العراق في مذكرات سياسيّيه

 ابراهيم محمود

 

 

ما جدوى موضوع كهذا ؟ 

 
لعل الجواب اليسير يكمن بالصيغة التالية: لأن المذكرات
السياسية تطلعنا، وعن قرب ، على كثير من الخفايا تلك التي تستجيب لأكثر من دافع:
دافع المعرفة التاريخية، والمحفزات السياسية والنظرة الأخلاقية لصاحبها، إلى جانب
الفضول الذي يمثّل إحدى المغذّيات الكبرى للنفس، بما أن المذكرات تحيل على شخص
معين، له صلة بقضايا مجتمعه، أو أمته، أو جماعته، وكون المذكرات هذه تتجاوب مع
اعتبارات ذاتية حياتية، وكأنها أجوبة على أسئلة تعنينا في الصميم.

ما بالك، إذا كانت المذكرات هذه لها علاقة
مباشرة بما يلوّن فينا مشاعرنا وأفكارنا، جهة الانتماء الاثني، وفي مجتمع شديد
الانقسام على نفسه، إلى جانب المعايشة التاريخية، والبعد الثقافي، ولحظة اعتبار
المذكرات تثير فينا هواجس وتضعنا في واجهة حياة أعرض ؟

سوى أن الأمر الأهم والمرافق للأهمية
المذكور، هو لزوم النظر في بنية الكتابة والموضوعات التي تشملها ومآلاتها وتبين
أوجهها، وطريقة عرضها أو ارتباطها بالمجتمع، والسلطة، ومن تتم الإشارة إليهم،
وخصوصاً في مجتمع متعدد الأعراق أو الاثنيات، إذ لا براءة في المدوَّن . 
 
وإذ أثبت لائحة بعناوين المذكرات السياسة
الطابع في المجمل، وهي تنتمي إلى الدائرة الجغرافية العراقية، وعلى مدى قرن تقريباً، ومن
ذوي سلَط متعددة الدلالات والتخريجات كذلك، فلأنه في وسع القارئ متابعة جوانب
حياتية، وما يدخل في ” سلك ” الأسرار، أو خفايا الحياة السياسية وأدوار
السلطة ورموزها وبعد مضي عقود زمنية طويلة نسبياً عليها، أو حصول تغير جذري في
بنية السلطة، كما الحال في التاريخ العراقي الحديث والمعاصر.
 

إن هذه القائمة الاسمية، وراهناً أكثر، وهي
تضم شخصيات سياسية ودبلوماسية ومهنية وجامعية وأدبية وحزبية وأهلية، توفّر خزّين معلومات
متعدد الروافد أو المصادر، كما هو المجتمع العراقي، ومن خلال ثبت كل ما يتعلق
بالعنوان كاملاً: الاسم، والتفاصيل الواردة، ودار النشر غالباً، وسنة الطبع، وحتى
عدد الصفحات وغيرها صور، أحجام، الطبعة..الخ”، ثم إيراد معلومات مقتضبة ولو
سريعة مع ذكر رقم الصفحة تأكيداً على أن أي مصدر وارد باسمه لم يكن عن طريق غير
مباشر” نقلاً عن كتاب آخر “، وفي الوقت الذي كان يمكن إيراد عناوين أخرى
ذات صلة، ولكنني اكتفيت بهذه المجموعة اعتقاداً مني أنها تنطوي على تنوع في
التوجهات العقيدية، والمواقف السياسية، والقيم الاجتماعية، والانتماء القومي
بالمقابل، وفي المجتمع العراقي بالذات، وعلى مدى زمني يقارب القرن، من شأنها إثارة
الذاكرة المكانية لدى المعنيين بموضوعات كهذه، أو الساعين إلى تحرّي موضوعات من
ينابيعها ” أهليها ” وما يتبع كل مصدر في المساءلة حول مدى دقة
المعلومات وبنيتها وسقفها القيمي” الوقائع المسماة “، والخلفية
الاجتماعية والسياسية والوجدانية لكل كتاب مذكور باسمه .

ولا يُخفى مدى المتعة وعمق مدلولها في قراءة
كتاب مذكرات، لأن في ذلك دخولاً مباشراً إلى حياة الآخر ” كاتب المذكرات “،
وأن الأثر الذي يعايَن مدوَّن وهو يقرَأ بالطريقة التي يرتاح إليها المهتم،
والقراءة هذه هي التي تكفل بتشكيل صورة لها ميزتها عن المذكراتي هذا، وربما تغيّر
في تلك الصورة النمطية التي عرِف بها الشخص قبل الإقدام على قراءة أثره. 

 
ثمة متعة أخرى تصلنا، نحن الذين نتفاعل مع
نصوص مذكرات، وهي أنها تقرّبنا من أنفسنا، بقدر ما تواجهنا بها، لأن كل قراءة تشغل
مسافة معينة إزاء هذا العنوان/ الاسم أو ذاك، بقدر ما أنها تنتقل بنا عبر الأزمنة
والأمكنة: أزمنتنا الفعلية التي عشناها، وتلك التي سجلناها في دفتر يومياتنا، وتلك
التي تحفظنا عليها، وتلك التي ربما نفكر في سردها لتكون شاهدة علينا لمن يأتي من
بعدنا، أو نحاول نشرها ونحن على قيد الحياة، حيث تكون لدينا القدرة في ذلك .

أما الأمكنة فربما تتداخل مع أمكنة من نقرأ
لهم أو عنهم، فالأمكنة شهادات جغرافية نابضة بالوقائع، أو تترافق مع مشهديات
ملونة مستعادة أو متصورة تخصنا لحظة الشعور بتشابهات أو مواقع متحركة لها
حساسيتها بأكثر من معنى، وتخيل ما يمكن أن يقال عنا ذات يوم . 

 
إن قراءة ما كان تضيء ما هو كائن، بقدر ما
ترسم أشكالاً تسمّينا لما سيلي ، وهنا تكمن خطورة كتابة المذكرات وجانب المغامرة فيها،
وكذلك الحال بالنسبة لمن يقبِل على قراءتها، لأن ليس من حيادية في العلاقة، وثبات
في المسافة، كما لو أن المذكرات تقرأنا بصورة ما ..! 
 
ثمة متعة ثالثة تعزّز علاقتنا بكتاب
المذكرات، وهي في منحاها الأمثولي، باعتبارنا ننتسب إلى مجتمع، ولنا أدوار مختلفة، كما لو أن نهايات
أولئك الذين أتينا على ذكرها تشهر بنا أو تحرّك فينا أسئلة أو تبلور أجوبة عما
يمكن أن نكونه، أو ما يجب أن يؤول إليه أمرنا، أي متعة تحول كل كتاب مذكرات إلى درس
وقد أصبح أصواتاً وإيقاعات وأصداء تتشربها ذائقتنا النفسية، وجمالية المدوَّن،
وحمولة مقدَّرة من المشاعر والأحاسيس والهواجس وحتى المخاوف . 
 
ولا يمكنني أن أتجاهل ما أعتبره مؤثراً غاية
التأثيرهنا في التذكير باسمه النوعي والكمّي، وهو وجود نسبة ملحوظة من الأفراد ذوي الثقافة
المؤهّلة للقراءة الفعلية، وفي أوساطنا، ليس لديها أي استعداد لقراءة كتاب له
علاقة بالمذكرات أو سيَر الحياة، وخصوصاً عندما تمس شخصية سياسية أو اعتبارية في
المجتمع، لأن قراءة أي كتاب من هذا القبيل تتطلب استعداداً نفسياً وبذلاً في
الجهد، ومن ثم- وهذا هو اللافت – فضولاً نفسياً مميَّز بالوعي للإقبال على القراءة
والاستفادة من الينبوع الشخصي، وهو ما نتلمسه في المجتمعات القرائية والمنتجة في
كل المجالات، أما في الطرف الآخر والمضاد، وفي أوساطنا كثيراً، فما أسهل القول بأن
العزوف عن قراءة هذا العالم الخاص جداً، ليس لوجود ميول توجّه أهليها، وإنما ذلك
الخوف مما هو مترسب أو قارٍّ في أعماق النفس من مكبوتات ووقائع لا يراد الكشف عنها
أو تسميتها نظراً لتداعياتها الجانبية الصادمة لأصحابها، وكأن مجرد ” طرق
” باب كتاب مذكرات وفتح، يعنيان تعرية مباشرة لعالم الطارق ومواجهة صورته
الفعلية التي يتكتم عليها. 
 
أورد هذه اللائحة الاسمية من الكتب، وأترك
المجال للمعني وهو يستحضر قائمة تصوراته وخيالاته المرافقة، كما لو أنه يعاين نفسه،
أو يسمع صوت مذكراته بترددات نفسية مختلفة:

 

مذكرات أحمد مختار بابان ” آخر رئيس
للوزراء في العهد الملكي في العراق “، إعداد وتقديم : د. كمال مظهر أحمد، المؤسسة العربية، بيروت،
ط1، 1999، في 308 ص من القطع الوسط .

 

شخصية سياسية كردية مارست أكثر من عمل سياسي
ووزاري، وبابان نسبة إلى القبيلة الكردية البابانية ” ص 13 ” . 

 
أبو خلدون ” ساطع الحصري “:
مذكراتي في العراق1921- 1941، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1968، ج1، في 630 ص من القطع الكبير.

ج2: 1927- 1941، في 630 ص من القطع الكبير
أيضاً، مع صور. 

 
موسى الشابندر: ذكريات بغدادية ” العراق
بين الاحتلال والاستقلال “، منشورات رياض الريس، لندن- قبرص، 1993، في 534 ص من القطع
الكبير، وكان وزيراً وأديباً . 
 
أمين سعيد: سيرتي ومذكراتي السياسية:
1908-1967، تبويب وتوثيق وتحقيق: عبدالكريم ابراهيم السمك، ط1، 2004، في مجلدين، و1100
ص من القطع الكبير. 
 
مذكرات السيد محسن أبو طبيح 1910-1960 ”
خمسون عاماً من تاريخ العراق السياسي الحديث “، المؤسسة العربية، بيروت، ط1،
2001، في 558 ص من القطع الكبير . 
 
وهو يعتبر من زعماء ثورة العشرين ” 1920
“، وتوفي سنة 1961، وله دور ملحوظ في التاريخ المذكور”ص 9 “. 
 
مذكرات تايه عبدالكريم القيادي في حزب البعث
، قناة العربية ، في 156 ص من القطع الوسط ، ولا يخفى صوت السارد المذكراتي في منحاه
العروبي .

محمد حديد: مذكراتي ” الصراع من أجل
الديمقراطية في العراق ” تحقيق: نجدة فتحي صفوة، دار الساقي، بيروت، ط1، 2006، في 578 ص من
القطع الكبير. 

 
عاش بين عامي 1907-1999، وثمة الفصل الحادي
عشر عن القضية الكردية، وهو يرى أن حلها يكمن في ( قيام نظام ديمقراطي برلماني صحيح، يساهم
فيه الأكراد بصورة ديمقراطية . ص 366 ) . 
 
محمد حسن الطريحي : مذكرات الطريحي، كتابة
وتحقيق : د. محمد حسين الزبيدي، دار المدى، دمشق، 2006، في 376 ص من القطع الوسط مع صور
.

وهو سياسي، ومن قبيلة ” بني أسد ”
العربية،  توفي في 16-11/ 2002. 

 
جواد سليم: مذكرات وزير عراقي مع البكر
وصدام: ذكريات في السياسة العراقية، 1967- 2000، دار الساقي، بيروت، ط1، 2003، في 350
ص من القطع الكبير. 
 
ناقم على النظام السابق، كما في قوله (
أخيراً، هل سيتذكر صدام الذين سقطوا صرعى برصاص غدره 
؟

لا أعتقد ذلك ، ولكنه سيسمع صوتاً قادماً من
بعيد، ليقول له ولزمرته : ألا تباً أياديكم ..! ص 350 .) . 

 
طالب الحسن: بطانة السطان ” أشباه رجال
في دائرة الضوء “، دار أور، بيروت، ط1، 2005، مجلد في 378 ص من القطع الكبير مع
صور.

منهم: طارق عزيز، سعدون شاكر محمود العبيدي،
عبدالباقي عبدالكريم السعدون” الأعور الدجال “، لطيف نصيف جاسم
الدليمي…الخ . 

 
د. طالب البغدادي : حكايتي مع صدام، دار
الوراق، بيروت، ط1، 2010، في 104 ص من القطع الوسط. 
 
وهو دكتور في الاقتصاد، وفي كتابه أحاديث عن معاناته وسواه على أيدي
صدام وجلاوزته . 
 
جمال كبه : شاهد عيان ” ذكريات الحياة
في عراق صدام حسين ” ، ترجمة: معنية نايف الغنّام، دار الوراق، بيروت، 2009، في 280 من القطع
الوسط. 
 
وهو تغطية لأحداث مفصلية أدمت العراق بكل
فئاته، كما في ( شهد العراق من المآسي ما تستوجب كلها كتابة المئات من الكتب..ص 279 )
.

مذكرات شاهد على ثلاثة عهود من حكم العراق :
سيرة حياة زكي جميل حافظ الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب رئيس اتحاد
الحقوقيين العراقيين، مراجعة وتدقيق: سجاد الغازي- د. زينة زكي جميل، دار ابن
بطوطة- عمّان.. ط1، 2010، في 560 ص من القطع الكبير مع صور. 

 
ثمة حرص ملحوظ على وحدة العراق، عبر التأكيد
على دور منظمات المجتمع المدني السياسي وتفعيلها، ص 389 . 
 
مذكرات كامل الجادرجي وتاريخ الحزب الوطني
الديمقراطي، منشورات دار الجمل، كولونيا- المانيا، ط2، 2002، في 606 ص من القطع
الكبير.

توفي سنة 1968 . 

 
رفائيل بطي: ذاكرة عراقية، إعداد وتحقيق: د.
فائق بطي، دار المدى، دمشق، ط2، 2003، ج1 في 462 ص من القطع الكبير مع صور ، وج2
في 448 ص من القطع الكبير.

وهو أديب ومترجم وصحفي . 

 
فرهاد عوني : ذاكرة الأيام، تقديم :د.
عبدالفتاح علي البوتاني، ط1، 2011، أربيل، في 718 ص من القطع الكبير، مع صور .وحسب تقديم :د.
بوتاني، فإن عوني كان صحفياً، ولديه معلومات في غاية الأهمية عن مدينة كويه
بتاريخها السياسي والاقتصادي والاجتماعي..ص 9 .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…