نارين عمر
narinomer76@gmail.com
إلى العيد القادم وأنتم تلهون في رياض السّلام والأمن والطّمأنينة
كلّما يحلّ علينا العيد وخاصة منذ ثلاثة الأعوام الماضية, ترجعني الذّاكرة على الفور إلى “أعياد ديركا حمكو” أيّام زمان. تلك الأعياد التي كانت أعياداً حقيقيّة, حقّة للصّغار والكبار معاً, للأطفال والصّبية والشّباب.
في تلك الأيّام الكلّ كان ينتشي بعبق العيد, يتراقص على أنغام بهجته, يسكر من كأس لهوه ولعبه, يتلذّذ بأطايب مطعمه ومشربه.
narinomer76@gmail.com
إلى العيد القادم وأنتم تلهون في رياض السّلام والأمن والطّمأنينة
كلّما يحلّ علينا العيد وخاصة منذ ثلاثة الأعوام الماضية, ترجعني الذّاكرة على الفور إلى “أعياد ديركا حمكو” أيّام زمان. تلك الأعياد التي كانت أعياداً حقيقيّة, حقّة للصّغار والكبار معاً, للأطفال والصّبية والشّباب.
في تلك الأيّام الكلّ كان ينتشي بعبق العيد, يتراقص على أنغام بهجته, يسكر من كأس لهوه ولعبه, يتلذّذ بأطايب مطعمه ومشربه.
قبل العيد بأيّام كنّا نتقبّل هديّة الأهل من الّلباس والثّياب كيفما كانت ودون إبداء أيّ شكل من الاعتراض أو الرّفض.
في صبيحة العيد كنّا نرفق النّسوة إلى مقابر المدينة لنحصل منهم على أكبر كميّة من السّكاكر والحلويات, كنّا نملِئ جوف الكيس الذي يئنّ بين كفّينا من حمله الثّقيل, فنرأف به للحظات حين نفرغه من محتوياته, لنتوجّه إلى البيوت المجاورة, ثمّ إلى كلّ البيوت التي نستطيع الوصول إليها.
بهجتنا الكبرى كانت تكمنُ في الفترة التي تلي تجوالنا وتطوافنا في البيوت والأزقّة والحارات. كنّا نتوجّه إلى المكان الذي نمارس فيه طقوس جنوننا وتعقّلنا, إلى ساحةٍ كانت تتباهى بوجود ألعاب أطفال فيها, يجلبها رجل غريب عن المدينة إليها, وتقابلها تماماً دار “حجي محمد” أبو هادي الذي كان يملك “مرجوحة” كبيرة, نقضي فيها ساعاتٍ طويلة من أيّام عيدنا في تأرجح ومَيَلان كتأرجح ومَيَلان أحلامنا وأمنياتنا الصّغيرة جدّاً ولكنّها كانت بحجم الكرة الأرضيّة عندنا نحن الصّغار.
كنّا نترك لفترات ساحة ألعابنا وأحلامنا, لنتسابق في التّوجّه إلى ذلك “الميكروباص العتيق” أو إلى تلك الدّراجة النّاريّة ذات الثّلاثة دواليب لتأخذنا إلى قرية “بانه قسري” إلى حيث “بيت الشّيخ”, نأكل من طعامهم وشرابهم, فنحصل على بركاتهم, وعلى بركة العيد, وربّما كنّا نسير إلى حيث “القبّة, قبّة الإمام علي” التي كنّا بداية نطوف حول تلك الغرفة التي كنّا نظنّ بل نصدّق أنّه فيها يرقد جسد “الإمام علي”, نطوف حولها سبع مرّات, لنحبو إلى الغرفة, فندخلها باتجاهٍ معكوس, أي ظهرنا إلى المقام وصدرنا نحو الباب, وبعد أن نرفع يدينا كالكبار إلى الأعلى, وندعو إلى تحقيق ما تصبو إليه قلوبنا الصّغيرة, كنّا نخرج إلى حيث تلك الأشجار المغروسة في “حوش المقام”, نفكّ من حول أحد أغصانها خيطاً معقوداً أو قطعة قماش معقودة, ثمّ نبدأ بعقدها وربطها من جديد وأنين دعواتنا يصل إلى عرش السّماء. طبعاً لم نكن ننسى من احتضان قطع الفخّار بين أناملنا الصّغيرة محاولين إلصاقها على الحائط الأمامي للقبّة, إذا لصقت به تتحقّق أمنيتنا وإلا فالإخفاق نصيبنا. ربّما أيضاً كنّا نتوجّه إلى قرية “عين ديور”.
كثيراً ما كنّا نذهب إلى “بانه قسري والقبّة” سيراً على الأقدام.
هذا فيض من غيض ذاكرتي عن أعياد ديركا حمكو أيّام زمان, زمن الماضي الجميل.
بينما كنتُ أنبشُ في مفكّرة ذاكرتي ذكّرتني ” المرجوحة” بقصّة لذيذة, اسمحوا أن أوردها كدعابة, كنتُ أسير مسرعة نحو المرجوحة لألمح ابن الجيران الذي يكبرني بقليل يتحدّث بخجل مع أخته التي هي بعمري والتي تشجّعه على البوح بما يخفيه, فصاحني “ناريني..” قلت له: ها.. قال: “بحبك,”Ezhijtedikim, لم أجبه بشيء بل اكتفيتُ بابتسامة, وهو كذلك, وفيما بعد لم أفكّر بالأمر بتاتاً, ربّما لأنّني اعتبرتُ الأمر مجرّد كلماتٍ نثرها هو في فضاء كلّ بنتٍ منّا,ونحن حينذاك كنّا نلعبُ معاً “البنات والبنون” دون وجود عوائق أو حواجز تردعنا, أو أنّني لم أكن أدرك ما تعنيه كلماته. لا أعرف إن كان ابن الجيران ما يزال يتذكّر تلك الّلحظة وهو الذي سار مع مّن سار تبعاً لتيّارات الغربة والاغتراب, ما أعرفه أنّه يرقد في الخاطر كغيره من الصّبيان الذين كانوا رفاق لعبنا ولهونا كإخوة ورفاق طفولة.
أليس من حقّنا أن نطلب إلى القدر أو الدّهر أو الزّمن أن يعيد إلينا أعياد ديرك, أن يعيد إلينا كبارنا وصغارنا, أطفالنا وشبابنا الذين رأوا في مرابع الغربةِ والاغتراب ملاذهم وخلاصهم من حاضر مرير وغدٍ مجهول.
بهجتنا الكبرى كانت تكمنُ في الفترة التي تلي تجوالنا وتطوافنا في البيوت والأزقّة والحارات. كنّا نتوجّه إلى المكان الذي نمارس فيه طقوس جنوننا وتعقّلنا, إلى ساحةٍ كانت تتباهى بوجود ألعاب أطفال فيها, يجلبها رجل غريب عن المدينة إليها, وتقابلها تماماً دار “حجي محمد” أبو هادي الذي كان يملك “مرجوحة” كبيرة, نقضي فيها ساعاتٍ طويلة من أيّام عيدنا في تأرجح ومَيَلان كتأرجح ومَيَلان أحلامنا وأمنياتنا الصّغيرة جدّاً ولكنّها كانت بحجم الكرة الأرضيّة عندنا نحن الصّغار.
كنّا نترك لفترات ساحة ألعابنا وأحلامنا, لنتسابق في التّوجّه إلى ذلك “الميكروباص العتيق” أو إلى تلك الدّراجة النّاريّة ذات الثّلاثة دواليب لتأخذنا إلى قرية “بانه قسري” إلى حيث “بيت الشّيخ”, نأكل من طعامهم وشرابهم, فنحصل على بركاتهم, وعلى بركة العيد, وربّما كنّا نسير إلى حيث “القبّة, قبّة الإمام علي” التي كنّا بداية نطوف حول تلك الغرفة التي كنّا نظنّ بل نصدّق أنّه فيها يرقد جسد “الإمام علي”, نطوف حولها سبع مرّات, لنحبو إلى الغرفة, فندخلها باتجاهٍ معكوس, أي ظهرنا إلى المقام وصدرنا نحو الباب, وبعد أن نرفع يدينا كالكبار إلى الأعلى, وندعو إلى تحقيق ما تصبو إليه قلوبنا الصّغيرة, كنّا نخرج إلى حيث تلك الأشجار المغروسة في “حوش المقام”, نفكّ من حول أحد أغصانها خيطاً معقوداً أو قطعة قماش معقودة, ثمّ نبدأ بعقدها وربطها من جديد وأنين دعواتنا يصل إلى عرش السّماء. طبعاً لم نكن ننسى من احتضان قطع الفخّار بين أناملنا الصّغيرة محاولين إلصاقها على الحائط الأمامي للقبّة, إذا لصقت به تتحقّق أمنيتنا وإلا فالإخفاق نصيبنا. ربّما أيضاً كنّا نتوجّه إلى قرية “عين ديور”.
كثيراً ما كنّا نذهب إلى “بانه قسري والقبّة” سيراً على الأقدام.
هذا فيض من غيض ذاكرتي عن أعياد ديركا حمكو أيّام زمان, زمن الماضي الجميل.
بينما كنتُ أنبشُ في مفكّرة ذاكرتي ذكّرتني ” المرجوحة” بقصّة لذيذة, اسمحوا أن أوردها كدعابة, كنتُ أسير مسرعة نحو المرجوحة لألمح ابن الجيران الذي يكبرني بقليل يتحدّث بخجل مع أخته التي هي بعمري والتي تشجّعه على البوح بما يخفيه, فصاحني “ناريني..” قلت له: ها.. قال: “بحبك,”Ezhijtedikim, لم أجبه بشيء بل اكتفيتُ بابتسامة, وهو كذلك, وفيما بعد لم أفكّر بالأمر بتاتاً, ربّما لأنّني اعتبرتُ الأمر مجرّد كلماتٍ نثرها هو في فضاء كلّ بنتٍ منّا,ونحن حينذاك كنّا نلعبُ معاً “البنات والبنون” دون وجود عوائق أو حواجز تردعنا, أو أنّني لم أكن أدرك ما تعنيه كلماته. لا أعرف إن كان ابن الجيران ما يزال يتذكّر تلك الّلحظة وهو الذي سار مع مّن سار تبعاً لتيّارات الغربة والاغتراب, ما أعرفه أنّه يرقد في الخاطر كغيره من الصّبيان الذين كانوا رفاق لعبنا ولهونا كإخوة ورفاق طفولة.
أليس من حقّنا أن نطلب إلى القدر أو الدّهر أو الزّمن أن يعيد إلينا أعياد ديرك, أن يعيد إلينا كبارنا وصغارنا, أطفالنا وشبابنا الذين رأوا في مرابع الغربةِ والاغتراب ملاذهم وخلاصهم من حاضر مرير وغدٍ مجهول.
فقط أعيدوا إليّ هؤلاء, ليعود العيد كما كان في ديركا حمكو, وليحتفل صغارنا بالعيد كما كنّا نحتفل به نحن.