د. عبدالباسط سيدا
وجود مرجعية سياسية كردية في سورية أمر مفيد ومطلوب. ولكن في جميع الأحوال لا يمكن لأية مرجعية سياسية أن تقوم بمهامها كما ينبغي، مالم يكن هناك توافق بين أعضائها حول الرؤية السياسية، والأهداف الأساسية. ما نواجهه في الحالة السورية هو وجود طرف مسلّح تمكّن من فرض نفوذه على الأرض في المناطق الكردية بفعل تفاهمات مع النظام. وهو مرتبط ببرنامج خاص به لا علاقة له بكرد سورية، ومستقبل العلاقة بينهم وبين المكوّنات السورية الأخرى. لذلك نرى انه يعتمد جملة من الخطوات والاجراءات الأحادية الجانب، التي لا تراعي مصالح الكرد السوريين، كما لاتراعي ضرورات المحافظة على وحدة النسيج الوطني السوري، وذلك على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات.
أما الطرف الآخر في المرجعية الكردية المقترحة، فهو المجلس الوطني الكردي السوري، الذي يضم مجموعة من الأحزاب الكردية التي لها برامجها الخاصة بالواقع السوري. هذه الأحزاب تم التضييق عليها من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي والجهات التابعة له. وفي أكثر من مناسبة تم ابعاد كوادر وقيادات هذه الأحزاب من جانب الحزب المذكور. هذه الأحزاب راهناً لاتمتلك قوة كبيرة على الأرض، لكنها تمتلك شرعية سياسية، واعترافاً من قبل القوى الكردستانية والسورية، والإقليمية والدولية. هذا إلى جانب أن هذه الأحزاب هي اليوم جزء من المعارضة السورية، بمعنى أنها في مواجهة النظام. وهذا معناه باختصار هو أن المرجعية المعنية تجمع بين قوى على علاقة تنسيقية لافتة مع النظام، وقوى أخرى منخرطة في مؤسسات المعارضة. فعلى صعيد السياسة الوطنية هناك تباين صارخ، وعلى صعيد السياسة القومية هناك اختلاف كلي. فحزب الاتحاد الديمقراطي هو امتداد مباشر لحزب العمال الكردستاني، في حين أن المجلس الوطني الكردي له برنامج خاص بالشعب الكردي في سورية ضمن إطار وحدة سورية.
واستناداً إلى المعطيات المتوفرة حتى الان، من الواضح ان الـ ب. ي. د. يسعى بكل الأساليب من أجل الاستحواذ على إرادة المرجعية المقترحة، واستخدامها ورقة لتمرير سياساته وبناء العلاقات التي تخدمه. بمعنى نحن أمام نسخة جديدة من الهيئة الكردية العليا التي لم تتمكن من الاقلاع والعمل نتيجة أسباب نعتقد أنها ما زالت فاعلة.
استناداً إلى ما تقدم، لا نرى أية امكانية لدور فاعل من جانب المرجعية المقترحة على صعيد تأمين مطالب الشعب الكردي في سورية، هذا إذا ما ظلت الأمور على حالها. ولكن إذا غيّر حزب الاتحاد الديمقراطي استراتيجيته، وفكّ ارتباطه مع النظام، وتحوّل إلى حزب كردي سوري في المقام الأول، وآمن بضرورة احترام قواعد العمل الديمقراطي مع الأحزاب الشريكة ومع الشعب، فحينئذ ستأخذ الأمور منحى آخر. ونستطيع وقتها أن نتحدث عن نتائج ايجابية لهذه المرجعية بالنسبة لشعبنا. المرجعية بصيغتها الحالية لاتوحي بنتائج واعدة. ربما الأمر الايجابي الوحيد لهذه المرجعية هو انها صادرت مبدئيا على احتمالات التصادم الكردي- الكردي. هذه مسألة هامة لا يمكن ولا يجوز التقليل من شأنها، ولكنها ليست كافية في سياق التحديات التي نواجهها.