الأَرْقَامْ الْمُهَاجِرَة.. قصة قصيرة

فَرَمَزْ حسينْ

خَمسُ سنواتٍ مُتَواصِلَةٍ وَ هُوَ لايَزَالُ في أَطْرَافِ القَرْيَةِ جَالِسَاً هُنَاكْ مُسْنِدَاً ظَهْرَهُ إِلَى جَذْعِ شَجَرَةِ التُوتِ الْهَرِمَةِ…
 يَرْفَعُ بَصَرَهُ بَيْنَ الْفَينَةِ وَ الأُخْرَى مُوَزِعَاً نَظَرَاتً خَاطِفَةً عَلى المَسَافَاتِ مِنْ حَوْلِهِ…
 يَعُودُ بَعْدَهَا فَيُطَأطِئُ بِرَأْسِهِ المُثْقَلِ بِأَرْقَامٍ لا تَسْتَقِرُّ عَلى عَدَدٍ بَيْنَ رُكْبَتَيِه ….
يُغْمِضُ عَيْنَيهِ الإِثْنَتَينْ هُنَيهَةً قَبْلَ أَنْ يَعُودَ مِنْ جَدِيدٍ للإِلْتِفاَتِ يُمْنَةً وَ يُسْرَةً…
 يَتَوَقَفُ عَن الحَرَكَةِ تَمَامَاً وَ كَأَنَّهُ جَسَدٌ بِلَارُوحْ…
 يَتَأَمَّلُ أَصَابِعَ يَدَيِهْ …
 يَبْدَأُ الْعَدّ بِوَضِع ِإِبْهَامِهِ عَلى الْخَنْصَرْ:
 وَاحِدْ….
إِثْنَانْ …
ثَلاَثَة…
 يَسْتَمِرُّ فِي الْقِرَاءَةِ  حَتَى الْعَشَرَة فَتَنْتَهِي أَصَابِعَ يَديِه ِالِإثْنَتْينْ….. يَتَوَقَّفْ…
 مَلَامِحُ الْحِيرَة تَبْدو عَلَى سُحْنَتِهِ …
 يُفَكِرُ مَلِيَّاً …عَلَيَّ أَنْ أُتَابِعَ الْعَدّ…. لَكِنْ كَيْفْ؟
 يَتَصَبَبُ عَرَقٌ كَثِيفٌ مِنْ جَبِينِهِ…
 لَكِنْ سُرْعَانَ ما تَفَتَقَتْ مُخَيِّلَتُهُ عَنْ طَرِيقَة ٍأُخْرَى غَيْرَ الإِعْتِمَادِ عَلَى أَصَابِعِ الْيَدينِ لِيَسْتَكْمِلَ الْعَدْ ….
فَجْأَةً تَنْبَسِطُ أَسَارِيِرَ وَجْهِّهِ الذِي غَزَتْهُ عَلاَمَات الشَيْخُوخَةِ المُبْكِرَة…. 
 يَنْهَضُ مِنْ مَكَانِهِ بِجَسَدِهِ الْمُنْهَكْ….
 يَنْظُرُ إِلَى الْرُقْعَةِ التُرَابِيَةِ الْمُغَطَاةِ بِالْحَصَى  النَّاعمِ وَنِفَايَاتٌ تَقَاذَفَتْهَا الرِيَاحُ أَمَامَه …. يَجْثُو عَلى رَكْبَتَيهِ…. يَبْدَأ ُبِتَنْظِيفِهَا مِنَ الْحَصَى بِيُمْنَاهْ فِي حَرَكَةٍ سَرِيعَةٍ مِنَ اليَمينِ إِلَى الشِمَالِ ثُمَّ العَكْسِ مَرَّاتً مُتَتَالِيَةً وَ كَأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يَسْتَولِيَ أَحَدٌ عَلَى بِدعَتِهِ فِي الإِحْصَاءْ …. يَلْتَقِط ُغُصْنَاً رَفِيعَاً يَابِسَاً مَرْمِيَّاً بِجَانِبِهِ…… يَقُومُ بِتَكْسِيرهِ مِنْ مُنْتَصَفِهِ…. يُغْمِضُ عَينَيهِ الإِثْنَتيَنْ….يَأخُذُ  قِسْطَاً وَافِرَاً مِنَ الْهَوَاءْ و يَملَىءُ بِهَا رِئَتَيهِ المُتْعَبَتَيْنِ مِنْ دُخَانِ أَعْقَابَ السَجَائِر اسْتِعْدَاداً للبِدءِ بِالعدِّ مِنْ حَيثُ انْتَهَى….. يَنْظُرُ إِلى أَصَابِع ِيَدَيهِ مَرَةً أُخْرَى ثُمَّ يَبْدَأُ بِصَوتٍ جُهُورِي :
إِحْدَى عَشَرْ..
إِثْنَي عَشَرْ….
ثَلاَثَةَ عَشَرْ.. 
يُتَابِع ُدُونَ كَلَلْ….. مَائَة وَ خَمْسُونْ .. مِئَتَانْ.. ثَلاَثَمَائَة… إنْتَابَهُ إِحْسَاسٌ بِأَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي الْعَدْ ……
يَعُودُ ليُحْصِيَّ مِنْ جَدِيدْ : لَكِنَّهُ يَتَوَقَفُ مَرَةً أُخْرَى 
عَائِلة أَبُو شيَارْ أَيضَاً رَحَلَتْ .. 
بيتْ كينْجُو اخْتَفوا عَنْ الأَنظار دُونَ أَنْ يَترِكُوا أَيَّ أَثَرْ..
بيتْ مَلكي رَحَلوا عَنْ بِكْرَةِ أَبِيهُمْ…. 
 حَتَّى أَبُو مِفْلِحْ وَ عَائِلَتَهُ  رَحَلُوا .. فَالعَدَدْ إِذَاً أَربعُمَائَة و تِسْعَة وَ خَمْسُونْ …. نَعَمْ ….كُلَّمَا حَاوَلَ أَنْ يُثَبِتَ العَدَدْ عَلى الأَرضْ كَانَتْ  تَمرُّ مِنْ جَانِبِهِ عَائِلَةٌ أُخْرَى  بَقِيَ هُنَاكْ يَرِيدُ التَوَصُلَ إِلَى عَدَدٍ نِهَائِي لَكِنْ ذَلِكْ بَدَتْ مُهِمَةً مُسْتَحِيلَة فَا الْكُلُّ يَرْحَلْ وَ العَدَدُ فِي ارْتِفَاعٍ مُسْتَمِرْ……
 تَنَهَّدَ بِصَوتٍ مُتَهَدِّجْ…. تَنْهِيدَةً  قَرِيبَةً إِلَى النَّحِيبْ…
 كَانَ قَدْ فَاتَهُ بِأَنَّ عَدَّ مَنْ بَقِيَّ مِنْ أَهَالِي بَلْدَتِهِ الصَغِيرَة أَسْهَلُ بِكَثِيرِ مِمَنْ رَحَلْ!
فَرَمَزْ حسينْ
سُتُوكْهُولمْ
2016-03-06
Stockholm-sham.blogspot.com 
twitter@farmazhussein

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

بدعوة من لجنة الأنشطة في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، وبالتعاون مع ممثلية اتحاد كتاب كردستان، احتضنت قاعة كاريتاس اليوم١٧-٨-٢٥ في مدينة إيسن ندوة نقدية موسعة حول رواية “كريستال أفريقي” للروائي هيثم حسين.

أدار الندوة التي حضرها جمهور نخاوي من الكتاب والشعراء والصحفيين ومتابعي الأمشطة الثقافية
الناقد صبري رسول، وشارك فيها عدد من الأدباء والنقاد…

بهرين أوسي

تقف الأديبة الشاعرة الكردية مزكين حسكو في فضاء الشعر الكردي الحديث، شاهدة على قوة الكلمة في مواجهة تشتت الجغرافيا. جبل شامخ كآرارات وجودي لم تنل منه رياح التغيير القسرية.

شاعرة كرّست قلمها لرسم جماليات الهوية الكردية من منفى اختاره القدر، فنسجت قصائدها بلغة أمّها كوطن بديل يحمل عبق تلال كردستان ووجعها. كما تقول في إحدى…

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن

كان في صدري شرفة تطل على سماوات بعيدة،
أعلق عليها أمنياتي كفوانيس صغيرة،
حتى وإن كانت الحياة ضيقة، كنت أزيّنها بخيوط من الأمل،
أجمع فتات الفرح، وأصنع منه أحلامًا تكفيني لأبتسم.
كنت أعيش على فكرة التغيير، أتنفسها كل صباح،
وأخطط، وأتخيل، وأصدق أن الغد قد يجيء أجمل.

أما الآن…
فالنوافذ مغلقة، والستائر مثقلة بغبار الخيبات،
وألواني باهتة، وفرشاتي صارت ثقيلة بين…

عِصْمَتْ شَاهِينْ اَلدُّوسَكِي

وَدَعَتُ فِي نَفْسِي ضِيقَ الْحَيَاة

وَأَلَمَّ الْأحْزْانِ والْجِرَاحَات

أَذْرُفُ الدُّمُوعَ بِصَمْتٍ

كَأَنِّي أَعْرِفُ وَجَعَ الْعَبَرَات

أُصِيغُ مِنْ الْغُرْبَةِ وَحْدَتِي

بَيْنَ الْجُدْرَانِ أَرْسُمُ الْغُرْبَات

 

**********

يَا حِرمَاني الْمُكَوَّرِ فِي ظَلَامي

يَا حُلُمي التَّائِهِ فِي الْحَيَاة

كَمْ أشْتَاقُ إلَيْكَ وَالشَّوْقُ يُعَذِّبُنِي

آَهٍ مِنْ شَوْقٍ فِيه عَذَابَات

لَا تَلَّومْ عَاشِقَاً أَمْضَى بَيْن سَرَابٍ

وَتَرَكَ وَرَاءَهُ أَجْمَلَ الذِّكْرَيَات

**********

أَنَا الْمَلِكُ بِلَا تَاجٍ

أَنَا الرَّاهِبُ بِلَا بَلَاطٍ

أَنَا الْأَرْضُ بِلَا سَمَوَات

وَجَعِي مَدُّ الْبَحْرِ…