من يوميات صديق فيسبوكي.. رسالة من تحت الانقاض الى طفلي البطل

الكاتب والمخرج جوان حسين(كردي)

اعذرني يا ولدي وأنا اكتب لك رسالة الوداع الاخيرة، قد تكون آخر رسالة اكتبها في عينك، ني يا ولدي أخشى أن لا أعود اليك كلما خرجت من البيت لأحضر لك الحليب و رضاعة الحب، فطريقي طويل بالشوك ورائحة البارود، قد تلتهمني قذيفة حقودة، في لحظة شوق اتذكر فيه ابتسامتك البريئة، مثلما التهم الرصاص آباء كانوا يحملون في قلوبهم أحلاما لأبناء جفت دموعهم من الجوع وخيبة الأمل، فأنا وانت يا ولدي نرضع من وجع واحد، و حزن واحد، اسمه وطن من النار والدمار، حولنا الى قطعة جليد يذوب يوما فيوما بلهيبه وخرابه،
فليس ذنبا مني حين وطأت الحب بأمنية أراك فيها حلما يكبر بعيدا عن النسيان، لكن قدرك شاء أن يرميك الى أحضان عالم غرق في ذنوبه وآثامه، فجئتني مثل ربيع بلا زهور، مثل أطفال يضعون أحلامهم الصغيرة خلف خيمة تأن من الاهتراء وزمهرير الشتاء، و أنا قد تركت ألعابك و أرجوحتك لعالم مات في كفن خذلانه ، منذ ولدت في عصر لبس القسوة ومسوح النفاق، و لأني قد شربت من كأس قذارتهم و أخاف أن تتسمم بعطفهم مثلما سمموا أطفال بلدنا. 
يا ولدي قد نفترق هنا أو بعد خطوة أو بعد شهر أو سنة، فانا حاضر الغياب ،لم اعد اكترث بزمن يشبه بعضه من الألم والخذلان، ولم اعد اخاف الموت والرصاص والجوع والتشرد، لكني أخاف أن تسبقني الى قدري المشؤم، و أنت كل أمل لي انتظرته أعواما حتى يشرق ويخضر كغصن أعرف أن جذوره لن تذبل حتى يأخذ حقا سلبه شياطين البشر، و إذا افترقنا في لحظة دون وداع، فهذه رسالة والد الى طفله ولد في رحم الثورة ليموت ملاكا أو يعيش كابطال و إذا قرأت كلماتي يوما فاعلم أن والدك عاش عزيزا مثل آلاف اباء ابطال، الذين حملوا على أكتافهم أبناءهم، وفي قلوبهم حملوا اوطانهم و تركوا للعالم الخائن لعنة الشيطان
والدك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…

عِصْمَتْ شَاهِينَ الدُّوسَكِي

أعْتَذِرُ

لِمَنْ وَضَعَ الطَّعَامَ أَمَامَ أَبِي

أَكَلَ وَابْتَسَمَ وَشَكَرَ رَبِّي

أَعْتَذِرُ

لِمَنْ قَدَّمَ الْخُبْزَ

لِأُمِّي وَطَرَقَ بَابِي

لِمَنْ سَأَلَ عَنِّي

كَيْفَ كَانَ يَوْمِي وَمَا…

ماهين شيخاني

هناك لحظات في حياة الإنسان يشعر فيها وكأنّه يسير على خيط رفيع مشدود بين الحياة واللاجدوى. في مثل هذه اللحظات، لا نبحث عن إجابات نهائية بقدر ما نبحث عن انعكاس صادق يعيد إلينا شيئاً من ملامحنا الداخلية. بالنسبة لي، وجدتُ ذلك الانعكاس في كتابات الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913-1960).

ليس كامو مجرد فيلسوف عبثي…