عارف آشيتي
للكرد قديما وحديثا أعلام أبهروا العالم بما قدموه؛ وبما أنتجوه؛ وفاقوا غيرهم في نفس المجال؛ إن كان ذلك في الشجاعة وثبات الإقدام في المعارك؛ أو قول الحق في وجه الظالم؛ أو البروز في مجال العلم بجميع فروعه. لقد كان الكرد سباقا في مقارعة معظم المجالات المشرفة. فلولا البرامكة لما كانت لهارون الرشيد هذه السمعة، ولولا ملا أحمد الكوراني لما استطاع السلطان العثماني فتح القسطنطينة، ولولا الكرد لما استطاع العثمانيون إلحاق الهزيمة بالإكرانيين والمجريين، ولولا محمد على والي مصر لما كانت لها ماض مجيد في القرن التاسع عشر… ناهيكم عن مجال العلم وأطيافه.
في هذه الأيام الحرجة التي نعيشها منذ بداية القرن الحادي والعشرين، برز على الساحة أعلام من الكرد، أجادوا في مجالاتهم، ونصعوا جبيننا بأغرة ترفع من مكانتنا، إلا أن التكالب المركز والكثيف على الكرد من قبل مقتسمي كردستان يحول دون ملاحظة هؤلاء، إن كان ذلك من قبل المحيط الخارجي أو من قبل المحيط الكردي ذاته.
ومعركة الكرد اليوم أكثر ما تكون معركة أقلامه، وتثبيت حججه العلمية وكشف الماضي المطموس عن عمد وتقصد من قبل أعدائه ومن أقاموا لهم هذا الكيان على أشلائه. ولنا أقلام بما فيها الكفاية؛ ولكن غالبيتها تخدش السطح دون العمق، وتقدم الرخيص من غير الثمين وتعظم النافل لا الواجب.
سأتناول هنا، عَلَما من أعلامنا ينفجر في وجه المغرضين كبركان هائج، يمحقهم بناصية العلم الرصين. وما يؤسف له أنه مهمش من قبل وسطه الكردي قبل غيره، فهو يستحق أن يكون عينا للكرد ومرجعا ينهلون منه حين تعوزهم الموثقات والبراهين فهو كنز دفين لا يعلم قيمته إلا من جادل المغرضين في هذا الفضاء. ورمزا من رموز الافتخار والتباهي أمام الغير.
محمد مندلاوي باحث كردي من الطراز الأول، تتسم أبحاثه بالرصانة العلمية سردا وتوثيقا. يعطي المواضيع حقها، ويأخذ القارئ في جو مكتظ بالإثباتات التاريخية، فيشد القراء إلى متابعة الموضوع حتى نهايته. ينقب هذا الباحث في ثنايا التاريخ السحيق للمنطقة ليستخرج من أغواره عما طمسه تعاقب الأزمان وأعاصير الدهور، فيجده زاخرا بذكر الكرد، وكأن تلك الأزمان كانت للكرد فيها السيادة البارزة دون غيرهم. أبحاثه موثقة بأسلوب علمي بحت، ومن عظيم أبحاثه إثباته بما لا يقبل الشك عن انتساب الكرد إلى السومريين، وهذا حدث عظيم عن شعب يريد الراهن محوه من على وجه الأرض، وهو بحد ذاته كاف أن يكون ذاك الزمن للكرد وليس لسواهم، هكذا يكون الباحث الكبير قد أثبت أقدمية وفضل الكرد على جميع سكان المنطقة ومن بعدهم على سكان الأرض قاطبة. فإثبات علماء العالم المعاصر انتساب المعارف والعلوم من جميع فروعها وجوانبها إلى السومريين، كإدارة الحكم ومراتبه ودوائره والمجالس النيابية وديمقراطيتها، فضلا عن الأدب وحلاوته والفلك ومجاهله والرياضيات ودقته والزمن وجزئياته والزراعة، الركيزة الأساسية للبقاء البشري وغيرها، يعيدها العلم الحديث إلى السومريين وليس إلى غيرهم.
عندما كشف الآركيولوجيون عن مواصفات السومريين وأساليب معيشتهم وأنماط حياتهم، ومناطق نزوحهم وأشكال مساكنهم علاوة على اللسان، طاف على السطح الأصل الكردي لهذا القوم الذي أهدى البشرية كل ما أوصلها إلى هذا التقدم الراقي في عصرنا الحالي، وهم الأصل في كل تقدم يحدث لاحقا عن سكان هذا الكوكب.
كاتب وحيد يعاني من الأمراض الجسدية ما يعكر صفو حياته ويعيقه في زيادة عطائه، كما يثقل كاهله السنون، علاوة على أعباء العائلة ومشاغلها، ناهيكم مناكفة الحساد وجحود الحاقدين له، يبحر هذا البركان العظيم في زوايا التاريخ ليذكّر الكرد وأعداءه بأصالة هذا الشعب وعظمته التاريخية. نراه يرد غزاة الكرد على أعقابهم، في وقتنا هذا، ويمطرهم بشهب ماحقة لا تترك لهم أثرا.
للمقالة بقية…
ashityarif@gmail.com