كنت كُردياً مفترِساً.. «ليست قصة»

بقلم: ابراهيم محمود
شعرت بالجوع، كما يجوع أيٌّ كان، واشتهيت لحماً خاصاً، مفضَّلاً لدي في حالات خاصة، أبصرت أسداً، انقضضت عليه، وأتيت على لحمه الحار واللذيذ بالكامل. لا أحد يستطيع مضغ لحم الأسد وهضمه بسهولة. لكل نوع لحم شهية خاصة. أردت تنظيم ما بين أسناني من عوالق اللحم، التفتُّ، كان هناك فيل بالقرب مني، اعترضت طريقه، ونزعت ناباً له: نكاشة أسنان خاصة. شعرت بالراحة التامة. تأكيداً على ذلك تجشأت. على وقع صوت تجشؤي، سقط نمر ضخم عن شجرة عالية على مقربة مني. ثمة كركدن حاول تعكير صفوي، فاندفع نحوي. يا للمغرور! بحركة واحدة من إصبعي رددته فتتدحرج واختفى عن الأنظار. 
كان هناك فرس نهر يتابع حركتي، وهو خارج الماء، صعق، أو لعله لمرأى تدحرج الكركدن، عندما تباعد فكاه وما عادا إلى وضعهما الأول.
شعرت بحاجة إلى النار. النار مطلوبة طبعاً، اقتلعت شجرة أكاليبتوس متيبسة، وطرحتها أرضاً، ثم جئت بصخرتين صلدتين، وضربتهمها ببعضهما بعضاً، ومن تقادحهما اشتعلت النار في الشجرة.
 ارتخى جسمي وأنا بجوار ألسنة النار المتصاعدة وكأنها ترقص. فجأة، أبصرت أفعى أناكوندا لم أرَ مثيلاً لها، كانت تفح، لعلها تلمظمت على طريقتها، إذ اعتبرتني فريسة نادرة. كنت مستلقياً ملاصقاً وهج النار، تنبهت إليها. يا لضخامتها ! أردت اللعب بها، حين سمحت لها بالاقتراب، بسهولة مددت يدي إليها، ماسكاً إياها من ذيلها. رفعتها عالياً، زادت وتيرة فحيحها وهي تحاول إثر مطمطة جسمها الهائل الضخامة، الاقتراب مني، رفعتها عن الأرض، وبدأت ألهو بها لبعض الوقت، مثل من يلعب بمسبحة في حفلة عرس، ثم قذفت بها بعيداً، شعرت بارتطامها بصدر جبل قريب مني.
مر بجانبي قطيع من البقر الوحشي، تنحنحت، تردد صوتي في المكان، على وقع صداه اضطرب القطيع بأكمله. توجهت إلى النهر كوني أحب السباحة فيه خصوصاً وهو بمائه البارد المنشّط للجسم. تحرك جسم اسطواني في الماء، راسماً خطاً منكسراً، عرفته، كان تمساحاً عملاقاً، لعله بدوري لم يتوقع فريسة في متناوله بهذه السهولة. لم أعبأ به، إنما سلّمت جسمي كله للماء الجاري، والذي بدأ يتراشق جرّاء سباحتي، التمساح الأحمق لم يقدّر ما وراء حركتي وهو يزداد اقتراباً. بيسر أمسكت به من ذيله ورفعته عالياً. باعد ما بين فكيه، أبصرت في ضوء القمر المسافة الهائلة ما بين شدقيه، أظنه في الحالة هذه انذهل لرد فعلي غير المتوقع وغير المقدَّر، ثم طوَّحت به بحركة خفيفة من يدي اليسرى، وليس اليمنى. شعرت بدوي ارتطامه هو الآخر على الأرض، من خلال هزة أرضية خفيفة. عدة تماسيح كانت في الجوار، اختفت كلياً عن ناظري . خرجت وأنا في أوج نشاطي. كانت النار تشتعل، يا لأنسها وألفتها، منظرها أثار في دافع الجوع. لا بد من لحم لهذه المناسبة، اللحم طيب المذاق في الليل. بقرة وحشية كانت على مبعدة عني، أحببت الركض قليلاً، بلغتها، وجئت بها حيث النار تتقد، وأتيت على لحمها بالكامل بعد شيه . ثمة كلاب برية كانت تعوي وهي تقترب من النار. لا بد أنها شمت الرائحة. لكم تسليت بوجودها، وأنا أقذف بكل كلب بعظم من عظام البقرة، كان يطير في الهواء ويصطدم بالأرض، ثم ساد السكون، إذ اختفت الكلاب كلياً.. 
عاودتُ الاستلقاء واستغرقت في نوم عميق وأنا أطيل النظر إلى النجوم التي كانت تومض في السماء . لا أدري كم ساعة نمت، إذ كانت الشمس تتحرر من ربقة الأفق، والنار خامدة ..
أي كردي كنتُ ؟ أي كردي مفترس كنت ؟ فأنا الآخر، الكردي الذي أعنيني، حين استيقظت من نومي الطبيعي وجدتني محاطاً بالضباع. أهو حلم بدوره أم واقع ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…