أكون ولا تكون….!

إبراهيم اليوسف

أحياناً، لابد من التخصيص بما ينطبق من
فعل التوصيف  على مجرد اسم واحد في مشهدنا الثقافي
الكردي، لئلا يعمم ذلك، ويتخذ شكل الإساءة، على من لاعلاقة لهم بالحكم،  بينما نحن في موقع تصنيف حالة مرضية ثقافية، عرف
حاملها بتلوثه بفيروساتها منذ أن وضع أول خطواته على طريق الكتابة، إذ بات يرى أنه
لابد من إلغاء سواه كي يظلَ الفارس الميمون، ولطالما مارس صنعته غير المشرفة، أنى أوتي
له ذلك. ويمكن متابعة أول خيطها، من خلال  حدود
أطر الموائد التي طالما تطفل عليها، وباتت تستفحل في عصر الإلكترون بعد أن صارفي إمكانه
أن يمارس هواية الطعن. إذ تشكل لديه ،على حين غرة، فتح جديد، وهل أكثر بالنسبة إلى
طبيعته العدوانية، من أن  يضع جرعات سمومه في
إناء من يريد اصطياده-وهو الدخيل على الصيد البدائي ذاته–في محاولة الإجهاز عليه،
لاسيما أن خصيصة البريد الإلكتروني، أو التسلل إلى المواقع التي ظهرت على حين غرة في
مطلع هذه الألفية الجديدة، كان من شأنها-في المقابل- توسيع دائرة من يسمعون أصداء إساءاته،
بحق من يريد، بما يضمن له حق معانقته أنى التقيا، أو زيارته، والجلوس معه على طاولة
واحدة، واصطناع المودة الزائفة.
ولقد كان التحدي الأكبر أمام صويحبنا أنه ورغم كل الاحتياطات التي اتخذها، كي تغدو
جرائمه الإلكترونية مخفية، مرتكبة من قبل مجهول بحق معلوم، بيد أن أميته، ستكشف
القناع عن سوء طويته أو صنيعته، وهو يوزع مفرقعاته الإلكترونية، حيث سيشير أكثر من
قيم على  بعض المواقع الإلكترونية، ضمن حيز ذلك الزمان، على ضوء ما يتوافر من أدلة
بائنة إلى ما اقترفته يداه الملوثتان في الظلام، شأن أي جبان اعتيادي، وسيكون رد من
أصيب بالأذى على يديه مواجهته-بكل حب- أنى تعرض لأية محنة، ولو كان ذلك وفاة أب
يعيش عقدته، ويعد من أكثر المسيئين إليه في حياته، على أمل ألا يكرر مثل فعلته
الشائنة التي كانت هذه الأخيرة ضمن سلسلة طويلة مما قام به، وسيكرر نائل الأذى
الكرة مرات عديدات، وعلى نحو علني، مبدياً حسن نواياه، ومودته له، لاسيما وأنه عارف
بدواعي مثل هذا الفعل لدى المقدم عليه في بزَّة هزائمه المتواليات، فهو نتاج عقدة
دونية صارخة تظهر تترى في سلوكه إزاء المتفوق عليه، وهي تندرج بحسب بعضهم في
خانة-أعداء النجاح- ما يحدو به ليعاود  الطبع العقربي، إذ أنه لا يكف عن اللسع
واللدغ، إلا ليخزن سمومه، في انتظار فرصة أخرى، للانقضاض على هدف محدد، ضمن  فضاء
العيان المتناول، وهو حقد لابد من أن يبحث  حامل  وبائه، عن ضحايا آخرين، فلا تفيد
روح السماح مع هذا الكائن، وكلما منح الدفء من حضن سواه واجهه برصيده الضغائني،
عينه، متعامياً عن كل حفاوة ومودة عومل بهما من لدن مصدر عقدته الكبرى.
سيرة هذا
الأنموذج، بكل نتوءاتها، وتضاريسها المستنقعية، لا تستنفذ تناولاً في أخطوطة تتوافر
فيها مقومات المقال العابر، بل هي ممكنة الرصد في مبحث ورشة أطباء سايكولوجيين،
ويمكن استقراء ارتفاع  مسار الخط البياني لرد الفعل العدواني لديه على ضوء منجز
مكون هذه الردود، حيث سيظهر برأسه من جحره، على إيقاع أصداء حسن سيرة سواه، من خلال
الإمعان في التشويش، وممارسة الفعل بنفسه، بعد أن أيس من شتى صنوف الاستعداءات
الفردية، أو الرسمية ضده، على أيدي أبرياء أحياناً، ومماثلين له-على قلتهم- في
المركب النفسي، بل أبعد من ذلك كله، أنى أتيح  له الأمر،بما يخجل  عنه، حتى المتأذي
على يديه.
ترتعد أوصال المسكون بعقدة الدونية أنى استعرض شريط محامد خصمه
الافتراضي، بينما هو في حضيض تحولات سقطاته الهائلة، ما يجعله يهيج، مفتقداً بوصلة
الصواب، وهو إحساس يتولد كنتاج محاكمته لصورة الذات، بكل وضاعاتها، وخستها، في
مرايا الآخرين، مقابل صورة مثل هذا الخصم، ما يدعوه إلى الإجهاز على صوره، حتى وإن
كانت موصوفة: تأريخاً وشهادات وأرومة، بينما هو ليس أكثر من عابر سبيل في ساحات
المآثر، وعبر أجنحة اصطناعية، وبفولتات بطارية موقوتة الشحن. وتتفاقم حالة تطاوسه،
ما أن يجد من حوله جمهرات من النظارة الذين يمرون في حرج لحظتهم، حيارى، ذاهلين،
ساكتين، هلعين، بينما راح هو يلعق الأحذية، عسى أن تتزين صورته-من جديد- لدى
ممدوحيه، رافعين عنه الحكم الساري، وهو ما فعله بعض أمثاله عبر محاولة تطهرهم في
برك من دماء ثورة مصنوعة ببطولات لا يد لهم فيها ولا أنف أو أنفة..! 
وستزداد
ضراوة النيران الكاوية في أغوار نفس حضرة صاحبنا، المقدام، سهل الصرف والجر، وفق
وجود بريق المنفعة، عندما يجد هناك من سيتبنونه، بكل رائحته النتنة، ولا حرج لديه
في ماقاله فيهم-مكتوباً- في سواد أمسه، كمعادل لسواد حاضره، ولافي ما قالوه فيه
مضبوطاً في وقائع سهلة السرد، وهولن يتردد عن فعلها، مادامت تذكرة المرور سهلة
الدفع من قبل من لا نقطة حياء أو دم في وجهه، وأن كلاً من الطرفين في حاجة إلى
الآخر، وإن كان الحاضن يعرف طبيعته، وأشباهه، لذلك، فهو سيعمل على جبهتين، ومن أين
له خوض الجبهات المكلفة بعضلاته المستعارة؟، حيث سيحرض أولي نعمته الجدد على
المختلفين معه، من جهة، ويقدم نفسه كمكلف في مهمة غير مشرفة، قديمة جديدة، مع تغير
اسم المتعهد، لخوض حروبه الدونكيشوتية، في الجهات الست، ورصيده  في غاراته ليس أكثر
من أن يقف أمام المرآة، مشخصاً عيوبه، محاولاً الانسلال ، رامياً بها على
خصمه.
كثيراً ما يقال لمثل هذا الصويحب: من الممكن أن تكون بطل زمانك، ولكن هذا
لا يتأتى  لك من خلال إلغاء الأغيار، وإلا فإن متلازمة الخوف على حضور الذات في ظل
وجود كائن مفترض هو أحد الوساوس القهرية التي تنتابه، وقد يتخذ الأمر بعداً آخر،
حين يكون في إطلاق النار- استباقياً- على مجرد دريئة، ناصعة الصحائف، في إطار
هستيريا دوافع الإقدام  على  قتل الشاهد، ناسياً كل من حاول التبهلن ، مقدماً الذات
بعكس ما هي عليه فهو غير قادر على  استئصال ذاكرة  مجتمع كامل هو شاهد عيان على
رذائل موصوفة لا خلاص له من نتن رائحتها، مادام أنه ارتكبها بنفسه، مهما بلغت
عمليات التجميل والديكرة ذروتها، على أيدي أمهر مهرة الكار.    

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…