النص الكامل لــ حوار بينوسا نو مع الأديـبــة «بونيا جكرخوين»

 حاورها: إبراهيم اليوسف

تنبأ بموهبتها في الكتابة وهي طفلة لتروي لنا بعض سيرة أبيها وأسرتها في كبرها: 
هكذا عاش جكرخوين وقاوم .. هكذا عاشت أسرته وقاومت.
ابنتي هذه الأصابع لم تخلق للطبخ بل للكتابة..!
هذا ما قاله لها الشاعر الكبير جكرخوين، وهو يداعب أصابع يدها، متوسماً فيها أن تكون كاتبة، وقد نذر على نفسه أن يعلمها الكتابة باللغة الكردية الأم، بيد أن من يعرف دقائق وتفاصيل حياة جكرخوين، واضطراره للابتعاد عن البيت يعذره لأنه لم يتمكن من تحقيق ذلك، بيد أن ابنته “بونيا” كما كان يناديها وهو اختصار لاسم ابنة ملك مصر ب ني سعادة- الاسم المركب الذي يعني “عقد السعادة” كما كان يقوله جكرخوين و هو يسرد حكاية هذه الأميرة التي أحبها الكردي ابن سلكان على مسامع أسرته، رغم أنه كان يؤكد أن نصف الاسم “بني”” benî” العقد هو كردي، أصلاً.
و راحت تعلم نفسها الكتابة بهذه اللغة، تلقائياً، لتكتب بها إلى جانب اللغة العربية التي كانت إحدى فتاتين كرديتين أوليين نالتا الشهادة الثانوية، في تاريخ مدينتها، مع زميلتها”عمشا قادرو أم جوان” كما علمت. وهاهي بونيا إحدى أديباتنا الكبيرات، ولها نشاطها المتعدد، في مجال الاهتمام بالمرأة، كامتداد لرؤية والدها الريادي في الثقافة والإبداع والنضال.
أجل، هاهي نبوءة جكرخوين تتحقق، وها هي كريمته سعاد تستكمل طريق والدها، وإن ضمن إمكاناتها، وقدراتها، لتحمل روح جكرخوين، وغيرته، ووفاءه، وحسه الإنساني النبيل، ومن يقرأ الحوار التالي الذي أجريته معها، في سلسلة حوارات مع بعض أفراد أسرته، لمقاربة واستذكار ما لم يدون من سيرته، يدرك أية ثقافة تحملها هذه المبدعة الكردية، بل أية ذاكرة فولاذية تتمتع بها، وهي تستحضر بعض التفاصيل الدقيقة عن كيفية ممارسة  شاعرنا الكبير للكتابة، بل وكيفية ممارسة  نضالاته، خدمة لشعبه الكردي، حيث لم  تفتأ “دوريات الفجر” تغيرعلى منزله، البتة، بحثاً عنه، بينما يتوارى عنها أحياناً، أو يقع في كمينها أحياناً أخرى، ليودع في غياهب السجن، حيث تظل تلك الصورة الأليمة لوالدها، وهو يهذي من جرَّاء التعذيب الوحشي المبرح في “سجن قامشلو الأسود” القديم، في مخيلتها، ناهيك عن سردها لتفاصيل لجوء الأسرة إلى كردستان، ومن ثم بغداد للالتحاق بالأب، بعد استشراس أجهزة الاستبداد البعثي بحق أسرتها، وملاحقتهم، ناهيك عن محطات أخرى مرت بها الأسرة، منها: دمشق- بيروت.
ثمة ألم كبير، سيستشعره القارئ -لا محالة- وهو يتابع قراءة هذا الحوار الذي أعده-كصحفي- في طليعة الحوارات التي أجريتها، خلال حياتي، نظراً لأهميته، وهو ما لم أقله في أي وقت سابق عن أي حوار آخر لي مع آخرين، رغم محاوراتي لكثيرين من الأعلام الأحياء والراحلين، وذلك نظراً لعمق الهم الإنساني فيه، أو لأنه يسترجع لحظات معاناتنا جميعاً، تحت وطأة الفقر، بل وكأنها –بالنسبة إلي في أقل تقدير- تعد لسان بناتي، وأبنائي، الذين نأيت عنهم، لانشغالي برسالة الشعر، والموقف، وإن كان شتان مابين تجربة أي منا، وتجربة الشاعر جكرخوين الذي يفتخر كثيرون منا بأنا عاشوا في عصره، وأفتخر شخصياً أني التقيته، أكثر من مرة، كما بعض أهم من أعدهم من عظماء العصر، وإن كان الرجل مع من هم في المقدمة على الإطلاق.
ولعل صرخة بونيا، خلال هذا الحوار، ستتردد، مادام اسم جكرخوين سيذكر، وهي توجه خطابها إلى بعض النقاد، والإعلاميين، ومستسهلي تقويم الأعلام، والمغيرين على أسماء الكبار، نتيجة عقد خاصة، تترى، وتظهر على نحو خاص لدى أبعاضهم في مجتمعنا، كجزء من سيكولوجيا هؤلاء في ظل ظروف القهر، والاستلاب، ما يدفعهم لمحو، وإزالة، وإقصاء، بل وإعدام كل مناضل، واختلاق أسباب الإساءة إليه، كمحاولة عبثية لإفساح مكان للذات، وهو أمر يستدعي تناوله في مباحث، منفردة، خاصة، هاهي تقول” ماذا تعرفون عن عائلتنا في بحوثكم؟ اجعلوا حياتنا يوماَ ما موضوعاَ لكتاباتكم ستنالون الدرجة الأولى في الكتابة والنثر والنقد؟” اسمعوها جيداً، اسمعوا زميلتنا بونيا جكرخوين “العضوة الإدارية في”رابطة الكتاب والصحفيين الكرد” والمشرفة العامة على “جائزة جكرخوين للإبداع”، ثم تعالوا نقرأها معاً، نقرأ دموعها الاستذكارية، حارة، تنعكس فيها ملامح جكرخوين، وتتردد في بللورها ملامح شاعر الكرد العظيم جكرخوين:

س1.  ما الذي تتذكرينه من شخصية جكرخوين وأنت طفلة؟
ج1. عندما أدركت الحياة شيئاَ فشيئاَ، عرفت وأنا طفلة صغيرة بما يجري حولي من أحداث غير طبيعية، وتأكدت بأنني أعيش في كنف عائلة سياسية لها أسلوبها المتميز عن بقية العوائل من الأصدقاء والجيران، واستوعبت بعدئذ سبب هذه الميزة والمفارقة، وتأكدت أن رب العائلة التي أنا منها رجل سياسي مناضل يمارس السياسة ويكتب الشعر باللغة الكردية غير المسموح بها، يحارب الطغمة الحاكمة، يناقش ويجادل، يتظاهر مع أبناء شعبه ضد الحكام المستبدين، يجلس ساعات طويلة ليكتب أفكاره وأشعاره، يستقبل الزوار في كل يوم وفي كل وقت. وعرفت عندها لماذا تداهمنا قوات الشرطة والأمن،  ولماذا يتوارى والدي عن الأنظار فترات طويلة، وعند قدومه إلى البيت تداهمنا الشرطة العسكرية، فإن  وقعت عيونهم عليه، أمسكوه، وزجوه في السجن.
كنت أعتقد وأنا صغيرة أن الوالد رجل يعمل خارج البيت ليحصل على المال كي يصرفه على بيته وأولاده، ويؤمن لهم  سبل الرفاهية والحياة المعيشية الجيدة،  لكن هذا لم ينطبق على عائلتنا، فقد كنت أتساءل في البداية كثيراَ، حول هذا الأمر، دون جدوى، لكنني أدركت الأمور على حقيقتها فيما بعد، وأدركت لماذا تجتمع الحارة أمام بيتنا عندما تداهمنا الشرطة العسكرية، ويشار علينا بالأصابع عندما نمر في طريق أو نلتقي بأحد من الجيران ليسألونا ويستجوبونا. كان والدي يخرج أحياناَ بين جنح الظلام ولم نره بعدها فترات طويلة، وبقدر تفكيري الطفولي أدركت جيداَ أن والدي هو شخص مميز يجابه كل الصعاب لأجل أفكاره السياسة وكتابة الشعر، يناضل، يستنكر ما تقوم به السلطات ويمشي في المظاهرات، يثور ضد الحكام المتعسفين. 
عرفت كل هذا عنه شيئاَ فشيئاً، وأدركت أن اسمه يتردد على كل لسان، يعرفه الجميع ب”جكرخوين”. أجل، هكذا عرفت والدي منذ الصغر وحتى يومنا هذا. 

س2.  علاقته معكم في أسرته؟
ج2. كان والدي أباَ حنوناَ رؤوفاَ ذا قلب طيب يحبنا بلا حدود ولم يترك أية مسافة بيننا وبينه، بل كان مقرباَ لنا جداَ، وبالنسبة لي كنت أتشاور معه وآخذ برأيه حتى في أموري الشخصية، وكان من دعاة مساواة المرأة بالرجل، وصديقاً متحمساً للمرأة، خصص لها حيزاً كبيراً في أشعاره، طيباً وهادئاً، عند المناقشة والمشورة، و من السهل التحدث إليه. كان يسمعني ويضحك أحياناَ ليقول لي بعدها: ستقولين كان لوالدي الحق فيما قال، وكنت عندها شابة متحمسة أعارضه في بعض الأحيان في بعض الأمور الاجتماعية، لكنه كان مرناَ يقنعني ببساطة، وكان صادقاَ وصريحاَ يحترم وجهات نظرنا ويأخذ برأينا إذا أراد القيام بعمل ما. 
لم يفرق بيننا قط، كنت أتلذذ بالاستماع إليه لأتشبع بأقواله وحكمه، ولكن ما يحزنني وحتى الآن انه لم يكن  يتواجد بيننا كثيراَ، ولم نتشبع من آرائه وأفكاره بما فيه الكفاية، فلم يكن متفرغاَ لنا، بل كان منشغلآ بكتاباته ونشر أفكاره، لدرجة أنه كان يجلس طوال اليوم وأمامه أوراقه، يكتب… ويكتب ولا يمل من الكتابة قط،  أما عندما كان يكتب في الليل كانت والدتي تقول له: نريد أن ننام فهلا أطفأت النور، كان يرد عليها بالله عليك دعيني أكتب واسحبي اللحاف، لتتحاشي النور، لأنني سأكمل كتابة أفكاري. لذا كان يكتب على الأكثر في النهار في الفجر عندما نكون نياماً، أجل، مع  قلة وجوده بيننا إلا أننا اكتسبنا كثيراً من نصائحه وأفكاره، وتأثرنا بمفاهيمه وحبه للوطن، ومازلنا نسير على الطريق الذي رسمه لنا ونحن مؤمنون باتخاذ هذا الطريق.
 
س3.  ماذا عن رحلة تحول الملا شيخموس هساري إلى جكرخوين؟ وكيف؟
ج3. إن الظلم والاستبداد الذين خيما على مجتمعه آنذاك، والفوارق الطبقية، وحكم القوي على الضعيف، وتجواله في أنحاء كوردستان طلباَ للعلم والمعرفة، جعله آنذاك يتلمس عن قرب معاناة شعبه الكردي في جميع الأجزاء، فثار على المستبدين والطغاة، ورأى أنه من واجبه محاربتهم بفكره وقلمه، كما واجه الشيوخ والملالي الذين كانوا يفسرون الدين بطريقة خاطئة،  واجه  الأغوات الذين كانوا يظلمون الشعب ويتلاعبون بقوتهم وهو الذي ذاق بنفسه مع عائلته منهم الظلم والاستبداد، فواجه كل المصاعب لأجل إحقاق الحق ونشر الطمأنينة والسلام بين الناس، وأضاف بعدها رونقه الشعري على نضاله  في محاربتهم، فجاءت قصيدته الإبداعية  الجميلة معبرة عن أفكاره، ومليئة بما يدور من حوله من أحداث في مجتمعه الكردي، مجسدة لآلام شعبه، وعندها كون لنفسه عالماَ متميزاَ به في ظروف عصيبة لا يجرؤ على مجابهتها كل إنسان آنذاك. عندها عرف بجكرخوين المتمرد والثائر على مجتمعه، يشار إليه بالبنان.

س4.  ماذا تحدثينا عن جكرخوين الإنسان العادي؟
ج4. كان والدي إنساناً طيباَ يحب الجميع ويجالس الصغير والكبير، يهتم بأمورهم ويعمل على تلبية حاجاتهم، بكل ما لديه، يحث الجميع على النضال والكفاح لأجل الخلاص من براثن العبودية، يدعو إلى مجابهة الأعداء والحكام المتسلطين. كان كل همه أن ينعم شعبه الكردي بالطمأنينة والسلام، ويسود المجتمع الراحة والأمان. لم يهتم يوماَ بأية مظاهر للدنيا من مال وجاه، كل همه انحصر في كوردستان التي كان يناجيها بشوق وهيام وكأنه يناجي حبيبته، لذا كانت حياته عادية ومع الجميع، وهو يمارس السياسة ناشراً أفكاره ورؤاه وقصائده، وكان الكل يعرفه بهذا الشكل ويتأثر به لطريقته المرنة وأسلوبه اللطيف، يعامل الجيران بكل تواضع ومحبة يسايرهم ويلبي طلباتهم، وهنا أحكي هذه الحكاية للطرافة فحسب: في إحدى المرات جاءت جارتنا تصرخ وتقول يا جيران إن فئرانكم تأتي إلينا ولن نقبل بعد اليوم بهذا. حاولت أمي المسكينة بعربيتها المتكسرة أن توضح لها أنه لا توجد عندنا فئران، لكنها أصرت، واحتد الجدل بينهما، عندها خرج والدي واستفسر عن الأمر، وعندما شرحت له الجارة المشكلة سألها والدي: هل للفئران التي تأتيكم “أذناب” ، قالت أي والله جاري، رد والدي قائلآ: نحن فئراننا ليست لها أذناب، فقالت وهي مرتاحة: لا تؤاخذونني  يبدو أنها ليست فئرانكم التي تأتي إلينا. وأخذ والدي بيد أمي إلى الداخل وهو يقول : أنصحكم، لا تختلفوا مع أحد..!

س5.  كيف كانت العائلة تعيل نفسها؟
ج5. إن أي إنسان مفكر يعمل في السياسة، يكرس نفسه وقلمه وعقله لقضية ما، وفي ظروف صعبة سيلاقي المصاعب والويلات، وستتكبد عائلته العوز والحرمان، فكيف بشاعر وسياسي ذاق شعبه مرارة الاضطهاد والاستبداد وحرم من كل الحقوق الإنسانية.  
لقد كرس جكرخوين جل أوقاته للقضية التي كان يؤمن بها ضارباَ عرض الحائط مستلزمات العائلة ومتطلباتها، كان والدي يتركنا شهوراَ بل وسنوات، دون أن يدري كيف آلت أمورنا العائلية، وكان على والدتي أن تتصرف وتتدبر الأمور إلى أن يأتينا الفرج ونحظى بثمن كتاب من ريع كتب أبي يتركها لنا أحد هم، بعد شهور أو من زكاة أحد المزارعين عن محصوله السنوي، ولا أعرف حقيقة كيف استطاعت عائلة مكونة من تسعة أشخاص أن تعيش، وتستمر  في حياتها  في ظل ظروف جد صعبة. وهنا أريد أن أنوه لقرائي بأنني أقول ودون خجل أو حساسية بأنه لا أحد يعرف كيف عشنا وكبرنا وكونا لنا شخصية خاصة بنا، والحمد لله مازلنا نعيش ونؤدي واجباتنا الإنسانية على ما يرام ضاربين عرض الحائط  بكل ما حل بنا سابقاً. 
 
أين كان العلم والأسس التربوية في تربية الطفل!، وأين كانت الأسس البنيوية والنظريات العلمية لتكوين شخصية الطفل آنذاك!، ترى على أية بنيان متزعزع مختلج بالرعب والخوف ملفوف بالعوز .كوّن كل منا شخصيته منذ الطفولة في عائلتنا المتنقلة من مكان إلى مكان!، أين هي النظريات التي تقول أن التنقل يؤثر على شخصية الطفل!، وأنا لا أدري كم من المرات انتقلنا، رحلنا وتركنا آمالنا وألعابنا وعدنا تاركين أحلاماّ جديدة في ذلك المكان، قطعنا في منتصف الليالي الحدود خفية هاربين من الحكام المستبدين ومازال صوت أمي يدوي في أذني عندما كانت تترجانا أن لا نبكي ونصمت إلى أن نجتاز الحدود، عندما قطعنا الطريق مشياَ على الأقدام وفي  درب ترابية مليئة بالأشواك  في إحدى قرى ديريك، ونحن متوجهون إلى كوردستان العراق، وصمتنا ولكن صمتنا كان طويلآ مرافقاَ بالرعب ونباح الكلاب والخوف والظلمة من أن نقع في كمين إحدى الدوريات التفتيشية،  فتسلمنا إلى السلطات، كان الموت يتربص بنا ونحن أطفال، والكلاب تطاردنا في تلك الليلة الحزيرانية، ودامت رحلتنا ساعات وساعات ونحن نسأل دليلنا متى سنصل، وإنني إلى الآن، أخاف الليل، أخاف الكلاب أخاف …..الحياة، ولعل الجميع في عائلتنا يعيش في هذه الظروف، أعيش والقلق يلفني بصمت بائس حزين ومستقبلي غامض تائه يتراءى لي ظله بين سحب السماء. 
وسؤالي: كيف نمت هذه الشخصية بين الرعب و”طاقيات” /قبعات الشرطة العسكرية التي كانت تقتحم بيتنا في منتصف الليل دون سؤال أو تنبيه لنستفيق واللون الأحمر يواجهنا من كل حدب وصوب، وعصيهم تحرك وتنقب حتى بين ريش الحمام الذي أفرغته أمي في وعاء كبير من إحدى الوسادات لتنظيفه لكنها تناثرت متعالية في الهواء، وهم يرددون السؤال: أين هو؟ وأين هي كتاباته؟ كل هذا ونحن نجلس في فراشنا بقمصان النوم تهتز أوصالنا من الرعب، ننتظر مصيرنا. لن أنسى قط تلك الذكريات إن صح وسميناها بالذكريات ما حييت، ولن أنسى كيف تمسكت بيد أختي سينم اعتصرها لأجد الأمان، سؤال أوجهه إلى بعض نقادنا وكتاب يومنا هذا الذين يتساءلون وينتقدون. ماذا تعرفون عن عائلتنا في بحوثكم؟ اجعلوا حياتنا يوماَ ما موضوعاَ لكتاباتكم ستنالون الدرجة الأولى في الكتابة والنثر والنقد.
إن معاناة العائلة سرد من الحكايات والأحداث لن تستطيع أوراقي المتعبة استيعابها قط، وربما آتي بالبعض منها، فقط أتذكر جيداَ عندما لم يبق في البيت شيء لنأكله!، كانت أمي تطبخ لنا ماء حمض الليمون، تذوب حمض الليمون في وعاء كبير وتخلط معه بعض السكر لنأكله مع  الخبز اليابس، وكانت أخواتي الأكبر مني يدركن وضع العائلة ومعاناتها فيلذن بالصمت ويشربن..، وبالأحرى يأكلن دون اعتراض بل أحياناَ كانت أختي سينم تهرس بعضاَ من حبات البصل “تمرسه” بالملح والليمون وبعض التوابل وتقول تعالوا كلوا هذه سلطة ألمانية، ونصدق ونقترب لنأكل هذه السلطة الألمانية الطيبة بشهية.
إلا أنني كنت أزور رفيقاتي من الجيران وأراهم يأكلون من الزاد ما لذ وطاب، فأعود مسرعة إلى البيت لأحتج وأعاتب وأقول: لماذا جميع الجيران يستطيعون أن يعيشوا بهذا الشكل ونحن لا نستطيع؟، كان جواب أمي دائماَ الله كريم يا ابنتي ستتحسن الأمور وعندها سأطبخ لكم ما تشتهون، فأرد عليها دائماَ: تقولين دائماً الله كريم عندما تتحسن الأمور ومتى يأتي هذا اليوم؟، مسكينة أمي كم كانت تتعذب في داخلها وكم كانت تقاوم غرورها حتى احتجاجاتها كانت بصمت وهدوء، كانت تريد أن تجمع بين رغبات الجميع، وحقيقة وضعنا وما وما نحن فيه. أريد أن أعتذر لأمي، وقد اعتذرت منها مراراً بعد تفهمي للأمور، ولكن مرة أخرى أحني رأسي أمام جبروتها وأقول لها: كم أنت عظيمة يا أمي!، يا أم كوردستان!، يا من  صمدت وسايرت وتحملت وأنت راضية لا تريدين حتى أن تعبري عن ألمك، رافقت والدي في كل الجولات القاسية، وحاولت أن تشاركيه النضال السياسي. أتذكر أنني رافقتك في إحدى الجولات لنجمع التواقيع والإعانات. كنت أكتب لك الأسماء وأنت تتحدثين لهم، ذكرياتنا ستظل حية وستصبح يوماَ قصصاَ تكتبها الأجيال.
كان والدي يدرك تماماَ ما يجري، لكنه كان صاحب عقيدة ومبدأ يعمل كما يرغب أن يعمل، ولا داع لأن يحثه أحد أو يسأله عما سيفعل، كانت أمي تقول له أحياناَ :سيدا إننا لم نفعل شيئاَ لأولادنا، كان رده دائماً: المال وسخ اليدين يا سيدة، ولن يموت أولادي من الجوع قط، سيأتي ذلك اليوم وتتحرر بلادنا، عندها سيفتخرون بما قمنا به معاَ، وكانت أمي دائماَ ترد عليه بقولها: إلى ذلك الحين كيف سيعيشون. 
كان دائماَ يهدئ من روعها ويخفف من قلقها، كان جد متأكد من المستقبل ويعرف الأمور قبل حدوثها، كم أنا فخورة بك يا والدي، اسمك الذي يدفئني ويحميني يساوي عندي كنوز الدهر، فعلاً كما قلت يا والدي المال وسخ اليدين يزول ولكن العمل الجيد والصالح يبقى والى الأبد، وهنا أنوه لهؤلاء الذين يقولون أن أبناء العظماء يفتخرون بوالدهم. أقول: ولم لا ونحن قد سرنا معاَ وسلكنا الطريق نفسه، وواجهتنا المصاعب نفسها، فنحن جزء لا يتجزأ من ثورتهم ونضالهم، فقد خسرنا الشهادات العالية والعمل الذي يدر بالمال لأجل قضيتنا ومازلنا في ذاك الطريق والى الأبد، فهل تريدوننا أن نخسر جولتنا الحياتية أيضاَ.. الجواب عند القراء. 

س6.  ماذا تحدثينا عن سجن جكرخوين؟ 
ج6. سجن والدي مرات جمة في عهد الشيشكلي والوحدة والانفصال، وهنا أذكر مرتين زرته فيها وهوفي سجنه، مرة زرناه أنا وأختي روجين أخذنا له بعض الطعام في الصفرطاس كما أذكر وكان سجيناَ عند الشرطة العسكرية، وقد كان والدي ملقياَ مع أصدقائه السجناء في عتمة القبو ، وعندما دخلنا لنقدم له الطعام لم نره بل رأيت خيالآ يلوح  في ظلام القبو، ناديناه لأننا لم نميزه بينهم، فرد علينا: أولادي بشرونا بما جرى هل جاءت الطائرات لتنقذنا، هل قامت الثورة، لم نره لكنه كان يرانا ويردد قولوا الحقيقة فنحن بالانتظار يبدو أنهم كانوا قد عذبوهم لتوه لذا كان يهلوس ويقول أشياء لا افهمها عن الثورة. ليتني ما رأيته في تلك الحالة، وما سمعت صوته. تركنا الأكل بيد العسكري وعدنا أدراجنا ونحن نبكي وقلوبنا تعتصر من الألم عليه، والدي الذي لا ينحني قط أراه اليوم في هذه الحالة، وبدأت أتمتم الله ينتقم منكم، وبعدها بدأنا نردد بعض الأبيات من” يا ظلام السجن خيّم إننا نهوى الظلام”. 
مرة أخرى أتذكر أنني زرته في الثكنة العسكرية لأنني وعدته أن أزوره عندما  نلت شهادة الصف الثاني الابتدائي، تركني أحد  أصدقاء الأسرة أمام باب السجن ودخلت إلى الساحة أولاً، فتشوني والأكل الذي بيدي وقادوني إلى غرفته الانفرادية التي كانت على الشارع، ويبدو أن المسؤول قد احترمه واهتم بأمره، وعند دخولي بكيت لكنه أخذني بالأحضان وقال لي: هل أنت الأولى، وبدأ يشرح للرجل عن عائلته وأولاده، رحب بي الرجل وقال أحسنت ومد يده ليسلم علي، لكنني أذكر أنني سحبت يدي لخوفي منه، لكن والدي أومأ لي برأسه وقال بالكردية: إنه رجل طيب عندها سلمت عليه، فرحت جداً بلقاء أبي وبكيت جداَ عندما ذهبت إلى البيت أشرح للعائلة عن غرفة أبي وسريره، والرجل الصديق الذي سلم علي. 

س7.  و ماذا عن جكرخوين والحزب الشيوعي؟
ج7. كان والدي نصيراّ للحزب الشيوعي السوري آنذاك، مؤمناَ بالاشتراكية والمساواة بين طبقات الشعب جميعها، حاقداَ على الإقطاع والرأسمالية، يكافح ضد الظلم والرجعية والتخلف. تقرب إليهم وناضل في صفوفهم كشيوعي إيماناً منه بالشيوعية مبدأً حازماً لنصرة الشعوب المضطهدة وحركات تحرر الشعوب والسلم العالمي، وأصبح مسؤولاً لحركة أنصار السلام في الجزيرة، دخل السجون كثيراَ وعذب فيها لإصراره على مبادئه، نفي وشرد وكان ملاحقاَ في أكثر الأحيان، ضحى بالغالي والنفيس من أجل المبادئ الإنسانية التي آمن بها، شرد مع أولاده مرات عديدة وحرم من جميع الحقوق المدنية، لكنه ابتعد عن الحزب عندما أرادوا أن يغمضوا أعينهم عن قضية الشعب الكردي وحقوق الكرد في الحرية والمساواة، وهو الذي  غنى للشعوب المضطهدة ولحقوق الإنسان، وحث على النضال والكفاح لأجل وطننا كوردستان. 
نظم مع رفاقه الذين تخلوا معه عن الحزب تنظيماَ سياسياَ باسم “بندا آزادي”، لكنهم سرعان ما انضموا بعدها إلى حزب” البارتي الديموقراطي الكردي” الذي تأسس قبلهم بشهور، وأصبح عضواَ في اللجنة المركزية للحزب.

س8.  هل من الممكن أن تحدثينا عن مضايقات  أجهزة الأمن للعائلة.
ج8. عاشت عائلة جكرخوين سنينها كلها في قلق دائم   بسبب الملاحقات الأمنية التي كانت  تتربص لهم من كل مكان، كانوا يهاجمون البيت في أي وقت كان، وكان ذلك يتم في أكثر الأحيان، عند الفجر، لظنهم أن والدي في البيت وسيلقون القبض عليه قبل أن يهرب، وكانوا يعبثون بكل شيء في البيت بحثاَ عن كتب والدي، يدخلون البيت بهمجية ليزرعوا الرعب في قلوبنا، يسألوننا عن والدي وأصدقائه، وفي إحدى المرات أخبرنا أحد الجيران عن قدومهم إلينا، فاختبأ والدي في بيتهم، وأغلقت الجارة الباب عليه بالمفتاح وخرجت، وعند التفتيش لم يجدوا أبي فخرجوا إلى أرض الدار ليفتشوا عنه عند الجيران، لكنهم لم يجدوه فخرجوا، وعند خروج والدي من الغرفة قال للجارة: لقد تركت الرضيع في المهد معي، فما بالك إذا بكى.. و كيف كنت سأتصرف؟، قالت وبدون تردد:تضع يدك على فمه لتسكته..!، فالأولاد نستطيع أن ننجبهم، ولكن لدينا جكرخوين واحد، كم كان والدي فرحاَ لوجود هؤلاء الأحبة والجيران حوله، كنا عندها نسكن حارة المانوك وجل ساكنيها من الأرمن، ومرات ومرات جابهتنا أحداثاً كثيرة يلزمها وقت طويل للكتابة  وحتى آخر لحظة عندما قررت العائلة الهرب إلى العراق للالتحاق بالوالد. 
كانت عناصر المخابرات والأمن  يحومون حول البيت ليراقبوا أفرادها، لكننا خرجنا من الباب الخلفي لنفر هاربين، انضمت إلينا البقية من أفراد العائلة التي كانت في حفل زواج في الحارة الشرقية، لنتوجه جميعاً إلى إحدى القرى في سيارة جيب، ومن بعدها نقطع الحدود سيراَ على الأقدام ومعنا شابان كرديان، كدليلين لنا، وقبل بزوغ الفجر كنا على مشارف قرية” ماسكا” في إقليم كوردستان، كانت ليلة استثنائية آثارها السلبية مازالت محفورة في فكري وخيالي، لكنني  في المقابل ورثت منها أشياء ايجابية أيضاً منها المغامرة والصمود.  
تركنا النور مضاءاً والمفتاح في الباب، ولم نبال بأغراض البيت قط، لعلنا وعسانا نحظى بحياة هادئة آمنة هناك، نتشبع من وجود والدي بيننا ونعيش حياة عائلية كريمة كباقي العوائل والأسر.

س9.  كيف كان اللقاء بالوالد بعد سنوات من الفراق المر؟
ج9. اللقاء بالوالد كان من أمتع ما حصل لي ولإخوتي، بعد أن قطعنا الحدود في تلك الليلة الحزيرانية المقمرة  ووصلنا إلى قرية ماسكا، استقبلتنا عائلة بوزي أحسن استقبال ونمنا في هدوء وأمان عدة ساعات لنرى بعدها نساء القرية قد تجمعن حولنا ليقتلعن الأشواك من أرجلنا. أكلنا وشربنا ونمنا في اطمئنان عدة أيام، وبعدها ركبنا سيارة عسكرية نقلتنا إلى بغداد، مارين بالموصل لنبات تلك الليلة هناك، ونتابع في الصباح رحلتنا إلى بغداد لنقف أمام باب نرن جرسه وقلوبنا تخفق فرحاَ هل صحيح سنلتقي بوالدي، هل صحيح انتهت الآلام؟، هل صحيح سنبدأ حياة جديدة؟، ربما أننا كنا نحلم لكن شاباَ مبتسماَ فتح لنا الباب وصرخ بأعلى صوته سيدا هاقد وصل الأولاد دخلنا الغرفة وارتمينا الواحدة تلو الأخرى في أحضان أبي، يا لفرحتي النادرة كم كانت كبيرة وليس لها حدود، حتى أن أختي سلام لم تتعرف على والدي لأنها كانت صغيرة عندما تركنا. 

س10.  وماذا عن العودة إلى قامشلو؟
ج10. عشنا في بغداد ثلاث سنوات، درَّس والدي خلالها في جامعة بغداد اللغة الكردية اللهجة الكرمانجية، ودخلنا نحن أحسن المدارس كما أن وضعنا المادي تحسن جيداَ ولم ينقصنا شيء إلا أننا لم نكن مرتاحين قط كانت الغربة تلفنا بثوب من الألم والحزن كنا نفتقد الأهل والأصدقاء نفتقد قامشلو وأحباءنا لذا فضلنا أن نعود إليها  حين جاء قرار طردنا من الأراضي العراقية. وعندما خيرنا في وجهة سيرنا. اخترنا قامشلو وقررنا العودة إليها وعن طريق تل كوجك دخلنا الأراضي السورية مرة أخرى ولكن كانت المخابرات في انتظارنا هناك .فاقتادوا والدي إلى دمشق ونحن إلى قامشلو، حيث أنهم حجزونا في فندق” حداد” بضعة أيام ،ومنعونا من الالتقاء بأحد، وبعد فترة وجيزة عاد والدي واستأجرنا بيتاَ في الحارة الغربية، وعدنا كما كنا إلى حياتنا السابقة، بين الأهل والأصدقاء  وفي أحضان قامشلو الحبيبة.

س11.  مالذي  تتذكرين عن التحاق الشاعر جكرخوين بالثورة؟
ج11. بعد خروجنا من بغداد وعودتنا إلى قامشلو التحق والدي بالثورة الكردية التي كان يقودها الملا مصطفى البارزاني وكان ذلك في سنة 1969 وبقي هناك ما يقارب السنة يكتب للثورة ويعمل للحث على النضال والتضحية ثم عاد مرة أخرى إلى أحضان قامشلو الحبيبة . 
 
س12.  وماذا عن هجرة العائلة إلى دمشق؟
ج12. دمشق العاصمة الجميلة سمعنا بها كثيراً، لكنها لم تكن يوماَ قبلة توجهنا، بعيدة كل البعد عن أحلامنا، لم تكن يوماَ مبتغانا، ولا حتى فكرنا يوماَ بالعيش فيها، لكن الظروف الصعبة والقدر اللعين إن أسميناه قدراَ جعلنا نفكر ونقرر الهجرة إليها، وبعد اجتماع للعائلة، أدلى خلاله كل منا برأيه، ارتأينا الهجرة إليها حيث العمل الحر والكثير، كان هذا قراراَ حاسماَ بل ومن أصعب القرارات التي اتخذناها في حياتنا، فكرنا طويلاَ، حيث والدنا  ملتحق بالثورة، ونحن جميعاً بلا عمل سواي، حيث كنت أعمل كمعلمة وكيلة، حصلت على هذا العمل بواسطة بعض الأصدقاء، وعلى هذا الأساس قدمت أوراقي ثانية وتعينت للمرة الثانية كمعلمة وكيلة، لكن راتبي الضئيل لن يسد قط رمق العيش لعائلة مكونة من تسعة أشخاص، ولم يكن هذا الراتب ثابتاَ، كنا نحصل عليه أحياناَ بعد ستة أشهر. ثم أن بعد غياب والدي قلت زيارة الأصدقاء لنا، ولم يسأل عنا أحد. هنا أنا لا ألوم أحداً،  لاولن ألوم الناس، لأنهم جميعاً كانوا في حالة معيشية صعبة. 
إذاً كيف سنعيش؟ وقد سدت جميع الأبواب في وجوهنا حيث قدمنا جميعنا للتوظيف في مكتب بريد قامشلو، تعين الجميع سوانا لم نستطع الحصول على أي توظيف فيها، وكنا نعرف السبب سلفاَ،  من هنا، جاء قرارنا، وهكذا توجهت العائلة بأكملها إلى دمشق لكسب الرزق. هناك عمل أخي كيو عند حسن ديركي في توزيع الأدوية، وأختي كلبري رغم إعاقتها عملت في شركة لتوزيع الأدوية، كما عملت أختي روجين  كممرضة عند طبيب أسنان، وكنت أنا أعمل في قامشلو أزورهم في العطلة الصيفية. وبجهودنا جميعنا استطعنا أن نقف على أرجلنا ونأكل لقمة عيشنا بكرامة وعزة نفس، مع أننا كنا نسمع الأقاويل والحكايات الخرافية من بعض أبناء شعبنا في الجزيرة، ومنها أن بنات جكرخوين يعملن ! وهنا أريد أن اسأل هؤلاء: وهل في  العمل الحر من عيب؟  ولن  أسألهم لم توصلنا الى  هذه الحالة كي نعمل في دمشق مغتربين يائسين!! وأين كنتم أنتم من كل هذا؟!. عند عودة والدي من كوردستان العراق هنأنا وبارك خطوتنا، وقال متألماً: كنت أفكر فيكم دائماً يا أولادي.

س13.  وماذا عن محطة بيروت في حياة الشاعرجكرخوين؟
ج13. في فترة من الزمن توجه والدي مع بعض أصدقائه الحزبيين إلى بيروت، وذلك بعد أن ضاق بهم المطاف ولم يجدوا الفسحة الملائمة للعمل النضالي في سوريا حيث ضايقتهم السلطات السورية وشددت على ملاحقتهم، التحقت أمي وأختي كلبري به، وهناك ظل فترة طويلة طبع فيه ديوانه الثالث كيمه أز؟

س14.  كيف تقومين ثنائية جكرخوين الأممي والقومي في آن؟
ج14. كان والدي اشتراكياَ صادقاَ يقيناَ منه أن الاشتراكية هي أقصر الطرق لخلاص شعبه من الظلم والاضطهاد، وكان يساند نضال الطبقة العاملة لنيل حقوقها ومساواتها مع  الآخرين، وهذا جلي في أشعاره وكتاباته، ولم يتزعزع أو يتزحزح عن نظرته القومية، بل استطاع بفكره المتقدم أن يجمع بين جميع أفكاره ويحافظ على أداء مهمته  في أكمل وجه، حيث كانت ثقته عالية بإقامة دولة كوردستان، وجاءت كتاباته أكثرها عن عروسته الباهية الحرة المستقلة التي جعلها نوراً يهتدي به وينير طريق نضاله وإلى الأبد. 

س15. حبذا لو استذكرت بعض المضايقات على أفراد العائلة خلال الفترة الجديدة؟
ج15. التحقت بالعائلة في دمشق عندما لم أحظ بقبولي في  التعليم” بالوكالة” في مجال التدريس. عندها عملت في دمشق كسكرتيرة في إحدى المكاتب التجارية، وفي أيام العطل السبت والأحد كنت أدرس اللغة الروسية في المركز الثقافي السوفيتي آنذاك، وحصلت على منحة دراسية تـخولني للدراسة في موسكو، لكن السلطات لم تمنحني الفيزا، وبدأت أستنقب وأراجع الدوائر الرسمية لأصل إلى نتيجة ايجابية، وكان والدي يرافقني في كل جولاتي، وبعد التحري والتمحيص عرفنا أن عائلة جكرخوين ممنوعة من السفر إلى الخارج، وممنوعة من العمل في الدوائر الرسمية، جاءت هذه كصاعقة على أسماع والدي، وبدأ يتأفف ويقول: كل ما لحق بكم هو بسببي. لكننا كنا نحبه بلا حدود، لذا حاولت التخفيف عنه وقلت له: كيف أذهب وحدي وأبتعد عنكم جميعاَ أنا لا أريد السفر أصلاً، لكن في داخلي وأحاسيسي كان هذا حلمي ومستقبلي، أنا خسرت مستقبلاً بكامله، مع ذلك استهونا الأمر وعدت إلى قامشلو لأعمل مرة أخرى كمعلمة. وكيلة. 

س16. و كيف أقدم جكرخوين على  مغامرة قرار الهجرة إلى السويد ؟
ج16. كان والدي يتوق إلى السفر خارج البلاد، لتتيح له الفرصة في طبع نتاجاته، وكان متلهفاَ للتعرف على الحضارات الأخرى وملامستها عن قرب، ومنها الأوربية، وعندما سنحت له الفرصة في التوجه إلى السويد لم يتوان، وكان ذلك في سنة 1979. هناك طبع دواوينه الخمسة (4 و5 و6 و7 و8)، حالماً لشعبه بتلك الحرية والرفاهية، وتعرف على الكثير من الشخصيات الكردية المعروفة، وزار عدداً من البلدان الأوروبية كألمانيا وفرنسا وروسيا، وكم كان يتمنى أن يتكلم الانكليزية لكونها عالمية، ليستطيع التعبير عما يريد قوله، وينقل إلى العالم ما يعرفه عن أمته وشعبه. 
لم يستطع والدي على فراق حبيبة قلبه مدينته المحبوبة قامشلو، وبالرغم من أنه كان في السويد يلتقي بجميع الأحزاب والهيئات الكردية، ويشاركهم المظاهرات والاجتماعات، ويستقبلهم في بيته مسروراَ، إلا أنه لم يستطع قط التخلي عن فكرة العودة إلى أحضان كوردستان.
 
في السويد كانت والدتي وأختي كلبري تعتنيان به وبضيوفه، وهنا أريد أن أذكر أن أختي كلبري كانت الأقرب منا إلى الوالد حيث تزوجنا نحن وبقيت هي تداري وتراعي شؤونه وتهتم بصحته وتستقبل ضيوفه أحسن استقبال، كما أنها اعتنت بوالدتي من بعده، وبعد عدة سنين التحقت عوائلنا أنا وأخي كيو وابن عمي زبير بوالدي في السويد، وبقينا جميعناً إلى يومنا هذا في هذا البلد الكريم الذي فتح للجميع صدره ليعيشوا بأمان وحرية. إلا أن والدي رحل عنها بعد أن توقف قلبه في السويد في 22 من تشرين الثاني1984، ونقل جثمانه إلى مدينته الحبيبة قامشلو ودفن في حديقة داره بحسب وصيته. أجل، رحل ومازالت في قلبه غصات من اللوعة والألم على مصير شعبه ومستقبل أبناء كوردستان، وفي مخيلته كوردستان المحررة المستقلة.

س17.  كيف كان يكتب  جكرخوين  بلغته الأم  رغم  أن الكتابة بها كانت تهمة كبرى؟
ج17. كان والدي يكتب بلغته الأم، إيماناً منه بأنها من أقوى المقومات التي تحافظ على الوجود القومي للإنسان، وتبني كيانه، وبالرغم من أنها كانت ممنوعة، إلا أن والدي كان يكتب بها سراَ ويخبئ كتاباته، كنا ننقلها من مكان إلى مكان  نخبئها عند الأحبة والأصدقاء.

س18.  ماذا عن علاقته بجهاز الدكتيلو واشتغاله عليه؟
ج18. كانت كتابات الوالد بخط يده أولاً، ومن ثم ينقلها إلى الآلة الكاتبة، وكان هذا أيضاً  يتم في السر، فكنا نخفي الآلة في بيوت الجيران، وأحياناَ كان والدي يختبئ هو وآلته عند الجيران ليكتب بحرية وأمان.  فقد تعبت أصابع والدي من النقر على حروف الآلة الكاتبة، وقد خاطت له والدتي رؤوس أصابع من قماش كان يلبسها في أصبعه عند الكتابة على الآلة. مازالت تلك الرؤوس موجودة حتى الآن.

س19.  هل من أحد كان يؤازره في الطباعة؟
ج19. كان والدي الوحيد الملم بكتاباته آنذاك، يكتب عدة نسخ خوفاَ من الضياع، ينقل كتاباته إلى الآلة الكاتبة بمفرده، يصحح، يدقق كل ذلك بمفرده، أتعجب الآن، وأنا أتذكر كل ذلك، كم هو جبار والدي، فعل كل ذلك بمفرده، ونحن الآن تتسنى لنا فرص الكتابة والنسخ والطبع وبكل حرية، فكم كان يتعذب للحفاظ على كتاباته وبقائها بأمان، بوركت والدي على نضالك وبذل جهودك لترثنا هذا الكنز العظيم.

س20.  لماذا  كتابته في أكثر من مجال؟
ج20. كان والدي شاعراً بفطرته، لكن لم يكفه الشعر للتعبير عن المآسي والويلات التي لحقت بأمته، فاتخذ النثر إلى جانب الشعر، كما أنه كان لابد أن يعبر عن آرائه وفكره، فاتخذ السياسة، وعمل بها لتوصيل أفكاره ونشرها عبر النضال في سبيل الحرية والاستقلال. 

س21.   ليتك حدثتنا قليلا عن علاقته بالأسماء الشعرية الجديدة؟ 
ج21. كان بيتنا، بيت جكرخوين ديوان اللقاءات الأدبية والسياسية والشعر، وموطناً للنقاشات والجدل، يجتمع فيه كل الأصدقاء والأحبة، وكان والدي يشجع الجميع على الكتابة والشعر، وعندما يقرأ لأحد  الموهوبين، يفرح، ويشجعه، ويتمنى للجميع دوماَ النجاح والتقدم، وكان دائماً يقول للجميع: اكتبوا كل صغيرة وكبيرة في دفتر مذكراتكم إنها ستكون بصيص نور في المستقبل.  

س22.   وأنت: هل وجهك جكرخوين إلى عالم الكتابة؟ 
ج22. عندما كان جكرخوين يكتب ويستشعر، كان يخاطب الجميع، يعطي جل وقته لأمة بكاملها لا لأفراد معينين لكن لا يخفي الأمر من أن هناك كانت لحظات يجلسها معنا ولو كانت قليلة إلا أنها مثمرة، كان والدي يشجعنا دائماَ على أن نسلك طريقه ،كنت وأنا شابة أتسامر معه إن حظيت منه ببعض الوقت كان يشجعني على الكتابة قال لي مرة: أرى فيك قابليتك للكتابة فان كنت تريدين أن تكوني كاتبة جيدة  فاقرئي الكتب كثيراً لتنمي موهبتك، القراءة ثم القراءة والبيت مملوء بالكتب ،وبدأت من يومها أقرأ القصص الأدبية والسياسية. لقد كان لوالدي الفضل الكبير في قراءاتي الأدبية  نعم، قرأت وأنا ابنة العشرين عدداً كبيراً من الروايات لتولستوي وفيكتور هيغو ومكسيم غوركي ودوستويفسكي وبعضاَ من الكتب السياسية الاشتراكية وتأثرت بها كثيراَ وكنت ألجأ إليه عندما تصعب علي أية فكرة أو مقولة كان يبسطها لي ويقولها بطريقة سهلة واضحة. 
كان والدي يحبنا كثيراَ  ويمازحنا ما استطاع، ففي إحدى المرات أخذ يدي بين يديه وأصبح يداعبها ويقول هذه الأصابع ليست للطبخ والجلي، إنها للكتابة. ابنتي ستصبح كاتبة لن أدعك تتزوجين، وإن تزوجت فعلى زوجك أن يحافظ عليك ويوفر لك فرص الكتابة، فمكانك ليس هو المطبخ وكنت أضحك وأقول: وهل أحظى بذلك؟، يقول لي فوراً: لما لا ؟،والله لن اقبل له إلا بذلك، ونضحك معاً. رحمك الله يا والدي كم كنت أنيساً طيباَ وصديقاً محباً.

س23.  ثم هل عرضت عليه كتاباتك الأولى؟
ج23. منذ صغري وأنا أحب الأدب، كتبت وأنا شابة في إحدى المرات نصاَ أدبياَ أعجب والدي به، لكنه قال: إن أردت الكتابة،  فاكتبي بالكردية لأنها لغتنا الأم، قلت لا أعرف الكتابة بالكردية، قال أنا سأعلمك، لكن مع الأسف لم أحظ بأية فرصة منه. كان دائماَ مشغولاً بكتاباته بعيداً عنا. 
بدأت الكتابة بالعربية ووضعت بعضاً من الشعر بالعربية لأنه لم يكن لدي إلمام بالكردية سوى أنني كنت استمع إلى أختي سينم عند النوم وهي تردد أشعار أبي وتبكي معها، فحفظت منها، ومع مرور الزمن بحثت عن تلك الأشعار في دواوين أبي، وبدأت أهجى كلماتها، لكنني في السويد غيرت مسار كتاباتي إلى الكردية حيث كنت ملزمة وأنا عضوة في عدة جمعيات أن أكتب بالكردية، وشيئاً فشيئاُ أصبحت اللغة الكردية جزءاً مهماً في حياتي وأشعاري. 

س24.  ماذا عن ضياع بعض كتابات شاعرنا جكرخوين؟    
ج24. كما أعلم أنه قد ضاع جزء كبير من قصة حياته وخاصة  في ما يتعلق بكتابته هذعن تلك الفترة التي قضاها في الثورة الكردية في كوردستان، وعلمت من أختي كلبري أن والدي وضع بعض من كتاباته عند بعض الشباب الكرد للاحتفاظ بها لكنهم لم يعيدوها إلينا ولا نعرف من هم…؟   

س25.  كيف كان يتلقى خبر طباعة أي كتاب له؟
ج25. بلا شك كان فرحاَ مسروراً لأنه حقق حلماً له وكان يعتبر في كل مرة زمن العودة إلى أحضان الوطن قد اقترب.

س26.  و كوردستان الحلم؟…كيف كان ينظرإليها؟
ج26. كان جكرخوين يؤمن إيماناً راسخاً بأن حلمه الذي كان يداعب خياله منذ الصغر سيتحقق وكوردستان آتية لا محالة، فلطالما هناك شعب كوردي جبار يكافح  ويناضل ويقدم الضحايا على مدى سنين من أجل إعادة  حقوقه في العيش الحر الرغيد في وطن مستقل سعيد  فلابد أنها ستتحرر وتكون لنا وطناً تضمنا بجبالها ووديانها ،ناضل جكرخوين سنين عمره كلها لأجل كوردستان حرة مستقلة مؤمناَ بحق الشعوب في تقرير مصيرها، ناجى عروسته في جل أشعاره متيماً بجمالها وروعتها وأورثنا هذا الحب والمناجاة لكوردستان.
 
س27.  جكرخوين هل أنصفه شعبه برأيك؟
ج27. ان اسم جكرخوين مقترن باسم شعبه  فعندما نقول جكرخوين يخطر الشعب الكردي في بالنا وبالعكس عندما نقول الشعب الكردي لابد أن نذكر جكرخوين أيضاً فكيف لا ينصفه شعبه وهو جزء من تراث هذا الشعب ففي مجالات عديدة أبدى هذا الشعب حبه وإخلاصه لشاعره وخاصة بعد رحيله فقد نال كل التقدير والاحترام منه. فقد حمل جثمانه على أيادي أبناء شعبه وساروا به في الأحياء وهم يرددون “جكرخوين نامره” أي جكرخوين لن يموت”، بل وأقيمت الاحتفالات والكرنفالات من قبل الهيئات والإدارات الكردية في كل مكان، إحياء  لذكراه وقد أصبح ضريحه مزاراَ يؤمه الكرد من كل حدب وصوب  وخاصة في أعياد نوروز بل تقام على مدى السنين احتفالات بيوم الشعر الكردي مقترنة بيوم رحيله كما تقام له في جميع أجزاء كوردستان المهرجانات كما حدث في كوردستاننا الجنوبية وكوردستاننا الشمالية قبل سنوات، وكذلك في السويد من قبل اتحاد الجمعيات الكردية وفي بقية الدول الأوروبية ولا تتوانى الهيئات والمنظمات الكردية  في كوردستان سوريا  عن إقامة الحفلات الدائمة لذكرى جكرخوين ولن يغيب عن بالنا ما تقوم به رابطتنا من فعاليات جلى، حيث خصصت منذ سنين جائزة جكرخوين للإبداع الشعري تمنحه كل سنة لشاعر مبدع كما أنها تخصص صفحات مجلتها القلم الجديد للكتابة عنه في كل سنة من ذكراه  وبصراحة لا يعد ولا يحصى ما يقدمه هذا الشعب الوفي والمخلص لابنه البار الذي هو بدوره ضحى بالغالي والنفيس من أجل هذا الشعب،أقول بفخر هنيئاَ لجكرخوين لكونه ابن هذا الشعب وهنيئاً لهذا الشعب لأنه يحمل اسم جكرخوين.

س28.  أية مسؤولية تجدينها على كاهلك وأنت ابنة جكرخوين؟
ج28.  سؤال وجيه جداً لم أتوان يوماَ في أن أكون ابنة جكرخوين كما عليها أن تكون، أقولها بفخر هذه الشخصية المعروفة التي اتسمت بالصفات السامية وسارت في طريقها كقدوة لشعبها لابد لي أن أسلك الطريق نفسها، ولا أنحاز عنه أبداَ لأنني، أنا أولاً وفي الوقت ذاته، لأنني ابنة جكرخوين وفي كل الحالات علي مسؤولية كبيرة اتجاه نفسي واتجاه اسم والدي وشعبي. وعلي أن أقول: إنني تشربت صفاتي من مناهله،  منذ الصغر، فكنت المتسامحة الطيبة الصديقة الوفية، أتعامل مع الجميع بصدق وأمان، وأومن بكلمة الحق مهما كانت نتائجها، أحمل آلام شعبي وأعيش معها أشارك المسيرة الشعبية في الكفاح والنضال وأقوم بكل ما يتطلب مني أن أقوم به كابنة جكرخوين وبقدر ما أستطيع، وهذا يكلفني بعضاَ من القوة والإرادة إلا أنني في نفس الوقت أراه ممتعاَ جميلاً أن أستطيع أن أكون ابنة جكرخوين بحق وصدق فاسم جكرخوين وسام على صدورنا نحن الأبناء، وعلينا أن نمثلها أحسن تمثيل. ستطيع
وهنا أريد أن ألمح لقرائي بأنه مع أننا وبكل أسف لم نجد التربة المهيئة لنمو رغباتنا وأحلامنا منذ الصغر، ولم تتح لنا تلك البنية المتينة التي تبنى عليها شخصية الإنسان منذ نعومة أظفاره، بسبب المضايقات التي واجهتنا والخوف والرعب والتنقل الذي تعرضنا له نتيجة تلك الظروف القاسية غير الطبيعية ونحن في سن تكوين الشخصية وتبلورها، لم تجد رغباتنا وهواياتنا قط مكاناَ لها في حيز الوجود، ولم ننعم بطفولتنا كما يفعل الأطفال عادة، و كان علينا دائماَ أن نكون كباراَ مدركين لكنه الأمور ونساير ركب عائلتنا وفعلنا ذلك سواء كان قصراً أم طواعية  لأننا كنا أطفال لا ندرك شيئاً وعندما كبرنا وأدركنا أكملنا مسيرتنا بأمان وصدق دون أن نندم على شيء ولن أندم يوماً قط يكفيني أني أحمل اسم جكرخوين وهذه لي من أسمى الشهادات والرتب.

س29.  كيف تنظرين إلى مستقبل جائزة جكرخوين التي تشرفين عليها؟
ج29. جائزة جكرخوين هي من إحدى انجازات رابطة الكتاب والصحفيين الكرد منذ 2001 ومازالت تسير في  مسارها حتى يومنا هذا ومع أنها واجهت بعض الانعطافات إلا أنها إنجاز جيد كمفهوم ثقافي ومعنوي. إن منح هذه الجائزة كل سنة لمبدع،  لهي خطوة كبيرة نحو التطور والازدهار، فلدى كل الشعوب تمنح  مثل هذه الجوائز تقديراَ لعظماء ومثقفي بلادهم وتشجيعاَ للشعراء والكتاب لتكون حافزاَ لهم على التطور، فرابطتنا تعير الانتباه إلى المواهب الثقافية وتعمل على تشجيعها للسير بها إلى الأمام وكوني قد نلت شرف الإشراف على هذه الجائزة أرى مستقبلها باهراً عظيماًـ خاصة بعد أن تتحسن أوضاع بلادنا وننعم بالحرية والديمقراطية في جميع أرجاء الوطن الحبيب، وتنتهي الانتهاكات في حق أبناء وطننا من جميع  الشرائح، ومعاَ سنعمل على أن يستمر ويتطور هذا الإنجاز وبتعاوننا جميعنا سنعطيه شكلآ حضارياَ يليق بأمتنا وعراقتنا على مر الزمن.

س30.  أي شيء آخر.. أخير.. تريدين إضافته…؟
ج30. ان ما أريد إضافته ما هو إلا تذكير بمناقب شاعرنا وميزاته وعلينا أن نسجلها له وهذا ليس بتفاخر وإنما حقيقة جلية عشتها بنفسي معه فقد ضحى بالغالي والنفيس وضرب عرض الحائط بكل ملذات الدنيا وضحى بعائلته وسعادتها لأجل أن يبحث وينقب ،يثور ويكتب تمرد على الأفكار الرجعية وكان جريئاَ لا يهاب أحداً، قال كلمته بكل ثقة وأمان، وأدى رسالته  في أكمل وجه موظفاً قصيدته لنشر أفكاره السياسية، وعرفنا من خلالها أيضاّ على تاريخ كوردستان فذكر عظماءنا وأبطالنا كقاضي محمد والبرزاني والكثيرين غيرهم، وكأننا نعيش معهم، تحدث عن طبيعة كوردستان بجميع أجزائها وقدمها لنا” ك قطعة من الجنة” وكأننا نعيش في جميع  أجزائها،  وسخر أدوات قصيدته  لرسم آلام أمته وأحداثها،  كتب القصيدة الكلاسيكية المجددة الخالية من الكلمات الغريبة.  فقد حررها تاركاً عليها بصمته الخاصة به، لتكون له مدرسته التي ينهل اليوم منها الآلاف من الشعراء. أحب كوردستان وعشقها وجعلنا نعشقها مثله موضحاً في جميع أشعاره استقلالها مؤمناَ بحق الشعوب في العيش الرغيد. إذاً ،فنحن لا نبالغ عندما ننصف هذا الإنسان باحتفالية سنوية له، ويذكر اسمه عندما تذكر أسماء العظماء، ومن حقنا نحن أبناؤه أن نفتخر بما أنجزه والدنا وكنا الشاهد على جميع الإنجازات ،فنحن جزء منها أعطيناها الكثير ولا نريد إلا حقيقة انتمائنا إلى جكرخوين. 
هنيئاً لك والدي ستبقى حياَ في قلوب أبناء شعبك على مر التاريخ فكل الشعوب تفتخر بأسلافها ولما لا نفتخر نحن بك وبأمثالك، ستظل شعلة تضيء الطريق وإلى الأبد أفتخر بك، أحبك يا أعز الناس كما أنني أحبك وأفتخر بك أيتها الأم العظيمة لأنك رافقت مسيرة والدي وأرفقتينا معك في هذه الرحلة الممتعة، رحمة الله عليكم ولكم مودتي 
ولا يسعني إلا أن أشكر إدارة القلم الجديد على اهتمامها بالتراث القومي، وتخصيصها لنا حيزاَ في مجلتها الموقرة. 
وشكراَ لك أيها الأخ إبراهيم اليوسف مع كل الاحترام.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…