تل معروف.. إلى الشهيد محمد معشوق الخزنوي في ذكراه

ابراهيم اليوسف
 
لم أغادركي أعود
وحدك كنت بعيداً
خطواتي تلجم الهواء
وترتج بياض الجهات
كقلانس مرتبكة
في شهوة للعويل البرونزي
قبل أن تفاجىء بوابة المدينة
كانت دمشق قريبة
 كرنين عربة بائع الحليب  الصباحي
كشرنقة من دماء
كجبل محفوف بالخوف
وياسمين ينام تحت وطأة البارود
ونهرظامىء
كان الهواء في  مصيدة الوقت
أعمى
كخلد
ذهبيّ
وكنت تشد إليك أربطة الحكمة
في ميزان العمامة
لم أغادركي أعود
أجرُّ الأمكنة
كإبهام يدي اليمنى
وأنا في الصلاة الأخيرة
كقامشلو في فلقتين
أوثلاث
في المخطوط الذي لم يطبع
المدن كانت تتواءم في عربات الساحرالعجوز
والقرى تلحق بغبارها الأبيض
صهٍ أيها السهو
في ميلان ظلِّك
عيناي
لاتخطئان أسماء الأصدقاء
كنت أعرف كل هؤلاء
وبلاغتي لم أرمها في سوق العطارين
الرياحين ظلت في إيماءاتها
ورذاذ ضحكة الطفل الصغير
ودعته ممسداً جدار روحه
لتظل ظمأى
في الانتظار
هاأنا تومض خطبتي في جامع الجدّ الأكبر
سليل الأوراد وصلوات الجماعة
والبخور
تتطاير في شريط مصور
تحت رائحة القبة
وعشِّ اللقلق
ذاكرة الزجاج
لاتنسى أية صورة
كل شيء في حكم الوثوق
دانٍ بخارُ مطرالصباح
دانيةٌ جلبة الباعة
كدالية التكية قرب الفرن
وأرغفة” الصمون”
وملاعق الخشب
والمناسف المتسلسلة
في هذا الخوف المبكر
واحداً واحداً
أعرف الداخلين
والخارجين
من حفيف خطاياهم
كنت أحدث أبي عنهم
كنت أحدث أخوتي عنهم
كنت أحدث المريدين عنهم
كنت أحدث نفسي عنهم
كنت أحدث الحبرالأبيض عنهم
أحدث الله
تسع سنوات بين  ذبح الفراشة
وحريق بيتها الحريري
تسع سنوات بين دخول الرصاصة
الجامع
تئم بالمصلين
و”الآربي جي” الذي جاء
في موعد محكم
وبهتان
ومواثيق  لاتقبل الشكَّ
لم أغادرلئلا أعود
ثمة أشجارتركتها ورائي:
جدةٌ
وأبٌ
وأخوةٌ
قبل أن أهبط درجات البئرطوعاً
وأقطع بي الحبل
حسب الرواية
رصيناً كصدى يتردّد أينما تحدثت
كي يرضى النظَّارة
وتسوس التدابير
بالحبرذاته
تسع سنوات
والوجوه تغيرت قليلاً
اختلطت لغات القتلة
وهم يشترون جبَّتي
في المزاد
في محفظتي صوت أمي
وصوت الرفيق المقرىء
أربيه كعابرسبيل
يترجم خثرة الظلام
وديباجة الصِّراط
قبل أن يستبدل آلة الذَّبح
بأخرى
يضعها فوق ظهري كسنام
قبل أن ينصرف إلى المراقد
يرتدي الطبوغرافيا الجديدة
من يد لاتخطىء في صوتي
لم أدع ولوبعض ظلِّي
في مقعد المركبة
حين أنأى
إلى موعد أضرمته الغفلة
وبياض حليب الكرديات
فيء تكية الأب ذاته
ليس لي ألا أصدق راحة اليد
في مصافحة مخادعة
ليس لي ألا أصدق السبابة
تضل شهادة الرب
إلى زناد الدوشكا
أوحبة المنوم في عصيرالليمون
أوعقد الحبل
حول عنقي
لايزال كلس جدران الغرفة يذكر
أظافري دون ظفر
أظافري في دمها على البلاط
لحيتي في دمي على البلاط
منارة الجامع في دمها على التراب
لم يشفع لي أحد
وأنا ألتقط البغتة
وتسقط” اللحى الاصطناعية” في عفرين وكوباني
كما ستسقط في “تل معروف”
قرب مراقد الجد والأب والعمومة
ثمة ترجمة للكتاب
يتسقطه لعاب التلامذة المخادعون
عموا كريهة
عموا أضاليل
عموا أزقة
قصيرة المدى
كتواريخ طغاة
وأنتم تعبرون
إلى الحتوف
أكيدة بالمكائد
هاأنا أرجع إلى المرآة
أستعيدني……..
أستعيد العمارات
الكتب من رماد محرقتها
الدوي في القرية التي أفسدها العساكر
بلغاتهم المتعددة
إيه أيها الوقت الماجد
بين يدي السلالة
من الأصدقاء
لم يُكتب لي
أن أرمم الجهات
بماء اليقين
كما الآن
لم يُكتب لي
وداع مرٌّ
أكثرمما جرى
كلُّ شيء تقهقر
سارد الحجرالأصمّ
يقاربني في خطأ  غضاريٍّ متعمد
أعرف مايدور حولي
من هجرات طالما كنت أكشف عن أحماضها
وفصائل للخفافيش
مفخخة  أومجنحة بالمنفردات العمياء
وأعمدة المشانق
هاك مالديَّ
ولديَّ الكثير
ياأبتي…!
لم يكن أحد يسمع الآخر
كنت أرى ما وراء الظلِّ
وكنت ترى ما خلف ظهري
كان علينا أن نتابع  خطَ المسافة
ها أنا أنهض
من غفوتي الطويلة
أفكُّ عني جبر خيوط البلاستيك
أنتشل هاتفي
وأواصل صورالأحبة
ما أكثرهم
يا أبي….!
 
أواصل بريق سكاكينهم
وبارود كتاباتهم
ما أقلهم
يا أبتي…!
كان عليك
أن تعلمني أول الدروس
كما هي تحت آباط  بعض مريديك
المريبين
تحت لحاحهم وعاناتهم
تحت ابتساماتهم الملتبسة
لم تثمرفراديس
وحوريات
هاأنا أرتمي على يديك المباركتين
أستنشق أخضرهما
وأبكي …..أبكي.. طويلاً
كصوفيّ لم أستسغ
لقد ضيعنا الأعوام المئة
الجهات الأخرى 
تقودها القِبلة
نحوالمنارة
أواهِ
وهي تسقط
سقف مرقدك
وهويسقط
كل هؤلاء كانوا مريدوك
أنفسهم
أعرف أسماءهم هؤلاء
أعرف جهاتهم الغامضة
أبصررائحة حساء أمي
في معدهم المعدنية
جاؤونا
بأئمة
جدد
تناسخهم الهلال
بطلب
ملفق
حدثني عنه صديقي العرّاف
وكنت أكذبه
لابد من أرتب قامتي
الهواء سيد المشهد
وأهواء الرعية
في عباءة الغضار
تنفتح على بله وتيه
لابدَّ من أن أؤذن
انتبه أيها الظل الفقيه
لاتستدرللوراء
ليس بين غبارالطريق
مرتمياً
مالاتريده
المسافة بعيدة
وأنا أسير منذ سنواتي التسع
بلاهوادة
هل كنت تظنني في خدرالطعنة
أتوسد تراب مقبرة”قدوربك”
مادمت أوافيك بالبصيرة
عارية
كحبات سبحة من كهرمان
لم يبق أمامي ما يكفي
كي أخلع عن روحي قميص النباهة
أسند ظهري إلى جدارفي لوحة الشبهة
كم ارتويت من دمع
ودم..!
كم ارتويت من أناشيد
لاتشفع لي في الخندق الفارغ…!
يتراءى لي
كل ماتركت ورائي
وأنا أبدل العمامة بالخوذة
الجبة بالدرع
القصيدة بالنار
لم أعد كي أغادر
ها أنا أكتب الإفادة
أكتبها وحدي
وأنهض
أعاين الجهات
وقربي زرقاء الجبل
تشيربالصوت والأصابع
لأستدرك
السهو
وأترجم التكبيرة
لاأنام………!!!!
إيسن
31-5-2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…