جهلة الأكراد وسفلتهم

 إبراهيم محمود

  الجهلة ” ج جاهل “، والجاهل هنا نقيض العالم، أو العارف بأمر أو موضوع أو أكثر، أما السفلة فـ” ج. سافل “، والسافل له صلة بالمرتبة أو الموقع، بمفهومه المكاني، إنه الدوني والوضيع تقييماً، وليس من شعب إلا وفيه جهلة وسفلة، ولكل الجهلة والسفلة مستويات ومراتب وحتى مقامات، وحين أستخدم مفردة ” الأكراد ” فإحالة إلى أن الكرد مفهوم غير متبلور بمعناه الاجتماعي والسياسي بعد، وما يجري ويعاش من سلبيات، ربما له صلة قوية بما هم عليه أو وهو غياب أو ضعف مفهوم ” الكردية ” وانتشار، لا بل وتنامي خاصية ” الأكراد ” بأكثر من معنى، فيكون الجهلة أكثر حدة من ” الجهلاء ” بقدر ما يكون السفلة بالمقابل أكثر إثارة  في الواقع من ” السافلين “، أي إن الجهلة هم الذي يستمتعون ويتباهون بجهالتهم ” لم أقل جهلهم “، وأن السفلة يتنافسون فيما بينهما ويعتدُّون بسفالتهم ” لم أقل سفليتهم “، إنهم بهذا الشكل مقصيون ذاتياً عما هو مديني، حيث إنهم في الحالتين يعرَفون بمواقعهم ذات النفوذ العملي .
يلتقي الجهلة والسفلة في بوتقة واحدة: بوتقة بؤرة، هي بوتقة الإثم الذاتية والفئوية المتكتلة، مع فارق تميز السفلة عن الجهلة. إن كل سافل هو جاهل، لأنه يتمادى إلى درجة إثارة الشبهات والسعي ما استطاع لإيذاء المعتبَر خصماً له، أما الجاهل فدونه مرتبة، فهو يحاول إظهار نفسه عالماً ورمي الآخر بالجهل دون أي اطلاع، الجاهل مسلح لسان أما السافل فقد يسلح اليد أيضاً. ويمكن القول هنا بالمقابل أن السفلة يمكنهم أن يشكلوا نوعاً من ” الحلف المقدس: لنستحضر العائلة المقدسة لماركس- أنجلس” بداية ، حيث السفالة قد تقود بصاحبها ليس إلى التشهير بالآخر فحسب وإنما أحياناً إلى النيل منه: تصفيته بطريقة ما. إنهم تماسيح المياه الراكدة. هنا يذكَّر بأن من الصعب إيجاد نماذج ضليعة بمثل هذه الجهالة والسفالة في المجتمعات الخاضعة لقانون مدني، إذ يمكن أن يحاكَم من يشهر بالآخر، ليس مباشرة” فهذه بداهة “، وإنما إذا تبين أن في مسلكه ما يفصح عن ذلك، والمحامي من يتولى هذه المهمة، والجاهل في هذه المجتمعات غير مرحَّب به، عدا عن محدودية انتشاره، بما أن ثمة حقوقاً واضحة ببنودها تعني الفرد، أي فرد، فكيف الحال إذا كان له مقام اجتماعي، ثقافي: فكري، أدبي، علمي، فني…الخ، وهنا يسهل الحديث عن وجود شعب أوله موصول بآخره، وكل نزاع أو خلاف يسهل حصره وتبينه من خلال المعنيين به، لأن قدسية القانون مستمدة من وحدة شعب واثنية ووطن حكماً . في الحديث عن الأكراد وبالصيغة السالفة، ما أكثر ما اُعتبِر الجهلة علامات وصار لهم مقامات محفوظة ومحل ثناءات واصطفافات، وهم لا يكفون عن تكذيب هذا أو ذاك، أو مواجهته واتهامه باللاعلمية دون وجود أي أرضية معرفية تخوّل لهم في أن يتصرفوا هذا، لأن القانون متشكَّل بهم، ولا بد أن استفحال ” جينة: مورّث ” الجهلة أو تفاقمه يؤدي إلى بروز السفلة، وهم لا يكفون عن التكذيب والطعن والتلفيق وإيجاد من يساعدونهم في تلويث سمعة هذا أو ذاك، أو المبادرة الذاتية إلى النيل منه وإنما في كيفية إنهائه جسدياً.
إن مجتمع السفلة مهرَّش قيمياً. تُرى، أقول تُرى: كيف نسمي من ينشر المعتبَر مقالاً، وفي المقابل صورة ” بوزاتية ” له والحكم المبرم على ” المثقفين- الكتاب ” بكذا وكذا من الصفات أو الأحكام رغم فقدان الأهلية ؟ طبعاً لا بد أن هناك محمّية معينة تهتم بأمره، وتوسيع حدود الاتهام والتقويم القطعي إزاء طرف ما، حزب ضد حزب ؟ وليصل التهديد إلى مستوى تحين الفرص للإيذاء والتهديد والوعيد بصور مختلفة، حيث الطعون الكلامية وغيرها كثيرة، طبعاً، لا بد أن هناك ” منشطات ” ومحفّزات تسمح لوجود أو تنامي مثل هذه الظواهر، ولغياب القانون الآنف الذكر، أو الوعي المجتمعي وهو الضامن الذاتي قبل كل شيء لكل منزلق سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو أخلاقي يودي بالجميع في النهاية ؟ أضرب مثالاً: يذكر الصديق والكاتب ابراهيم يوسف، وفي غمرة أحداث 12 آذار 2004، أن مسئولاً حزبياً كردياً معروفاً جيداً، سخر منه ومن كل من أتي على ذكرهم باعتبارهم كتاباً معروفين ولهم إسهاماتهم في ” الداخل ” الكردي وفي إهاب 12 آذار 2004، وكنت ضمناً، بينما انعدم تقريباً حضور الجانب الآخر ممن يعنيه حزبياً هو أو غيره، سخر بقوله: لدينا أكثر من خمسين مثقفاً في حزبنا وحده، أكثر منك وممن تسميه، وليختتم قولته المعتبرة: أنا أيضاً أستطيع أن أكتب ؟ إشارة إلى أنه أولاً متفرغ لحزبه، وأن الكتابة المسماة تأتي في الترتيب التالي. طبعاً، لا بد أن مشهداً كهذا، يتعلق مباشرة بخاصية ” الجهالة ” وأكاد أقول في الحال: لولا مخاوف معينة، وعند توفر أجندات معينة: لكانت السفالة على قدم وساق كرديتين هنا وهناك .
هنا أيضاً، لا بأس من التذكير بأن طرفاً يذم آخر يضمن الخاصتين بصورة ما، وطرفاً” أي طرف ” يقاطع الآخر وهو ينطلق من مفهوم ” الكردايتي ” يضع نفسه في دائرة ” الجهالة ” والسفالة تكون كامنة. لا بد من التأكيد أن شخصاً، طرفاً، حزباً، يقصي الآخر يندرج في خانة الجهالة ” العظمى “، أن أحدهم حين يسفه هذا أو ذاك لا يحتفظ بأي مرجعية له، إلا مرجعية تكتلية أو محسوبية مطبوعة بالجهالة ” المثلى “، والسفالة تنتظر فرصة الظهور، ولا بد أن الفطين الكردي على بينة من وجود كم وافر من جهالات كردية، وسفالات كردية، إزاء هذا الاستسهال و” الإسهال ” التهجميين والتحامليين والقدحيين مضاعفاً وراهناً أكثر، لا بد أن الفطين الكردي المجروح في وجدانه بهذه الجائحة الانشطارية هنا وهناك، عبر تهديد مباشر تارة، أو تهديد مبطن تارة أخرى، وتربية أجندات لهذا الغرض، ومن تسمية زعامات معينة، فتوات، والتلويح بالقوة، لتكون ” الحدود المعادية في الداخل، وبين الأزقة والأحياء وفي الساحات أو المنعطفات، دون أي مراجعة لما يجري أو لهذا الاندفاع المتعدد الأبعاد والجبهات، لا بد أن انجراحه يتجدد دائماً.
 لا بد أن فطيناً كردياً ما يكون على بيّنة  كردية كردية ” مضاعفة ” يؤسَف لها وهي: لكَم هُم كُثْرٌ هؤلاء الأكراد، لكَم  لكم لكم هم قلة قلة أولـ……ـئك الكرد !

دهوك  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…