الكتابة مرآة النفس وسحرها

ماريا عباس

الكتابةُ شيء وأن تكونَ
قادراً على منح كلماتك حياتاً ومعنى شيءٌ آخر، وإنَّ أجمل وأعظم ما تُقدمهُ لغيرك
ليس أنْ تجعلهُ يقرأ ما كتبت بقدرِّ ما أن تمنحهُ شعوراً بأنكَّ قد كتبت إحساسه
الذي عجِزَ هو عن التعبير عنهُ، فالكتابة أمانةٌ والتزام وارتقاءٌ بكلمة الصدقّ حتى
تستطيع إدراك التغيير والتأثير الذي ترغبُ في الوصول إليهِ حقاً .
لذلك فرضُ
الكتّاب ووسائلُ الإعلام ضغوطاً كبيرة علينا من أجل إقناعنا بما يطرحون، مما
يُفقدنا التوازن بين الحقيقة وبين ما يصل إلينا عبرَ وسائلهم السمعية والبصرية،
فالحياةُ تبدو صعبةً في عالمنا الواقعي بالرغم من بساطتها، نفقد أحباءنا، ونقع في
مشكلاتٍ لا حصر لها، ويكذبُ علينا الآخرون ونتعرضُ للخداع والتضليل، 
فوسائل الإعلام تفرضُ بما تعرضه تسيرنا وفقاً لإيقاعها الخاص، والكثير من الكُتاب
والإعلاميين يغضون أبصارهم عن مبادئ وأخلاقيات المهنة، مما جعلت مصداقيتهم على
المحك، راضخين لأجنداتٍ وسياسات شتى، تسعى لتمرير أفكارها عبر هؤلاء الكُتاب
والصحفيين وشاشات التلفزة التي تدخل كل بيت، وجذب ما يريد الناس مقاومته حيثُ
يُركزون بكل قوة للتأثير على مشاعر الناس الجياشة، واستقطاب ما بداخلهم وإرسال
ترددات جديدة، وزرع أفكار وتحريك مشاعر سلبية متناسين بأنهم لن يستطيعوا أن
يُساعدوا العالم بالتركيز على السلبيات، والأحداث السيئة التي لا تجلب إلا المزيد
من الأمور السلبية إلى الحياة بأكملها،فبدلاً من التركيز على تلك المشاكل والأخطاء
التي تحصل، لماذا لا يسعون برسالتهم لصرف اهتمام وطاقة الناس إلى زرع الثقة والمحبة
والوفرة ونشر ثقافة السلام، وزرع فكرة أن الخيرات لن تنضب أبداً على هذه الأرض،
وستفيض عن حاجة العالم بأسره، ولأن المهمة الحقيقية للكاتب والمُثقف والصحفي هي
النقد البنّاء وإيصال الأفكار النيرة للعقول والقلوب.
فالكاتب يملك سلاحاً
فعالاً في تأثيره لذا يجب أن لا ينسى أمانة الكلمة ورنينها، وإيقاع الصورة
وتعبيرها، من يدري قد ينتظر بين من يكتب مستقبلاً واعداً، و ليس من المستحيل الوصول
إلى شهرة غاندي في حكمته الهندية، أو الإفريقي مانديلا في إنسانيته أو باولو كويلو
في إبداعه، وهناك من القصص الكثيرة التي تشهد للعظماء من المبدعين، نستخلص منها
العبر والحِكم ونسعى نحو الإبداع والمعرفة، تلك الشخصيات التي أثرت في حياة
الملايين من البشر، الذين خلدوا بمبادئهم وأفكارهم النيرة، وامتازوا بها عن الناس
العاديين فعبرت أسمائهم الحدود والآفاق، و لعل جميعُنا سمع عن بتهوفن وشهرته ولو إن
الكثيرين منا لم يسمعوا بموسيقاه.
لقد عاش “بتهوفن” حياةً يحيطه العديد من
الأشخاص الذين أرادوا أن يقتطعوا جزءاً منه، مثله كمثل العديد من االمبدعين، كان
يتولى رعاية أعماله الفنية أحد أمراء النمسا، وذات مرة طُلِب منه تحضير سمفونية
خاصة كهدية “لنابليون بونابرت” ليحظى برضاه، وكانا في قصر الراعي خارج “فيينا” حيثُ
كان جنود نابليون ينزلون في نفس القصر، ولأنَّ بتهوفن علِم بخيانة نابليون رفض أن
يُهديه السمفونيا، نظراً لما تُمليهِ عليه مبادئه الفنية، فأرسل إلى الأمير ملحوظة
كتب فيها ” ما أنت عليه ليس لكَ فضلٌ فيه، وإنما هو وليد صدفة مولدك، أما ما أنا
عليه فهو ثمار عملي أنا، لطالما كان هناك وسيكون آلاف الأمراء، ولكن ليس هناك إلا
بتهوفن واحد”.
والعبرة في القصة: أن على الكاتب أن يمتلك ثقةً عالية بقدراته
وطاقاته في مجال الكتابة ليتمكن من خلال كلماته وقناعاته أن يؤثر في آراء الآخرين،
فبداخل كل شخصٍ إنسانٌ يرغبُ في السلام والمرح والقوة والحبّ والحياة، لكنه يحتاج
إلى رعايةٍ لينمو ويُثمر ويستيقظ. المقصدُ ما وصل إلى قلوبِكم وعقولكم أعزائي
القراء والكُتاب لتكن أقلامنا زهوراً فواحة لا أسلحةً جارحة، فالكاتب ضمير
الشعب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…