بين أن يكون «المثقف» الكردي كلباً برّياً وكلباً بطَوق

ابراهيم محمود
سئلتُ من قبل بعض ٍ من كردنا، ممَّن لم تزل أواصر صداقة ما قائمة بيننا عمّا تحصَّل لدي معرفياً وقد بلغت الستين عاماً وأنا أردّد على طريقة الشاعر العربي الجاهلي:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش    ثمانين حولاً لا أبــــــالك يسأم ِ
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش  “هنا ” ستين حولاً لا أبالك يسأم
ووجه هذا النقص ربما لخصوصية واقع الكرد أنفسهم، أو نقص كرديتي ربما. أقول ذلك رغم أن ” رصيدي ” من الكردايتي قليل جداً، كما أعرف جداً، سوى أنني أغامر بتوضيح هذه النقطة لهؤلاء المتبقين من الأحبّة، ولا بأس أن أتَّهم كما هي الدُّرْجة الكردية في هذا السياق.
ما تحصَّل لدي هو التالي: على مستوى السياسة، يستحيل، وأقولها بإطلاق، وجود من يستطيع تأكيد أنه سياسي دون أن يكون في خانة عشائرية ممدينة، وهو معنى بقطيع من التابعين بالمجمل” وهذه بداهة “، ومن هنا تكثر” الولادات ” الانشقاقات التحزبية، وتصغر القطعان، بقدر ما تتكاثر الذئاب لوجود كم وافر من المستذئبين الكرد، ولا ننسى هنا كلاب القطيع، والمفارقة أن هذه مدرَّبة في أن تكون خاصة بالقطيع، ولها أطواقها، أي تكون مهاجمة لكلب أي قطيع آخر، حتى لو أن أن لهذا الكلب نسباً داخل الخانة تلك.
على مستوى الثقافة: من السهل جداً تبيُّن مدى التأثير الساحق للسياسة تلك على الداخلين في دائرة الكتابة غالباً، وتحويلهم، أو تحولهم الطوعي حباً بالتوازي إلى ما هو قطيعي ليتسنى لها البقاء، حتى لو أننا نلمح وعن قرب عظاماً ضخمة تتقدم أشداق نسبة كبيرة من هؤلاء، لهذا تستمر مؤخراتهم مدماة موجوعة، متقيحة جرّاء عصيان قطع العظم تلك فيها.
بالتأكيد، سوف يثير تشبيهاً كهذا أكثر من حفيظة لدى كل من السياسي الكردي؟ والمثقف الكردي؟، جرّاء الربط بالكلب، وما في ذلك من سخرية مرّة، لجهل قائم، وهو تعالي هؤلاء الكرد على بيئتهم خصوصاً تلك التي عرِفت بـ” نخبة ” من الكلاب ذات الهيبة، وهي تحرس البيوت والقرى وقطعانها من الحيوانات المختلفة، وما تعنيه الكلاب لهؤلاء حياتياً، وأخشى أن يكون النفور من التذكير هو التخوف مما يستبطنها كلبياً بأكثر من معنى، إذ من المعلوم، أن جان بول سارتر تحدث عن ” كلب الحراسة ” لنوعية مثقفة في مجتمعه، وسارتر لم يكن كردياً طبعاً، و ما كان مجتمعه كردستاناً، ومن المعلوم أيضاً، أن ليس من أحد، أي أحد، إلا وفيه حضور كلبي ما ” أنا لا أتحدث عن حماة الفضيلة من الكلبيين عند اليونان القدماء”، إلى درجة أنه لا يستطيع تأكيد موقع له دون بصبصة ما: حركة، صوتاً، تعبيراً، موقفاً…الخ.
هنا تتداخل الصور والمشاهد بين الكلب الطليق والكلب المنتهي بطوق، ربما إلى درجة أن نزعة التشظي الكلبونية استفحلت من هذا الوسط وداخله، أي بتأثير ثقافة افتئاتية، وسياسة افتئاتية، وللكردية دور ريادي في ذلك مقارنة بوضع الكرد البائس، ولكم أتمنى من المعنيين بهذا التداخل، التروّي قبل إدراج الاسم” اسمي ” في زوايا فيسبوكية، أو رسائل بينية ثقا-سية، أو سيا-فية، للفت النظر، بغية الحفاظ على استدامة هذه الميزة في التفريق والتلفيق .
البارحة تماماً، أي بتاريخ 24 حزيران 2016، تابعت مشهداً تلفزيونياً مثيراً في ” ناشينال جغرافيك “، يخص الكلاب البرّية، فحواه التالي: ثمة كلب برّي وحيد، تمكَّن من اصطياد صغير حيوان من الظباء، ونهش أمعائه وهو حي، وبرز ” الأكشن ” الكلبي بصورة لافتة، حين تقاطرت مجموعة من الكلاب البرّية وهي كالأول مبرقعة، منقطة، بالحجم ذاته تقريباً، وقد توقعت أن هذه الكلاب ” ستشكر ” الكلب الصيّاد على صنيعه، لأن الوليمة كانت كبيرة نسبياً، لكنها بالعكس من ذلك، جعلته هدفاً لها، وهي تنزل فيه عضاً وسحلاً وخنقاً وشداً، و” السر”، هو أن هذا الكلب المنحوس الحظ قد دخل منطقة ليست له، وأن الذي قام به رغم اعتباره ” فعلاً ” جريئاً، يُسجَّل باسمه، سوى أن دخول المجال المحظور أودى به.
أعتقد أن المومأ إليه واضح. أرأيتم كم بلغ مني السأم درجة لا أحسَد عليه من أي كان بسهولة !
دهوك
في 25 حزيران 2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…