خالص مسور
احمد اسماعيل قامة مسرحية مبدعة في مجال كتابة المسرحية وخاصة الهادفة منها والملتزمة، وهو يكتب مسرحياته عن احتراف وموهبة وخبرة كبيرة في هذا المجال، منطلقاً من تجسيد واقع ومعاناة شعبه الكردي وهذا ما يحسب له في مصنفات جهاده في سبيل قضية امته ووطنه كردستان، أي أن مسرحياته تدخل ضمن إطار فضاءات الغيرة الوطنية والالتزام في المغزى والهدف في خدمة القضية الكردية على العموم.
في هذه العجالة سنتوقف على مسرحيته الأخيرة الموسومة بـ(التاج الذهبي) – مسرحية للأطفال
فالعنوان جاء مؤلفاً من مقطعين هما /التاج/ و/الذهبي/ فالتاج ثمين بالمألوف ومكانه هو أرفع وأعز مكان في جسد الانسان، وهو يجلل رؤوس الملوك، ورؤوس الشعوب بمعناه المجازي وهو أنبل مكان في عالم الانسان، وإذا كان التاج ذهبياً فهو لا يقدر بثمن ليس بمعناه المادي فحسب بل بل المعنوي أيضاً، ويقصد به الكاتب هنا حروف الكتابة الكردية التي حطمها أعداء الكرد والانسانية ليبعثها الامير جلادت بدرخان حياً من جديد وينقذها من براثن الموت والفناء، وكأني بالكاتب يقول: تراث أمة الكرد لن يموت وإني أتحداك باسمه يا فناء. وحروف أية أمة هي تيجانها ومستودع علمها، تراثها، ومعارفها، والشعوب إذا ذهبت حروفهمو ذهبوا.
ففي الفصل الأول يذهب الكاتب إلى القول، إلى أن ما استطاع كورش الفارسي الغدار تحقيقه بالقوة والخيانة والغدر بقضائه على دولة ميديا، لم يستطع بالتوازي أن يقضي على الثقافة والتراث الميديين واللذين انبعثا كطائر الفينيق من تحت الرماد، أي أن القضاء على الدول أمر ممكن، ولكن ليس بالإمكان القضاء على شعب ترك وراءه حضارة وميراثاً يستلهمهما أبناؤه على الدوام، وبدا كورش غبياً لم يفكر في هذا الأمر.
(الجندي : (للملك) مولاي المعظم،حين كنا ننقل الرقم الطينية والمنحوتات والكنوز من معابد أقباتان عاصمة الميديين وقصر ملكها إلى هنا يا مولاي. وجدنا الرسوم المكتوبة على الرُقم وقطع الطين تضج بالحركة وهي تنطق مثل البشر).
وتشيد المسرحية بأصالة ورصانة العلوم والتراث الميدي الكردي، فهما ليسا كعلوم الآخرين بل هي علوم رصينة ومفيدة وأبدية خالدة حتى ولو كانت تنجيماً.
كا: (بأسف) – حتى التنجيم هنا ليس كما تتصورون، إنه علم وليس خزعبلات وأوهام.
ويندد الكاتب بالخيانة وفارغي العقول من الميديين الذين جاؤا لتقديم الهدايا والتهاني الملك الفارسي كورش عدوهم رغم أنه قضى على دولتهم وكرامتهم وإبائهم، وكأننا أمام حالة الجحوش الكرد فيما مضى أو القوروجيين الكرد المتعاونين مع الحكومة التركية اليوم لمؤازرتها للقضاء على بني جلدتهم بكل وقاحة وإذلال.
فكاتب المسرحية الاستاذ احمد اسماعيل يبدو وطنياً غيوراً على شعبه الكردي ووطنه أينما حل ورحل، يدافع بقلمه بدون هوادة باستدعاء التاريخ الكردي المليء بالمآسي بتراثه ورموز الثقافية الكردية، كشرفخان البدليسي – والأمير بدرخان البوتاني- وأحفاد كي اخسار – وسكان سوبارتو- والمدرسة الحمراء…الخ. وهو تاريخ مليء بالمآىسي والفواجع عبر عنه بكلمات – ديو – يزمجر – بهلع – الفزع – أنا خائف- إنه مرعب – سيلتهم رؤوسنا…الخ).
ذاك هو مسرى التاريخ الكردي منذ انتهاء الدولة الميدية وحتى اليوم، إنه القلق، والخوف، والرعب، ويقابلها المقاومة، والنضال، والتضحية، والشهادة، والدم المراق، وهذا هو قدر الكردي على مر التاريخ وحتى اليوم.
امتازت المسرحية باستخدام الرمز السلس والشفافية والوضوح والسهل الممتنع، لا تحتاج لفهمها لكثير من القياس والتأويل وجاءت مناسبة المبنى والمغزى، مترابطة وممشوقة القوام من حيث الشكل والمضمون، وقد أفلح الكاتب في الغوص في عمق التاريخ الكردي معبراً بعمق عن هواجس الشخصية الكردية ، واستطاع أن يلقن مشاهديه بل قراؤه من الاطفال درساً بل دروساً بليغة من التاريخ الكردي المليء بالوطنية والنضال، وأن أعداء الكرد من الديوات والذئاب القوموية لن تستطيع محو الشعب الكردي المسلح بتراثه ومعارفه وأصالته م الوجود، مها تمادت الديوات(رمز الغاصبين) وطغت وتجبرت، فإذا التفت الكرد إلى لغتهم وعلمهم وتراثهم وأصالتهم فحينها لايمكن لقوة في الأرض النيل منهم ومن وجودهم وموطنهم.
ومن المفيد الإشارة إلى أن مسرحيات احمد اسماعيل هي هادفة ومفيدة وشيقة بعيدة عن الغموض والتعقيد، طافحة بالكثير من العبر والتاريخ والأمثال والتشويق والإثارة والادهاش، يملك القدرة على جذب انتباه القاريء ليتابعه حتى النهاية دون كلل أو ملل، وهذا شرط من شروط الابداعية في الطرح والمعالجة والتناول، وخلق عوالم ساحرة مليئة بالإثرة والمغزى والالتزام، مبتعداً عن العبث واللامعقول والذي لا تفيد الطفل أو القاريء الكردي بشيء، بالإضافة إلى أنها تحفل بكلمات تربوية سليمة، وحض الأطفال على الاهتمام بصحتهم ونظافة أجسادهم.
غير أني سأشير هما إلى هنات هنا وهنات هناك، وفعلاً هنات لا تقلل من قيمة المسرحية بشكل من الأشكال، وقد سبق أن أشرت إليها في دراساتي النقدية السابقة لمسرحيات الاستاذ اسماعيل، ويظهر أنه لم يقرأ ما أشرت إليها لا بالقليل ولا بالكثير.
1 – في السطر الثاني من المشهد الأول ورد: (كورش يتربع على عرش فخم وفي منطقة قريبة منه يجلس قائد الجند ومستشار له). لا نقول في المجالس منطقة لأنها تشير إلى مساحة أرحب وفي الخلاء أيضاً، بينما الأصح والأنسب هو – في مكان قريب منه – أو على مبعدة منه فهو الأفضل لسير المسرحية هنا.
2 – وفي المقطع الذي يرد فيه الآتي: تنقبض تقاسيم وجه الملك وينظر إلى المستشاروقائد الجند (بتساؤل) ثم ينقطع الكلام ولم يبين ما هو هذا التساؤل، بينما لا نقول باللغة العربية ينظر بتساؤل، بل يوجه كلامه بتساؤل من هذا القبيل فالسؤال بالكلام وليس بالعين-
3 – وبدلاً من ينظرون إليه بتوجس وشك، فالافضل هو بتوجس وريبة- بدلاً من شك، فهو هنا أبلغ وأكثر إيقاعية على أذهان المسمعين.
4 – وفي عبارة باسمنا وباسم كل الميديين نتقدم لك والأنسب – لكم – في مخاطبة الملوك للتفخيم اسوة بكلمة باسمنا.
5 – فيعيد سيفه إلى مكانه إن العودة بالسيف إلى مكانه يدل على نقله كله إلى مكانه بينما الأنسب إلى – غمده – لأن الرجل متوشحاً السيف ولم يأت به من مكان آخر.
6 – فإني سأحطمها كما أحطم رؤوسها والأنسب- سأحطمها وأحطم رؤوسها بدون – كما – فهو أبلغ وأكثر إيقاعية.
7 – لايجوزأن نعلم الاطفال ليقول لصاحبه هذا الكلمات غير اللائقة تربوياً رغم أنها تضفي اجواء تشويقية على المسرح كما في /كذاب – واحمق/ فسوف يستسيغ الطفل هذه الكلمات ويتربى على قولها، ولسوف يتفوه بها في الكبر.
وفي الختام نتنمى للاستاذ احمد اسماعيل المسرحي المبدع في مجال عمله، المزيد من الابداعات المسرحية، وتوعية الاطفال الكرد عن طريق المزيد من مسرحياته الهادفة والجميلة والشيقة.
……………………………………………………….