شخصيّات من التّراث والتّاريخ الكورديّ «رستم زال»

نارين عمر، بهجت أحمد
 التّراث والتّاريخ الكورديّ فيهما من العراقة وخفايا الأشياء الكثير، وقد اخترنا شخصيّة كانت وﻻ تزال راسخة في أذهان الشّعب الكورديّ وهي شخصيّة “رستم زال”. 
إنّها إحدى أبرز الشّخصيّات التي اقترنت بالشّجاعة الخارقة، وﻻ تزال الشّعوب الآريّة من الكورد والفرس وحتى آريو الهند وباكستان وأفغانستان تعتبره بطلها الأوحد على الرّغم من أنّ شخصيّة رستم زال يعتبرها البعض شخصيّة اسطورية.
 الفردوسيّ في كتابه الشّاهنامه يعتبره مخلّصاً للملك كيكاوس بعد أن أسره هاماوران وهو ابن زال ورودابه، أمّا الهمذاني فيؤكّد على أنّ مربط فرسه في سجستان، وياقوت الحمويّ يقول في شوشان بالقرب من إيﻻم.  هذا ماتناوله مؤرّخو ذلك العصر عن رستم زال وفي الحقيقة دراسة المصادر والمراجع التّاريخية توضّح لنا بعض الخفايا في هذه الشّخصيّة منها تخليص الملك كيكاوس من أسر ملك هاماروان حيث ظلّت المنطقة الشّرقيّة من أراضي الآريين وموطن الشّعوب التّركية مصدر القلق الأكبر لكلّ ممالك الآريين من أيّام الميديين والأخمينيين وحتى بني ساسان، ﻻ بل تجاوز خطرها إلى أوربا نفسها وما هجمات الهون وقائدهم اتيﻻ الهوني إﻻ واحدة من زحف سكان تلك المناطق نحو جنّات النّعيم بعيداً عن تلك السّهوب الفقيرة، وتلتها حركة مستمرّة من تلك الشّعوب التّركية نحو أوربا مثل هجمات التّتار والمغول الذين سيطروا على روسيا وبولندا والشّرق الأوسط وما قبلها من هجرة التّركمان ممثّليين بأوﻻد سلجوق وآخرهم بني عثمان.  
إذا كان الصّراع بين الأقوام التّركية والشّعوب الآريّة، وإذا كان رستم شخصيّة أسطوريّة كما تصفه معظم المصادر فإنّه يمثّل انتصاراً للآريين على تلك الشّعوب، وقد تحقّق ذلك فعﻻً وإن بشكل جزئيّ أيّام شابور؛ أمّا اسم الملك كيكاوس ففي قائمة ملوك الآريين وﻻ وجود لاسم الملك كيكاوس إﻻ في العصر الميدي وهو نفسه من تسميه المصادر الغربيّة اكرزسيس الذي أسقط نينوى بالتّعاون مع نابوبوﻻصار الكلدانيّ، وهذه نقطة لم يستطع المؤرّخون تفسيرها، وفي تاريخ الشّرق هنالك شخصيات حقيقيّة ولكن صبغت عليها بعض الصّفات للدﻻلة الرّمزيّة كشخصيّة الملك كلكامش ملك الوركاء السّومريّة الذي تؤكّد معظم المؤرّخيين على أنّه شخصيّة حقيقيّة ولكن اصطبغت ببعض الظّواهر الخارجيّة، جدير بالذّكر أنّ شخصيّة رستم زال تختلف عن رستم فرخوزاد قائد الجيش السّاساني والذي قتل في معركة القادسية على يد هلال التّيمي. 
ورستم زال أو رستم داستان شخصيّة معروفة ومشهورة في ذاكرة الكورد وفي ملاحمهم الغنائيّة وفي أشعارهم وفلكلورهم، ويربطون اسمه دوماً بالقوّة الخارقة والشّجاعة التي لا تفوقها قوّة أو شجاعة لبشريّ آخر، وهو الفيصل الحادّ بين الخير والشّر، في قوّته تكمن منابع الخير والحقيقة والعدالة التي تجفّف كلّ مستنقعات الشّرّ والباطل والظّلم، وعلى الرّغم من أنّ الكثير من الشّعوب تنسبه إليها إلا أنّ المصادر التّاريخيّة والشّعبيّة تؤكّد على نسبه الكرديّ؛ فعندما قامت الدّولة الرّستميّة اعترفوا على أنّهم من نسل الكورد، والتي قامت في العصر العباسيّ الثّاني في المغرب، وهم من نسل ملوك بني ساسان الكورد  كما ذكر ابن حزم القرطبيّ، وامتدت دولتهم بين 776-909.م في بلاد المغرب “تونس الجزائر المغرب” 
أهم ما في رواية وحكاية رستم الشّعبيّة هي المعركة التي حدثت بينه وبين ابنه زوهراب، حيث تقول الرّواية إنّ رستم تزوّج من “تامينا” ابنة أمير “سامان كايي على حدود توران” لفترة قصيرة، والتي قالت له سأهديك ابناً أو ابنة، فماذا تريد؟ ردّ عليها لا يهمّ، ولكن إليك هذه القلادة، ضعيها في جيد المولود كتذكار من كلينا، وتمرّ الأعوام، ويبلغ الولد الذي تسميه “زوهراب، زوهراڤ” الرّابعة عشرة من العمر، وتنشأ حرب بين ميديا بقيادة افرستياب وتوران بقيادة كيكوس أو كيكواس، ويشاء القدر أن يكون رستم في صفوف مقاتلي كيكوس وابنه زوهراب بين مقاتلي افرستياب، وعلى الرّغم من أنّ “تامينا” تحذّر الاثنين بعدم المشاركة في الحرب، فإنّ المواجهة بين الاثنين تتمّ وعلى جولات متتالية وخلال ثلاثة أيّام بالرّمح والسّيف والتّشابك باليدين، وعلى الرّغم من تمكّن زوهراب من رستم في اليوم الثّاني إلا أنّه لم يقتله احتراماً لشجاعته وعظمته، ولكنّ رستم وفي اليوم الثّالث والأخير من العراك يتمكّن منه، ويقتله، لتأتيه المفاجأة المميتة من زوهراب الذي يرفع رأسه، ويقول له قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة:
 ((هناك شخص أقوى وأشجع منّي، اسمه رستم زال، إنّه أبي، اهرب بسرعة، لأنّه لو سمع بمقتلي، سيأتي، ويقتلك..)) وهنا يبحث رستم في جيده ليجد القلادة، وليبدأ بالبكاء والنّحيب على ما فعله بابنه برفقة حصانه رخش. 
 ومهما يكن من أمر رستم فإنّ الكرديّ يرى فيه انتصاراً لوجوده واستمراريته، ويطلق اسمه على أبنائه تيمّناً بعظمته وشجاعته، فمعنى اسمه بحدّ ذاته كرديّ ويعني القوّة والضّخامة، وسيظلّون يرونه رمزاً من رموز البقاء الكرديّ والنّضال الكرديّ من أجل البقاء والاستمراريّة على مرّ العصور.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كانت الورشة ساكنة، تشبه لحظة ما قبل العاصفة.

الضوء الأصفر المنبعث من المصباح الوحيد ينساب بخجل على ملامح رجلٍ أنهكه الشغف أكثر مما أنهكته الحياة. أمامه قالب معدني ينتظر أن يُسكب فيه الحلم، وأكواب وأدوات تتناثر كأنها جنود في معركة صامتة.

مدّ يده إلى البيدون الأول، حمله على كتفه بقوة، وسكبه في القالب كمن يسكب روحه…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “كلّ الأشياء تخلو من الفلسفة” للكاتب والباحث العراقيّ مشهد العلّاف الذي يستعيد معنى الفلسفة في أصلها الأعمق، باعتبارها يقظةً داخل العيش، واصغاءً إلى ما يتسرّب من صمت الوجود.

في هذا الكتاب تتقدّم الفلسفة كأثرٍ للحياة أكثر مما هي تأمّل فيها، وكأنّ الكاتب يعيد تعريفها من خلال تجربته الشخصية…

غريب ملا زلال

بعد إنقطاع طويل دام عقدين من الزمن تقريباً عاد التشكيلي إبراهيم بريمو إلى الساحة الفنية، ولكن هذه المرة بلغة مغايرة تماماً.

ولعل سبب غيابه يعود إلى أمرين كما يقول في أحد أحاديثه، الأول كونه إتجه إلى التصميم الإعلاني وغرق فيه، والثاني كون الساحة التشكيلية السورية كانت ممتلئة بالكثير من اللغط الفني.

وبعد صيام دام طويلاً…

ياسر بادلي

في عمله الروائي “قلعة الملح”، يسلّط الكاتب السوري ثائر الناشف الضوء على واحدة من أعقد الإشكاليات التي تواجه اللاجئ الشرق أوسطي في أوروبا: الهوية، والاندماج، وصراع الانتماء. بأسلوب سردي يزاوج بين التوثيق والرمزية، يغوص الناشف في تفاصيل الاغتراب النفسي والوجودي للاجئ، واضعًا القارئ أمام مرآة تعكس هشاشة الإنسان في مواجهة مجتمعات جديدة بثقافات مغايرة،…