كُرديٌّ ما بين نباح الكلب وعضّته

ابراهيم محمود
 
… والكلب ينبح، ولعل النباح صوته الطبيعي،
والكلب يعوي، ولعل العواء صوته الذي يمد فيه لضرورة خاصة: في الجوع والعطش والألم
مثلاُ، وهو يشمله وسواه” السباع “. لكن الكلب المعروف بالنباح، هو أنه
ينبح كما هو المتردد عنه لينبّه إلى وجوده الكلبي، كما لو أن نباحه دعاية له،
بينما الكلب حين يعض، فهو يقوم بفعل كلبي مسّي. النباح علاقة بعيدة تشير إلى كلب
ما، بينما العض فهو عبارة عن علاقة مباشرة يترتب عليها أذى معين، قد يكون مميتاً .
لكن الكلب ينبح لأن عليه أن ينبح، والنباح
” لغته ” الحيوانية، وربما النباح يكون علامة خير: لإرشاد التائهين إلى
الطريق ” في الصحراء “، إنما قد يكون إيقاعاً بالمسافرين أحياناً، حين
يكون هناك مستنبحون ” من يقلّدون الكلاب ” ، 
ولا بد أن فطنة المعني بالحيوان وصوته، قد
استشرفت به سر هذا الاستنباح، حيث الكلب حيوان أهلي، وثمة البرّي طبعاً، والنباح
مقلّد وليس العواء تماماً، وكأن الكلب حين يعوي يثير ” حفيظة ” السباع:
الذئب مثلاً “، إشارة إلى أن سطو الكلب على ما هو برّي كثيراً، ومن يقلّد
الكلب في نباحه، فإنما يفصح عن تماه مع الكلب في داخله، وهذا لا صلة له بالنزعة
الكلبية ” الإغريقية ” حيث ممثلوها عُرِفوا بحراس الفضيلة
الكلبيين، والتماهي مع الكلب، وكيف يمكن لأحدهم أن يصبح كلباً لغيره، أن ينبح
تعبيراً عن سلوك يرتد سلباً عليه، أو لانسلاخه عن إنسانيته، بينما الكلب العاض فهو
النيل من الآخر على غفلة، ومعلومة أخرى تقول: بأنه من المستحيل الفصل بين نباح
الكلب وعضته، إنما ثمة درجات أو تفاوت بينهما . 
 
بين نباح الكلب وعضته، يُرى كرديٌّ ما ذاك
الذي ينبح لسواه خارج نطاق ” قومه “، أو على غيره، للتشويش عليه، أو يرتقي سلوكه في
الاتجاه المضاد حين يتمكن من عضة مجاوره أو جاره أو المنتمي إلى دائرته الاثنية
وغيرها. طبعاً ليس الكردي وحده المعني، إنما لضرورة ما.

وفي وسع الكردي أن يمرّن ذاكرته ، الآن
كثيراً ، على استدعاء كم وافر من المعلومات التي تعرّف بنفاذ فعل النباح في تاريخ
الكردي بنسبة ما إذ ينسى أنه كردي وله شخصيته، وهو يسيل لعابه لمرأى عظمة من
يكتريه، أو ينتشي كلبياً لمرأى عظمة كبيرة واهماً أنها تفيه حاجته، دون أن يعلم أنها
مجرد عظْمة، ولكنها دالة على مدى ابتعاده عن حقيقة ما هو عليه، وأن السلوك الكلبي
لا يعدم صلته بالعض: عضة الكلب بالمقابل، وقد تكون نتيجة سعار طبعاً، وهي قاتلة .

إن كل ما يخص الكلب يقتصر على الكلب فيما
أتينا على ذكره، إنما هو في هذا التداخل التاريخي الحيواني الكبير والمستمر إلى
يومنا هذا، كما هو فحوى القول” القافلة تسير والكلاب تنبح “، أو ”
غدار مثل الكلب : في عضته “، سوى أن الجدير بالتنبيه هو أن الكلب مندمج
بغريزته، فهو لا ينبح لأنه مدرب على النباح، ولا يعض لأنه موجَّه للعض حصراً، إنما
داخل في دائرة غريزته، وأن الساعي إلى استغلاله الكلبي هو المعني بالموضوع، ويعني
ذلك أن أحدهم حين يحوّل ركبه النفسي والذهني إلى الكلب، فيستعذب النباح أو العواء
في حالات أخرى، أو في الحد الأقصى من نفاذ الفعل الكلبي تحديداً: العض، فإنما هو
التعبير الأوفى عن مدى خوائه، وجنوحه، وخروجه من خانة الإنسية بالذات، عن استعداده
لأن يصبح كلباً انتماءً .

كأن كرديَّنا الذي يمتلك ذخيرة معلومات تخص
الكلب وعالم الكلب أو بيئته لأسباب لها صلة بالبيئة أو الطبيعة وغيرها، لا يكفيه
أن يقال فيه ما يقال جهة الذم أو التقليل من قيمته في هذه الجهة أو تلك، أي
بتجريده من اعتباره الإنساني بكلبنته ” إضفاء صفة الكلب عليه “، فيثبت
على نفسه هنا وهناك ما يضفي مصداقية قول الآخر: الغريب فيه، وهو ينبح على نظيره
الكردي أو لا ينفك يتربص به ليعضه، والنباح والعض، كما هو معلوم، لا يقتصران على
ما هو حسي فحسب، وإنما قد يكونون في الكلام، والكتابة والحركات…الخ. الأمثلة
متروكة لأهلها ! 

 
لندع الكلب في شأن نباحه وعضته، ولنعش وجودنا
الإنساني: كرديتنا، لنتدبر سبل عيش مشترك كردية قبل فوات الأوان
!

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…