ابراهيم محمود
استوقفني مقال الدكتور آزاد أحمد علي ” من يكتب تاريخ الأكراد؟ ” والمنشور في موقع ” مدارات كُرد ” بتاريخ 25 آذار 2014 ، وقد أعلمني به باحث أكاديمي كردي في إقليم كردستان، ومغزى التوقف، التالي:
لاهتمامي بالموضوع، وكونه يتمحور حول كتاب للباحث والصحفي البريطاني المتمرس دافيد مكدول” تاريخ الأكراد الحديث ” الضخم، والذي نشِر عن دار الفارابي ، بيروت، مترجماً إلى العربية، عن طريق الصديق راج آل محمد، سنة 2004، وفي فترة زمنية عاشت مخاضات واستعدت لسواها في المنطقة، وبالنسبة للكرد خصوصاً، ولأن لي ” يداً ” في السعي إلى نشر الكتاب، من خلال علاقتي بالدار الناشرة والقيمين عليها، إلى جانب أنني كتبت مقدمة للكتاب، تحت إلحاح الصديق المترجم، رغم تأكيدي على أنه يقدّم نفسه بنفسه، إلى جانب إسهامي في مراجعته، ومن باب الواجب طبعاً ، حيث العنوان جاء ” استنفارياً في العمق، وفي باب : تنبهوا واستفيقوا أيها الكُرد !
وربما، ما كان لي أن أشير إليه من باب النقد، لأنه مفتوح لكل أشكال النقد والمساءلات، إلا أن الوارد في مقال الدكتور ” الأكاديمي ” آزاد علي، هو أنه لم يأت ولو على ذكر ” جميلة ” واحدة للكتاب، وذكر اسم المترجم اضطراراً، كما يظهر، إلى جانب التجاهل الكلي لجهد المترجم، ولمقدمتي، ولو بإشارة معينة، وهو اعتراف ضمني بشراكة ” إثمية ” تصلنا معاً بالمؤلف، رغم أن المترجم لم يدخر جهداً في وضع تعليقات وشروحات هوامشية للكتاب، أما أنا فقد اعتبرت الكتاب مكتبة، من خلال اشتماله على تنوع في الرؤى، رؤى يلتقي فيها السلبي والإيجابي، ومن منطلق: عدم انتظار كل ما نرغب من الآخر، وتحديداً، حين نعجز نحن عن الإتيان ولو بالقليل مما قام به وضمَّنه مؤلَّفه، وحين نكون نحن بالذات مثالاً فيما بيننا، على سلبيات قائمة في الكتاب تخص علاقة الكردي بالكردي، وأوضح مثال: موقف أكاديمينا مما تقدم..
أسئلة أطرحها بداية: كيف تلقى الكتاب؟ كيف تفاعل معه ؟ كيف سفهه بالطريقة هذه ؟ ماالذي اعتمل في نفسه وهو يكتب عنه بتلك الطريقة الغاية في التعسف ونسف كل قيمة له ؟ كيف حمَّله من الأوزار ما ليس فيه كثيراً ؟ أي أكاديمية استند إليها في ” قراءة ” الكتاب ، وتقديمه ؟ تُرى لو كان المترجم غير المشار إليه، والمقدم للكتاب، هل كان سيكتب بذات الطريقة؟ استناداً إلى وجود كتب مختلفة بالتوازي هنا وهناك..الخ.
المقال بمكوناته ” الكبرى “:
أشير إلى المفاصل الحركية لمقال آزاد، ويمكن مراجعته في مصدره المذكور، للتأكد :
منذ حوالي ثلاثين سنة وتحديداُ بعد اتفاق الجزائر عام 1975 طويت صفحة المسألة الكوردية ولفها النسيان في المنطقة.. في تلك الأجواء المريبة بصمتها…. عندما كان يرد اسم الأكراد أو كردستان في الإذاعات، كانت الأجواء تتحرك، ويدب النشاط، إذ أن المذياع كانت وسيلة التلقي الأولى في المناطق الكردية. ما إن كان يرد اسم كردي أو الأكراد حتى تتفرقع الحناجر وترتفع الأصوات…. دفيد ماكدول كان واحد من أهم الذين يثيرون الصخب في هذا المجال…. كان الرجل من الصحفيين المهتمين بالشأن الكردي، إذ كان يعمل في الإذاعة البريطانية…. وبصرف النظر عن مضمون الحديث، وبالتأكيد لم يكن يهم أحدا منا اسم المعلق، فالمهم أن يسمع العالم باسمهم الأكراد ولو عبر شتيمة أو من خلال طرفة! لذلك لم يكن مهماً إن كان السيد ماكدول يصفهم حينئذ بالمتمردين والقبليين وغيرها من الأوصاف الإعلامية الفاقعة وغير الموضوعية، أو بالفرسان، وإنما الأهم أنه هنالك من كان يسمع بالأكراد عبر الأثير… وكانت هذه الأحاديث وأحيانا قليلة الأخبار مجرد سرديات لا تغني ولاتسمن عن الجوع الحقيقي لهذا الشعب، جوعه الدائم لأن ينصف ولو معرفيا، أن يتم وصفه كما هو وليس كما يعتقد أنه عليه… دفيد ماكدول هذا الذي تمرس في الحديث عن الأكراد خلال سنوات طويلة، قام بتأليف كتاب كبير عن تاريخ الأكراد الحديث، صدر الكتاب باللغة الانكليزية منذ أكثر من عشرة أعوام.. أما الطبعة العربية فقد صدرت عن دار الفارابي عام 2004 تحت عنوان تاريخ الأكراد الحديث، ترجمة: راج آل محمد. النسخة العربية تقع في 733 صفحة من القطع الكبير… لدراسة محتوى الكتاب لابد من التوقف عنده واستعراضه بموضوعية، سنتوقف عنده ولن نزغرد فرحين لمجرد تلقف الاسم والعنوان فقط، كما كنا نفعل قبل ثلاثين سنة مع سرديات ماكدول الإذاعية…
الكتاب كبير نسبيا لذلك يتوزع على خمسة أقسام، كل قسم جاء بعنوان) كتاب) أيضا.
الكتاب الأول: الأكراد في عصر القبلية والإمبراطورية
على الرغم من أن هذا العنوان غير دقيق منهجياً إلا أنها محاولة من الكاتب للتعريف المختصر بتاريخ الأكراد قبل القرن التاسع عشر، وبالتالي تطرق في هذا القسم إلى تاريخ الأكراد القديم دون الفصل والتمييز بين مراحلها.
وهي عبارة عن ملاحظات عابرة ومجتزأة عن التاريخ الكردي القديم، لم يوفق فيها
الكاتب لضعف معلوماته من جهة، ولعدم اعتماده على مراجع ومصادر عديدة منوعة وموثقة ومتوافرة في هذا المجال. لذلك تهرب من الموقف بعبارة ” ليس المقصود إثقال كاهل القارئ بالتاريخ المبكر والقديم لكردستان، ولكن ثمة ملاحظات تستحق الذكر لأنها تشير إلى خصائص القرنين التاسع عشر والعشرين لا تزال ماثلة…” ص59
وهو بذلك قد قفز مباشرة إلى القرنين التاسع عشر والعشرين دون التمهيد علميا للمراحل التاريخية التي سبقتها، وخاصة المرحلة الإسلامية. ولم يوفق للربط بين العصور الوسطى والقرن التاسع عشر عبر ما اصطلح على تسميته بالانتقال إلى عصر القوميات. فمعلوماته ومعطياته التاريخية ضحلة وخاصة تلك المتعلقة بالمرحلة الإسلامية، لكنه ركز على وصف الحملات والغزوات المغولية والتركمانية على كردستان، وكذلك حملات تدمير كردستان وخاصة مدنها (ديار بكر، ماردين، نصيبين، جزيرة ابن عمر، رواندوز…إلخ) حيث أكد على أن معركة ملاذ كرد عام 1071 م كانت بمثابة نهاية الحكم السلالات الكردية في كردستان واستلام السلاجقة الحكم في أغلب مناطق كردستان عبر قادة تركمان. واستمرت غزوات الخوارزمين من أعوام 1217حتى 1230.
بعد أن رجح الكاتب لدور رجالات الدين الأكراد في تنامي الحركات الاستقلالية، يمهد لفكرته الثانية والأساسية على ما يبدو، المتمثلة باضطهاد المسيحيين في كردستان، سواء كانوا أرمن أو نسطوريين أم آشوريين، حيث يبالغ في تضخيم هذا الجانب والنفخ فيه كما سنرى لاحقاً.
يستعرض لاحقا في الكتاب الأول دور الأكراد ونشاطهم السياسي في ظل الدولة
القاجارية ـ الإيرانية، إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولكنه انسجاماً مع منهجه غير الموضوعي والمواقف المسبقة تجاه فعالية المجتمع الكردي الذاتية، لايركز على الرغبة الكردية ونزوعه الموضوعي المبكر إلى الاستقلال عن السلطة الصفوية ولاحقاً القاجارية. ينعت ماكدول هذه النشاطات والحركات بالتوسع وبالاستيلاء؟!
ولا يخف على القارئ أن كاتبنا ومؤرخنا “دافيد” كان من الممكن له صياغة هذه المعلومات
التي تعود إلى ما قبل ثلاثة قرون بطريقة أكثر موضوعية، وأقل مغالطة ودجلا واستفزازا، دون تدخل مباشر، و القيام بعمل جراحي تاريخي من قبله.
في هذا القسم من الكتاب يتابع الكاتب الكشف عن أحداث تاريخية واجتماعية مفصلية في حياة أكراد إيران وتركيا وعلاقتهما المتبادلة مع السلطات المجاورة، ودور روسيا القيصرية “المسيحية” .. هذا ويستعرض الكتاب بشيء من الإسهاب بدايات تشكل الوعي القومي الكردي نهاية القرن التاسع عشر، ويسلط الضوء على نشاط عدد من المثقفين والضباط والشباب الأكراد في استانبول، الذين قاموا بهذه المساعي القومية النهضوية الأولى.
الكتاب الثاني يأتي تحت عنوان: “ضم الأكراد” ويتضمن التأريخ للمرحلة الأكثر حساسية في تاريخ كردستان, المتمثل بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط: “تقسيم كردستان العثمانية مع اتفاقية سايكس بيكو كان من المفترض أن تمنح كردستان إلى بريطانيا كمناطق نفوذ, وترجم ذلك بضم ولاية الموصل ـ كردستان العراق ـ حاليا إلى ولايتي بغداد والبصرة”
و يرد في الكتاب ما ينسب إلى ميجر نويل: “يبدو أن فكرة الحكم الذاتي الكردي تحت السيادة التركية قد ماتت، فالأتراك يعملون فقط على خطط إسلامية عامة، أن كلمة كردي تقمع بشدة ويسجل بدلا عنها كلمة مسلم.” ص 210 .
يستعرض مكدول في الكتاب الثالث الأوضاع والأحداث التي تدور في كردستان إبان الحرب العالمية الثانية والتي جاءت فاتحتها باحتلال كل من بريطانيا والإتحاد السوفيتي غرب إيران في آب 1941 وأجبرت رضا شاه التخلي عن عرش إيران ومغادرة البلاد، وتنصيب ابنه محمد رضا لخلافة العرش. حدث ذلك لأن رضا كان مؤيداّ قوياّ لألمانيا.
لقد لعب أكراد إيران دوراً أساسيا في الإسراع بسقوط نظام الشاه، ففي خريف عام 1978 استولوا على ذخائر القوات الحكومية في ثكنات كردستان، وباتوا يشكلون قوة منظمة ومسلحة على الأرض, أكثر من أي قوة إيرانية أخرى. ورحبوا بقدوم الإمام الخميني.
إلا أنه وبعد ثلاث أسابيع فقط أصطدم الأكراد بالنظام الجديد الذي تخوف من ديمقراطية وعلمانية ويسارية (ح د ك إ)، كما تخوفه من (سنية) الأكراد في كردستان الإيرانية.
حدث اصطدام عسكري طويل دام خلال أعوام 1979 / 1983 وظل الريف الكردي بيد الثوار الأكراد طوال هذه السنوات، إلا أن سلطة (الجمهورية الشيعية) قمعت الأكراد بعنف لم يسبق له مثيل في تاريخ إيران المعاصر. .. تطورت هذه الأحداث خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية ولم يتوقف أكراد إيران عن ثورتهم ونضالهم ضد الحكم المركزي, وقد عرضت السلطة المركزية التفاوض مع قاسملو الذي اغتيل عام 1989 في جلسة تفاوض أولية، كما اغتيل من بعده خلفه صادق شرف كندي.
في الكتاب الرابع يعالج المؤلف القضية القومية الكردية في العراق عبر عنوان ملتبس هو: “الأثنو قومية في العراق”
يبدو أن الكاتب من خلال مفهومه للأثنوقومية يريد أن يرصد تبلور الوعي والنضال القومي الكردي المعاصر في أجزاء
لكن من الملفت والمثير أن ديفيد مكدول يكتب عن أكراد العراق وعن واقع حركتهم السياسية بكثير من الذاتية والانتقائية واللاموضوعية.
القسم الخامس (الكتاب الخامس) من الكتاب مخصص لموضوع الأثنوقومية في تركيا.
في الفصل التاسع عشر يشير إلى ظاهرة إحياء الحركة القومية الكردية في تركيا خلال أعوام 1946 -1979، يؤكد فيها على أن الجرافات والمدرعات الكمالية قد نجحت في سحق الحركة الكردية في الثلاثينات، ولم تشر المصادر إلى أية حركة خلال الأربعينيات سوى لقاءات كردية في ديار بكر عام 1945 واجهها الجندرمة التركية باعتقالات واسعة وإعدام 120 شخصا شنقا حتى الموت.
ينتقل ماكدول لتعقب الانبعاث القومي الكردي من جديد في كردستان تركيا بجهود شخصيات جديدة أمثال (موسى عنتر, طارق ضيا, يوسف عبد العزيز أغلوا) الذين أصدروا صحف ودوريات، وتأثروا بعودة البارزاني إلى العراق. قامت السلطات التركية بقمع حركة المثقفين وإغلاق صحيفتهم (الوطن التقدمي) واعتقال تسع وأربعين منهم، وخاصة سعيد آلجي الذي دافع عن حقوق الأكراد الفردية والجماعية.
المنعطف الهام في مسار الحركة الكردية في تركيا جاءت بعد ولادة أول حزب كردي معاصر عام 1965 الحزب الديمقراطي في كردستان تركيا (ح.د.ك.ت)، علما من أنه لم يتمكن من بناء شعبية كبيرة. إلا أن الشباب الكردي وجد نفسه السياسي وتعبيراته الإيديولوجية في أحزاب يسارية عامة, وتواصلوا في السبعينات مع اليسار الفلسطيني. وفي المحصلة فشلت كل جهود تركيا في إنهاء الوعي القومي الكردي وردم جذوره الاجتماعية، وبالتالي منعه من التجسد والانخراط في حركات وأحزاب سياسية منظمة.
نهاية السبعينات تشكلت حركات سياسية كردية ذات شعبية واسعة, وساد العنف في البلاد. ويشير الكاتب إلى أن أبرز تلك الحركات كان حزب العمال الكردستاني pkk الذي تصاعد شعبيته، وبدء بشن حرب العصابات عام 1984 وحتى الآن.
لا يخفي ديفيد مكدول إعجابه الشديد ب pkk وقدرته على زج الجماهير الواسعة في حرب ضد تركيا.
جدير بالذكر أن هذا الكتاب لا يتطرق لأكراد سورية إلا في ملحق الكتاب، وهذا مؤشر سياسي وله دلالاته العلمية التي تكشف منهجية الكاتب المسبقة في تسطير تاريخ الأكراد الحديث والتلاعب بالجغرافية الكردية، كما سيأتي ذكره لاحقا.
خاتمة
على الرغم من موسوعية كتاب تاريخ الأكراد الحديث, الذي يصعب تلخيصه، نظرا لضخامته والكم الهائل من المعلومات التي احتوته، فقد قمنا في الصفحات السابقة باستعراض الخطوط والمضامين العامة للكتاب. وما هو خطير في هذا الكتاب أنه إلى جانب غزارة المعلومات، احتوى أيضا على غزارة في الأخطاء المقصودة وغير المقصودة. فمن ناحية المنهج العلمي للكتاب، فالمنهج ضعيف وربما وقع في شرك الموسوعية والرغبة في كتابة تاريخ الأكراد الشامل، كل الأكراد. حيث هنالك خلط بين التصنيف الزمني والأيديولوجي – السياسي للأحداث والانتفاضات الكردية. أما أكبر نقطة ضعف في الكتاب هو افتقاد الباحث والإعلامي ديفيد مكدول للمعلومات التاريخية الأساسية القديمة، فضلا عن عدم معرفته التامة بتاريخ الأكراد القديم، وتاريخهم المدون في القرون الوسطى. إذ لم يطلع على ما كتب عن الأكراد في المصادر العربية الإسلامية، وثبت مراجعه تخلوا منها تماما. وينطلق في بحثه من مجموعة من الإفتراضات، بل والشكوك ليصل إلى القرن التاسع عشر والعشرين مندهشا بوجود شعب هبط من السماء قائلا: “لكن في السنوات الأولى من القرن العشرين اكتسبت صفة مجموعة تعرف بالأكراد” وهذا خطأ بل جهل كبير بصيرورة تشكل الأمم في المنطقة عموما والأكراد خصوصا.
وأثر حديثة عن مصطلح كردستان يقول: “وقد امتدت الحدود الجغرافية لهذا المصطلح بكل تأكيد عبر القرون المتتالية بانتقال الأكراد نحو الخارج”ص 39، دون أن يحدد ما هو هذا الخارج، وما هي حدود الداخل الكردي الذي يقصده!
الكاتب يكشف عن منهجه وتفضحه رؤاه بسرعة، فهو منحاز بشكل فاضح لكل ما هو مسيحي في كردستان ومحيطها، حيث وصف الأرمن بالثوار كثيرا، ودائما ينعت الأكراد بالعصاة، كما يقول سهوا بأن الروس والأرمن حرروا مدينة وان عام 1915، وفي موقع أخر يصف استيلاء الأكراد على مواقع متعددة ب “الاحتلال” وإن كانت هذه المناطق كردية. وهو يبالغ في وصف “وحشية” الأكراد وقسوتهم بحق الأرمن, في حين لا يذكر شئ عن وحشية الروس والأرمن في تلك الحروب والصراعات، علما أنه يؤكد أن القوات الأرمنية: “قتلت 90% من الأكراد في كل المناطق التي احتلوها” ص 178.
وكذلك يمر مرور الكرام على غزو روسيا الدموي لرواندوز عام 1916 وتدميرها وقتل أهلها بالكامل. في الجانب الأخر يبالغ في تقدير أرقام قتلى المسيحيين وضحايا الصراعات في أعوام 1915-1919.
المسألة الجوهرية التي يجب أن لا تغيب عن ذهن القارئ تكمن في أن الكاتب متأثر جدا بالمستشرقين وبالآراء المسبقة عن الكرد، فهو يردد أفكارهم على الرغم من اشتغاله الطويل في موضوع التاريخ الكردي الحديث. كما يعتمد بشكل مطلق على الوثائق الاستخبارية البريطانية وعلى تقارير القناصل والرحالة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين, دون محاكمة علمية وتدقيق لما ورد فيها، وكأن البعثات التبشيرية والقناصل الغربيين هم أنبياء لا يكتبون ولا ينطقون إلا ما هو صحيح تماما: ” لقد عرفنا هذه التفاصيل حول السكان المسيحيين بفضل البعثات الأمريكية والانكليكانية النشطة في الكتابة حول هذا الموضوع إلى القناصل البريطانيين العامين في تبريز …” ص 136
وما لم يفهم من الكاتب .. هو بعض أخطائه المقصود كاعتبار كركوك واربيل بلدات تركمانية، إذ يؤكد على أن غالبية سكان كركوك كانوا قبل 1930 تركمانا، ص 461و ص493 وذلك بالطبع اعتمادا على مراسلة يتيمة من احد المستشرقين!
إن إصرار الكاتب على قبلية ولا قومية المجتمع الكردي وتركيزه على سلبيات الأكراد بالتوازي مع إبراز إيجابيات السلطات والحكام المجاورين لهم، يؤكد لنا من جديد أن الفكر الإستشراقي الغربي الذي نمط ونمذج الأمة الكردية في صورة سلبية جامدة، هذا الفكر الذي مازال يشكك بحقيقة كردستان الجغرافية والتاريخية، يفعل فعله المباشر ويؤثر في أمثال هذا الكاتب المجتهد الذي أهمل جل إيجابيات المجتمعات الكردية, ويبرر ضمنا للسياسة الكولوينالية والمخادعة تجاه كردستان تاريخيا، يؤيد ضمنا على عدم قدرة الأكراد من إدارة مجتمعاتهم المنقسمة قبليا وطائفيا.
كما أنه يعاني من عقدة كركوك التي هي خطيئة وعقدة السياسة البريطانية تجاه الشعب الكردي تاريخيا.
إن كتاب ماكدول يذكرنا بسياسية بريطانيا العامة طوال قرون اتجاه شعوب العالم النامي، هذه السياسية المتخلصة في فتح الطرق ومن ثم زرع الألغام في محيطها لتتفجر لاحقا، وإلا لماذا دس ديفيد ماكدول قليل من السم في كل هذا الدسم من المادة التاريخية والوثائقية.
من جانب آخر يقيس ديفيد مكدول الحركة القومية الكردية وانتفاضاتها بمقياس أوروبي دقيق ورومانسي, فالتجربة الأوروبية وتفاصيل تطور قومياتها وآليات إنشاء دولها القومية هي محض تجربة أوروبية، وإن التطور الاجتماعي – السياسي والأثنوقومي الخطي في أوروبا لن يتكرر في أي قارة وإقليم آخر من العالم.
لذلك نجده متحسس من البنية القبلية الكردية ويحيل إليها فشل الحركات والانتفاضات القومية الكردية، ويحملها سبب الفشل في تحقيق الاستقلال، وهو بذلك يوضع العربة أمام الحصان. فلو كان المجتمع الكردي متجاوزا البنى القبلية ومحققا لوحدته الاقتصادية، ومتخطيا في تطوره الاجتماعي عصر ما قبل القومية، لكان قد شكل دولته القومية قبل الشعوب الأوروبية أو بالتوازي معها، ولم تكن لجهود ماكدول المشكورة في كتابة تاريخ الأكراد أي معنى.
” انتهى المقال الملخَّص ” !
نقاط، وما أكثرها، رغم أنها واحدة أصلاً:
نعم، ثمة الكثير من النقاط التي تستدعي مناقشة، أو تحاوراً، تتخلل مقال الدكتور آزاد، باعتبارها تشمل ما هو تاريخي مهَني، وسياسي، واجتماعي، وثقافي، وأكاديمي بحت..الخ، سوى أنها تلتقي في نقطة واحدة، وهي اعتبار الكاتب، ومنذ البداية متحاملاً على الكرد والقضية الكردية، ومتطفلاً، كونه لا يمتلك الحد الأدنى من أدبيات الكتابة التاريخية ” الموضوعية- العلمية “. وهو مأثور مستفحل بدائه ” الأكاديموي خصوصاً “، أي الإفصاح عن أن المثبت صادر عن رجل علَم، ويميّز بين سمين القول وغثه، باعتباره: أكاديمياً !
مثلاً: التعريف به إثر مقدمة تنبّه إلى بؤرة توتر تاريخية لا تمرّر دون مكاشفة فحواها الأخلاقي بالذات، كما لو أن الجاري في بنية ” اتفاق الجزائر 1975 التآمري، وهذا صحيح، يسمّي ما قام به مكدول بصفته متآمراً آخر، وهذا تصور مريع فتاك بالتأكيد، وتحديداً عبر التعريف ” الإذاعي ” به، ومثير الصخب. إنه أكثر من السم في الدسم استخلاصَ عمل ٍ .
واللافت استخدامه الألسني لمفهوم ” سرديات ” إذاعية، في بؤسها ونفثَها السمّي، والأهم، هو ربطه بالسياسة البريطانية ” الاستعمارية ” بجلاء تجاه الشعوب الأخرى” الكرد في الواجهة هنا “، أي باعتباره ربيب توجهات السياسة تلك. فهو إذاً في موقَف لا يحسَد عليه: ضحالةَ معلومات، وخلطها، وخبطها…
ومن ثم الاستخفاف بكل ما جاء به، وهو يستعرض أفكاره مطولاً، بعد تجريمه بداية ونهاية، وهي أفكار تمثّل أغلب المقال، وتفصح في البنية المقدَّمة عن أن الرجل قدَّم ما يفيد ويشاد به ولو قليلاً، وليس ما يضعه في خانة من يجب الحذر منهم بإطلاق ، لتكون السرديات المقحمة تطويباً لشخصية مدسوسة، شرانية، وما فيها من تذاك ٍ وتفقه لافتين من كردينا.
أتمنى هنا من القارئ ومن أكاديمينا أن يراجعا تلك الفقرات التي تتضمن قائمة من الأعمال التي أنجزها مكدول ” المشبوه ” في كتاب ” الكورد وكوردستان : بيبلوغرافيا مختارة ومعرفة ” للقمان. ا. محو، وهذا كردي، وترجمة: هڤال، وهو كردي بدوره، مؤسسة موكرياني، أربيل 2007، ص:57-106-107-190..الخ. وما قاله مارتن فان برونسن ” ما غيره ” وهو من بين أكثر من كتب بعمق في الشأن الكردي انتروبولوجياً، إن لم يكن أولهم، في كتابه الذائع الصيت” مارتن فان برونسن: الآغا والشيخ والدولة ” البنى الاجتماعية والسياسية لكردستان “1-ترجمة: أمجد حسين، معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت، ط1/ 2007 “، وبالنسبة لكتابه ” موضوعنا ( إن ماكدويل هو على أفضل ما يكون في دراسة الشئون العراقية، وأضعف ما يكون في الشئون التركية. ص 15 .) والأضعف كلمة تقييم لا تعني التسفيه، إنما وجود ما يبقيه كاتباً. طبعاً، وكما لوحظ، فقد برز مكدول في أسوأ مقام من بين مقامات المحاور السيئة في المقال، في علاقته بموضوعة العراق وكرده، إذ تميز ” بكثير من الذاتية والانتقائية واللاموضوعية.”، كما لو أن الذاتية لم تكفه، فأكمل عليه- إشباعاً لرغبة التشفي، وبعد سنوات وسنوات- بحكم الانتقائية واللاموضوعية.
وما قال فيه مترجم كتابه ” الكورد: شعب أنكِر عليه وجوده “، دار آراس، أربيل، 2012، عبدالسلام النقشبندي، وهو من إقليم كردستان العراق، تولد 1938، ومقيم في الولايات المتحدة منذ سنوات ( ديفيد ماكدوال كاتب وباحث لا يرتبط اسمه بشركة أو صاحب عمل. كتب بغزارة عن شعوب منطقة الشرق الأوسط وعن الاتجاهات السياسية فيها..إن كتاب ” الكورد- شعب أنكر عليه وجوده ” عمل موضوعي يأخذ بالقارئ الكريم إلى ثنايا وتعقيدات المجتمع الكوردي وإلى خفايا السياسة التي أحاطت بالمسألة الكوردية…الخ، ص 7 “، والملاحظ أن ثمة تداخلات بين الكتابين، فكيف يكون متحاملاً، منتحلاً صفة الكاتب والباحث التاريخي هناك ” لدى أكاديمينا “، وموضوعياً هنا ؟ إلا إذا كان النقشبندي نفسه داخلاً في عقد تآمري معه، إن تابعنا الفكرة إلى نهايتها المحتملة ! وما قاله فيه الباحث والمترجم المشهور جرجيس فتح الله” أكثر من ترجم من الكتب المتعلقة بالقضية الكوردية “، وذلك في تقديمه لكتابه ” مبحثان على هامش ثورة الشيخ عبيدالله النهري : دراسة عن الثورة لثلاثة باحثين ” دار آراس، ط3، أربيل 2010، حيث أورد مبحثاً لمكدول عن النهري، مأخوذاً أساساً من الكتاب ” موضوعنا “، وبعد تثمين كتابه هذا مقارناً بكتاب وديع جويده: الحركة القومية الكردية” نشأتها وتطورها “، وهو ثمين في بابه، وقدَّم له مارتن فان برونسن مؤكّداً على أهميته، وقد صدر سنة 1960، وبالانكليزية في أميركا، وهو أكاديمي، ومسيحي من العراق أساساً، وتوفي سنة 2001،صص9-19، في الترجمة العربية2013. ماذا قال فتح الله في مكدول وكتابه ذاك؟( وهو كتاب لا يقل أهمية عن كتاب ” جويده “..هو واحد من المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط ومن الخبراء الثقات في الشؤون الكردية..ص 13 )، وبالمناسبة، فإن كتاب جويده من مصادر مكدول المهمة في عمله الموسوم هنا…الخ. تُرى هل ” يشفع ” هؤلاء له، ليس بغية منحه ” براءة ذمة ” أو ” حسن سلوك كتابي ” إنما في اعتباره كاتباً يمكن الإصغاء إليه فقط ومناقشته ؟!
ثانياً، بالنسبة لتحديده لعنوان الكتاب الأول، يجب تصحيحه في ” القبلية ” فهي ” القبيلة ” بداية، ثم: من أين وكيف استرسل في محاكمته للكاتب، وقد حدد موضوعه منذ البداية ( تاريخ الأكراد الحديث )، وهو يحاول إعلام القارئ بأن موضوعه يتركز على القرنين التاسع عشر والعشرين، رغم أنه مهد لموضوعه عما يخص الكرد قديماً، وتحت عنوان : كردستان قبل القرن التاسع عشر، صص 59-76، وسابقاً كان قد تحدث في نقاط تخص الكرد قديماً، ومفهوم ” كردستان “، ومن يكون الكرد أصولاً ولغة وديناً..الخ، وأشار إلى وجود ” العديد من خصائص القرنين التاسع عشر والعشرين الماثلة ” من خلال تلك الملاحظات المثبتة، وليس كما نقل خطأ ” ولكن ثمة ملاحظات تستحق الذكر لأنها تشير إلى خصائص القرنين التاسع عشر والعشرين لا تزال ماثلة…” ص59 “، والمعنى مختلف في الحالتين .
، أما عن البعد القبلي للكرد الذي ” يستنكره ” أكاديمينا، فهو العلامة الفارقة لدى كل الذين كتبوا عن الكرد ودون استثناء، من مينورسكي، مروراً بنيكينين، ولازاريف، وتوماس بوا، وليرخ، وليس انتهاء ببرونسن، بقدر ما نوهوا إلى عامل القبلية بالذات في توجهات الكرد اجتماعياً وسياسياً وثقافياً ” ليت آزاد ينيرني بما هو مختلف ولو في مثال واحد فقط “، وأحسب أن بنية مقاله بالذات لا تخفي ” قبليتها ” المستحدثة، في عراضتها، ومحسوبيتها، وطريقة تعاملها مع الكاتب والمعنيين به . تُرى : أليس هذا التشظي الحزبياتي الكردي لدى ” أكراده ” والمصطلح هذا مقصود لدلالته، وهو فاعل فيه، يترجم كما يسمّي هذه القبلية التليدة سلبياً ؟
وحتى بالنسبة لمفهوم ” كردستان “، وأنا أتفق مع الكاتب بأن كردستان حقيقة جغرافية، سوى أن علينا عدم غض النظر عن حدود هذه الجغرافيا وتاريخيتها والمختلف عليه بحثياً، وما يعنيه الكرد كمفهوم قومي، وهي إشكالية بحثية قائمة أيضاً، يستحيل تجاهلها، إلا إذا أردنا الانطلاق مما هو شعاراتي، رغم انقساميته، وألا نطالب الآخرين، ممن هم ليسوا كرداً، أن يفكروا ويكتبوا ويسمّوا جهاتنا وتوجهاتنا وأهدافنا كما نريد .. رغم أننا أنفسنا مختلفون لا بل ومتخالفون فيما بيننا، وهو يعرّي في الكرد خرافة ” الوحدة ” التي يشدّد الكاتب عليها، بينما توجهه في الضد من ذلك واقعاً وتفكيراً هنا وهناك .
ثالثاً، ينوه مكدول إلى حقيقة الوجود الكردي، والاختلاف في تحديد المكان في المقدمة ” ص 23 “، وقوله ( فقد برزوا اليوم، ليس كأمة ملتحمة ومتماسكة، ولكن كمجموعة عرقية ليس من الممكن تجاهلها أكثر من ذلك. وربما من أجل هذا السبب يستحقون فهماً أكثر ). الغريب في الأمر، هو أن آزاد يريد من مكدول أن يثبت في كل فقرة أو صفحة من كتابه عبارة من نوع: انتبهوا، الكرد ” هكذا ” شعب ينشد الاستقلال والتحرر “، كما لو أن كل ما قام به الكرد، وما يقوم به مكدول، ويثيره لا يندرج في سياق السعي إلى الحضور في سياق أمة ؟
والمضحك المبكي معاً، هو إشارته إلى أن الكاتب يرتبط بالاستشراق الأوربي وبالنظرة الأوربية الرومانسية، إلى جانب تماهيه مع السياسة البريطانية.. وهذا من العجب العجاب: أولاً، في تعميم الحكم، وكأن الاستشراق الأوربي محكوم عليه بالسلب هنا في كليته، رغم أن جل معارفنا في المنطقة جاءتنا بفضل قائم ومسجل من خلال هؤلاء المستشرقين، أم إن مينورسكي، ونيكيتين، ولازاريف..الخ، مثلاً، لا صلة لهم بهذا الاستشراق، وقد ربطوا بين الكتابة عن الكرد، وأنشطتهم الميدانية وارتباطهم بمؤسسات رسمية في بلدانهم وغيرهم ؟ وبالنسبة إليه ثانياً، لا أدري ماذا تعني إشارة مكدول في نهاية مقدمته لكتابه إلى وجوب توخي الحذر في قراءة المادة الأرشيفية المتعلقة بالدبلوماسيين البريطانيين، من ناحية، ووجود نسبة من الحقيقة ” في دوافع قوة امبريالية ” من ناحية أخرى، والتأكيد على ” أن الدبلوماسيين البريطانيين كانوا يرون أحداث كردستان من منظار المصالح البريطانية. ص 25 ” ..الخ ؟ أم إنها ” عنزة ولو طارت ” ؟!
ولو أننا أردنا تقييم ما يكتبه آزاد نفسه في سياق توجهات الكتابة وبالتناظر، كيف سيأتي الحكم ؟ أي كاتب كردي يكون من منظور آخرين من مجايليه ومن بني جلدته ؟ وهو في مسلك عقائديته وحدّتها …!
رابعاً، بالنسبة لبنية كتاب مكدول، فإن الكاتب يحدد موضوعه: تركيا والعراق” المنطقتان الأكثر تميزاً بالنشاط الكردي القائم على الرغبة في الاستقلال، ولا يطالَب بأن يسمي حدود كردستان كما يريد صاحب المقال، كما الحال بشأن سوريا، إنه أمر مختلَف عليه، ولا يندرج في سياق ” تآمري “، والتاريخ الكردي بالذات، ومن خلال رموزه وسياسييه ؟ حتى الآن يشهد على ما هو خلافي في التوجهات السياسية وحتى على مستوى التحديد الجغرافي القومي، وما تكونه كردستان، وأذكّر آزاد نفسه، باعتباره منتمياً إلى حزب كردي ” سوري “، بهذا المختلف عليه كثيراً بصدد جغرافية الكرد ” المقتطعة ” سورياً “، وليس ما جرى ويجري منذ اندلاع الأحداث المروعة في سوريا منذ سنوات، وسباق ساسة الكرد ومتحزبيهم الآخرين ” ممن يلحقَون بهم ظهيرياً وغيره، بصدد مفهوم ” كردستان سوريا.. روجآفا ..غربي كردستان ..”، والسعي إلى البروز النضالي القطعي و” تأثيم ” البعث، تعبيراً عن شعور بلزوم التعويض عما فات، وخصوصاً من قبل الذين أصبحوا ” خارجاً ” وحتى المزايدة على آخرين حزبيين وكتاباً، وآزاد في الواجهة في محاولته الراهنة فيما يكتبه، وآخر ما كتبه مقاله المنشور” معرفة الأكراد عربياً ” في موقع ولاتي مه” في 6 تموز 2014 ” وهو منشور أساساً في ” ملحق النهار الثقافي اللبناني ” قبله بيوم فقط ” في 5 تموز 2014 “، وما يثيره المقال من تهكم جهة تفتق قريحة آزاد مؤخراً في الكتابة في هذا المضمار، في تثبيت معلومات، وتصورات باتت كلاسية، كما لو أنه الأول في حقله، والتجاهل المضمر لآخرين ” أحسبني منهم، منذ صدور كتابي: صورة الأكراد عربياً، بيروت 1992 ، ولاحقاً: الكرد في مهب التاريخ، بيروت، 1995، وفيما بعد : القبيلة الضائعة” الأكراد في الأدبيات العربية ، بيروت، 2007″، والذي عتَّمت عليه الأدبيات الحزبية الكردية ” السورية ” وضمناً حزب الكاتب، كغيره، وتجاهلته…وما في ذلك من افتئات قبلي، وتكتلي، وأنوي…نعم، يمكن مناقشة مكدول فيما اختطه لنفسه، أما التهويل مما اعتمده، فهو أمر آخر.
خامساً، نعم، وأؤكد على ذلك، أن التساؤل عن الأرضية الفكرية التي ينطلق منها مكدول وارد ومشروع، بالنسبة لصيغ ومقاربات تخص علاقة الكرد بالجغرافيا وبمن حوله ” الأرمن، مثالاً حياً “، وكركوك..الخ، إنما مجدداً، لا يمكننا الطلب منه في أن يكون توجهه الفكري والمعتقدي كما ” نريد “. وفي هذا السياق، فإن باحثاً كردياً عتيداً، وهو كمال مظهر أحمد، شدد على مسؤولية كبيرة للأكراد في ” إراقة الدم الأرمني “، في كتابه :كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى، وهو تشديد لا يراد من التذكير به بتأكيد هذه المسئولية، إنما بأهلية الموضوع للتداول من باب المختلف عليه، ولا داعي للإطالة في هذه النقطة، إنما هو وجوب التفكير التعددي إزاءها.
هذا ينطبق، أيضاً، على موقفه من الـ pkk، إذ يظهر لا موضوعياً في اعتباره ” النقدي “، وهو تعسف آخر في التفكير النقدي ووعي التاريخ بالذات، إذ إن رفضي لتصور معين، لا يعني أن كل من يفكر خلافي ، هو لاعقلاني، على الأقل، حين يرى على الأرض وفي الكتابة، أن هناك كماً هائلاً داخل هذا التوجه ” البككي “، بالنسبة لمكدول، وغيره ” أشير هنا إلى هذا الجانب والملحوظ بقوة لدى أصليخان يلدرم، في كتابها: كردستان والحدود في القرن العشرين، 2013، وبالكردية، وهو توجه يترجم ليس قناعاتها هي وغيرها، إنما جانب الاختلاف وليس الخلاف، أم إن علينا اعتبار هذا الكم ” الملاييني ” الكردي: عاديين وخلافهم، لاتاريخيين ، عمياناً ؟ إنني لا أتحدث عن تأييد أو رفض، إنما عن حقيقة ممثّل فيها كردياً، استناداً إلى قبلية قاتلة، ورهيبة في التفكير والمسلك، وهذا يستدعي أكثر من دراسة .
سادساً: يعترف الكاتب بموسوعية الكتاب لدى مكدول، والكم الهائل من المعلومات.. وهي إشارة فالتة منه، إلى أن ثمة مجالاً، وما أرحبه ، للتفكير بطريقة مخالفة لتوجه أكاديمينا هنا، والمريع والفظيع معاً، هو اتهامه له بأن جريرته فيما كتبه، وانتهى إليه، وتوقف عنده ضمناً، وما ترتب عليه من خواء الفكرة المبثوثة، تفسّر باللاتوثيق وعدم وجود مصادر لديه تسند موضوعه. آزاد، أطلق هذه التهمة ” القذيفة القاتلة “، لأن مكدول هذا لم يعتمد أسلوب التوثيق ” ذكر المقبوس، ومن ثم الإحالة إلى مصدره أو مرجعه “، ولكنه أسلوب قائم في الكتابة، حيث أشار مكدول، ومن خلال توجيه الشكر، إلى شخصيات فكرية وسياسية وغيرها ساعدته في بناء موضوعه، وهو في لقاءات وتنقلات جهوية، إلى جانب تسميته لمراكز ومؤسسات ومعاهد ومراكز ثقافية وبحثية في جهات مختلفة، وقائمة المصادر الواردة في الكتاب، ص:26- 97-122-150-242-398-486-549-622-716…الخ.
ولا أدري ما إذا كان أكاديمينا قد قرأ هذه الأسماء، وكأمثلة طبعاً، وفي قائمة المصادر وبالانكليزية : بنديكت أندرسون، علي بنوعزيزي، الموسوعة الإسلامية، أمير حسابور، باسيل نيكيتين، عرفان ابراهاميان، البرت حوراني، مارك سايكس، كمال مظهر أحمد، ثريا بدرخان، حميد بوز أرسلان، شيركوه، شريف ماردين، س.ج. ادموندز، ابراهيم أحمد، حنا بطاطو، ماجد خدوري، وديع جويده، محمد الدرَّة، عصمت شريف وانلي، دلاور علاء الدين، سمير الخليل ” كنعان مكية”، محمد ملك، جوناثان راندل، منصور سجادي، سامي عبدالرحمن، سيامند بانا، مسعود بارزاني، كريم خان برادوستي، عادل مراد، حسين سورشي، د. محمود عثمان، عبدالله أوج آلان، باتريك سيل …الخ.
أبعد من الخاتمة:
في مختَتم مقاله ” معرفة الأكراد عربياً “، يستعين بادوارد سعيد، مفصحاً بذلك عن توجه حواري منفتح، وقوله ( إن المعرفة بمعانيها السياسية والإنسانية ينبغي كسبها لمصلحة العيش المشترك وخير المجتمع، أي مجتمع كان، وليس أعراقاً وقوميات أو طبقات أو أدياناً بعينها ).
حسبي في الخاتمة المفتوحة وما هو أبعد منها، أن أكرر هذا القول، إنما أوجهه إليه، لتحديد نوع ” خطابه ” وبلاغة ” الكيدية ” التي ضمَّنها مقاله، وما إذا كان في مستوى القول السعيدي، حتى بالنسبة لأقرب المقربين إليه من بني جلدته، ولمن يفكرون خلافه كردياً وحزبياً ؟، ومزعم العيش المشترك، و” الاعتراف ” بالآخر، على الأقل، في أنه يفكر مختلفاً، وله موقعه، واعتباره، وليس في الجاري تجاهله، من موقع التذاكي والتعالم، كما هو لسان الإيديولوجيا التعبوية السافرة، بقبليتها المنهِكة والمهلِكة والمربكة والمفكَّكة ..؟
يا حيف ..!
دهوك
أسئلة أطرحها بداية: كيف تلقى الكتاب؟ كيف تفاعل معه ؟ كيف سفهه بالطريقة هذه ؟ ماالذي اعتمل في نفسه وهو يكتب عنه بتلك الطريقة الغاية في التعسف ونسف كل قيمة له ؟ كيف حمَّله من الأوزار ما ليس فيه كثيراً ؟ أي أكاديمية استند إليها في ” قراءة ” الكتاب ، وتقديمه ؟ تُرى لو كان المترجم غير المشار إليه، والمقدم للكتاب، هل كان سيكتب بذات الطريقة؟ استناداً إلى وجود كتب مختلفة بالتوازي هنا وهناك..الخ.
المقال بمكوناته ” الكبرى “:
أشير إلى المفاصل الحركية لمقال آزاد، ويمكن مراجعته في مصدره المذكور، للتأكد :
منذ حوالي ثلاثين سنة وتحديداُ بعد اتفاق الجزائر عام 1975 طويت صفحة المسألة الكوردية ولفها النسيان في المنطقة.. في تلك الأجواء المريبة بصمتها…. عندما كان يرد اسم الأكراد أو كردستان في الإذاعات، كانت الأجواء تتحرك، ويدب النشاط، إذ أن المذياع كانت وسيلة التلقي الأولى في المناطق الكردية. ما إن كان يرد اسم كردي أو الأكراد حتى تتفرقع الحناجر وترتفع الأصوات…. دفيد ماكدول كان واحد من أهم الذين يثيرون الصخب في هذا المجال…. كان الرجل من الصحفيين المهتمين بالشأن الكردي، إذ كان يعمل في الإذاعة البريطانية…. وبصرف النظر عن مضمون الحديث، وبالتأكيد لم يكن يهم أحدا منا اسم المعلق، فالمهم أن يسمع العالم باسمهم الأكراد ولو عبر شتيمة أو من خلال طرفة! لذلك لم يكن مهماً إن كان السيد ماكدول يصفهم حينئذ بالمتمردين والقبليين وغيرها من الأوصاف الإعلامية الفاقعة وغير الموضوعية، أو بالفرسان، وإنما الأهم أنه هنالك من كان يسمع بالأكراد عبر الأثير… وكانت هذه الأحاديث وأحيانا قليلة الأخبار مجرد سرديات لا تغني ولاتسمن عن الجوع الحقيقي لهذا الشعب، جوعه الدائم لأن ينصف ولو معرفيا، أن يتم وصفه كما هو وليس كما يعتقد أنه عليه… دفيد ماكدول هذا الذي تمرس في الحديث عن الأكراد خلال سنوات طويلة، قام بتأليف كتاب كبير عن تاريخ الأكراد الحديث، صدر الكتاب باللغة الانكليزية منذ أكثر من عشرة أعوام.. أما الطبعة العربية فقد صدرت عن دار الفارابي عام 2004 تحت عنوان تاريخ الأكراد الحديث، ترجمة: راج آل محمد. النسخة العربية تقع في 733 صفحة من القطع الكبير… لدراسة محتوى الكتاب لابد من التوقف عنده واستعراضه بموضوعية، سنتوقف عنده ولن نزغرد فرحين لمجرد تلقف الاسم والعنوان فقط، كما كنا نفعل قبل ثلاثين سنة مع سرديات ماكدول الإذاعية…
الكتاب كبير نسبيا لذلك يتوزع على خمسة أقسام، كل قسم جاء بعنوان) كتاب) أيضا.
الكتاب الأول: الأكراد في عصر القبلية والإمبراطورية
على الرغم من أن هذا العنوان غير دقيق منهجياً إلا أنها محاولة من الكاتب للتعريف المختصر بتاريخ الأكراد قبل القرن التاسع عشر، وبالتالي تطرق في هذا القسم إلى تاريخ الأكراد القديم دون الفصل والتمييز بين مراحلها.
وهي عبارة عن ملاحظات عابرة ومجتزأة عن التاريخ الكردي القديم، لم يوفق فيها
الكاتب لضعف معلوماته من جهة، ولعدم اعتماده على مراجع ومصادر عديدة منوعة وموثقة ومتوافرة في هذا المجال. لذلك تهرب من الموقف بعبارة ” ليس المقصود إثقال كاهل القارئ بالتاريخ المبكر والقديم لكردستان، ولكن ثمة ملاحظات تستحق الذكر لأنها تشير إلى خصائص القرنين التاسع عشر والعشرين لا تزال ماثلة…” ص59
وهو بذلك قد قفز مباشرة إلى القرنين التاسع عشر والعشرين دون التمهيد علميا للمراحل التاريخية التي سبقتها، وخاصة المرحلة الإسلامية. ولم يوفق للربط بين العصور الوسطى والقرن التاسع عشر عبر ما اصطلح على تسميته بالانتقال إلى عصر القوميات. فمعلوماته ومعطياته التاريخية ضحلة وخاصة تلك المتعلقة بالمرحلة الإسلامية، لكنه ركز على وصف الحملات والغزوات المغولية والتركمانية على كردستان، وكذلك حملات تدمير كردستان وخاصة مدنها (ديار بكر، ماردين، نصيبين، جزيرة ابن عمر، رواندوز…إلخ) حيث أكد على أن معركة ملاذ كرد عام 1071 م كانت بمثابة نهاية الحكم السلالات الكردية في كردستان واستلام السلاجقة الحكم في أغلب مناطق كردستان عبر قادة تركمان. واستمرت غزوات الخوارزمين من أعوام 1217حتى 1230.
بعد أن رجح الكاتب لدور رجالات الدين الأكراد في تنامي الحركات الاستقلالية، يمهد لفكرته الثانية والأساسية على ما يبدو، المتمثلة باضطهاد المسيحيين في كردستان، سواء كانوا أرمن أو نسطوريين أم آشوريين، حيث يبالغ في تضخيم هذا الجانب والنفخ فيه كما سنرى لاحقاً.
يستعرض لاحقا في الكتاب الأول دور الأكراد ونشاطهم السياسي في ظل الدولة
القاجارية ـ الإيرانية، إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولكنه انسجاماً مع منهجه غير الموضوعي والمواقف المسبقة تجاه فعالية المجتمع الكردي الذاتية، لايركز على الرغبة الكردية ونزوعه الموضوعي المبكر إلى الاستقلال عن السلطة الصفوية ولاحقاً القاجارية. ينعت ماكدول هذه النشاطات والحركات بالتوسع وبالاستيلاء؟!
ولا يخف على القارئ أن كاتبنا ومؤرخنا “دافيد” كان من الممكن له صياغة هذه المعلومات
التي تعود إلى ما قبل ثلاثة قرون بطريقة أكثر موضوعية، وأقل مغالطة ودجلا واستفزازا، دون تدخل مباشر، و القيام بعمل جراحي تاريخي من قبله.
في هذا القسم من الكتاب يتابع الكاتب الكشف عن أحداث تاريخية واجتماعية مفصلية في حياة أكراد إيران وتركيا وعلاقتهما المتبادلة مع السلطات المجاورة، ودور روسيا القيصرية “المسيحية” .. هذا ويستعرض الكتاب بشيء من الإسهاب بدايات تشكل الوعي القومي الكردي نهاية القرن التاسع عشر، ويسلط الضوء على نشاط عدد من المثقفين والضباط والشباب الأكراد في استانبول، الذين قاموا بهذه المساعي القومية النهضوية الأولى.
الكتاب الثاني يأتي تحت عنوان: “ضم الأكراد” ويتضمن التأريخ للمرحلة الأكثر حساسية في تاريخ كردستان, المتمثل بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط: “تقسيم كردستان العثمانية مع اتفاقية سايكس بيكو كان من المفترض أن تمنح كردستان إلى بريطانيا كمناطق نفوذ, وترجم ذلك بضم ولاية الموصل ـ كردستان العراق ـ حاليا إلى ولايتي بغداد والبصرة”
و يرد في الكتاب ما ينسب إلى ميجر نويل: “يبدو أن فكرة الحكم الذاتي الكردي تحت السيادة التركية قد ماتت، فالأتراك يعملون فقط على خطط إسلامية عامة، أن كلمة كردي تقمع بشدة ويسجل بدلا عنها كلمة مسلم.” ص 210 .
يستعرض مكدول في الكتاب الثالث الأوضاع والأحداث التي تدور في كردستان إبان الحرب العالمية الثانية والتي جاءت فاتحتها باحتلال كل من بريطانيا والإتحاد السوفيتي غرب إيران في آب 1941 وأجبرت رضا شاه التخلي عن عرش إيران ومغادرة البلاد، وتنصيب ابنه محمد رضا لخلافة العرش. حدث ذلك لأن رضا كان مؤيداّ قوياّ لألمانيا.
لقد لعب أكراد إيران دوراً أساسيا في الإسراع بسقوط نظام الشاه، ففي خريف عام 1978 استولوا على ذخائر القوات الحكومية في ثكنات كردستان، وباتوا يشكلون قوة منظمة ومسلحة على الأرض, أكثر من أي قوة إيرانية أخرى. ورحبوا بقدوم الإمام الخميني.
إلا أنه وبعد ثلاث أسابيع فقط أصطدم الأكراد بالنظام الجديد الذي تخوف من ديمقراطية وعلمانية ويسارية (ح د ك إ)، كما تخوفه من (سنية) الأكراد في كردستان الإيرانية.
حدث اصطدام عسكري طويل دام خلال أعوام 1979 / 1983 وظل الريف الكردي بيد الثوار الأكراد طوال هذه السنوات، إلا أن سلطة (الجمهورية الشيعية) قمعت الأكراد بعنف لم يسبق له مثيل في تاريخ إيران المعاصر. .. تطورت هذه الأحداث خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية ولم يتوقف أكراد إيران عن ثورتهم ونضالهم ضد الحكم المركزي, وقد عرضت السلطة المركزية التفاوض مع قاسملو الذي اغتيل عام 1989 في جلسة تفاوض أولية، كما اغتيل من بعده خلفه صادق شرف كندي.
في الكتاب الرابع يعالج المؤلف القضية القومية الكردية في العراق عبر عنوان ملتبس هو: “الأثنو قومية في العراق”
يبدو أن الكاتب من خلال مفهومه للأثنوقومية يريد أن يرصد تبلور الوعي والنضال القومي الكردي المعاصر في أجزاء
لكن من الملفت والمثير أن ديفيد مكدول يكتب عن أكراد العراق وعن واقع حركتهم السياسية بكثير من الذاتية والانتقائية واللاموضوعية.
القسم الخامس (الكتاب الخامس) من الكتاب مخصص لموضوع الأثنوقومية في تركيا.
في الفصل التاسع عشر يشير إلى ظاهرة إحياء الحركة القومية الكردية في تركيا خلال أعوام 1946 -1979، يؤكد فيها على أن الجرافات والمدرعات الكمالية قد نجحت في سحق الحركة الكردية في الثلاثينات، ولم تشر المصادر إلى أية حركة خلال الأربعينيات سوى لقاءات كردية في ديار بكر عام 1945 واجهها الجندرمة التركية باعتقالات واسعة وإعدام 120 شخصا شنقا حتى الموت.
ينتقل ماكدول لتعقب الانبعاث القومي الكردي من جديد في كردستان تركيا بجهود شخصيات جديدة أمثال (موسى عنتر, طارق ضيا, يوسف عبد العزيز أغلوا) الذين أصدروا صحف ودوريات، وتأثروا بعودة البارزاني إلى العراق. قامت السلطات التركية بقمع حركة المثقفين وإغلاق صحيفتهم (الوطن التقدمي) واعتقال تسع وأربعين منهم، وخاصة سعيد آلجي الذي دافع عن حقوق الأكراد الفردية والجماعية.
المنعطف الهام في مسار الحركة الكردية في تركيا جاءت بعد ولادة أول حزب كردي معاصر عام 1965 الحزب الديمقراطي في كردستان تركيا (ح.د.ك.ت)، علما من أنه لم يتمكن من بناء شعبية كبيرة. إلا أن الشباب الكردي وجد نفسه السياسي وتعبيراته الإيديولوجية في أحزاب يسارية عامة, وتواصلوا في السبعينات مع اليسار الفلسطيني. وفي المحصلة فشلت كل جهود تركيا في إنهاء الوعي القومي الكردي وردم جذوره الاجتماعية، وبالتالي منعه من التجسد والانخراط في حركات وأحزاب سياسية منظمة.
نهاية السبعينات تشكلت حركات سياسية كردية ذات شعبية واسعة, وساد العنف في البلاد. ويشير الكاتب إلى أن أبرز تلك الحركات كان حزب العمال الكردستاني pkk الذي تصاعد شعبيته، وبدء بشن حرب العصابات عام 1984 وحتى الآن.
لا يخفي ديفيد مكدول إعجابه الشديد ب pkk وقدرته على زج الجماهير الواسعة في حرب ضد تركيا.
جدير بالذكر أن هذا الكتاب لا يتطرق لأكراد سورية إلا في ملحق الكتاب، وهذا مؤشر سياسي وله دلالاته العلمية التي تكشف منهجية الكاتب المسبقة في تسطير تاريخ الأكراد الحديث والتلاعب بالجغرافية الكردية، كما سيأتي ذكره لاحقا.
خاتمة
على الرغم من موسوعية كتاب تاريخ الأكراد الحديث, الذي يصعب تلخيصه، نظرا لضخامته والكم الهائل من المعلومات التي احتوته، فقد قمنا في الصفحات السابقة باستعراض الخطوط والمضامين العامة للكتاب. وما هو خطير في هذا الكتاب أنه إلى جانب غزارة المعلومات، احتوى أيضا على غزارة في الأخطاء المقصودة وغير المقصودة. فمن ناحية المنهج العلمي للكتاب، فالمنهج ضعيف وربما وقع في شرك الموسوعية والرغبة في كتابة تاريخ الأكراد الشامل، كل الأكراد. حيث هنالك خلط بين التصنيف الزمني والأيديولوجي – السياسي للأحداث والانتفاضات الكردية. أما أكبر نقطة ضعف في الكتاب هو افتقاد الباحث والإعلامي ديفيد مكدول للمعلومات التاريخية الأساسية القديمة، فضلا عن عدم معرفته التامة بتاريخ الأكراد القديم، وتاريخهم المدون في القرون الوسطى. إذ لم يطلع على ما كتب عن الأكراد في المصادر العربية الإسلامية، وثبت مراجعه تخلوا منها تماما. وينطلق في بحثه من مجموعة من الإفتراضات، بل والشكوك ليصل إلى القرن التاسع عشر والعشرين مندهشا بوجود شعب هبط من السماء قائلا: “لكن في السنوات الأولى من القرن العشرين اكتسبت صفة مجموعة تعرف بالأكراد” وهذا خطأ بل جهل كبير بصيرورة تشكل الأمم في المنطقة عموما والأكراد خصوصا.
وأثر حديثة عن مصطلح كردستان يقول: “وقد امتدت الحدود الجغرافية لهذا المصطلح بكل تأكيد عبر القرون المتتالية بانتقال الأكراد نحو الخارج”ص 39، دون أن يحدد ما هو هذا الخارج، وما هي حدود الداخل الكردي الذي يقصده!
الكاتب يكشف عن منهجه وتفضحه رؤاه بسرعة، فهو منحاز بشكل فاضح لكل ما هو مسيحي في كردستان ومحيطها، حيث وصف الأرمن بالثوار كثيرا، ودائما ينعت الأكراد بالعصاة، كما يقول سهوا بأن الروس والأرمن حرروا مدينة وان عام 1915، وفي موقع أخر يصف استيلاء الأكراد على مواقع متعددة ب “الاحتلال” وإن كانت هذه المناطق كردية. وهو يبالغ في وصف “وحشية” الأكراد وقسوتهم بحق الأرمن, في حين لا يذكر شئ عن وحشية الروس والأرمن في تلك الحروب والصراعات، علما أنه يؤكد أن القوات الأرمنية: “قتلت 90% من الأكراد في كل المناطق التي احتلوها” ص 178.
وكذلك يمر مرور الكرام على غزو روسيا الدموي لرواندوز عام 1916 وتدميرها وقتل أهلها بالكامل. في الجانب الأخر يبالغ في تقدير أرقام قتلى المسيحيين وضحايا الصراعات في أعوام 1915-1919.
المسألة الجوهرية التي يجب أن لا تغيب عن ذهن القارئ تكمن في أن الكاتب متأثر جدا بالمستشرقين وبالآراء المسبقة عن الكرد، فهو يردد أفكارهم على الرغم من اشتغاله الطويل في موضوع التاريخ الكردي الحديث. كما يعتمد بشكل مطلق على الوثائق الاستخبارية البريطانية وعلى تقارير القناصل والرحالة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين, دون محاكمة علمية وتدقيق لما ورد فيها، وكأن البعثات التبشيرية والقناصل الغربيين هم أنبياء لا يكتبون ولا ينطقون إلا ما هو صحيح تماما: ” لقد عرفنا هذه التفاصيل حول السكان المسيحيين بفضل البعثات الأمريكية والانكليكانية النشطة في الكتابة حول هذا الموضوع إلى القناصل البريطانيين العامين في تبريز …” ص 136
وما لم يفهم من الكاتب .. هو بعض أخطائه المقصود كاعتبار كركوك واربيل بلدات تركمانية، إذ يؤكد على أن غالبية سكان كركوك كانوا قبل 1930 تركمانا، ص 461و ص493 وذلك بالطبع اعتمادا على مراسلة يتيمة من احد المستشرقين!
إن إصرار الكاتب على قبلية ولا قومية المجتمع الكردي وتركيزه على سلبيات الأكراد بالتوازي مع إبراز إيجابيات السلطات والحكام المجاورين لهم، يؤكد لنا من جديد أن الفكر الإستشراقي الغربي الذي نمط ونمذج الأمة الكردية في صورة سلبية جامدة، هذا الفكر الذي مازال يشكك بحقيقة كردستان الجغرافية والتاريخية، يفعل فعله المباشر ويؤثر في أمثال هذا الكاتب المجتهد الذي أهمل جل إيجابيات المجتمعات الكردية, ويبرر ضمنا للسياسة الكولوينالية والمخادعة تجاه كردستان تاريخيا، يؤيد ضمنا على عدم قدرة الأكراد من إدارة مجتمعاتهم المنقسمة قبليا وطائفيا.
كما أنه يعاني من عقدة كركوك التي هي خطيئة وعقدة السياسة البريطانية تجاه الشعب الكردي تاريخيا.
إن كتاب ماكدول يذكرنا بسياسية بريطانيا العامة طوال قرون اتجاه شعوب العالم النامي، هذه السياسية المتخلصة في فتح الطرق ومن ثم زرع الألغام في محيطها لتتفجر لاحقا، وإلا لماذا دس ديفيد ماكدول قليل من السم في كل هذا الدسم من المادة التاريخية والوثائقية.
من جانب آخر يقيس ديفيد مكدول الحركة القومية الكردية وانتفاضاتها بمقياس أوروبي دقيق ورومانسي, فالتجربة الأوروبية وتفاصيل تطور قومياتها وآليات إنشاء دولها القومية هي محض تجربة أوروبية، وإن التطور الاجتماعي – السياسي والأثنوقومي الخطي في أوروبا لن يتكرر في أي قارة وإقليم آخر من العالم.
لذلك نجده متحسس من البنية القبلية الكردية ويحيل إليها فشل الحركات والانتفاضات القومية الكردية، ويحملها سبب الفشل في تحقيق الاستقلال، وهو بذلك يوضع العربة أمام الحصان. فلو كان المجتمع الكردي متجاوزا البنى القبلية ومحققا لوحدته الاقتصادية، ومتخطيا في تطوره الاجتماعي عصر ما قبل القومية، لكان قد شكل دولته القومية قبل الشعوب الأوروبية أو بالتوازي معها، ولم تكن لجهود ماكدول المشكورة في كتابة تاريخ الأكراد أي معنى.
” انتهى المقال الملخَّص ” !
نقاط، وما أكثرها، رغم أنها واحدة أصلاً:
نعم، ثمة الكثير من النقاط التي تستدعي مناقشة، أو تحاوراً، تتخلل مقال الدكتور آزاد، باعتبارها تشمل ما هو تاريخي مهَني، وسياسي، واجتماعي، وثقافي، وأكاديمي بحت..الخ، سوى أنها تلتقي في نقطة واحدة، وهي اعتبار الكاتب، ومنذ البداية متحاملاً على الكرد والقضية الكردية، ومتطفلاً، كونه لا يمتلك الحد الأدنى من أدبيات الكتابة التاريخية ” الموضوعية- العلمية “. وهو مأثور مستفحل بدائه ” الأكاديموي خصوصاً “، أي الإفصاح عن أن المثبت صادر عن رجل علَم، ويميّز بين سمين القول وغثه، باعتباره: أكاديمياً !
مثلاً: التعريف به إثر مقدمة تنبّه إلى بؤرة توتر تاريخية لا تمرّر دون مكاشفة فحواها الأخلاقي بالذات، كما لو أن الجاري في بنية ” اتفاق الجزائر 1975 التآمري، وهذا صحيح، يسمّي ما قام به مكدول بصفته متآمراً آخر، وهذا تصور مريع فتاك بالتأكيد، وتحديداً عبر التعريف ” الإذاعي ” به، ومثير الصخب. إنه أكثر من السم في الدسم استخلاصَ عمل ٍ .
واللافت استخدامه الألسني لمفهوم ” سرديات ” إذاعية، في بؤسها ونفثَها السمّي، والأهم، هو ربطه بالسياسة البريطانية ” الاستعمارية ” بجلاء تجاه الشعوب الأخرى” الكرد في الواجهة هنا “، أي باعتباره ربيب توجهات السياسة تلك. فهو إذاً في موقَف لا يحسَد عليه: ضحالةَ معلومات، وخلطها، وخبطها…
ومن ثم الاستخفاف بكل ما جاء به، وهو يستعرض أفكاره مطولاً، بعد تجريمه بداية ونهاية، وهي أفكار تمثّل أغلب المقال، وتفصح في البنية المقدَّمة عن أن الرجل قدَّم ما يفيد ويشاد به ولو قليلاً، وليس ما يضعه في خانة من يجب الحذر منهم بإطلاق ، لتكون السرديات المقحمة تطويباً لشخصية مدسوسة، شرانية، وما فيها من تذاك ٍ وتفقه لافتين من كردينا.
أتمنى هنا من القارئ ومن أكاديمينا أن يراجعا تلك الفقرات التي تتضمن قائمة من الأعمال التي أنجزها مكدول ” المشبوه ” في كتاب ” الكورد وكوردستان : بيبلوغرافيا مختارة ومعرفة ” للقمان. ا. محو، وهذا كردي، وترجمة: هڤال، وهو كردي بدوره، مؤسسة موكرياني، أربيل 2007، ص:57-106-107-190..الخ. وما قاله مارتن فان برونسن ” ما غيره ” وهو من بين أكثر من كتب بعمق في الشأن الكردي انتروبولوجياً، إن لم يكن أولهم، في كتابه الذائع الصيت” مارتن فان برونسن: الآغا والشيخ والدولة ” البنى الاجتماعية والسياسية لكردستان “1-ترجمة: أمجد حسين، معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت، ط1/ 2007 “، وبالنسبة لكتابه ” موضوعنا ( إن ماكدويل هو على أفضل ما يكون في دراسة الشئون العراقية، وأضعف ما يكون في الشئون التركية. ص 15 .) والأضعف كلمة تقييم لا تعني التسفيه، إنما وجود ما يبقيه كاتباً. طبعاً، وكما لوحظ، فقد برز مكدول في أسوأ مقام من بين مقامات المحاور السيئة في المقال، في علاقته بموضوعة العراق وكرده، إذ تميز ” بكثير من الذاتية والانتقائية واللاموضوعية.”، كما لو أن الذاتية لم تكفه، فأكمل عليه- إشباعاً لرغبة التشفي، وبعد سنوات وسنوات- بحكم الانتقائية واللاموضوعية.
وما قال فيه مترجم كتابه ” الكورد: شعب أنكِر عليه وجوده “، دار آراس، أربيل، 2012، عبدالسلام النقشبندي، وهو من إقليم كردستان العراق، تولد 1938، ومقيم في الولايات المتحدة منذ سنوات ( ديفيد ماكدوال كاتب وباحث لا يرتبط اسمه بشركة أو صاحب عمل. كتب بغزارة عن شعوب منطقة الشرق الأوسط وعن الاتجاهات السياسية فيها..إن كتاب ” الكورد- شعب أنكر عليه وجوده ” عمل موضوعي يأخذ بالقارئ الكريم إلى ثنايا وتعقيدات المجتمع الكوردي وإلى خفايا السياسة التي أحاطت بالمسألة الكوردية…الخ، ص 7 “، والملاحظ أن ثمة تداخلات بين الكتابين، فكيف يكون متحاملاً، منتحلاً صفة الكاتب والباحث التاريخي هناك ” لدى أكاديمينا “، وموضوعياً هنا ؟ إلا إذا كان النقشبندي نفسه داخلاً في عقد تآمري معه، إن تابعنا الفكرة إلى نهايتها المحتملة ! وما قاله فيه الباحث والمترجم المشهور جرجيس فتح الله” أكثر من ترجم من الكتب المتعلقة بالقضية الكوردية “، وذلك في تقديمه لكتابه ” مبحثان على هامش ثورة الشيخ عبيدالله النهري : دراسة عن الثورة لثلاثة باحثين ” دار آراس، ط3، أربيل 2010، حيث أورد مبحثاً لمكدول عن النهري، مأخوذاً أساساً من الكتاب ” موضوعنا “، وبعد تثمين كتابه هذا مقارناً بكتاب وديع جويده: الحركة القومية الكردية” نشأتها وتطورها “، وهو ثمين في بابه، وقدَّم له مارتن فان برونسن مؤكّداً على أهميته، وقد صدر سنة 1960، وبالانكليزية في أميركا، وهو أكاديمي، ومسيحي من العراق أساساً، وتوفي سنة 2001،صص9-19، في الترجمة العربية2013. ماذا قال فتح الله في مكدول وكتابه ذاك؟( وهو كتاب لا يقل أهمية عن كتاب ” جويده “..هو واحد من المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط ومن الخبراء الثقات في الشؤون الكردية..ص 13 )، وبالمناسبة، فإن كتاب جويده من مصادر مكدول المهمة في عمله الموسوم هنا…الخ. تُرى هل ” يشفع ” هؤلاء له، ليس بغية منحه ” براءة ذمة ” أو ” حسن سلوك كتابي ” إنما في اعتباره كاتباً يمكن الإصغاء إليه فقط ومناقشته ؟!
ثانياً، بالنسبة لتحديده لعنوان الكتاب الأول، يجب تصحيحه في ” القبلية ” فهي ” القبيلة ” بداية، ثم: من أين وكيف استرسل في محاكمته للكاتب، وقد حدد موضوعه منذ البداية ( تاريخ الأكراد الحديث )، وهو يحاول إعلام القارئ بأن موضوعه يتركز على القرنين التاسع عشر والعشرين، رغم أنه مهد لموضوعه عما يخص الكرد قديماً، وتحت عنوان : كردستان قبل القرن التاسع عشر، صص 59-76، وسابقاً كان قد تحدث في نقاط تخص الكرد قديماً، ومفهوم ” كردستان “، ومن يكون الكرد أصولاً ولغة وديناً..الخ، وأشار إلى وجود ” العديد من خصائص القرنين التاسع عشر والعشرين الماثلة ” من خلال تلك الملاحظات المثبتة، وليس كما نقل خطأ ” ولكن ثمة ملاحظات تستحق الذكر لأنها تشير إلى خصائص القرنين التاسع عشر والعشرين لا تزال ماثلة…” ص59 “، والمعنى مختلف في الحالتين .
، أما عن البعد القبلي للكرد الذي ” يستنكره ” أكاديمينا، فهو العلامة الفارقة لدى كل الذين كتبوا عن الكرد ودون استثناء، من مينورسكي، مروراً بنيكينين، ولازاريف، وتوماس بوا، وليرخ، وليس انتهاء ببرونسن، بقدر ما نوهوا إلى عامل القبلية بالذات في توجهات الكرد اجتماعياً وسياسياً وثقافياً ” ليت آزاد ينيرني بما هو مختلف ولو في مثال واحد فقط “، وأحسب أن بنية مقاله بالذات لا تخفي ” قبليتها ” المستحدثة، في عراضتها، ومحسوبيتها، وطريقة تعاملها مع الكاتب والمعنيين به . تُرى : أليس هذا التشظي الحزبياتي الكردي لدى ” أكراده ” والمصطلح هذا مقصود لدلالته، وهو فاعل فيه، يترجم كما يسمّي هذه القبلية التليدة سلبياً ؟
وحتى بالنسبة لمفهوم ” كردستان “، وأنا أتفق مع الكاتب بأن كردستان حقيقة جغرافية، سوى أن علينا عدم غض النظر عن حدود هذه الجغرافيا وتاريخيتها والمختلف عليه بحثياً، وما يعنيه الكرد كمفهوم قومي، وهي إشكالية بحثية قائمة أيضاً، يستحيل تجاهلها، إلا إذا أردنا الانطلاق مما هو شعاراتي، رغم انقساميته، وألا نطالب الآخرين، ممن هم ليسوا كرداً، أن يفكروا ويكتبوا ويسمّوا جهاتنا وتوجهاتنا وأهدافنا كما نريد .. رغم أننا أنفسنا مختلفون لا بل ومتخالفون فيما بيننا، وهو يعرّي في الكرد خرافة ” الوحدة ” التي يشدّد الكاتب عليها، بينما توجهه في الضد من ذلك واقعاً وتفكيراً هنا وهناك .
ثالثاً، ينوه مكدول إلى حقيقة الوجود الكردي، والاختلاف في تحديد المكان في المقدمة ” ص 23 “، وقوله ( فقد برزوا اليوم، ليس كأمة ملتحمة ومتماسكة، ولكن كمجموعة عرقية ليس من الممكن تجاهلها أكثر من ذلك. وربما من أجل هذا السبب يستحقون فهماً أكثر ). الغريب في الأمر، هو أن آزاد يريد من مكدول أن يثبت في كل فقرة أو صفحة من كتابه عبارة من نوع: انتبهوا، الكرد ” هكذا ” شعب ينشد الاستقلال والتحرر “، كما لو أن كل ما قام به الكرد، وما يقوم به مكدول، ويثيره لا يندرج في سياق السعي إلى الحضور في سياق أمة ؟
والمضحك المبكي معاً، هو إشارته إلى أن الكاتب يرتبط بالاستشراق الأوربي وبالنظرة الأوربية الرومانسية، إلى جانب تماهيه مع السياسة البريطانية.. وهذا من العجب العجاب: أولاً، في تعميم الحكم، وكأن الاستشراق الأوربي محكوم عليه بالسلب هنا في كليته، رغم أن جل معارفنا في المنطقة جاءتنا بفضل قائم ومسجل من خلال هؤلاء المستشرقين، أم إن مينورسكي، ونيكيتين، ولازاريف..الخ، مثلاً، لا صلة لهم بهذا الاستشراق، وقد ربطوا بين الكتابة عن الكرد، وأنشطتهم الميدانية وارتباطهم بمؤسسات رسمية في بلدانهم وغيرهم ؟ وبالنسبة إليه ثانياً، لا أدري ماذا تعني إشارة مكدول في نهاية مقدمته لكتابه إلى وجوب توخي الحذر في قراءة المادة الأرشيفية المتعلقة بالدبلوماسيين البريطانيين، من ناحية، ووجود نسبة من الحقيقة ” في دوافع قوة امبريالية ” من ناحية أخرى، والتأكيد على ” أن الدبلوماسيين البريطانيين كانوا يرون أحداث كردستان من منظار المصالح البريطانية. ص 25 ” ..الخ ؟ أم إنها ” عنزة ولو طارت ” ؟!
ولو أننا أردنا تقييم ما يكتبه آزاد نفسه في سياق توجهات الكتابة وبالتناظر، كيف سيأتي الحكم ؟ أي كاتب كردي يكون من منظور آخرين من مجايليه ومن بني جلدته ؟ وهو في مسلك عقائديته وحدّتها …!
رابعاً، بالنسبة لبنية كتاب مكدول، فإن الكاتب يحدد موضوعه: تركيا والعراق” المنطقتان الأكثر تميزاً بالنشاط الكردي القائم على الرغبة في الاستقلال، ولا يطالَب بأن يسمي حدود كردستان كما يريد صاحب المقال، كما الحال بشأن سوريا، إنه أمر مختلَف عليه، ولا يندرج في سياق ” تآمري “، والتاريخ الكردي بالذات، ومن خلال رموزه وسياسييه ؟ حتى الآن يشهد على ما هو خلافي في التوجهات السياسية وحتى على مستوى التحديد الجغرافي القومي، وما تكونه كردستان، وأذكّر آزاد نفسه، باعتباره منتمياً إلى حزب كردي ” سوري “، بهذا المختلف عليه كثيراً بصدد جغرافية الكرد ” المقتطعة ” سورياً “، وليس ما جرى ويجري منذ اندلاع الأحداث المروعة في سوريا منذ سنوات، وسباق ساسة الكرد ومتحزبيهم الآخرين ” ممن يلحقَون بهم ظهيرياً وغيره، بصدد مفهوم ” كردستان سوريا.. روجآفا ..غربي كردستان ..”، والسعي إلى البروز النضالي القطعي و” تأثيم ” البعث، تعبيراً عن شعور بلزوم التعويض عما فات، وخصوصاً من قبل الذين أصبحوا ” خارجاً ” وحتى المزايدة على آخرين حزبيين وكتاباً، وآزاد في الواجهة في محاولته الراهنة فيما يكتبه، وآخر ما كتبه مقاله المنشور” معرفة الأكراد عربياً ” في موقع ولاتي مه” في 6 تموز 2014 ” وهو منشور أساساً في ” ملحق النهار الثقافي اللبناني ” قبله بيوم فقط ” في 5 تموز 2014 “، وما يثيره المقال من تهكم جهة تفتق قريحة آزاد مؤخراً في الكتابة في هذا المضمار، في تثبيت معلومات، وتصورات باتت كلاسية، كما لو أنه الأول في حقله، والتجاهل المضمر لآخرين ” أحسبني منهم، منذ صدور كتابي: صورة الأكراد عربياً، بيروت 1992 ، ولاحقاً: الكرد في مهب التاريخ، بيروت، 1995، وفيما بعد : القبيلة الضائعة” الأكراد في الأدبيات العربية ، بيروت، 2007″، والذي عتَّمت عليه الأدبيات الحزبية الكردية ” السورية ” وضمناً حزب الكاتب، كغيره، وتجاهلته…وما في ذلك من افتئات قبلي، وتكتلي، وأنوي…نعم، يمكن مناقشة مكدول فيما اختطه لنفسه، أما التهويل مما اعتمده، فهو أمر آخر.
خامساً، نعم، وأؤكد على ذلك، أن التساؤل عن الأرضية الفكرية التي ينطلق منها مكدول وارد ومشروع، بالنسبة لصيغ ومقاربات تخص علاقة الكرد بالجغرافيا وبمن حوله ” الأرمن، مثالاً حياً “، وكركوك..الخ، إنما مجدداً، لا يمكننا الطلب منه في أن يكون توجهه الفكري والمعتقدي كما ” نريد “. وفي هذا السياق، فإن باحثاً كردياً عتيداً، وهو كمال مظهر أحمد، شدد على مسؤولية كبيرة للأكراد في ” إراقة الدم الأرمني “، في كتابه :كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى، وهو تشديد لا يراد من التذكير به بتأكيد هذه المسئولية، إنما بأهلية الموضوع للتداول من باب المختلف عليه، ولا داعي للإطالة في هذه النقطة، إنما هو وجوب التفكير التعددي إزاءها.
هذا ينطبق، أيضاً، على موقفه من الـ pkk، إذ يظهر لا موضوعياً في اعتباره ” النقدي “، وهو تعسف آخر في التفكير النقدي ووعي التاريخ بالذات، إذ إن رفضي لتصور معين، لا يعني أن كل من يفكر خلافي ، هو لاعقلاني، على الأقل، حين يرى على الأرض وفي الكتابة، أن هناك كماً هائلاً داخل هذا التوجه ” البككي “، بالنسبة لمكدول، وغيره ” أشير هنا إلى هذا الجانب والملحوظ بقوة لدى أصليخان يلدرم، في كتابها: كردستان والحدود في القرن العشرين، 2013، وبالكردية، وهو توجه يترجم ليس قناعاتها هي وغيرها، إنما جانب الاختلاف وليس الخلاف، أم إن علينا اعتبار هذا الكم ” الملاييني ” الكردي: عاديين وخلافهم، لاتاريخيين ، عمياناً ؟ إنني لا أتحدث عن تأييد أو رفض، إنما عن حقيقة ممثّل فيها كردياً، استناداً إلى قبلية قاتلة، ورهيبة في التفكير والمسلك، وهذا يستدعي أكثر من دراسة .
سادساً: يعترف الكاتب بموسوعية الكتاب لدى مكدول، والكم الهائل من المعلومات.. وهي إشارة فالتة منه، إلى أن ثمة مجالاً، وما أرحبه ، للتفكير بطريقة مخالفة لتوجه أكاديمينا هنا، والمريع والفظيع معاً، هو اتهامه له بأن جريرته فيما كتبه، وانتهى إليه، وتوقف عنده ضمناً، وما ترتب عليه من خواء الفكرة المبثوثة، تفسّر باللاتوثيق وعدم وجود مصادر لديه تسند موضوعه. آزاد، أطلق هذه التهمة ” القذيفة القاتلة “، لأن مكدول هذا لم يعتمد أسلوب التوثيق ” ذكر المقبوس، ومن ثم الإحالة إلى مصدره أو مرجعه “، ولكنه أسلوب قائم في الكتابة، حيث أشار مكدول، ومن خلال توجيه الشكر، إلى شخصيات فكرية وسياسية وغيرها ساعدته في بناء موضوعه، وهو في لقاءات وتنقلات جهوية، إلى جانب تسميته لمراكز ومؤسسات ومعاهد ومراكز ثقافية وبحثية في جهات مختلفة، وقائمة المصادر الواردة في الكتاب، ص:26- 97-122-150-242-398-486-549-622-716…الخ.
ولا أدري ما إذا كان أكاديمينا قد قرأ هذه الأسماء، وكأمثلة طبعاً، وفي قائمة المصادر وبالانكليزية : بنديكت أندرسون، علي بنوعزيزي، الموسوعة الإسلامية، أمير حسابور، باسيل نيكيتين، عرفان ابراهاميان، البرت حوراني، مارك سايكس، كمال مظهر أحمد، ثريا بدرخان، حميد بوز أرسلان، شيركوه، شريف ماردين، س.ج. ادموندز، ابراهيم أحمد، حنا بطاطو، ماجد خدوري، وديع جويده، محمد الدرَّة، عصمت شريف وانلي، دلاور علاء الدين، سمير الخليل ” كنعان مكية”، محمد ملك، جوناثان راندل، منصور سجادي، سامي عبدالرحمن، سيامند بانا، مسعود بارزاني، كريم خان برادوستي، عادل مراد، حسين سورشي، د. محمود عثمان، عبدالله أوج آلان، باتريك سيل …الخ.
أبعد من الخاتمة:
في مختَتم مقاله ” معرفة الأكراد عربياً “، يستعين بادوارد سعيد، مفصحاً بذلك عن توجه حواري منفتح، وقوله ( إن المعرفة بمعانيها السياسية والإنسانية ينبغي كسبها لمصلحة العيش المشترك وخير المجتمع، أي مجتمع كان، وليس أعراقاً وقوميات أو طبقات أو أدياناً بعينها ).
حسبي في الخاتمة المفتوحة وما هو أبعد منها، أن أكرر هذا القول، إنما أوجهه إليه، لتحديد نوع ” خطابه ” وبلاغة ” الكيدية ” التي ضمَّنها مقاله، وما إذا كان في مستوى القول السعيدي، حتى بالنسبة لأقرب المقربين إليه من بني جلدته، ولمن يفكرون خلافه كردياً وحزبياً ؟، ومزعم العيش المشترك، و” الاعتراف ” بالآخر، على الأقل، في أنه يفكر مختلفاً، وله موقعه، واعتباره، وليس في الجاري تجاهله، من موقع التذاكي والتعالم، كما هو لسان الإيديولوجيا التعبوية السافرة، بقبليتها المنهِكة والمهلِكة والمربكة والمفكَّكة ..؟
يا حيف ..!
دهوك