هذا الصباح

 رشاد شرف – سويسرا

نظر من نافذة منزله المطلة على الشارع. انغرزت أشعة الشمس المتعاكسة
على خد الثلج عيونه. عاد خطوتين إلى الوراء، أمعن في حركة المارة يروحون و يغدون غير آبهين بتراكم الثلوج، هو وحده لم يألف هذا المشهد. تذكر كيف كان المشهد في وطنه لما كانت الثلج يسقط، حيث تتعطل المدارس، و ينقطع التيار الكهربائي. الأطفال و الشباب ينزلون إلى الشوارع، و يقذفون بعضهم بعضاً بكرات الثلج و التي كانت لا تخلو بعض  الأحايين من الأذية، لكن لا أحد  يشكو لأنه خيرٌ و نعمةٌ قد لا تتكرر في سنوات قادمة.
جلس على الأريكة، وقعت عينه على جريدة: Le Matent  (  الصباح ). قلب الصفحات دون أن يركز على شيء توقف عند في الصفحة الأخيرة. ( منزل للإيجار ) تذكر وجه سلمى المدور و عينيها العسليتينو ابتسامتها الطفولية.
 
 نعم، سلمى تبحث عن بيت بهذه المواصفات.
هاتفها على الفور و بحماس رائع. لم تصدق سلمى ما سمعت, لأنها كلت، و ملت من البحث. جاءت على الفور, فوجدته في انتظارها وحيداَ في المنزل.
– لكن، أين الأطفال و ……؟
وضع كفه على فمها قبل أن تكمل.
– إنهم خارج المدينة.
– و أين المنزل الذي أخبرتني عنه ؟
– أخذتُ موعداً، و لم يحن الوقت بعد !
جلستْ على الأريكة، وغرقتْ في تفكير عميق. دهمتها رغبة جامحة في أن تنهمر عليه وابلاًَ من القبلات لكنها أحجمت  .. أحقاًَ  سأتخلص من ذلك المعسكر اللعين !.
ثلاث سنوات انتظرت الإقامة وثمانية عشر شهراً أبحث عن غرفة مستقلة من أجل أن نلملم أطراف شتاتنا.
قدّم لها كوباَ من الشاي، وقطعة من الحلوى. أمسكت سلمى كوب الشاي بيدين مرتجفتين و باردتين لتتدفأ به، و يسري شيء من الحرارة في عروقها.
اقترب منها حتى تلاصق كتفه كتفها, أمسك يديها فكانتا باردتين, و بعد هنيهة قبّل خدها و كانت الطلقة الأولى لهدم جدار الحياء.
لم تمانع لأنه لم يتجاوز ثقافة المكان. قال لها: ألا تودين التّعرّف على المنزل؟
لم تمانع, فاصطحبها إلى غرفة النوم، و ألقاها بخفة على السرير، و رمى بنفسه فوقها. لكنها دفعته بقوة، وقالت: هذا السرير يخص غيري وأنا لا أليق بهذا المقام.
في الوداع, قبلته على وجنتيه, و أضافت: أرجو  أن نبقى أصدقاء… أصدقاء فقط.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…