ابراهيم محمود
العنوان يستدعي إلى الذاكرة- ربما- في الحال عنوان كتاب الإغريقي المعروف زينوفون ” حملة العشرة آلاف: الحملة على فارس “، أو أناباسيس : تعني هذه باليونانية : الصعود أو تقدم عسكري “، حيث يجري وصف المشاق التي عاشها الإغريق في رحلة العودة عبر جبال كردستان، صص 176-181. وما تلا ذلك في الفصل الثالث ” العبور إلى أرمينيا “، صص182-188، وتحديداً ص 183، من الترجمة العربية عن الانكليزية ليعقوب أفرام منصور، وقد كان ذلك في القرن الرابع قبل الميلاد ” ص 18 “.
مغزى القول هو أن الإغريق لكَم تمنوا لو أنهم سلكوا طريقاً آخر، ولكنهم استسهلوا طريق العبور حيث واجهتهم جبال كردستان حينها إلى جبال أهلها من الأسلاف الكرد، شعوراً منهم بداية أن لا شيء يدعو إلى الخوف، فكان ما كان، والمدوَّن في ” أناباسيس ” درس تاريخي موجَّه إلى غده!
أستدرك لأقول: حين أستعير العنوان ذاك، مع بعض التعديل، فلأنوه إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية، وتتلخص في أن الإغريق كانوا منظمين ضمن جيش رسمي، وباسم دولة: كيان، وفي سياق ما كان سائداً من غزوات وحروب سابقاً، أما بالنسبة للغزوة الداعشية الأفّاقية” لا الآفاقية كحال الإغريق أولئك “، فهم بعددهم المحدود والعصاباتي تعبير محتوى، وجدوا مرتعاً لهم في العراق، وفي مناطق محددة أولاً، وكان هناك من تقدموهم وأرشدوهم وساندوهم كما جرى الحال في الموصل في السادس من حزيران 2014، ليكون المال والعدة والعتاد وغير ذلك في انتظارهم، وتالياً ” ثانياً “، لتأخذهم الثمالة في السيطرة المُعَد لها على الموصل، لأن يوسّعوا حدود انتشارهم، ويوعدوا أنفسهم المترعة بالرغبات الآثمة بما لذ وطاب، لحظة التقدم صوب الحدود الكُردية، وإعمال العنف الدموي والتنكيل والتمثيل اللاأخلاقي بالكرد الإيزيديين خصوصاً في شنكال، مثلما حاولوا إيذاء آخرين في الموصل والجوار” ضد الأثوريين ” وبشاعة المسلك والإهانات، وليصطدموا سريعاً بما لم يحسبوا له سريعاً، كما لو أنهم وجدوا أنفسهم إزاء فحوى عبارة من هذا القبيل” المغامرة المسيلة للعاب الداعشيين أولئك قبل الموصل وفيها، قاتلة وصادمة بعدها: لحظة الاقتراب من حدود كردستان ومحاولة التقدم فيها ! “.
تلك هي حملة ” أناباسيس داعش ” في ألْفهم التقريبي التخريبي أو التمثيلي، رغم أن هذا العدد كان في انتظار آلاف ممن استسهلوا مثلهم عملية التقدم والانتشاء بلغة القتل ومس أعراض الناس، باعتبارها غنائم، وباسم مزعم ديني موجَّه تاريخياً .
واقعاً، كثيراً ما يتم فعل الإغارة والعدوان على جهة ما، وعلى جماعة ما، استناداً إلى تصور تعبوي، ليست الحالة الاستشهادية هي العلامة الفارقة لها، وهي حالة إيهامية بالتأكيد، وإنما تكون الحالة المفعَّلة في نفوس المخاطّبين بصفتهم يؤدون الدور الجهادي الذي يشدهم إلى الأسلاف، ويبيح لهم القيام بسلوكات مختلفة، تتجاوب مع شتى التراكيب النفسية التي تميزهم عن بعضهم بعضاً، فيستخفون بالمخاطر، بقدر ما يتنكرون لكل رادع أخلاقي، أو يطيحون بكل القيم الأخلاقية المعتمدَة، طالما أنهم أنفسهم الأخلاق مشخصة، وأن إبراز المزيد من العنف يعني المزيد من الجهادية الميمونة والمثاب عليها، وما في ذلك من تحقيق مجموعة من الغايات دفعة واحدة، وخصوصاً حين يجري تصوير أي جهة، أو جماعة مرصودة على أنها ” نجسة ” بالنسبة للجهة، فيتم تطهيرها، وتلك ” كافرة، ضالة ” فيتم وضع حد لها، أو تصفيتها بالنسبة لأهل المكان ، فيوحد شذاذ الآفاق هؤلاء هدف واحد يعلَن عنه بالاسم، أو بإكسابه لقباً يعدِم كل مسافة بين أي منخرط/ مغامر إرهابي عملياً وخالقه وجنة حوره.
ولا بد أن لمفردة الكرد وقعها في المخيال الجمعي لهؤلاء الأفاقين على مستويات مختلفة، ومن يتابعونهم عن كثب، ومن خلال معطيات تحفّزهم أكثر على بذل كل ما في وسعهم ليفوزوا بالحسنيين : استئصال جذور من يهاجمونهم، والاستشهاد والفوز بما لذ وطاب عالياً.
لكن، وكما يظهر حتى الآن، تأتي رياح كردستان بما لا تشتهي سفن هؤلاء الأفاقين القتلة المتأسلمين، ولا بد أن مقاربة الجاري، وهم يبذلون كل ما في وسعهم للبقاء، جرّاء المغانم التي أعِدَّت لهم محلياً ومن وراء حملتهم الإرهابية، لا بد أنها تكشف حالة الصدمة التي تتملك من يُعتبَرون أمراءً، قادة لهم، حتى لا ينعكس ذلك سلباً على أي عضو منخرط في لعبتهم المخزية بالمقاييس كافة، وأن استمرارهم في المواجهة، ومحاولة تغيير المعادلة، ضرب من ضروب المسعى الأخير للبقاء وتأكيد الذات، لأن الانسحاب بهزيمة لا يعدو أن يكون النهاية الوخيمة والكشف عن سوءاتهم .
ربما أيضاً تكون هناك حسابات، ومحاولات لامتصاص الصدمة، أو حتى إعادة نظر جذرية في المتحصل، وحتى عمليات اتصال بطرق مختلفة بمن يشدّون عليهم، وكل ذلك جائز، وحتى ممن هم ينتمون إلى المكان: صدّاميين في الأصل وداخلين معهم في مساومات ووعود وعقود برسم الانتظار…الخ، لئلا ينتهوا سريعاً كما بدأوا سريعاً.
ولعلّي أجدني بنوع من اليقينية أقول هنا إزاء الجاري، ولا بأس أن أوصف بالحماسي كثيراً: لا بد أن من خطّطوا لحملة الداعشيين الألف يكفّرون بتلك اللحظة التي أعلنوا فيها الإغارة على كردستان وأهلها، كما أذيقوا الويلات في روجآفا، وأن مرارة الهزيمة التي يستشعرونهم، تريهم ما ينهي هذه المرارة دون أن تسمّى، لأنهم يكونون قد انتهوا شر نهاية .
أستدرك لأقول: حين أستعير العنوان ذاك، مع بعض التعديل، فلأنوه إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية، وتتلخص في أن الإغريق كانوا منظمين ضمن جيش رسمي، وباسم دولة: كيان، وفي سياق ما كان سائداً من غزوات وحروب سابقاً، أما بالنسبة للغزوة الداعشية الأفّاقية” لا الآفاقية كحال الإغريق أولئك “، فهم بعددهم المحدود والعصاباتي تعبير محتوى، وجدوا مرتعاً لهم في العراق، وفي مناطق محددة أولاً، وكان هناك من تقدموهم وأرشدوهم وساندوهم كما جرى الحال في الموصل في السادس من حزيران 2014، ليكون المال والعدة والعتاد وغير ذلك في انتظارهم، وتالياً ” ثانياً “، لتأخذهم الثمالة في السيطرة المُعَد لها على الموصل، لأن يوسّعوا حدود انتشارهم، ويوعدوا أنفسهم المترعة بالرغبات الآثمة بما لذ وطاب، لحظة التقدم صوب الحدود الكُردية، وإعمال العنف الدموي والتنكيل والتمثيل اللاأخلاقي بالكرد الإيزيديين خصوصاً في شنكال، مثلما حاولوا إيذاء آخرين في الموصل والجوار” ضد الأثوريين ” وبشاعة المسلك والإهانات، وليصطدموا سريعاً بما لم يحسبوا له سريعاً، كما لو أنهم وجدوا أنفسهم إزاء فحوى عبارة من هذا القبيل” المغامرة المسيلة للعاب الداعشيين أولئك قبل الموصل وفيها، قاتلة وصادمة بعدها: لحظة الاقتراب من حدود كردستان ومحاولة التقدم فيها ! “.
تلك هي حملة ” أناباسيس داعش ” في ألْفهم التقريبي التخريبي أو التمثيلي، رغم أن هذا العدد كان في انتظار آلاف ممن استسهلوا مثلهم عملية التقدم والانتشاء بلغة القتل ومس أعراض الناس، باعتبارها غنائم، وباسم مزعم ديني موجَّه تاريخياً .
واقعاً، كثيراً ما يتم فعل الإغارة والعدوان على جهة ما، وعلى جماعة ما، استناداً إلى تصور تعبوي، ليست الحالة الاستشهادية هي العلامة الفارقة لها، وهي حالة إيهامية بالتأكيد، وإنما تكون الحالة المفعَّلة في نفوس المخاطّبين بصفتهم يؤدون الدور الجهادي الذي يشدهم إلى الأسلاف، ويبيح لهم القيام بسلوكات مختلفة، تتجاوب مع شتى التراكيب النفسية التي تميزهم عن بعضهم بعضاً، فيستخفون بالمخاطر، بقدر ما يتنكرون لكل رادع أخلاقي، أو يطيحون بكل القيم الأخلاقية المعتمدَة، طالما أنهم أنفسهم الأخلاق مشخصة، وأن إبراز المزيد من العنف يعني المزيد من الجهادية الميمونة والمثاب عليها، وما في ذلك من تحقيق مجموعة من الغايات دفعة واحدة، وخصوصاً حين يجري تصوير أي جهة، أو جماعة مرصودة على أنها ” نجسة ” بالنسبة للجهة، فيتم تطهيرها، وتلك ” كافرة، ضالة ” فيتم وضع حد لها، أو تصفيتها بالنسبة لأهل المكان ، فيوحد شذاذ الآفاق هؤلاء هدف واحد يعلَن عنه بالاسم، أو بإكسابه لقباً يعدِم كل مسافة بين أي منخرط/ مغامر إرهابي عملياً وخالقه وجنة حوره.
ولا بد أن لمفردة الكرد وقعها في المخيال الجمعي لهؤلاء الأفاقين على مستويات مختلفة، ومن يتابعونهم عن كثب، ومن خلال معطيات تحفّزهم أكثر على بذل كل ما في وسعهم ليفوزوا بالحسنيين : استئصال جذور من يهاجمونهم، والاستشهاد والفوز بما لذ وطاب عالياً.
لكن، وكما يظهر حتى الآن، تأتي رياح كردستان بما لا تشتهي سفن هؤلاء الأفاقين القتلة المتأسلمين، ولا بد أن مقاربة الجاري، وهم يبذلون كل ما في وسعهم للبقاء، جرّاء المغانم التي أعِدَّت لهم محلياً ومن وراء حملتهم الإرهابية، لا بد أنها تكشف حالة الصدمة التي تتملك من يُعتبَرون أمراءً، قادة لهم، حتى لا ينعكس ذلك سلباً على أي عضو منخرط في لعبتهم المخزية بالمقاييس كافة، وأن استمرارهم في المواجهة، ومحاولة تغيير المعادلة، ضرب من ضروب المسعى الأخير للبقاء وتأكيد الذات، لأن الانسحاب بهزيمة لا يعدو أن يكون النهاية الوخيمة والكشف عن سوءاتهم .
ربما أيضاً تكون هناك حسابات، ومحاولات لامتصاص الصدمة، أو حتى إعادة نظر جذرية في المتحصل، وحتى عمليات اتصال بطرق مختلفة بمن يشدّون عليهم، وكل ذلك جائز، وحتى ممن هم ينتمون إلى المكان: صدّاميين في الأصل وداخلين معهم في مساومات ووعود وعقود برسم الانتظار…الخ، لئلا ينتهوا سريعاً كما بدأوا سريعاً.
ولعلّي أجدني بنوع من اليقينية أقول هنا إزاء الجاري، ولا بأس أن أوصف بالحماسي كثيراً: لا بد أن من خطّطوا لحملة الداعشيين الألف يكفّرون بتلك اللحظة التي أعلنوا فيها الإغارة على كردستان وأهلها، كما أذيقوا الويلات في روجآفا، وأن مرارة الهزيمة التي يستشعرونهم، تريهم ما ينهي هذه المرارة دون أن تسمّى، لأنهم يكونون قد انتهوا شر نهاية .