محمد شيخو الذي لا يؤمَّم كردياً

 ابراهيم
محمود
يُذكر الفنان الكردي
الراحل  محمد شيخو يوماً واحداً في كل عام، هو ” 9 آذار “، ليكون هذا اليوم تصعيداً
بالذاكرة الكرنفالية، وما فيها من استعراض أيضاً، ترجمة مباشرة على مقدار الحب
والتقدير لهذا الفنان الكبير.
لمحمد شيخو تصريف في الهوى والاعتبار الكرديين،
غير أي رمز كردي آخر راحل، فهو مُحتفى به شعبياً، وربما بتلوين ثقافي ما، وثمة من
يُحتفى به لغاية أقرب إلى الإيديولوجيا التحزبية، حال شاعرنا الكبير جكرخوين، وثمة
من يحتفى به رسمياً، وعلى مستوى قيادي، كما في حال الجامع الكبير بين السياسة
والثقافة جلادت بدرخان، وثمة صنف آخر، لا اعتبار له إلا ضمن نطاق ضيق.
أكثر من ذلك، ثمة من يبقى بعيداً عن الواجهة الثقافية والإعلامية نظراً لوجود
إشكالية سياسية وحزبية، وإثارة شبهات تجاه من لهم صِلة مباشرة به، كما في حال رجل
الثقافة التنويري والسياسي كذلك نورالدين زازا .
يا للانفصام الفكري، النفسي،
الاجتماعي، السياسي، الإيديولوجي الكردي !؟
إزاء هذه القائمة من اللوائح، يمكن
تلمُّس العجب العجاب في التعامل مع الرموز الكردية:
من لا يدّخر جهداً في
الاهتمام، كتابةً، وهي لا تخفي مضمونها المبهرج ” الشوباشي: المدائحي الفاضح “، وفي
أمكنة مختلفة، وترويجاً بصدد من صار لهم حضور متعدد المستويات، للسياسة التحزبية
والمنفعية السياسية الكردية دخل فيها، كحال آل بدرخان ” جلادت أساساً “، والذين
يبحثون هنا وهناك عن كل مناسبة، كما يبتدعونها للحديث عن ذلك، لوجود من يهتم
بأمرهم، بصيغ شتى لا حباً بهم حصراً، إنما  إظهاراً لنفوسهم وخلفيتهم
الوجاهية.
من يستعد للمشاركة في مناسبة تخص رموزاً ثقافية، إنما ليس هناك إلا
القليل القليل عملياً ممن يخصونها أهلاً وأقارب.
من لا يبذل جهداً معيناً
للكتابة عن رمز ما، لأن ليس هناك من يستعد لهذا الغرض المسجَّل، ولعدم وجود أهل
مباشرين له، أو رصيد اعتباري وجاهاتي في الوسط الكردي .
من ليس لديه استعداد
للحديث في سيرة راحل كردي، لأن ذلك يتطلب تهيئة نفسية ومجابهة الوسط .
لهذا، فإن
محمد شيخو الذي لم يُدرَس من جوانب مختلفة، لا يحتاج لمن يقدّمه ساسةً ومتحزبين
وخلافهم، فهو يشكل عاملاً اجتماعياً وفنياً مدغماً في نفس الكردي البسيط والعميق
إنسانياً، وهو بالتالي عصيٌّ على الاختزال، وصوته لا يحتاج لتعريف ما ، إذ يصغى
إليه في كل يوم، في الصباح والمساء، في السيارة، وفي المكتب.. وهذا هو الارتقاء
الأمثل للأبدي في الفن .
لهذا، فإن محمد شيخو هو فنان الطبيعة الكردية على مدار 
الساعة وبامتياز، وأن الطبيعة الكردية هي قابلية التفتح والانفتاح على ما هو شجي
ويغذي الروح حتى حينه، لأنه يعيش محناً تلو أخرى، والمحن خارجية كما أنها داخلية،
من إنتاج أجنبي وكردي – كردي أيضاً .
لهذا، وكما أن الطبيعة تشهد كوارث وهي
متنوعة، ومتفاوتة، هكذا يشهد الفن كوارث تؤثر في درجة تقبُّله، كما أنه يكون شاهد
عيان على جهة الكارثة ونوعيتها والقائم بها وضحاياها.
وربما كان محمد شيخو، ومنذ
سنوات عدة، في إجازة عما يجري، خصوصاً راهناً، كما هي الكوارث الطبيعية، رغم أنه لا
يُنسى، وإذ يتم التذكير به، فمن باب رفع العتب، أو حتى لا يقال أن الكرد لا يهتمون
برموزهم، سوى أن نزف الروح الكردية يشير إلى تعليق المناسبة:
فالسياسيون الكرد،
وهم في الواجهة: مخضرموهم ورجالاتهم ونشأتهم المعلومون اسمياً، مشغولون بالكراسي
المراسي، ومن سيكون له الكرسي الأول والأفضل” في روجآفا خصوصاً “، والمحَن الذاتية
لكل منهم تكفيه إذ تقصيه، كما يظهر، ليس عن محمد شيخو فحسب وإنما عن كردستان في
مجموعها أيضاً، والحزبيون المتحزبون الكرد على دراية ورواية بحدث البهرجة المفتوحة
على الكراسي، في الوقت الذي نشهد انسكاب دماء الشباب والشابات الكرد وأكثر من ذلك
في الجهات الكردية، بينما هم في مبتدع ” نقاشهم البيزنطي ” المتكردن .
والذين
يحركون في ظلهم كتاباً وأضرابهم ” إن وجِد هذا الظل ” مشدودون كما أنهم منتسبون
إليهم، فلا وقت لديهم، جرّاء زلمنتهم، للالتفاتة إلى محمد شيخو.
أما الكرد
الغلابة خارج الوطن المنكوب، وداخله، فرغم أنهم مخلصون تمام الإخلاص لروح محمد شيخو
كونه ينتمي إلى نبضهم الشعبي وليس من يتحينون فرصاً للتعبير عن صدارة دعاوية
كردياً، وكونهم ينتمون إلى صميم صوته ومحتواه الكردي العميق، فإنهم لا يملكون الوقت
الكافي والوافي ليعيشوا تلك اللحظات التي يستوجها مثل هذا الحضور القدسي والإنساني
معاً لصوت محمد شيخو، وما كانه محمد شيخو سيرة ومسيرة.
أما ابراهيم محمود ”
الداعي ” فلعلّي أنا نفسي أعيش الجرح الذي عاشه محمد شيخو ذات يوم معلوم، وأجد
صعوبة في التركيز على صوته، بجرحه الممتد إلى الآن وهو يتجاوزه باسمه، سوى أن حضور
محمد شيخو في متن ذائقتي حفّزني على كتابة هذه الكلمة للتاريخ فقط ، ولم يقيم في
بهو التاريخ هذا ؟! 
دهوك
9-3-2015 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…