المربع الأمني ما بين المرجعية والمجلس الوطني الكردي

د. محمود عباس


    ذكرنا سابقا، أن الخلافات في المجلس الوطني الكردي لن تقف عند حد الحصص، بل القادم أبشع، وهذا ما يظهر، ونقول مثلها في المرجعية وقادم الإدارة الذاتية بطريقتها الحالية، والمبنية على أجندات خارجية، والمؤامرات والأنانية والتفرد في السيطرة. فالقوة الكردية تكمن في الشراكة بإخلاص، الكل ضعيف، ومن يدعي القوة يخدع الذات، قبل الآخر، وبلوغ الهدف تأتي بحشد ثقة الجماهير عن طريق الإقناع لا الإرضاخ والترهيب أو الخداع.
كان متوقعا أن تدرج فتات من بنود اتفاقية دهوك إلى الواقع العملي، برفقة جملة من المؤامرات الهشة، مع سيادة مخفية لإملاءات القوى الخارجية، القاضية على الآمال الكردية، مع إذلال الحركة الكردية، الثقافية والسياسية، والإبقاء على ديمومة الشكوك وعدم الثقة بين الأطراف الكردية، لتسهيل التلاعبات، الداخلية والخارجية، للقضاء قبل كل شيء على ثقة الشعب الباقية بالحركة الكردية، وأرسال آماله إلى الضياع، والتي يدركها كل متمعن.
  وكان من المتوقع أن يدرك الجميع، أن عدم تشكيل وحدة إدارية وعسكرية، بين الأطراف الكردية، إضعاف لجميعهم وبدون استثناء، وما يجري من إثارة الخلافات بين الأحزاب المشكلة للمجلس الوطني الكردي وبالتالي بين المشكلين للمرجعية، وإسنادها من قبل البعض بدعاية إعلامية، والتصريحات المتنوعة من قبل رؤساء تف دم بشكل خاص، تؤدي إلى ضعفهم قبل غيرهم أمام العدو، الذي يقف في النهاية وراء كل هذه الخلافات وهو الذي يثيرها بطريقة أو أخرى، فمن نزوح عائلة من الوطن إلى الخلافات الحزبية إلى عدم تشكيل المرجعية الحقيقة، إلى تقسيم جغرافية غربي كردستان ( نقصد جنوب-غرب كردستان، فالمصطلح الدارج اعتباطي جغرافيا ولا تعكس الحقيقة الجغرافية) والمعاناة وما ألت إليها المنطقة وسوريا بكليتها من صنع السلطة الشمولية، ومربعاتها الأمنية. وبالتالي ستكون النجاحات في المنطقة الكردية وبالأساليب الجارية، آنية ولن تؤدي إلى الغاية المرجوة، ومهما كانت منخورة البنية التحتية للمجلس الوطني، فان الجاري من التشتت تعيد الأحزاب إلى زمن سيادة المربعات الأمنية المطلقة على المنطقة الكردية، والوباء سينتشر بين الأطراف الأخرى حتى ولو كان البعض يرى الذات بنأي عنه، ومنيعة البنيان، فالأولى إعادة تشكيل البنية للمجلسين معاً، ومشاركة القوى الأخرى بنزاهة ودون التفرد بالسيادة حتى في حال الأغلبية أو وجود القوة، وليس القضاء على جهة لطغيان الأخرى، تحت حجة خصوصية الخلافات والتمني للأخر بتجاوز خلافاتهم بالكلام المتناقض للفعل.  
  ليس حباً بالمجلس الوطني ولا بالأحزاب المشكلة له، والتي تعيش وتسير تحت أكوام من الأخطاء والجهل السياسي، والإدارات المسلوبة إرادة، لكن ما يجول في ثناياه، ومجريات تشكيل المرجعية، تندرج ضمن قائمة المؤامرات الداخلية والخارجية المحاكة ضد الشعب الكردي في جنوب-غرب كردستان، والهادفة لإفشال محاولات خلق تقارب كردي مهما كانت سويتها، والتي تلقفتها أعضائها على مضض، في الوقت الذي كان على الأحزاب التي صوتت ضد إرادة مجلسهم،  أن يكونوا أكثر نزاهة، واتباع رأي الأغلبية أو تغيير البنود المتفقة عليها عند تشكيل المجلس، أو الخروج منه والانتماء بشكل صريح إلى مجلس الشعب الكردي.
ليس دفاعا عن جثة متحركة، وأحزاب قزمة، وعن أدوات السلطة، بل عن الشعب الذي يتلاعب به البعض، لتسييد أيديلوجية الإله السياسي الواحد، فعلى مدى السنتين الماضيتين لم يقف التشهير والتخوين بين الأطراف الحزبية، والكل يدرك عمق تبعيتهم للقوى الإقليمية، رغم النفي المطلق، المشابه لنفي وجود جنوب-غرب كردستان من قبل السلطة الشمولية، وكل حصيف يعلم خلفيات الصراعات الحزبية، مثلما كانوا يعرفون أسباب مهاجمتهم القوى الشبابية في بداية الثورة السورية، وبدراسة سريعة لمجريات الأحداث الجارية في المنطقة، وحركة الأحزاب، وخلافاتهم، سيدركون ما يدور بين الأحزاب حول تشكيل (المرجعية الشكلية).
التشهير والتخوين، بين الأطراف التي يشكلون المرجعية بلغت حد اللارجعة، والغريب أنهم يواجهون بعضهم وفي نفس كل طرف حقد تجاه الآخر، إن لم يكن شخصيا فبالتأكيد سياسيا وحزبيا، وقبل دخول أية قاعة، يكون قد حبكوا قبلها عدة مؤامرات لتقزيمه قبل الحضور، وهذا ما يحدث للمجلس الوطني الكردي، وهي ومنذ ولادتها جثة متحركة، ولا يقال هذا عن تف دم مع مجلس الشعب الكردي، فهي مالكة القوة والسيطرة، ولا يهم إن كانت تفتخر بأنها خلقت القوة في زمن العدم، وعلى الأخرين أن يأتوا بمثله، والكل يدرك كيف تظهر القوى، وتختفي بعضها، فالآلهة يتحكمون بأمور المنطقة، ويحيون  الأموات وهي رميم، ويعدمون الأحياء بدون الفاتحة، حتى ولو كانت تخرج التطورات الجارية وكأنها تتجه إلى تشكيل منطقة كردية مثالية.
   القوى الإقليمية المسيطرة بشكل مباشر أو غير مباشر، على مسيرة الحركة الكردية، تدفع ببعض الأطراف الكردستانية لتقزيم جنوب-غربي كردستان، يتلاعبون بأحزابهم، ويسيرونهم حسب أجنداتهم وارتباطاتهم الإقليمية، مستغلين الصراع الجاري مع الإرهاب للتغطية على الكثير من تبعياتهم المريبة. ومن المهم أن تساند القوى في هذا الجزء بعضها لتجاوز خلافاتها المفتعلة، وتف دم المدعوم من قبل قنديل، لها الإمكانيات في تخميدها، لكنها في الواقع الفعلي تثيرها، وترفقها بجملة من عمليات التشهير، وتوسيع الخلافات، وبطرق متنوعة، وفي الواقع العملي تستخدم كل ما تملكه من سيطرة وقوة لإرضاخ الضعيف للسير تحت رغباتها وتكتيكها، وسلك دروبها، كما وأن إقليم كردستان له دور في الجاري، بعدم دعمه بشكل عام ودعم أعضائها الكبار، ماديا ومعنويا، وجعلهم ألعوبة بيد القوة المتنامية في جنوب-غربي كردستان، وأبقى أعضائها في مجال الاتهام الدائم بعدم القيام بواجباتهم في الداخل، ووضع ذاته البديل عنهم في مواجهة سلطة الإدارة الذاتية، في الوقت الذي كانت المواجهة من واجب الأحزاب القوية في المجلس، وليست التابعة والدائرة في فلك تف دم، والموجودة بعضها في هيئة التنسيق.
  لا شك، للأحزاب دور في الواقع المتردي الذي هم فيه، منذ بداية تعاملهم مع تنسيقيات الشباب، إلى مواقفهم المتذبذبة مع السلطة، والانجراف إلى الهوة التي خلقتها النظام عند تكوين المجلس وعملية المحاصصة بينهم وبين أل ب ي د، وقد كانت مسرحية الحصص ناجحة من قبل تف دم لخلق البديل عن المجلس الوطني بتشكيل مجلس الشعب، وهي مسيرة طبيعية، بين طرفين متناقضين كليا من حيث الانتماءين الاستراتيجي والإيديولوجي، والمطالب القومية والوطنية.  فالقضية ليست مع من تتعامل الأحزاب، وأية استراتيجية تتبع، فأغلب القوى العالمية تتبع نفاق السياسة السامحة بفتح كل الدروب الممكنة لبلوغ الغاية، فلا نزاهة أمام تحقيق الهدف، وهي الثقافة التي تطبقها معظم القوى المتواجدة في شرقنا الغارقة في المؤامرات، والأحزاب الكردية تتلقفها بأدنى سوياتها، وأبسط بنودها، فالقوى الوطنية تناضل لتحرير شعوبهم، والأحزاب الكردية تبحث عن سيطرتها  وذاتها، وليست فقط هنا المعضلة، بل أن تكون إرادتها مسلوبة، وحركتها محدودة وقراراتها راضخة لإملاءات، وتبقى تابعة، ولا تبني ذاتها للتعامل مع الآخر بمنطق العلاقات، بل تتعامل مع بعضها بالرضوخ للإملاءات الخارجية والطاعة وتنفيذ أوامرها.
  لا يهم البعض أن كان الشعب يدرك بحيثيات الجاري، هشاشة المرجعية، وتفتيت المجلس، والإبقاء على الطرف المطلق في إدارة كانتون الجزيرة دون غيرها (فيما إذا كانت هناك فعلا إدارة للمنطقة) وما رافقها ويرافقها من الخدع والألاعيب السياسية مع الآخر الكردي خلف الستارة، والتي هي من نتائج النزعة إلى سياسة السلطة الفردية، باستخدام القوة الموجودة على الأرض للسيطرة وإذلال الآخر، وهي من حيثيات الثقافة التي نشرتها السلطة الشمولية على مدى عقود من الزمن بين الكرد.
 على الكل أن يدرك أن الذين يقفون وراء الفوضى وخلق الخلافات بين أعضاء المجلس الهزيل، ووراء عدم تحقيق بنود اتفاقية دهوك، وليس فقط تشكيل المرجعية الشكلية، ويعملون على إخراج المسرحية، بكامل مشاهدها، مع دقة في الحبكة، يريدون أن تكون السيادة الكردية آنية، ومشابهة لاستبداد السلطة الشمولية، كواقع لا بديل عنه، تحت حجة الخلافات، إلى درجة بلوغ البعض الثقة بذاتهم بأنهم فعلا السلطة الكلية، ويفرضونها على الآخرين، والمصيبة أن نقد الأخطاء والنقاش فيها وعليها ومحاولة تبيان نتائج وباء سيادة الوهم، يدرجها الإخوة ضمن منطق الخيانة.
 ويبقى الخلاف:
1.    على الاستراتيجية الأفضل للمنطقة، ودرب أية جهة كردية أمثل لبلوغ الغاية، وهل يمكن الخلاص من سيطرة وتدخلات السلطة الشمولية على الأحزاب الكردية، وهم اليوم وبدون استثناء مجتمعون تحت خيمتها في قامشلو. 
2.    كيفية تجاوز الإملاءات الخارجية وخلق قوة كردية ذات سيادة، من أغلبية الحركة الكردية وليست فقط من الأحزاب، لتتعامل مع الأخرين كطرف لها سيادتها ورأيها وقراراتها الخاصة.
3.    كيفية تجاوز الخلافات المفتعلة لتشكيل المرجعية، والتي تشبه بحد ذاتها وفي واقعها الجاري الجبهة الوطنية التقدمية التي شكلها الأسد المقبور، سيادة تف-دم مع الأحزاب التابعة، والتي هي نقطة ضعف لهم قبل أن تكون للأخرين.
4.    كيفية تحقيق بنود اتفاقية دهوك، وتطويرها لتشمل كلية إدارة المنطقة بكانتوناتها الثلاث وتحويلها إلى منطقة فيدرالية أو كونفدرالية مادامت هناك وزارتي الخارجية والدفاع.
5.    التعامل مع القوى المعارضة، التنسيق والائتلاف، أو الإبقاء على حالة الانقسام بين الطرفين، مع اتحاد ذاتي.
 هذه المسائل وغيرها يمكن تجاوزها ووضع الحلول لها فيما إذا كان التعامل دارجا على المفاهيم الوطنية لا الحزبية والسيطرة الفردية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…