من الخدمة العسكرية، إلى أسرة المجلة، ليتولى رعاية ملف القصة الذي قمت بترجمة بعض نصوصه التي تم ضمها لدراسته عن القصة الكردية، ومنها ربما قصص: فرهاد جلبي “الحقيبة” – قادو شيرين ” كورتكي”…….. إلخ…….!.
ثمة طبيعة خاصة، لدي، وهي أنني كنت أخطط للنشاط الثقافي، أتواصل مع من يحيونه، أحدد المواعد، وأسماء الضيوف، بيد أنني كنت أتحاشى تقديمهم، إلا في حالات استثنائية، عندما كان هناك ضيوف من خارج المكان، أو في حالة الأمسيات النقدية، وإن كنت سأجيب عن الأسئلة ذات الخصوصية، في أية ندوة، حيث كانت تحال إلي، وكنت أستعين هنا، بالمعنيين، من أسرة المنتدى التي كانت تتشكل، عند الضرورة، وبشكل غير دوري، وهو ما كنت أفعله في رابطة الكتاب، أو منظمة ماف أو كسكايي..إلخ، ضمن مشروعي “المدني” منذ أن تبلورت رؤيتي حوله، بعيد انتفاضة آذار مباشرة، لأني كنت أريد نشر ثقافة محددة، وتهيئة الكوادر اللازمة، دون أن أتردد عن تحمل تبعات أي أمر، عند الضرورة، كما تم حين تكليفي لرئاسة مجلس أمناء ماف، حيث كانت المسؤولية تعني الخطورة الشديدة على صاحبها.
وعلى هامش المنتدى، فإن هناك مئات الأسماء التي وضعت مكتبة بيتي بين أيديها، بشكل يومي، يكاد يحتاج لمتفرغ لذلك، وانطلقت قراءاتها الأولى، من تلك المكتبة، بعد أن توزع جزء كبير منها، على امتداد عقود، وكانت مرجعاً وحيداً لقراءات بعض هؤلاء، ومنهم من ظل سنوات طويلة يعتمد على كتبها*، أضف إلى ذلك، فإنني كنت أقوم باستقبال الموهوبين الشباب، على امتداد الأسبوع، أستمع إليهم، أقرأ لهم، أوجههم، بل أعمل بمثابة ورشة كتابة لبعضهم، وأستلم نصوصهم، آخذها معي إلى دمشق، لنشرها، في عدد من المنابر الثقافية التي كنت أتواصل معها، لاسيما صحافة الحزب الشيوعي، وجريدة تشرين التي كان يقال أن اليساريين مهيمنون عليها، ومن هؤلاء من صارت له كتبه المطبوعة، الآن، وأفتخر به، وإن كان كل ذلك على حساب راحتي، وأسرتي، بل وعلى حساب كتابتي، ومتابعاتي، لاسيما أن العمل الحزبي استنفذ الكثير من طاقاتي، وأعصابي……!
وقد كنت أصر على إصدار كتب أعضاء المنتدى، ومن بين ذلك المجموعة الأولى لأحمد حيدر التي ألزمته على طباعتها – وهو ما لم يفعله حفيظ الذي صودرت مخطوطاته بعد أن تمت مداهمة منزله في العام2009- بل كان أهم كتاب أعددته، وأشرفت على طباعته، هو الكتاب الذي ضم كلمات المشاركين في الذكرى السنوية الأولى، لاستشهاد فرهاد محمدعلي صبري، الذي قمت بتبنيه، واعتمدت على عدد من الزملاء، في عرافة الحفل، وذلك بعد دعوتي من قبل مسعود ديواني، الذي اشمأز من تهرب بعض شخصيات الأحزاب السياسية من إقامة التأبين، حيث كنت مستقلاً، مستقيلاً، من الحزب الشيوعي، آنذاك.
بيوت كثيرة، وعلى مراحل، فتحت أبوابها للملتقى، وإن كنا عقدنا أمسياتنا في بعضها لمرة، أو مرات قليلة، ومن بينها بيوت كل من: محمد سليمان “بشكل خاص – عصام حوج – قادو شيرين – كوني رش – أكرم حسين – سليم مجيد – عبدالكريم فرمان- ولاحقاً أحمد حيدر – سيامند ميرزو…إلخ…، بالإضافة إلى بيوت أخرى، قد لا أتذكرها، و لا أريد أي توثيق نهائي لأسماء أصحابها، بل وكل من شاركوا في فعاليات الملتقى، لأن حصر أسماء هؤلاء، بحاجة إلى “معجم خاص”، ولا أريد أن أغبن أحداً حقه، كما أن هناك من ذكر المنتدى في كتاباته، ومقالاته، وهناك من ربما لا يتذكر ذلك، وإن كانت أسرة المنتدى، تعرف من هم هؤلاء الذين قدمتهم، ومن رعت مواهبهم، ومن احتضنتهم، أو من تعاونا معهم من الأسماء راسخة الحضور، وإن على نحو تقريبي. وهنا، فإنني أجد أنه من الضروري، أن يساهم كل من عايش تلك الفترة الفريدة، في الحياة الثقافية في المشهد الثقافي الجزري، بالكتابة عن تلك الفعاليات، ولو من خلال إضافة اسم كاتب أو شاعر، أو متابع، أو أحد البيوت التي احتضنت هذه الفعاليات، لاسيما أنني أعتمد على الذاكرة، وبعيدٌ عن المجموعات التي تتالت في مساعدتي في إدارة تلك النشاطات.
تلكأت نشاطاتنا بعيد انتفاضة 12 آذار، بسبب استجداد وضع استثنائي، بل واهتمامي بمجال المجتمع المدني، لتوثيق الانتهاكات التي تتالت، في المحطات التالية، من تلك الفترة الأكثر حرجاً في تاريخ شعبنا، ما جعل هذه النشاطات تتم في فترات متباعدة، وضمن دائرة أضيق، وبات التركيز، من جديد على قراءات الكتب، وبعض الأمسيات النوعية التي تتم، وكان نشاطنا يتراجع، تدريجياً، بل يتعثر، ليكون مناسباتياً، وكي يصل إلى واقع غير مرض بالنسبة إلي، رغم أن المنتدى صار واجهة-أو الرحم لرابطة الكتاب والصحفيين التي انطلقت بفضل إرث هذا المنتدى الذي شكل علاقات مهمة مع الكتاب، والإعلاميين، بل ليتلاشى دوره -تماماً- بعد أول سفر لي إلى الخليج، في العام 2007، فلا يكمل أحد مسيرة المنتدى، ليبقى علامة فارقة في الحياة الثقافية العامة، في منطقتنا، لاسيما وأنه قد تخرجت فيه أجيال ثقافية، وإن كانت أعداد كبيرة جداً من هؤلاء لم يستمروا ككتاب ومبدعين، بل ظلوا مهجوسين بالثقافة، إلى جانب أن هناك من تعود علاقتهم بالكتابة إلى ذلك المنتدى، الذي أعتز بأنه كان أحد هواجسي الشخصية، لاسيما أنه عمر -فعلياً- حوالي ربع قرن كامل، ويشكل جزءاً من الذاكرة الثقافية، والإبداعية الفاعلة، حتى الآن.
5/5/2014
إيسن/ألمانيا
* روي لي أن ضابط الأمن محمد منصورة عندما جاء إلى مكتب الحزب الشيوعي السوري، في قامشلو، ليقدم العزاء بالأمين العام للحزب الشيوعي السوري الراحل خالد بكداش، جلس مع المعزين في باحة المكتب، تم قال لمن حوله: ها أنتم أيضاً عندكم قبو..!؟، فرد عليه أحدهم، ولم أعد أتذكر من كان: شتان ما بين قبونا وأقبيتكم، قبونا تقام فيه الفعاليات الثقافية، وأقبيتكم للتعذيب…..إلخ….
** تصلح علاقة بعضهم مع مكتبتي البيتية كي تكون نواة سلسلة مقالات مهمة، منها ما هو غارق في السخرية والمفارقات.
*** توقف المنتدى خلال فترة خدمتي الإلزامية في الجيش لمدة عامين.
…………………………. يتبــــع
في هذه الفنرة، وبعد محاولات سابقة على تجربة المنتدى، وهي حلقات أيام الجمع التي استمرت إلى وقت قصير، وكان يشترك فيها عدد من الكتاب والمثقفين ذوي الحضور، ومنهم: “سلام نعمان – محمدعفيف حسيني – إبراهيم محمود – جمعة جمعة – أمير عبدالكريم – عبداللطيف سومري – جميل داري و أنا.. وآخرون” حيث كانت اليسارية مدعاة التباهي في تلك المرحلة تجمع هؤلاء إلى أن خفت بريقها” وضمن نطاق ضيق جداً، وبشكل سري، نناقش في كل مرة عملاً أدبياً، بيد أن ذلك لم يستمر لاسيما بعد التحاق بعضهم بـ “الجيش” ومنهم إبراهيم محمود. التقطت الفكرة، ووسعتها، من خلال الدعوة لأمسيات أدبية، تقام كل يوم ثلاثاء، سميت بـ “الملتقى الأدبي” أو “ملتقى الثلاثاء الأدبي – hevdîtina sê şemê” ومن ثم غيرنا التسمية إلى “المنتدى الأدبي” عندما فرضت هذه الأمسيات نفسها، وكانت في بدايتها، وإلى سنوات، تقام في منزلي، ومن ثم منازل بعض الأصدقاء، إلى أن قمنا بنقلها إلى “مكتب الحزب الشيوعي السوري” في قامشلو، وكان ذلك بعد العام 1986، حيث تم استيعاب هذه الحالة من قبل قيادة الحزب، حيث استطعنا فرض الاستقلالية على الحالة – وبمعونة بعض المتفهمين- لدرجة أنني في العام 1987 نظمت الحالة، بعد الإقبال الكبير عليها، فقمت بمبادرة ضم مثقفين من خارج الحزب الشيوعي السوري إلى “مجلس إدارة المنتدى”، ليكون المنتدى مشروعاً عاماً، وكان من بين هؤلاء كوني رش – أكرم حسين – خانم هيبو – عبدالباقي حسيني – فرهاد جلبي، وآخرون إلى جانب صاحب السطور وعصام حوج، وربما آخرون من الملتزمين بالحزب الشيوعي.
من الفعاليات التي كانت تقام – بشكل سنوي- إحياء يوم عيد الصحافة، وأتذكر أن أولى تلك الأمسيات تمت من خلال التعاون مع قادو شيرين، الذي وجه الدعوات الكثيرة إلى المثقفين والكتاب، وأحدث الاحتفال صدى كبيراً، كما أن من بين الأمسيات المهمة إحياؤنا أربعين شهداء حلبجة، وقد ألقيت في الأمسية قصيدة “حلبجة ترحب بكم”، وتمت في الفترة ذاتها أمسية أخرى للحزب الشيوعي جناج يوسف فيصل، وكانت أوسع من أمسيتنا، لأنها كانت “جماهيرية” بينما كنا نعمد إلى “فلترة” الجمهور، وانتقائه، ماعدا الأمسيات الجماهيرية التي كان الحزب الشيوعي يقيمها، باسمه، خارج برامج المنتدى. وهنا لابد من الإشارة، أن بعض الأحزاب، ومن خلال مجلاتها، أو كوادرها، حاولوا إقامة نشاطات غير منتظمة، لم تدم، ومن بين هذه الفعاليات منتدى د. نورالدين ظاظا الذي تأسس في أحضان “الاتحاد الشعبي” بإدارة الشهيد مشعل التمو، وكان من بين المتابعين للفعاليات، بل المشاركين فيها، وأتذكر أنه من بين تلك الفعاليات القليلة ندوة حول الدور الثقافي والفكري للمناضل د.ظاظا.
فقد اتخذنا في إدارة الملتقى/المنتدى، سياسة، وهي إقامة الأمسيات التي لا تتجاوز أعداد المدعوين إليها عن أربعين شخصاً، في بيوتنا الخاصة -أكثرها تم في منزلي- وبعضها في بيوت عدد محدد من الأصدقاء، بينما كنا نقيم الأمسيات التي ندعو إليها أعداداً أكبر إلى قبو مكتب الحزب الشيوعي*، بحيث تمت استضافة معظم من كان معنياً بالكتابة، للمشاركة في تقديم كتاباته، وإبداعاته، بل كانت الدعوات مفتوحة، للمعنيين، الفاعلين، دون تمييز، وإن كنا لاسيما في الهيئة المصغرة، غير الرسمية التي شكلناها عفوياً -وكانت مكتب الهيئة أو لجنة متابعتها المخولة بالتحرك- ندقق على الأسماء المدعوة لحضور الأمسيات، بحيث تكون نظيفة، غير مشكوك بها- وأتذكر أن الدعوات كانت شفاهية وهو ما جعل هذه الأمسيات الأدبية، تستمر إلى مدة طويلة، حوالي ربع قرن، ليحقق المنتدى مكانة مهمة، لائقة به، ويكون أحد المراكز الثقافية غير الرسمية التي لها دورها الكبيرفي الحيوات الإبداعية، كما قال لي ذلك الصديق تنكزار ماريني منذ أيام.
دأبنا في المنتدى، منذ انطلاقته، على إقامة أمسيات باللغتين العربية والكردية، حيث كانت هناك أمسيات تجمع بين اللغتين، في آن، بالإضافة إلى تلك الأمسيات الخاصة بالإبداعات المكتوبة، بإحدى هاتين اللغتين، كل منها على حدة، من دون أن ننسى الكتاب الآشوريين الذين شاركونا على نحو ملحوظ، من خلال التعريف بالثقافة الآشورية، وهكذا بالنسبة إلى: الأرمن – السريان، وقد أصبح لكثير من هذه الأسماء مكانتها، الآن، داخل سوريا، وخارجها، سواء أكان هؤلاء الذين يكتبون بالعربية، أو الكردية التي قمنا بتشجيع الكتابة بها، أو بغيرها من اللغات الأخرى، أتذكر وجهت كتّاباً كثيرين للكتابة بها ومنهم رستم حمزة ….إلخ- وإن على مستوى ضئيل، لأنه كان للكتاب السريان والأرمن، على وجه الخصوص منابرهم، كما أننا اهتممنا بالثقافة الإيزيدية، على نحو بارز، وكان الشاعر هوشنك بروكا، أحد أصدقاء المنتدى- كما كنا نسمي كل من يلتفون حول هذا المنتدى- وكان له دور مهم في تأصيل البحث في مجال هذه الديانة.
استطاع المنتدى أن يحرك الحياة الثقافية، في مكاننا، على نحو بارز، فقد تمت إقامة بعض الأمسيات، المناسباتية، من قبل بعض الأحزاب الكردية، بشكل منفرد، أو جماعي، وكانت تتم دعوة هؤلاء الشعراء الذين يشاركوننا النشاطات، باستمرار، بل استطعنا ومن خلال جهود بعض مثقفي الحزب الشيوعي، العمل على إصدار ملحق ثقافي لنشرة ” في سبيل الأرض والعمل” التي كنت من عداد هيئتها، كي تتم الموافقة، من قبل الحزب، على مشروع تقدمت به للكاتب د. يوسف سعدون، وهو مجلة مواسم 1992 التي قمت بتسميتها، والمساهمة في تأسيس هيئتها، من داخل الحزب الشيوعي ومن ثم من دائرة المقربين منه، في السنوات التالية، وكان ممن حضروا الاجتماع الأول: سليم مجيد – جنكو إبراهيم، ومن ثم خورشيد أحمد بعد أن تسرح من الجيش، بعد أشهر، عشية إصدار العدد الثاني، إلى أن توسعت، وكانت صدمتي بوفاة د. سعدون قبل الانتهاء من إعداد العدد الأول، ليعمل الصديق حسن قاسم، بالحماسة نفسها، ويتولى رعاية المشروع، لاسيما بعد تفهم قيادة الحزب الشيوعي له، بل كان عثمان إبراهيم الذي وقف ضد كل تلك المحاولات الداعية إلى إيقاف المجلة-وهي شهادة أقولها هنا رغم ما يمكن أن يوجه من نقد لشخص الرجل في تلك السنوات من قبل بعضهم- وكان ذلك بعد أن وصلت تقارير كثيرة، لاسيما من الحسكة، تشير إلى جنوح المجلة إلى القومية، فقد تم منع الحلقة الثانية من مادة كتبها لنا الراحل د.عبدالرحمن آلوجي عن “عروض الشعرالكردي”، بسبب زعم أحد مسؤولي الحسكة أنه يشن حملاته على الشيوعيين، وقد رأيت الراحل آلوجي يلقي كلمة مهمة أثناء التشييع الصادم لذلك الرفيق، بل إن من كان يريد منعه من دخول هيئة التحرير كان يسير تحت نعشه، وهي مفارقة طالما تحدثت عنها، خلال حياتي الحزبية، وكان مما ورد في تقرير مهندس غير كردي من الحسكة حضه عليه مسؤولوه هو “إبراهيم اليوسف يستعيد ما فعله جكرخوين من قبل، أي: “نشر الفكر القومي” فعلينا وضع حد له وإعادة المجلة للحزب- طبعاً شتان ما بين ما قمت به ورائد أدبنا الكردي الأكبر جكرخوين، فأين دوري كتلميذ من معلم عبقري كبير!!- ولا يزال التقرير الذي أرسل لقيادة الحزب وتم تحويله إلي بين إرشيفي”. خلال هذه الفترة صدرت جريدة ” كرزك كول – gurzek gul” للصديقين كوني رش و عبدالباقي حسيني، ومن ثم مجلة “زانين – Zanîn/ المعرفة” للصديقين: الراحل فرهاد جلبي و عبد الباقي حسيني، وكان صندوق بريدها ذو الرقم 79 لي، كما صدرت مجلة ” آسو – Aso” لكل من: حفيظ عبدالرحيم وسيامند إبراهيم وسلام داري، والتي كتبت فيها زاوية باللغة الكردية، وكان يساعدني في تصويبها اللغوي حفيظ عبدالرحمن، بل وساعدني في تصويب إحدى زواياي قادو شيرين. وفتحت باب مجلة مواسم أمام جميع الأقلام، وتم تشكيل هيئة تحريرها أكثر من مرة، وتوقفت بعد تركي للعمل التنظيمي في تيار قاسيون عشية سقوط بغداد 2003، وأعمل في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين، حيث كان معنا د. طيب تيزيني وإسلاميون وغيرهم.
كثرة الفعاليات التي كنا نقوم بها، جعلتني أحس بمعادل نفسي، روحي، لاسيما بعيد صدور أول قرار في العام 1987، بإبعادي عن التعليم في القسم الثانوي، إلى الابتدائي، بسبب ديواني “للعشق للقبرات والمسافة” ومن ثم نقلي إلى “مكتب محو الأمية” الذي تمت محاربتي فيه، من قبل مدير المركز الثقافي -وكان كردياً- حيث نقل مكتبي إلى”المجمع التربوي”، لأنقَل بعد سنة، من العمل في الإعدادي، فأكون تحت تصرف وزارة الزراعة “في ثانوية هيمو” وألعب دوراً مفرحاً بين آلاف طلابنا الذين تخرجوا، كما سأفعل في مدارس أخرى، علّمت فيها، وأعود في العام 2002، مع مدرسين آخرين، للتعليم الثانوي، فأدرس في معهد إعداد المدرسن، والمعلمين، والزراعة، ولأنقل بعيد استشهاد الشيخ معشوق إلى “تربسبي” وأعمل هناك لمدة سنتين، وأقدم استقالتي، نتيجة حادث غير طبيعي، لأقرر العمل في الخليج في العام 2007.
وإذا كانت المجلات المكتوبة باللغة الكردية، تصدر بين وقت وآخر، بشكل متقطع – فإن المجلات التي كانت تصدر بالعربية شبه متوقفة عن الإصدار ـ على ندرتها- أو متوقفة نهائياً، فإن مجلة مواسم التي تمخضت عن المنتدى، وبرعاية الحزب الشيوعي، استطاعت تحريك الركود الثقافي، فقد صدرت بعد سنة مجلة “حوار” وتم التعاون بيننا في العدد الاول، وما بعده، حيث كنا نحول بعض موادنا للمجلة، وقمت برفد عددها الأول وربما الثاني بزاوية “الإصدارات الجديدة” وكان من بينها خبر عن أحد كتب سليم بركات”، وأتذكر أن الراحل إسماعيل عمر قال لي: طرحنا اسمك للعمل في الهيئة” الأمر الذي لم يتم، لاعتبار محدد، وهو ما فعلته مع مجلة “أجراس” التي سميتها بنفسي، وتم رفد عددها الأول بعدد من المواد الثقافية، بل واستمرت العلاقة الإيجابية بيني وأسرة تحريرها، بشكل ممتاز.
أتذكر بعض الكتاب الكرد الذين أصبحوا بارزين، وقدموا نشاطاتهم الأولى ضمن هذا المنتدى، كما أتذكر أن الصديق تنكزار قام بعرافة أولى أمسية أقمناها في بيت “قادو شيرين” ، كما هو الراحل فرهاد جلبي الذي اختلف مع جريدة “كليستان” التي لم تنشر له أحد نصوصه، عندما كان يديرها الراحل كلش، وكان يعمل في مجال الفرق الفنية، للحزب التقدمي، وكانت إدارته لإحدى الأمسيات ضمن هذا المنتدى، ناهيك عن أن شعراء وكتاباً كـ هيبت بافي حلبجة، وكلش.. وغيرهم. وغيرهم…، من عداد المتابعين الدائمين|، بل المشاركين في فعاليات المنتدى.
لا أزال أتذكر مخطوط الشاعر تنكزار ماريني الأول الذي قدمه إلي، عن طريق شقيقه- سلر- إذ كان يكتب النص النثري المقفى، فوجهت إليه ملاحظاتي، وحدثته عن تجربة قصيدة النثر، وكانت فرحتي كبيرة، عندما وجدته بعد أسابيع قليلة، وهو يكتب النص الجديد، بل كان المثال الأوضح، على الشاعر الذي يطور تجربته، بسرعة، مدهشة، فقد كان يسعفه في ذلك تمكنه من الكتابة بالحرف اللاتيني، بالإضافة إلى معجمه اللغوي الذي صار يتوسع، تدريجياً. واسم تنكزار يحيلني إلى تنكزار آخر، كان هو الآخر صديقاً جد عزيز، آلمني رحيله المبكر في أوربا بعد لجوئه إليها، وكان يكتب القصيدة التقليدية الصرفة.
إحدى المحطات المهمة، في تاريخ المنتدى، تجسدت في انتقال الصديق محمد حلاق، من مدينة عامودا إلى مدينة “قامشلو”، وكان من الناشطين في صفوف الحزب الشيوعي، وقد استطاع أن يضخ دماً جديداً في المنتدى، لاسيما أنه كان يتمتع بروح نقدية، وكان جاداً، في إدارة الأمسيات التي تنسب إليه، وقد كان عضواً في لجان القراءة في المسابقات الأدبية التي تتم، بالتناوب مع جميل داري، وغيره، وهكذا تماماً مع انضمام الكاتب ريمون معجون لأسرة الملتقى، توسعت دائرة فعالياتنا، ما جعل بعض المعنيين بأمور المراكز الثقافية، يتحدث، وهو يحلل ظاهرة العزوف عن النشاطات الثقافية، بسبب “أمسيات البيوت” كما سماها.
أحد أهم الفعاليات التي قمت بالإشراف عليها، وهي جائزة جكرخوين التي أعلنا عنها في العام 2001، وتم منحها في دورتها الأولى للشاعر كلش، واحتضنتها مجلة “مواسم”، والتي لا تزال مستمرة، فقد منحت لعدد من الشعراء، وقمت بضمها لرابطة الكتاب والصحفيين، بعد توقف مواسم، وتركي لتيار قاسيون الذي رعى الجائزة، دون التدخل في أي من حيثياتها، لدرجة أنني عندما قدمت أسماء الراحل رزو وكل من كوني رش وحفيظ عبدالرحمن، لعضوية الجائزة، قبل الإعلان عنها بأسابيع، لم يتدخل أحد في شأن هذا الخيار، وكان من أكثر المتعاونين:عصام حوج، الذي كان أحد الذين يتم الاعتماد عليهم، ليس في تقديم الأمسيات الأدبية، بل وحتى والإشراف على ضبط جلب الجمهور لمكان الدعوة، غير المعلن عنه، سواء أكان في الأمسيات محدودة الحضور أو واسعة الحضور، وكانت رعاية هذه النقطة مهمة، حرصاً على الحضور وسيرورة الأنشطة.
لم يقتصر نشاط المنتدى على مدينة، واحدة، فقط، بل شملت مدن: الحسكة – عامودا – درباسية – سري كانيي – تربسبي – ديرك، وأتذكر من الأدباء الذين شاركونا نشاطاتنا: محمد باقي محمد – محمود الحاج – منير خلف – آل الحسيني….، كما تمت دعوة شعراء كثيرين من خارج الجزيرة، من أمثال: فواز قادري – أبو سلام…إلخ، وقمنا -آنذاك- بعدد من المسابقات الأدبية، في مجالي القصة والشعر، حيث دعوت منذ العدد الأول لفتح ملفات في القصة والشعر الكرديين، وجاء انضمام الكاتب خورشيد أحمد إلى أسرة التحرير بعد تسريحه من الخدمة العسكرية، إلى أسرة المجلة، ليتولى رعاية ملف القصة الذي قمت بترجمة بعض نصوصه التي تم ضمها لدراسته عن القصة الكردية، ومنها ربما قصص: فرهاد جلبي “الحقيبة” – قادو شيرين ” كورتكي”…….. إلخ…….!.
ثمة طبيعة خاصة، لدي، وهي أنني كنت أخطط للنشاط الثقافي، أتواصل مع من يحيونه، أحدد المواعد، وأسماء الضيوف، بيد أنني كنت أتحاشى تقديمهم، إلا في حالات استثنائية، عندما كان هناك ضيوف من خارج المكان، أو في حالة الأمسيات النقدية، وإن كنت سأجيب عن الأسئلة ذات الخصوصية، في أية ندوة، حيث كانت تحال إلي، وكنت أستعين هنا، بالمعنيين، من أسرة المنتدى التي كانت تتشكل، عند الضرورة، وبشكل غير دوري، وهو ما كنت أفعله في رابطة الكتاب، أو منظمة ماف أو كسكايي..إلخ، ضمن مشروعي “المدني” منذ أن تبلورت رؤيتي حوله، بعيد انتفاضة آذار مباشرة، لأني كنت أريد نشر ثقافة محددة، وتهيئة الكوادر اللازمة، دون أن أتردد عن تحمل تبعات أي أمر، عند الضرورة، كما تم حين تكليفي لرئاسة مجلس أمناء ماف، حيث كانت المسؤولية تعني الخطورة الشديدة على صاحبها.
وعلى هامش المنتدى، فإن هناك مئات الأسماء التي وضعت مكتبة بيتي بين أيديها، بشكل يومي، يكاد يحتاج لمتفرغ لذلك، وانطلقت قراءاتها الأولى، من تلك المكتبة، بعد أن توزع جزء كبير منها، على امتداد عقود، وكانت مرجعاً وحيداً لقراءات بعض هؤلاء، ومنهم من ظل سنوات طويلة يعتمد على كتبها*، أضف إلى ذلك، فإنني كنت أقوم باستقبال الموهوبين الشباب، على امتداد الأسبوع، أستمع إليهم، أقرأ لهم، أوجههم، بل أعمل بمثابة ورشة كتابة لبعضهم، وأستلم نصوصهم، آخذها معي إلى دمشق، لنشرها، في عدد من المنابر الثقافية التي كنت أتواصل معها، لاسيما صحافة الحزب الشيوعي، وجريدة تشرين التي كان يقال أن اليساريين مهيمنون عليها، ومن هؤلاء من صارت له كتبه المطبوعة، الآن، وأفتخر به، وإن كان كل ذلك على حساب راحتي، وأسرتي، بل وعلى حساب كتابتي، ومتابعاتي، لاسيما أن العمل الحزبي استنفذ الكثير من طاقاتي، وأعصابي……!
وقد كنت أصر على إصدار كتب أعضاء المنتدى، ومن بين ذلك المجموعة الأولى لأحمد حيدر التي ألزمته على طباعتها – وهو ما لم يفعله حفيظ الذي صودرت مخطوطاته بعد أن تمت مداهمة منزله في العام2009- بل كان أهم كتاب أعددته، وأشرفت على طباعته، هو الكتاب الذي ضم كلمات المشاركين في الذكرى السنوية الأولى، لاستشهاد فرهاد محمدعلي صبري، الذي قمت بتبنيه، واعتمدت على عدد من الزملاء، في عرافة الحفل، وذلك بعد دعوتي من قبل مسعود ديواني، الذي اشمأز من تهرب بعض شخصيات الأحزاب السياسية من إقامة التأبين، حيث كنت مستقلاً، مستقيلاً، من الحزب الشيوعي، آنذاك.
بيوت كثيرة، وعلى مراحل، فتحت أبوابها للملتقى، وإن كنا عقدنا أمسياتنا في بعضها لمرة، أو مرات قليلة، ومن بينها بيوت كل من: محمد سليمان “بشكل خاص – عصام حوج – قادو شيرين – كوني رش – أكرم حسين – سليم مجيد – عبدالكريم فرمان- ولاحقاً أحمد حيدر – سيامند ميرزو…إلخ…، بالإضافة إلى بيوت أخرى، قد لا أتذكرها، و لا أريد أي توثيق نهائي لأسماء أصحابها، بل وكل من شاركوا في فعاليات الملتقى، لأن حصر أسماء هؤلاء، بحاجة إلى “معجم خاص”، ولا أريد أن أغبن أحداً حقه، كما أن هناك من ذكر المنتدى في كتاباته، ومقالاته، وهناك من ربما لا يتذكر ذلك، وإن كانت أسرة المنتدى، تعرف من هم هؤلاء الذين قدمتهم، ومن رعت مواهبهم، ومن احتضنتهم، أو من تعاونا معهم من الأسماء راسخة الحضور، وإن على نحو تقريبي. وهنا، فإنني أجد أنه من الضروري، أن يساهم كل من عايش تلك الفترة الفريدة، في الحياة الثقافية في المشهد الثقافي الجزري، بالكتابة عن تلك الفعاليات، ولو من خلال إضافة اسم كاتب أو شاعر، أو متابع، أو أحد البيوت التي احتضنت هذه الفعاليات، لاسيما أنني أعتمد على الذاكرة، وبعيدٌ عن المجموعات التي تتالت في مساعدتي في إدارة تلك النشاطات.
تلكأت نشاطاتنا بعيد انتفاضة 12 آذار، بسبب استجداد وضع استثنائي، بل واهتمامي بمجال المجتمع المدني، لتوثيق الانتهاكات التي تتالت، في المحطات التالية، من تلك الفترة الأكثر حرجاً في تاريخ شعبنا، ما جعل هذه النشاطات تتم في فترات متباعدة، وضمن دائرة أضيق، وبات التركيز، من جديد على قراءات الكتب، وبعض الأمسيات النوعية التي تتم، وكان نشاطنا يتراجع، تدريجياً، بل يتعثر، ليكون مناسباتياً، وكي يصل إلى واقع غير مرض بالنسبة إلي، رغم أن المنتدى صار واجهة-أو الرحم لرابطة الكتاب والصحفيين التي انطلقت بفضل إرث هذا المنتدى الذي شكل علاقات مهمة مع الكتاب، والإعلاميين، بل ليتلاشى دوره -تماماً- بعد أول سفر لي إلى الخليج، في العام 2007، فلا يكمل أحد مسيرة المنتدى، ليبقى علامة فارقة في الحياة الثقافية العامة، في منطقتنا، لاسيما وأنه قد تخرجت فيه أجيال ثقافية، وإن كانت أعداد كبيرة جداً من هؤلاء لم يستمروا ككتاب ومبدعين، بل ظلوا مهجوسين بالثقافة، إلى جانب أن هناك من تعود علاقتهم بالكتابة إلى ذلك المنتدى، الذي أعتز بأنه كان أحد هواجسي الشخصية، لاسيما أنه عمر -فعلياً- حوالي ربع قرن كامل، ويشكل جزءاً من الذاكرة الثقافية، والإبداعية الفاعلة، حتى الآن.
5/5/2014
إيسن/ألمانيا
* روي لي أن ضابط الأمن محمد منصورة عندما جاء إلى مكتب الحزب الشيوعي السوري، في قامشلو، ليقدم العزاء بالأمين العام للحزب الشيوعي السوري الراحل خالد بكداش، جلس مع المعزين في باحة المكتب، تم قال لمن حوله: ها أنتم أيضاً عندكم قبو..!؟، فرد عليه أحدهم، ولم أعد أتذكر من كان: شتان ما بين قبونا وأقبيتكم، قبونا تقام فيه الفعاليات الثقافية، وأقبيتكم للتعذيب…..إلخ….
** تصلح علاقة بعضهم مع مكتبتي البيتية كي تكون نواة سلسلة مقالات مهمة، منها ما هو غارق في السخرية والمفارقات.
*** توقف المنتدى خلال فترة خدمتي الإلزامية في الجيش لمدة عامين.
…………………………. يتبــــع
*جريدة بينوسانو