أجرى اللقاء : حسين أحمد
عندما تجالس الكاتب والشاعر ملى كرد وأنت تستمع إليه وهو يلقي قصائده بأحاسيسه الوهاجة وبأسلوبه الصوفي على مسمعيك, حينذاك تاخذك نشوة الغيبوبة إلى ربوع جزيرة بوطان حيث الموقع التاريخي للشاعرالمتفاني في حب الذات الإلهية صاحب العقد الجوهري ملاي جزيري الراقد منذ أكثر من أربعمائة عام لاهبا بعذاباته وعذاب المكان كله .إذا لندخل معاً إلى عالم ملى كرد الأدبي والثقافي والإنساني ونتعرف عليه وعلى كتاباته وإصداراته من خلال هذه الأسئلة المطروحة عليه .
ملى كرد لقب أطلقته على نفسي بمشورة بعض المحبين عام 1982 بعد لقبي ( دل آر ) و مازال اللقب إلى الآن. أنا من أسرة مشيخة صوفية و فقه و علم و الحمد لله. .. لا اخجل من هذا الانتماء بل هو موضع فخري و اعتزازي بالرغم من مما قيل و يقال !! معي بفضل الله شهادتان جامعيتان : الأدب العربي و تخرجت عام 1976 و الفلسفة و تخرجت منها عام 1992
لي خمسة أولاد ذكور كلهم مثقفون متعلمون و بنت وحيدة جامعية أيضاً. أحب المزاح الخفيف و النكتة التي تظهر المفارقة. ألذ شيء في نظري : العبادة – الصداقة – السياحة .. أنا ميال إلى التخفف من العادات و التقاليد البالية … أدعو إلى الاختلاط المهذب بين الجنسين و إلى المساواة التامة في القضايا الثقافية و الاجتماعية و الأخلاقية … اكره العنصرية و الطائفية و أدعو إلى الوئام بين الناس و عفوية العلاقات و نقائها من شوائب الأغراض قدر الإمكان !!!
التأملات الروحية عند الشاعر ملى كرد ..؟!
هناك حنين غامض يخامرني قبيل التفجر الشعري يتسم بشيئ من القلق و التردد . . . ثم يعقبه اللجوء إلى الورق و فض بكارة الكلام على سريره. شيئان يحركان لواعجي و مكنوناتي الشعرية الغربة و الأنثى و كلتاهما نبعان غزيران يمدانني بالألق الشعري .. و ثالثة الأثافي هموم الإنسان الكردي و الاستلاب التاريخية التي يعيشها في ظل الأوضاع المعروفة لكل الناس !
من يقرأ قصائدك يلاحظ انك متأثر بالشاعر (ملاي جزيري) فما هي مواطن هذا التأثير عند ملى كرد..؟
( ملى جزيري ) كما كان أستاذنا الكبير جكرخوين يصفه ( بيدر الشعراء) يأخذ كل منهم حفنة من كنوزه و يطعم بها شعره و عواطفه, انه المدرسة التي تحتضن العشاق جميعاً كما قال الجزيري نفسه في شعره: (( و يعلو موكب العشاق أعلامي و راياتي )) !! و قد تأثرت به و بجكرخوين معاً , متجنباً الازدواجية اللغوية التي مارسها .. و حاولت مثل جكرخوين تنقية لغتي من الألفاظ الدخيلة قدر الإمكان و بصورة عفوية غير متكلفة. أهم جانب في منحاي الشعري هو وصف المرأة و البوح بحبها و التعلق بجمالها : الوجه و القامة و الشعر و الحركات و البسمة و الغمزة و الالتفاتة الأنثوية و سوى ذلك !!! و لكنني لم إلى كعب عرش الجزيري .. كما لم يصل سيدايى جكرخوين باعترافه, بالإضافة إلى ما قلت فأنا قليل الإنتاج لا أحب كثير الشعر حتى لا أقع في الثرثرة و الإطناب الفارغ كما وقع شاعرنا المبجل ( جكرخوين ) بدواوينه الثمانية التي كان يكفيه منها اثنان أو ثلاثة !! و كما يحاول من بعده أن يمارسوه متأثرين بالنزعة الكمية الرقمية المعيبة جداً في ميدان الشعر و الإحساس فلا يمكن للشعر أن يتحول إلى ( سوق الهال ) ! و تتكدس سحارات القصائد هنا و هناك في عبثية ظاهرة للعيان !؟
القصيدة الكلاسيكية الكردية- اليوم – هل بمقدورها أن تحاكي الواقع أم لا …؟
ملى كرد ما هو مشروعك الثقافي الذي ترى فيه تطويرا وانقاذاً لحالة تردي الثقافة الكردية في سورية ..؟
مشروعي الثقافي هو وجود رابطة أدبية فنية ثقافية بين المثقفين الكرد . . يتبادلون خلالها الآراء و المقترحات و يقوِّمون المواهب و يوجهون الشباب نحو ما يناسبهم. و في الجانب الفني يجب التعاون بين الشاعر و الفنان لأن الفنانين إلى الآن يغنون بلا كلمة جميلة و لا يزالون يدورون في فلك ( أمان – أمان ) و ( هاي لولو – هاي لى لى ) و في إطار الشعر يجب أن يكتشف الشاعر ذاته قبل كل شيء و يستطيع ممارسة النقد الذاتي فإذا لم يتمكن من ذلك سقط كشاعر و وقع في الثرثرة الشعرية و النظم البارد. أقول هذا لأمثال: كلش و حيدو و دلاور و ملى كرد أيضاً.
للمرأة في قصائدك حظ كبير … ما علاقتك بالمرأة هذه النيزكة الرائعة أولا ..؟؟ و ثانيا كيف تقرؤها وأنت مريد لـ( ملى جزيري) ..؟
حقاً ما تقول انا مريد صغير في جامعة (ملاي جزيري ) جامعة الحب و العشق و الكلمة اللاهبة … و قد تتلمذت عليها منذ سن مبكرة حيث كنت اسمع والدي رحمه الله يقرا ( الديوان ) لوالدتي رحمها الله داعياً إياها إلى الاستمتاع بشعر (الملا) فتجيبه الوالدة: ( ولكن صوتك غير إيقاعي !) فيقرأ لها و أنا أصغي إليه و إليها مستمتعاً جداً. أما بالنسبة للمرأة فهي ملهمتنا .. و نبعنا الفياض الذي لا غنى عنه أبداً و أنا مؤمن بحكمة الخيام النيسابوري : ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوى و أن اعشقا ! فالمراة تحتل مفاصل شعري بقوة و وضوح و هو أجمل احتلال في الدنيا و ألذه …
لكنني أدعو المرأة ( الشاعرة و الكاتبة ) خاصة أن ترد لنا نحن الشعراء المعجبين بأنوثتها جميلنا و معروفنا إذ طالما تهالكنا و تهافتنا على أقدامها و ألّهناها كثيراً فبقي عليها أن تكافئنا و تكتب مثلما نكتب و تعشق مثلما نعشق و لا (تطنّش) أذنها عن حسناتنا و لو أن الرجل عبر التاريخ كان أنانياً و ذكورياً أكثر من اللازم, أعتقد أن الأمور ستعود إلى نصابها بالحب المشترك و الأقلام الذكورية و الأنثوية المتضامنة في سبيل حياة جديدة سعيدة يرفرف عليها الحب و الثقة و الصدق و الوفاء.
كمثقف وكأديب كيف تقرأ الحالة الثقافية الكردية في سوريا وخاصة بعد أحداث 12 من آذار الدامية ..؟
ج : تشهد الساحة يقظة أدبية و ثقافية و عودة عميقة إلى الذات. كذلك يقظة وطنية سورية تسعى لتفويت الفرصة على المتلاعبين بمستقبل الوحدة الوطنية و يجب على أدبائنا الكرد و العرب أن يكتبوا صفحة جديدة من أدب الإخاء و التواصل و ثقافة التسامح و التكاتف و عدم الإصغاء إلى أصوات التفرقة و التمييز و إثارة النعرات بمختلف ألوانها و الإصغاء إلى صوت الوطنية التي تسع الجميع و تصغي للجميع و ترحب بالجميع في إطار من مشروع وطني واسع يشمل أطياف المجتمع السوري قاطبة . . و أدعو كتابنا و أدبائنا السوريين بكردهم و عربهم, مسلميهم و مسيحييهم أن ينظفوا أقلامهم من التقوقع و الأنانية و يكتبوا للحقوق و للمبادىء و للقيم الأخلاقية و الوطنية الأصيلة حتى نفوت الفرصة على المتربصين بنا, و ما أكثرهم مع الأسف ! ! !
نود الاستفسار عن بنية القصيدة الكوردية الحديثة .. ومن هم روادها اليوم …؟
ج: أما بالنسبة لبنيتها الشكلية فهناك قصيدة التفعيلة و قصيدة النثر أما التفعيلة فأجادها اثنان هما ( دحام عبد الفتاح & جان دوست ) و أما النثر فمعظم شبابنا و شاباتنا يتعاطون و قلما يبدعون فيه إلا نفراً قليلاً منهم: الشاعرة ( باران بارافي ) و ( جانا سيدا ) و سواهما … و من الملاحظ أن الإناث يتفوقون في ميدان الشعر المنثور على أشقائهن الذكور و قد أعلنت رأيي هذا في عدة مناسبات بلا تحفظ و لا مجاملة !!؟
أما مضمون النثر فهو متفاوت منه عاطفي وجداني يعتمد لغة الحب و الضبابية التقليدية و منه دعوة إلى الثورة و التمرد على الواقع السيئ للمرأة و للإنسان بصورة عامة و منه بكاء على القضية الكردية المزمنة التي طال انتظار المنتظرين لحلها . . إلى آخر ما هنالك من مضامين …( و كل واحد حر في موزو ) كما يقول المصريون ؟!
ما هو جديدك الان يا ملى كرد..؟
أقول مع الأسف لا جديد . . . لا جديد تحت الشمس, لكني سأقدم هذه الأيام مخطوطتين إلى الطباعة هما ( مذكرات معلم وكيل ) بالعربية و ديوان الشيخ نور الدين البريفكاني باللهجة الكرمانجية .. و سياتي بعدهما كتابي المخطوط منذ عام 1999 ( الكرد في القرآن ) ! بطبيعة الحال عندي مجموعات شعرية بالكردية و العربية لم أشأ أن اطبعها نظراً لضعف ثقتي بالشعر هذه الأيام و إن لم أفقد معه كل علاقاتي ..؟