سنجار ورفسات داعش الأخيرة

كفاح محمود كريم

 
 في 25 نيسان من عام 2003م آثر سقوط هيكل نظام صدام حسين، التقينا بعض قيادات وأعضاء حزب البعث في منطقة سنجار، ومعظمهم من أهالي المدينة وأطرافها، بل إن قسما كبيرا منهم كان من المعلمين ومدراء المدارس وبقية الدوائر، وكان أكثرهم إما قد هرب تاركا أسرته أو مختبئا بسبب اعتقاده بفكرة الانتقام المتكلسة في ثقافة البعث، وبعد أن شعروا إن الدنيا غير دنيتهم والسياسة غير ما اقترفوه هم بحق شعبهم، وان البيشمه ركة ومؤسسات الإقليم الأخرى التي أدارت الحياة بعد 9 نيسان 2003 ليست إلا مشروع حضاري وإنساني وحمامات سلام وأمان واطمئنان، لبوا دعوتنا للتباحث حول الأوضاع الجديدة وإعادة الحياة إلى المؤسسات الرسمية وخاصة التعليمية والخدمية التي كانوا يديرونها، وتسليم ما بعهدتهم من أمانات وسيارات، وأسلحة حزبية، وأمور أخرى.
 قلنا لهم إن العراق قد أدمن الانقلابات منذ تأسيسه ولنعتبر إن ما حصل انقلابا في بغداد بين متنافسين على السلطة ولا أظنكم بمستوى من ينافس، وعليه نتمنى على الجميع ترك الماضي والالتفات إلى المستقبل لكي نعيد الحياة بشكلها الزاهي ونعوض مدينتنا وأهلنا ما خسروه بسبب سياسات التعريب والتبعيث القسري، ولذلك فلا إثم على احد منكم ما لم يشتكي عليه مواطن ما لدى القضاء، علما إننا نعلم جيدا بأن هذا السلوك لا وجود له في ثقافة البعث وأخلاقياته، واقسم لو كانت الأمور معكوسة أي نحن الذين تم إسقاطنا من قبلكم لكنتم بعثرتم جثثنا على أرصفة الشوارع وقتلتم جميع من تولى منا إدارة أو مسؤولية، لكننا لسنا هكذا، فالحياة لا تبنى بالانتقام والدماء بل تبنى بالتسامح والعفو، كما فعلنا في 1992م في بقية أجزاء كوردستان المحررة اثر انتفاضة آذار 1991م حيث اصدر الرئيس مسعود بارزاني وقيادة كوردستان قانونا بعفو أمثالكم ممن عبثوا في حياة المواطنين، وحتى من اقترف جرائم بحق شعبه من أولئك الذين كانوا يسمون بالجحوش، فنهضت كوردستاننا وغدت واحة للحرية والتقدم والازدهار.
 نحن بناة جيدون للحياة والاعمار لذلك ندعوكم للتطهر من آثامكم وبقايا ثقافة الإقصاء والهمجية، لكي نعيش معا ونبني معا بلدنا هذا، وفعلا طيلة أكثر من عشر سنوات تم احتوائهم جميعا ولم يخدش أي منهم بسبب بعثيته أو حتى بسبب استحواذه على بيوت المرحلين من الكورد، وقلنا ليكن القانون هو الفيصل، ولأن الطبع يسبق التطبع فقد صدقت توقعاتنا واستطاعوا بعد أكثر من عشر سنوات أن يخترقوا دفاعاتنا ونقاط ضعفنا ويركبوا جواد المالكي الذي أرهق قوتنا العسكرية بالحصار المالي والتسليحي، فاندفعوا كالغيلان المتوحشة وبهمجية لا مثيل لها في التاريخ البشري، إلا فيما اكتنزوه في عقيدتهم وسلوكهم وأخلاقهم، فقتلوا الأطفال والنساء قبل الرجال وسلبوا ونهبوا واختطفوا آلاف النساء والأطفال بعد أن قتلوا آبائهم وأزواجهم بقسوة تجاوزت قسوة هولاكو وجيوشه، ثم عادوا ليدمروا كل شيء من بيوت ومزارع وبساتين وشوارع ودوائر، فأحالوا سنجار وبلداتها وقراها ومجمعاتها إلى خرائب ينعقون فيها، بعد أن سرقوا كل مقتنيات بيوت الأهالي ومخازن التجارة ودكاكين الناس، ولم تقتصر جرائمهم على الايزيدية فقط بل طالت آثامهم كل الكورد السنة والشيعة والمسيحيين.
 واليوم وبينما يحرقون آلاف البيوت في سنجار وقراها وهم يتقهقرون منكفئين إلى جحورهم التي خرجوا منها، تتقدم قوات البيشمه ركة لتحرير ما بقي من تلك المدن والقرى، وتعثر في مسيرتها على عشرات المقابر الجماعية التي فرختها مقابر صدام حسين والبعث وهي تضم آلاف الأطفال والشباب والشيوخ ممن طالتهم تلك الهمجية، التي فاقت كل جرائم التاريخ البشري إلا تلك التي بدأها أسلافهم في الأنفال الأولى وحلبجة وأخواتها من قرى كرميان وباهدينان.
 لقد غدت حلبجة رمزا من رموز المأساة الكوردية التي نبهت الرأي العام العالمي إلى عدالة القضية الكوردية والاهتمام بها، فتحولت كوردستان بدماء أولئك الشهداء من ضحايا الهمجية إلى واحة للسلام والأمان والازدهار، وستكون سنجار وجبلها الأشم وتحريرها عنوانا لانطلاق كوردستان المستقبل إلى ذرى المجد والانعتاق بعد إنهاء آخر فصول البعث والنازية الجديدة المتمثلة بداعش الإرهاب والتخلف.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…