ابراهيم محمود
أحياناً، وتبعاً للظروف، تأتي نتائج مشاعر الثقة بالآخر عكسية، لا بل صادمة، ولعل صيحة النائبة الكردية الإيزيدية البليغة بالضاد و” شقيقتها التوأم “: الكردية: ڤيان دخيل، تحت قبَّة البرلمان العراقي، منذ بدء غزو طاعون داعش لحدود كردستان وحمى ” شنكال ” الإيزيدية بالذات، وهي تستصرخ ضمير ” السيد الرئيس: المالكي “: وامالكياه، ارتدت عليها، إذ كان المسعى الأميز للتجاوب هو إسنادها قليلاً وتجنيبها السقوط، من هول صدمة الحدث بالتأكيد. لا بد أن ندخل في إطار حسابات التاريخ وتسمية المواقع ومن فيها: ڤيان لم تكن المرأة ” العربية ” حسب أهم الروايات، التي أهينت وسعى القابضون عليها إلى سحلها وإيداعها السجن، وليس شنكال ” عمورية ” التي كانت محكومة من قبل الروم حينذاك، وهي كانت مدينة ذات أهمية بالنسبة للبيزنطينيين، وتقع في غرب آسيا الصغرى” الأناضول راهناً “،
وليس المالكي بالخليفة العباسي: المعتصم بالله” 179-227 هـ/ 796- 842 م “، وهو الذي حكم بغداد تسع سنوات، ومات وعمره ثمان وأربعين عاماً، أي أصغر من المالكي بكثير، وبالمقابل ليس أبو بكر البغدادي السفاح الداعشي وولي أمرها المعروف، بالزعيم الرومي، إنما لا بد أن يكون من ” توبو: ثوبه ” بالنسبة إلى المالكي ومن معه في حسابات كثيرة، ليرد على صيحة المرأة، كما رد المعتصم في رسالة مقتضبة موجهة إلى الحاكم الرومي طبعاً، لكنها حاسمة ( من أمير المؤمنين إلى كلب الروم أخرج المرأه من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي. فلم يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: اجعلوا النار في المجانيق وارموا الحصون رميا متتابعا ففعلوا، فاستسلمت سنة 223هـ/ 838م ) . كل شيء مغاير لما كان: الزمان والمكان والشخص والبيئة الاجتماعية والمعني بالأمر…الخ، إلا أن الأهم هنا، هو الموقف الحاسم والقطعي كثيراً من الكردي تاريخياً، وهو القاسم المشترك ربما ( لنتذكر أن المعتصم كان داخلاً في صراع مميت مع انتفاضة بابك الخرمي ” أو ” فتنة بابك الخرمي ” ، تبعاً لأشهر الروايات الإسلامية الرسمية).
امرأة هزت أركان الامبراطورية العربية – الإسلامية : العباسية، ووجدان الخليفة العباسي المشهور ابن هارون الرشيد، لاعتبارات عائدة إلى حسابات المعتصم بالله، فكان ما كان رغم شساعة المسافة وكلفة المعركة وفي بقعة نائية نسبياً، بينما صرخة الشريك في المكان والزمان والوطن والمصير الواحد، شريك تمثّل في امرأة مزجت بين الصراخ والبكاء تحت وطأة الصدمة الحاصلة والوضوح في المقصد ومباشرة، وليس عن طريق الرواة وانتظار من ينقل الرسالة إلى ” ولي الأمر “، ذهبت سدى، ولا بد أنه هناك من يهزأ بها وبما ترجوه ممن لا يفتقر إلى قيمة الرجاء، إنما يكون الضليع في الحدث المرعب شنكالياً . لم يحرك شنكال بكامل جغرافيته المكتسحة وأهليه المكتسحين والمنذورين للإبادة، ولا صيحات الكبار والصغار، الرجل والنساء، في سمفونية القهر التاريخية الكردية الإيزيدية وعلى مرأى من العالم، شعرة تعاطف من أولي الأمر، بالعكس، تحركت قطعان مدعشنة بحكم الضرورة التاريخية والقوموية والعروبية وهي تتقدم داعش، أو ترافقها أو في إثرها لإعمال القتل والسلب والنهب والاعتداء اللاأخلاقي، كما لو أن حقوق ” الجيرة ” لا وجود لها هنا ، كما تقول أغلبية الروايات: داعش القلة، وأهل المكان من الأعراب ومن حرّكوهم ويحركونهم قريباً وبعيداً هم الكثرة، والمؤكّد لذلك أكثر، لحظة التعتيم على الجاري في واجهات الإعلام الرسمي، كما لو أن تسمية الضحايا بأسمائهم تعرّف بخاصية المكان الاثنية، وتعرّي الضالعين في تزييف حقيقته . كما لو أن المالكي كان يشمت بمشاعر النائبة البرلمانية، ولديه سجله الحافل في الشماتة المعتبرة إزاء عراقيه، وما أكثرهم، والكرد لهم النصيب الأوفى، بقدر ما كان مشغولاً بكيفية إدارة أزمته، والتهرب من المسئولية، ليكون ” الخصم والحكم ” مع فارق المخاطَب هنا، رغم عنف التمثيل” أين المالكي من سيف الدولة الحمداني ؟”، فشنكال في إثر الموصل، والعراق في إثر شنكال، والحبْل على الجرّار…الخ.
ربما شنكال وحده كان أكثر استجابة طبيعية ومعهودة لصيحة ڤيان المضمرة: واشنكالاه، لم يبق إلاك، وهو باذل قصارى جهده، في حماية اللائذين به كما كان أسلافهم، حيث كل حجرة ذاكرة عامرة، سوى أن المستجدات مختلفة، ورغم كل الملحق الكارثي بأهل شنكال، لم يدخر شنكال الكردي الإيزيدي جهداً في إعاقة طاعون داعش، ولا بد أن نجاة عشرات الألوف بفضل منه، كما هو شأنه، كما هي ” مشاعره ” المرهفة، سرعة استجابته للاستغاثة. درس شنكال المهيب لما يزل قائماً، شكراً، شكراً لطاووس ملَك !