الكُرد في قلب المعادلات الدولية

سالار صالح


فوضى التغيير تجتاح الشرق الأوسط وما كانت تسمى بحدود سايكس بيكو أضحت اليوم مجرد خطوط وهمية على خرائط أغفلت جغرافية و تاريخ شعب من غير الممكن تجاهله في منطقة الشرق الأوسط, وإن كانت بورصة المعاملات الدولية القائمة على المصالح والمنفعة بالدرجة الاولى قد أبعدته عن الساحة الاقليمية لقرن كامل, ترى الشعب الكُردي اليوم يعود الى واجهة الاحداث في الشرق الأوسط كشعب معتدل يتوق الى الحرية و الديمقراطية و التعايش و ينبذ العنف و يتصدى لإرهاب داعش الذي بات يهدد العالم بأسره, تحول الكُرد الى لاعب مهم و محط انظار في منطقة الشرق الاوسط على اعتبار انهم يتصدون اليوم لهجمات اعتى تنظيم ارهابي لم يشهد التاريخ له مثيل, يرتكب افظع الجرائم بحق الابرياء نسوةً و اطفالاً و شيوخاً مسلمين ومسيحيين وايزيديين دون تمييز.
لا شك إنَّ كل ما يحدث اليوم في خرائط الشرق الاوسط من متغيرات هو في خدمة الطموح القومي الكُردي والمشروع الاستقلالي الكُردي حتماً, ولكن ذلك مرهون بمدى قدرة الساسة الكُرد على قراءة المرحلة واستيعابها وتوفير متطلباتها ولاسيما وحدة الصف الكُردي والإسراع بتطبيق اتفاقية دهوك, إذ لها دلالة عظيمة لناحية تغير موازين القوى لصالح الكُرد في المنطقة على حساب تراجع الدور التركي نتيجة لموقف تركيا السلبي من الحرب ضد الارهاب ما انعكس سلباً على علاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية التي لن تقف مكتوفة الايدي و ستبحث دوماً عن بدائل في المنطقة يمكنها الاعتماد عليهم لحماية مصالحها وأمنها ومكافحة الإرهاب, وأيضاً انحسار الدور العربي نتيجة للحرب الاهلية الدائرة في سوريا و العراق وتفكك البلدين وضعف جيشيهما, ما مهد الطريق لبروز القوى الكُردية الاكثر تنظيماً واعتدالاً والتي تمتلك عقيدة قتالية صلبة شدت انظار دول العالم الحر الى أنها الحليف المنتظر في منطقة الشرق الاوسط والذي من الممكن الاعتماد عليه ومنحه الثقة وتزويده بالأسلحة والعتاد وتوفير الإمكانيات اللازمة له تمهيداً لاجتثاث الارهاب.
ساذج من يعتقد أنّ كل هذا سيكون بدون ثمن, فالكُرد الآن لاعب مهم في المعادلات الدولية لإعادة ترتيب الشرق الاوسط ورسم الخرائط بما يتوافق مع مصالح الدول الكبرى, ومشروع الدولة الكُردية المستقلة يتوافق مع المصالح الغربية الهادفة بالدرجة الاولى الى القضاء على الارهاب في المنطقة, ولجم تركيا والحد من نفوذها في المنطقة العربية, والضغط على القوتين الإقليميتين (ايران وتركيا) من خلال التلويح بورقة الاستقلال الكُردية, كون أنّ أكبر جزأين من كُردستان الكبرى يقعان ضمن حدودهما الحالية.
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…