الديموقراطية ولعبة المرجعية! الكوردية

جان كورد

لا أحد من بين المفكرين والدارسين والسياسيين الكورد يرفض الديموقراطية نهجاً، ومعظم أحزابنا السياسية تتألق به اسماً، إلا أن الواقع السياسي الكوردي يرينا العكس من ذلك مع الأسف، فالديموقراطية ليست للبعض سوى “قميص عثمان” أو “رفع عتب”، في حين أن هناك قيادات صار لها من العمر عقود من الزمن، في وقتٍ تهاجم فيه النظم الاستبدادية والدكتاتورية وتتهمها بأنها لا تفسح المجال للأجيال الشابة. ويمكن القول دون تردد بأن هناك “قذافيون” و”مباركيون” و”أسديون” بين قياديي أحزابنا أعظم رغبةً من القذافي ومبارك والأسد في البقاء على قمة أهراماتهم التنظيمية، فالمناهج السياسية والنظم الداخلية تعدّل كدساتير البلاد التي يحكمها الطواغيت لتلائم نزعة البقاء في السلطة التنظيمية، والإعداد للمؤتمرات يتم بشكل دقيق لمنع المعارضين لحكم القيادة من حضور المؤتمر أصلاً، والتحالفات والتوافقات وعمليات الدمج تنظيمياً تجري بحيث يبقى مفتاح البيت بيد مالكه الذي يورث البيت لمن هو أقرب إليه، من العائلة أو العشيرة أو المنطقة…
ويبدو أن بقاء الحزب مرهون ببقاء سلطة (الرئيس – الأمين العام)، وكأنها “خلافة حتى الموت” … وهكذا، فالديموقراطية اسم وشكل وألعوبة بيد من يجيد فن التحايل والدجل والقدرة على التضحية برفاقه من أجل البقاء والاستمرار حاكماً ب”أمر الشعب”… 
إحدى الألعاب الكركوزية التي أدخلتها أحزابنا في الساحة السياسية اليوم، بعد فشلها في تسويق “الهيئة الكوردية العليا” هي لعبة “المرجعية” التي وعدونا بها في عام 2006، حيث طالبت بعدم الإعلان عن “المجلس الوطني الكوردستاني – سوريا” آنذاك لأنها ستقوم بتشكيل “مرجعية سياسية” خلال شهورٍ قلائل، ولكن يبدو أن فترة الحمل والانجاب طالت قليلاً (مايقارب ال9 سنين) عوضاً عن (9 شهور)، ولربما الولادات لدى الأحزاب هكذا تكون على مهل… 
ثمة “مرجعية دينية” كما لدى الشيعة مثلاً، ولكن لا أعتقد أن هناك “مرجعية سياسية” في كل دول الاتحاد الأوروبي ال29، وفي كل الولايات المتحدة  وكل القارة الأسترالية، أو في الهند التي تعتبر أكبر ديموقراطية في العالم. وأتساءل: هل هي مصادفة اختيار (12) عضو لكل مجلس من المجلسين الكورديين المتفقين على تشكل هذه المرجعية، فهذا يذكرني بالاثنا عشرية الشيعية والأسباط وليس بحياةٍ ديموقراطية سياسية. 
ستقوم “لجنة” من هذه الأحزاب التي اختارت ممثليها للسلطة الجديدة بالنظر في طلبات انتساب القوى والفعاليات والنشاطات والشخصيات التي تريد وتسعى للانضمام إلى المرجعية، بمعنى أن الأحزاب هي التي ستقرر النسب الأخرى من المنتسبين، مستقلين وغير مستقلين، على الرغم من أنها حصلت على حقوقها باختيار ممثليها، وهذا غير ديموقراطي، فالأحزاب هي المقررة لأي انتسابٍ جديد وليس الشعب أو وكلؤه المنتخبون في برلمانٍ ديموقراطي.
لا نعلم عن وجود دستور أو نظام داخلي أو برنامج عمل لهذه المرجعية، ولا ندري ما هي صلاحياتها وطول عمرها وأهداف تشكيلها بعد، أي سيشتري البعض منا سمكاً في البحر والبعض الآخر سينظر فقط كيف يصطاد الآخرون له السمك، وسيظل مجرد “تكملة عدد”، طالما الفاعلون الأساسيون في اللعبة هم ممثلو الأحزاب. 
ماذا ستفعل المرجعية؟ هل ستكون سلطة تنفيذية أم مجرّد لجنة خبراء؟ هل سيكون بإمكانها وضع قوانين؟ هل ستتمكن من عزل أمين عام حزب من منصبه؟ أم هل ستكون هيئة تشريعية؟ ولماذا لم ينتسب إليها عدد من كبار الحزبيين المتنفذين الكبار؟ ومنهم السادة سعود الملا وصالح مسلم ومصطفى جمعة وحسن صالح والدكتور عبد الحكيم يشار. 
ماذا سيكون هدف الشعب الكوردي والحركة السياسية الكوردية في ظل المرجعية؟ الانتساب إلى الائتلاف الوطني السوري؟ المطالبة بالفيدرالية أم بالإدارة الديموقراطية الذاتية؟ وبرامج الأحزاب متفاوتة في هذه المطالب والسياسات. وما موقف المرجعية من الثورة على النظام ورأيها في “إسقاط النظام”؟ أم أن المرجعية ستكون بلا سياسة موحدة ومتفق عليها بين المؤسسين الكبار لها؟ 
أسئلة لا تعد ولا تحصى ترمي بنفسها على طريقنا وتتطلب منا أجوبة حاسمة لأن شعبنا ما عاد يقبل منا “الضحك على الذقون!”، فما الضمان أن تحقق المرجعية ما لم يتمكن من تحقيقه المجلسان معاً أو على انفراد؟ وما لم تحققه الهيئة الكوردية العليا؟
 هل يملك مؤسسو المرجعية حقاً أجوبةً تدفء القلوب بالأمل وتعيد المشردين اللاجئين إلى منازلهم وأعمالهم؟ أم علينا الانتظار زمناً طويلاً لنعلم فيما إذا كانت “المرجعية” أكثر جدية وقدرة على الإنتاج من الهيئة الكوردية العليا، ومن المجلسين الجبارين اللذين أسساها وقضيا على مصالحهما من أجله؟ 
 أنا شخصياً ليس عندي فكرة عما إذا كانت المرجعية قادرة على تحقيق شيءٍ عملي لشعبنا المشرّد على أرض الواقع، إلا أنني متأكد من أن ليس هناك شيء اسمه “مرجعية سياسية” في النظام الديموقراطي، مثلما لم نجد في التراث السياسي العالمي مصطلح “الأمة الديموقراطية” رغم السبر المتواصل والمشترك مع كثيرين من الإخوة والأخوات فيما حولنا…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…