الرهان الخاسر.. مسرحية للأطفال

أحمد إسماعيل إسماعيل
 الشخصيات :

1- لقمان :  شاب في العقد الثالث من عمره – طيب القلب – يعمل سماناً.

2- ليلى :  زوجة لقمان – في منتصف العقد الثاني من العمر – جميلة – ذكية.
3- جتو : جار لقمان – في العقد الثالث من العمر – نحيف الجسم دون علة – خفيف الحركة  – مخادع – يعمل سمساراً.
4- المجموعة : جوقة من الفتيان والفتيات – تغني وترقص.
5- صبي : أجير في دكان جتو.

6- طفلان 

(شارع في حي  شعبي بسيط ,كل ما فيه يوحي بالبساطة: البيوت الطينية الواطئة, الأبواب الخشبية العتيقة، عربات الباعة.. أزياء المارة. السمان لقمان يقف أمام دكانه الصغير, ينادي على بضاعته المعروضة أمام الدكان).

لقمان : لدينا سكر شاي , لدينا بن وذرة، لدينا بالونات أشكال ألوان.. أساور وأقراط للصغار والكبار.
(يقترب منه جاره جتو وهو ينظر إليه بمكر وسخرية)
          أهلاً بجاري جتو.. لاشك أنك تحتاج إلى صابون؟ لدي صابون جيد سيزيل عنك كل أوساخك.
جتو   : لا أحتاج إلى صابون.
لقمان : إذن، فأنت تحتاج إلى شاي؟
جتو   : لا.
لقمان : لدي بالونات ملونة، وعلكة بطعم النعناع.
جتو   : (يضحك بسخرية)..
لقمان : لماذا تضحك؟
جتو   : لم أر في حياتي سماناً ينادي على بضاعته بهذه الطريقة! إنك تشبه..     
لقمان :  من؟.. أشبه من؟
جتو   : (يقلد متسولاً) من مال الله يا محسنين.. حسنة لله. حسنة قليلة تبعد عنكم بلاءً كبيراً.
لقمان : (بضيق وانفعال) أنا أشبه المتسولين يا جتو الخبيث؟! هيا ابتعد، ابتعد عن دكاني.
جتو   :(يضحك بمكر) لا تغضب يا صديقي، إنها مجرد مزحة.
لقمان   : مزحة ثقيلة ومهينة.
جتو    : إني أعتذر.
لقمان   :(بضيق وسخرية) تعتذر؟ تهينني ثم تعتذر؟
جتو    : مهينة؟! لا. لا. في هذه الحال يجب أن أعوضك عن هذه الإهانة.
لقمان  :(باستغراب واستهجان) هل جئت لتسخر مني؟ هيا اذهب ودعني أعمل، فمنذ الصباح لم أبع شيئاً. (ينادي على بضاعته) صابون، بن أصيل..
جتو   : أنا مصمم على أن أقدم لك التعويض.
لقمان  🙁بنفاد صبر) أف، قلت لك: اذهب من هنا ودعني أعمل.
جتو   : لن أتحرك من هنا قبل أن أفعل ذلك كرجل حضاري.
لقمان : (باستسلام) حسن.هات التعويض واذهب من هنا.
جتو   : (ينظر باستغراب إلى كف لقمان المبسوطة) هل بدأت تتسول؟ عيب يا صديقي، فأنت رجل..
لقمان  : (بضيق وهو يسحب يده) أنا أتسول؟! اللعنة عليك، ألم تقل: أنني سأقدم لك تعويضاً.
جتو    : (كمن يتذكر.بخبث) التعويض!! معك حق يا صديقي، لكن التعويض ليس مالاً، إنه.. إنه نصيحة.
لقمان  : (بانزعاج) ماذا؟!..  نصيحة؟!
جتو    :  نصيحة من ذهب.
لقمان  : (بسخرية) احتفظ بها لنفسك كي تغتني أكثر.
جتو    : إذا كنت تريد أن تكنز الذهب، وتصبح من أصحاب العقارات فلا ترفض هذه النصيحة.
لقمان  : (بضيق) أف.
جتو    : لقمان، أيها الصديق الطيب، صديقك جتو الذي يحبك كثيراً، كثيراً ينصحك ببيع هذا الدكان الصغير.
لقمان  : (باستهجان ثم بسخرية) ماذا؟ ماذا قلت يا جتو أفندي؟! أبيع الدكان؟ أبيع الدكان كي أمارس بعدها التسول؟ يا لها من نصيحة ذهبية!
جتو    : لن تصبح متسولاً يا صاحبي، بل تاجراً، تاجراً يبيع ويربح ويشتري العقارات.
لقمان  : (يهدأ) كيف؟
جتو    : أحسنت، سؤال وجيه، بداية ستشتري بثمن هذا الدكان حصاناً..
لقمان  : (يقاطعه) أشتري ماذا؟ وهل أنا فارس مغوار كي أشتري حصاناً؟
جتو    : بل عطار يـبيع السلع والمواد المنزلية في القرى البعيدة بأثمان مرتفعة.
لقمان  : (بتفكير) عطار؟
جتو    : نعم، عطار. العمل المربح الذي بدأت به حياتي التجارية، والذي جعل مني التاجر جتو الذي تراه أمامك الآن.
لقمان  : (بتردد) لكن..
جتو    : لا تتردد يا لقمان. أيها التاجر الفهمان.
لقمان  : لكن التجارة ربح وخسارة؛ يعني:  قد أخسر مالي يا جتو.
جتو    : وقد تربح أيضاً، بقليل من الشطارة ستجني الكثير من الأرباح. اعمل بنصيحة مجرب ولن تندم.
لقمان  : (بعد تفكير قصير) ومن سيشتري هذا الدكان الذي يقع في هذا الحي الشعبي الفقير؟   
جتو    : أنا.
لقمان  : أنت؟!
جتو    : (بمكر) من أجلك فقط يا صديقي. فأنا، وكما تعلم، لدي الكثير من المَحالّ، ولست بحاجة لمثل هذا الدكان الصغير.
لقمان  : (بعد تردد) هل نقودك جاهزة؟
جتو    : وعقد البيع أيضاً جاهز. بكم تريد بيع هذا الدكان المتواضع جداً؟
 (يخرج من جيبه النقود وعقد البيع. لقمان يتردد)
لقمان  : لا بد أن أستشير زوجتي ليلى في الأمر.
جتو    : (يضحك بخبث)..
لقمان  : (بضيق) لماذا تضحك؟ هل تسخر مني لأنني أريد استشارة زوجتي؟!
جتو    : طبعاً لا، لكنني أفكر في المدة التي سأقضيها بانتظار موافقة زوجة صديق والد زوجتك.
لقمان : (باستغراب وسخرية) موافقة من؟! قلت لك موافقة زوجتي ليلى وليس..
جتو   : أعرف.. أعرف، ولكن زوجتك لن توافق إلا بعد أن تستشير أمها وأمها يجب أن تستشير زوجها الذي هو والد زوجتك، ووالد زوجتك لابد أن يستشير صديقه، ولن يدلي هذا الصديق برأيه إلا بعد استشارة زوجته. وهكذا سيكون عليَّ الانتظار طويلاً. اسمع يا صديقي، أنا رجل عملي لا يضيع وقته هباءً، ولذلك أريد الآن رداً سريعاً: نعم أم لا؟
لقمان : (بحيرة) لكن..
جتو   :  (بحزم) نعم أم لا؟
لقمان : (بعد تردد) نعم.
جتو   : (بمكر وسرور) لقمان.أنت رجل حقيقي. تهانيّ أيها التاجر.
(يقبض على يد لقمان ويهزها بقوة،في هذه اللحظة تدخل ليلى زوجة جتو، تقف على مبعدة من الدكان و تتابع ما يجري من حركات إيمائية وحديث غير مسموع بين لقمان وجتو، وحين تقترب من الدكان يلاحظها جتو. يضطرب)
            لقد اتفقنا، واليوم مساءً سأستلم الدكان. تمام؟
لقمان : (دون أن يلاحظ قدوم ليلى) اتفقنا.
 (يستلم لقمان النقود، يوقع العقد. تدخل ليلى، يهم جتو بالخروج)
جتو   : (وهو يخرج) إلى اللقاء يا جاري العزيز.
لقمان : إلى اللقاء.
 (يتوارى جتو خلف الدكان، و يسترق السمع لحديث الزوجين)
ليلى   : (بدهشة واستنكار) ماذا كان يفعل هنا هذا السمسار الماكر؟
لقمان : (باضطراب، ثم بسخرية) الماكر!! بل قولي الغشيم.
ليلى   : الغشيم؟! إذا كان هذا الرجل الذي احتالَ على أكثر سكان الحي بمَكْره غشيماً، فمن هو الماكر في هذا الحي إذاً؟
لقمان : (بتباه) أنا.
ليلى   : (ضاحكة) أنت؟
لقمان : لماذا تضحكين؟ ألا أعجبك؟ أنت دائماً غير راضية عن كل ما أفعله.
ليلى   : كيف لا أكون راضية، ومعجبة بك وأنت رجل طيب، وصادق ويحسن الظن بكل الناس.. حتى بالسيئ منهم، ولكنك يا عزيزي لست ماكراً، هل أنت ماكر؟
جتو    : لا. طبعاً لا. أنا ذكي ولست ماكراً، أنا أذكى من جتو، والدليل على ذلك أنني بعته هذا الدكان الخرب في أقل من نصف ساعة.
ليلى    : (باستغراب وضيق) ماذا؟ ماذا قلت؟ بعت الدكان لجتو المحتال؟
لقمان  : (بزهو) نعم، ووقّعت العقد معه.
ليلى    : (بانفعال) ماذا؟!
لقمان  : خير البر عاجله.
ليلى    : (بعصبية) خير البر عاجله يا غشيم. يا ساذج..
(تلطم وجهها نادبة حظها،يحاول لقمان تهدئتها. يطل جتو برأسه من خلف الدكان، يراقب خلسة ما يحدث بين الزوجين)
لقمان  : (وهو يلتفت حوله بحرج) اسمعي يا ليلى. سأصبح تاجراً، تاجراً غنياً، وسأشتري لك كل ما تشتهين من ثياب وحلي، لنذهب إلى البيت، فنحن في الشارع يا ليلى..عيب.
ليلى   : (وهي تبتعد عنه غاضبة) لن أعود إلى البيت، سأذهب إلى بيت أهلي، لا يمكن أن أعيش مع رجل غشيم لا يحسن التمييز بين الصالح والطالح من الناس.
لقمان  : (بما يشبه الهمس) ما هذا يا ليلى؟! إنك ترفعين صوتك في وجهي؟! وأين؟ في الشارع يا ليلى؟!
ليلى : (بصوت منخفض) هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها خداعك يا لقمان، إنك لا تتعلم من تجاربك، ولن تتعلم، ولذلك لن أعود إلى البيت ثانية.      
(يغلق الدكان، ثم يتبع ليلى التي تخرج غاضبة وهي تغمغم يقترب جتو من الدكان وعلى وجهه ابتسامة ماكرة)
جتو    : محل آخر يضاف إلى أملاكي، أما أنت يا لقمان الفهمان، ما عليك الآن إلا أن تحمي رأسك من الضرب، وولولة النسوان.
(يضحك بسخرية)
(يتغير المنظر،غرفة متواضعة وبسيطة في بيت لقمان. سرير صغير عليه غطاء قديم. كرسيان بلاستيكيان. باب الغرفة يقع على اليمين، وعلى اليسار نافذة غير كبيرة أسدلت عليها ستارة باهتة الألوان، لقمان جالس على أحد الكرسيين. فيما ليلى جالسة على حافة السرير، تنظر إلى لقمان بحرج وندم. الوقت: مساء)
لقمان : معك حق، كان يجب أن أفكر قبل أن أقدم على البيع.
ليلى   : (بضيق) لقد أخطأت.
لقمان : (بما يشبه الغمغمة) نعم، لقد أخطأت.
ليلى   : خطأ كبير لا يقترفه سوى..  
لقمان : (بانفعال) لا يقترفه سوى غشيم.. قوليها، لماذا صمت، أنا غشيم، غشيم.. غشيم.
ليلى   : (بحرج) لم أكن أقصد إهانتك، لكن..
لقمان : لكن ماذا؟  كنت  ستهجرين البيت: بيت الزوج الغشيم.
ليلى   : (بدلال) سأهجره إذا كررت الخطأ ذاته مرة أخرى..
لقمان : أنا نادم.. نادم جداً، ألا يكفي ذلك؟
ليلى   : لا. وما نفع الندم إذا كنا نكرر الوقوع في الأخطاء نفسها؟
لقمان :(بحيرة) ماذا أفعل يا ليلى؟ هل أصبح مثل جتو ماكراً و..
ليلى   : (بخوف) ماذا قلت؟ لو أصبحت مثل جتو المحتال لتركت البيت في الحال. ابق كما أنت، صادقاً، وطيباً.  
لقمان : لكن الطيبة لم تجلب لي سوى الخسارة، أليس كذلك؟ أما جتو فبمكره يربح ويربح.
ليلى   : يربح المال، لكنه يخسر الكثير: يخسر الأصحاب والخلان.
لقمان  : وأنا لا أحسن الاحتيال وإساءة الظن بالآخرين، فماذا أفعل؟
ليلى    : ابق كما أنت: طيباً، وصادقاً. ومخلصاً، ومحباً للجميع.. ولكن.
لقمان  : (كمن يجفل من حلم سعيد) لكن ماذا؟
ليلى    : كن حذراً أكثر، وخاصة مع المحتالين من أمثال جتو.
لقمان  : حسن، سأفعل.
ليلى    : لا تنس ذلك وأنت تذهب غداً إلى القرية لشراء الحصان أيها العطار.
لقمان  : أمر مولاتي.
 (يضحكان بسرور)
 (يتغير المنظر. دكان جتو الذي اشتراه من لقمان، في داخل الدكان طاولتان وضع عليهما جهازا كومبيوتر لاستخدامهما في ألعاب الكونتر. صور بعض المشاهير من الفنانات ومشاهير كرة القدم تغطي جدران الدكان. جتو في مدخل الدكان يحدث صبياً بلهجة آمرة. الوقت: صباح)
جتو    : هل عرفت ما هو المطلوب منك يا ولد؟
الصبي : نعم يا معلم. يبدأ العمل من الساعة الثامنة صباحاً، وينتهي مساءً: العاشرة مساءً.
جتو    : وفي حال وجود أطفال يريدون مواصلة اللعب بالكونتر حتى بعد العاشرة مساءً.. ماذا تفعل؟
الصبي : أبقى معهم حتى تفرغ جيوبهم من النقود تماماً.
جتو    : (بسرور و رضى) أحسنت.
الصبي : اطمئن يا معلمي، سيترك الكثير من الأطفال مدارسهم ويأتون إلى هنا، كما حدث معي تماماً.
جتو    : (بسرور) أحسنت، هيا نادهم، لقد بدؤوا بالتوجه نحو مدارسهم. افتح  يا سمسم.
الصبي : (ينادي بصوت عال) كونتر.. كونتر.. لدينا أحلى الألعاب: ملك الغابة: صديق الحيوانات والمقاتل الشرس. هاي لايف.. سباق السيارات. سباق الدراجات.. مباراة كرة قدم.. امرح وافرح بخمس ليرات فقط. كونتر. كونتر.
(يتقدم بعض الأطفال من المحل،ينظر بعضهم إلى الداخل بفضول. ويتحسس البعض الآخر جيوبه)
جتو    : (بسرور) أهلاً، أهلاً  بالحلوين.
الصبي  : تفضلوا، لدينا أحلى الألعاب المسلية.
(يدخل لقمان،يسير من أمام الدكان دون أن يلتفت نحوه. ينظر إليه جتو بنظرات ماكرة،يتبعه بعد تفكير قصير) 
            (ينادي الصبي بصوت عال) كونتر. كونتر.. سباق سيارات.. سباق دراجات.

(يتغير المنظر، طريق عام يؤدي إلى المدينة، على جانبيه تظهر بعض الشجيرات، وإطارات السيارات، وبعض البيوت البعيدة، يدخل لقمان وهو يقود عربة جر، يدندن بسرور. الوقت: قبيل الظهر)
لقمان : (لنفسه) عربة جميلة، جميلة ومتينة، كم ستفرح ليلى حين تراها! وستدرك أن زوجها ليس غشيماً، ستقول: أحسنت يا زوجي الفهمان: العربة للعطار أهم من الحصان، أمر الحصان هين، قد استخدم حماراً، نعم حماراً.. ولِمَ لا؟
 (يدخل جتو وهو يقود دراجة هوائية وقد تنكر في زي شاب عصري، يدور حول لقمان مؤدياً بعض الحركات الاستعراضية)
جتو   : صباح الخير أيها العم.
لقمان : (باستغراب وسخرية) صباح النور أيها الشاب.
جتو   : (لنفسه. باستغراب) أيها الشاب؟! لم يعرفني، لم يعرفني هذا الغشيم.
لقمان : إلى أين أنت ذاهب أيها الشاب؟
جتو   : طبعاً إلى المدينة، مدينتي الحلوة الحبيبة.. لا شك أنك ذاهب إلى القرية؟
لقمان  : القرية؟! طبعاً لا.
جتو    : إذن فأنت ذاهب إلى البادية؟
لقمان  : لا. لا. أنا أيضاً ذاهب إلى المدينة: مدينتي.
 جتو   : إلى المدينة.. وبهذه العربة؟!
لقمان  : وما بها العربة أيها الشاب؟!
جتو    : (يضحك بسخرية) عربة في المدينة؟ يا للعجب!!
لقمان  : (باستغراب) يا للعجب؟! وما العجب في ذلك أيها الشاب؟
جتو    : ألا تعلم أن طرقات المدينة معبدة بالإسفلت، وهي مناسبة لعجلات السيارات والدراجات، وليس لعجلات العربات، ولوقع حوافر الدواب؟ وخاصة الأحصنة التي لا تحسن السير إلا في الطرقات الترابية والبوادي.
لقمان  : أعرف، لكن..
جتو    : كما أنها تعيق حركة السير في المدينة.
لقمان  : هذا صحيح، لكن..
جتو    : وتلوث بيئة المدينة، مدينتك التي لا شك أنك تحبها، وذلك بما تطرحه الدواب التي تجر العربات من روث و.. أف.
لقمان  : أعرف،أعرف ذلك، لكنني لم أشتر هذا العربة لأتجول بها في المدينة، بل لأستخدمها في البيع والشراء وأنا أتجول في القرى البعيدة.
جتو    : الآن فهمت.. أنت عطار إذاً؟
لقمان  : نعم، سأعمل عطاراً.
جتو    : (يضحك) ستعمل عطاراً؟!
لقمان  : (ببساطة) نعم.
جتو    : (يضحك)..
لقمان  : لماذا تضحك؟!
جتو    :  كنت أظن أن هذه المهنة قد انقرضت وأصبحت من الماضي وخاصة في هذا الزمن : زمن وسائل النقل الحديثة والسريعة.. و ذات التكلفة المادية القليلة مثل هذه الدراجة مثلاً.
لقمان  : وهل هذه الدراجة أفضل من العربة والحصان؟
جتو    : نعم يا صديقي.. نعم يا سيدي، وخاصة في عمل مثل عملك.
لقمان  : (بعد تفكير) ولكن الحصان أقوى من الدراجة.
جتو    : هذا صحيح، ولكن إلى حين،لأن الحصان يشيخ ويمرض.
لقمان  : والدراجة تصاب بالعطب.
جتو    : ما أسرع إصلاحها، لكنها لا تنفق مثل الحصان، وتعطب بسرعة مثل العربة.
لقمان  : (بعجز) هذا صحيح. لكن..
جتو    : والدراجة لا تحتاج إلى طعام، ولا إلى سرج، ولا إلى إسطبل،وهي، بخلاف العربة، وسيلة نقل سريعة، جميلة، خفيفة، تصلح للعمل كما تصلح للرياضة وللنزهات والزيارات. ويمكن أن يستخدمها الرجال والنساء والأطفال على حد سواء.
لقمان  : (بعد صمت قصير. بندم) يا لي من مغفل! لقد أخطأت، أخطأت مرة ثانية.
جتو    : (بمكر) نعم، لقد أخطأت خطأً فادحاً.
لقمان  : (بصوت منخفض) ماذا سأقول لزوجتي؟!
(يدور جتو بالدراجة حول لقمان وهو يؤدي بعض الحركات الاستعراضية، يتابع لقمان ذلك بإعجاب، يقف جتو فجأة)
جتو    : ما رأيك في قيادتها؟ ستسر كثيراً.
لقمان  : (بسرور ورغبة) لا شك أنها مسلية و..
جتو    : أوه! إنها مسلية ومريحة جداً. خذ، تفضل وقدها.
(يقدم له الدراجة، يقود لقمان الدراجة بمرح)
لقمان  : إنها دراجة ممتازة، يا سلام، إنها أشبه بسيارة حديثة.
جتو    : إنها صناعة أجنبية، يعني: أصلية كما يقال.
لقمان  : ليتني كنت أملك واحدة مثلها!
جتو    :  تستطيع الاحتفاظ بها لنفسك يا سيدي.
لقمان  : (يقف،بسرور) أحتفظ بها لنفسي؟! شكراً، شكراً جزيلاً أيها.. (يصمت فجأة) لكن كيف؟ فأنا لا أملك نقوداً،اشتريت هذه العربة بكل ما كنت أملك من نقود.
جتو   : (يتصنع التفكير) حسن أيها الرجل الطيب، لقد أحببتك من كل قلبي،ولذلك سأقبل بهذه العربة بدل دراجتي الجميلة،الأصلية.
لقمان  : ماذا؟!
جتو    : لا تهتم بأمري يا سيدي، فأنا لدي دراجة أخرى مثلها، ثم إنني أريد مساعدتك،الناس للناس.
لقمان  : لكن..
 (يتأمل لقمان جتو بإمعان، يحاول جتو التهرب من نظراته الفاحصة، تخرج الجوقة المؤلفة من بعض الفتيان)
المجموعة :  احذر احذر      يا لقمان
                  انظر فكر       في إمعان  
                  لا تغفل  تمـسي   ندمان
                  كن أحكم      أو كن يقظان
                  واحذر يا          أطيب  إنسان
لقمان  : (لنفسه) غريب! إنه يشبه جتو كثيراً.. له نفس الوجه ونفس الصوت.
جتو    : ماذا قلت؟ هل أنت موافق؟
لقمان  : (بحيرة. لنفسه) هل يعقل أن يكون هو؟!
جتو    : لماذا لا تتكلم؟
لقمان  : (لنفسه) قد يكون أحد أقاربه: ابن عمه.. ابن خاله.
جتو    : ألست موافقاً؟ قل: نعم أم لا؟
لقمان  : من أنت أيها الشاب؟
جتو    : (باضطراب) أنا.. أنا..
لقمان  : ما هو اسمك؟
جتو    : اسمي.. اسمي جرتو.
لقمان  : حتى اسمك يشبه اسمه: جرتو! جرتو.. جتو.
جتو    : (بضيق مصطنع) ومن يكون جتو هذا؟ أنا لم أسمع بهذا الاسم الغريب من قبل. (لنفسه باستغراب مصطنع)
لقمان  : إنه جاري، السمسار جتو هو جاري، إنك تشبهه كثيراً.
جتو    : ألم تسمع المثل الذي يقول: يخلق من الشبه أربعين؟
لقمان  : (بعد تردد وحيرة) بلى. ولكن..
جتو    : بلا لكن. هل ستبادل أم لا؟
لقمان  : (في حيرة) لا أعرف.. هل قلت إنك لا تعرفه؟ لا تعرف جتو؟
جتو    : أف. أنت رجل غريب الأطوار، قلت لك: لا أعرف جتو هذا، أنا اسمي جرتو.. جرررتو. اسمع يا سيد، لقد غيرت رأيي، لن أبادل.
لقمان  : لا تنزعج يا أخي، إني أعتذر.
جتو    : لن أبادل وكفى.
لقمان  : أرجوك.
جتو    : (يتصنع الهدوء) حسن، لقد قبلت اعتذارك.
لقمان  : وهل ستبادل.
جتو    : (بعد لحظة تفكير) سأبادل وأمري لله.
لقمان) :(بسرور) شكراً، شكراً جزيلاً.  
(تتم عملية المبادلة بسرعة, يتجه كل واحد منهما إلى ناحية)
جتو    : (لنفسه. بسخرية) لقد بلع الطعم بسهولة، لو كان واثقاً من نفسه أكثر لكشف أمري، وعرفني، يجب أن ألحق به قبل أن يفلت من شِباكي.
(يتغير المنظر، الطريق المؤدية إلى المدينة نفسها، تظهر عن بعد بعض معالم المدينة بشكل غير واضح تماماً، يدخل لقمان وهو يقود الدراجة، يتجول بها في المكان ثم يخرج، يدخل بعدها جتو وقد تنكر في شكل آخر جديد: ليصبح شاباً يرتدي زي لاعبي كرة القدم، يلعب بالكرة التي يحملها، يبحث عن لقمان، وعندما لا يجده.. يخرج في إثره. يدخل بعدها لقمان حزيناً وهو يحمل دراجته على كتفه، يدخل جتو بعد قليل، ينظر إلى لقمان بسخرية ومكر، يلعب بالكرة، يجلس لقمان بتعب وحزن)
لقمان  : (بضيق) ابتعد يا ولد، العب في مكان آخر.
جتو    : (بسرور.لنفسه) أنا ولد؟! يبدو أنه لم يعرفني، لم يعرفني هذه المرة أيضاً. (يضحك بسخرية)
لقمان  : (بضيق) لماذا تضحك يا ولد؟
جتو    : (بضيق مصطنع) أنا لست ولداً، أنا لاعب كرة قدم.
لقمان  : المعذرة أيها الشاب.
جتو    : ماذا حدث لدراجتك؟ يبدو أنها معطوبة، هذا النوع من الدراجات سريع العطب، ارمها.
لقمان : (باستغراب) ماذا تقول.. أرمي دراجتي؟! 
جتو   : (بسخرية) إنها مجرد خردة، لا شك أنها مصنوعة من نفايات البيئة.
لقمان  : من نفايات ماذا؟! هل تعرف بكم اشتريتها؟ لقد.. لقد استبدلتها بعربة اشتريتها بخمسة آلاف ليرة.
جتو   : (يضحك بسخرية) بخمسة آلاف ليرة؟! لاشك أنك تمزح، قل أنني أمزح، قل وإلا قلت عنك: إنك رجل غشيم.
لقمان  : (بحرج ومكابرة) غشيم؟ لا. لا. أنا لست غشيماً، كنت أمزح معك فقط. أنا رجل ذكي، ولا يستطيع أحد خداعي بهذه البساطة، وإذا أحببت التأكد من أنني لست غشيماً، فما عليك سوى مرافقتي إلى المدينة، وهناك سترى ماذا أفعل بهذه الدراجة الخردة. سأبيعها لأول مصلح دراجات، ومن سيشتريها بمائه ليرة،أو أقل من ذلك سأقول عنه غشيم. (يتصنع الضحك)
جتو    : أنا أشتريها منك.
لقمان  : (باندهاش) أنت؟ ألست لاعب كرة قدم؟
جتو    : بلى، وأعمل مصلح دراجات هوائية أيضاً، سآخذها منك من أجل كرسي الدراجة فقط، أما باقي القطع فسيكون مكانها حاوية الزبالة.
لقمان  : ولكن..
جتو    : (يقاطعه) لكنني لا أملك الآن نقوداً، وبدل النقود سأعطيك هذه الكرة الجميلة والأصلية.
لقمان  : دراجة بكرة قدم؟!
جتو    : دراجة معطوبة وخردة بكرة قدم مثل هذه الكرة الأصلية؟ معك حق لاشك أنني مازلت غشيماً. هذا ما يقوله عني والدي دائماً ولكن ماذا أفعل؟ أردت مساعدتك، فقد تستفيد من هذه الكرة كما حدث معي.
لقمان : وماذا يمكن أن أستفيد منها؟ فأنا لست لاعب كرة قدم، ولا رياضياً.
جتو   : الكثير، فبقليل من التدريب قد تصبح لاعباً مشهوراً.
 (يرمي الكرة نحو لقمان, يلعبان)
لقمان : (بسرور) إنها لعبة مسلية.
جتو   : ومفيدة، عندما تصبح لاعباً مشهوراً، حينها، يا سلام.. تعال وتفرج: مال، وشهرة، ومحبة الناس. وأينما حللت ستسمع هتافات المعجبين بك.
(تزوغ نظرات لقمان في حلم بعيد، يسمع من خلاله أصواتاً تهتف باسمه. تدخل الجوقة بعد لحظات، تدور حول لقمان)
المجموعة :  احذر احذر       يا لقمان
                 انظر فكر         في إمعان   
                 فالمكر بعدّة     ألوان
                 لا تغفل تمسي   ندمان
                 كن أحكمَ        أو كن يقظان
                 واحذر يا  أطيب إنسان     
(تخرج الجوقة. يدقق لقمان النظر في وجه جتو)
لقمان  : غريب!
جتو    : (بحرج) ما هو الغريب؟
لقمان  : إنك تشبهه تماماً.
جتو    : (بارتباك) أشبه من؟
لقمان  : هاتان العينان هما عيناه، وهذا الوجه هو وجهه.. وصوتك.. إنه يشبه صوته؟!
جتو    : (وهو يحاول التهرب) من؟ عمك؟
لقمان  : لا.
جتو    : خالك؟
لقمان  : لا.
جتو    : (يصطنع الشعور بالضيق) من إذاً؟
لقمان  : صاحب الدراجة: المحتال صاحب هذه الدراجة الخردة.
جتو    : أنا محتال يا لقمان؟
لقمان  : (باستغراب) ماذا؟!
جتو    : (بارتباك مقصود) أقصد يا سرحان، أقصد: يا نعمان.. يا كروان يا سعدان؟ سبحان الله إنك تشبهه تماماً، تشبه سعدان.
لقمان  : أنا أشبه السعدان؟! أنا اسمي لقمان، وليس سعدان.
جتو    : إنك تشبه صديقي سعدان. ولكن.. يخلق من الشبه أربعين كما يقول المثل.
لقمان  : هذا صحيح  يا.. 
جتو    : اسمي.. فرتو. والآن يا سعدان.. أقصد: يا لقمان، هل ستبادل أم لا؟ فأنا على عجلة من أمري.
لقمان  : (بعد تفكير قصير) فرتو؟! غريب! حتى اسمك يشبه اسمه (لنفسه بصوت مسموع) فرتو. جرتو. جرتو وفرتو!!
جتو    : قلت لك إن المثل الشعبي يقول : يخلق الله من الشبه أربعين، هل ستبادل أم لا؟  قل بسرعة لأنني على عجلة من أمري.
لقمان  : (بعد تردد قصير) نعم.
جتو    : أحسنت أيها الرياضي.
(يتبادلان الدراجة والكرة، يخرج لقمان وهو يلعب بالكرة. يقود جتو الدراجة. وهو يحدث نفسه)
            كاد هذا الغشيم أن يعرفني؟ ولكنه بلع الطعم مثل سمكة صغيرة. لو أنه كان واثقاً من نفسه فقط؛ لاكتشف أمري، لكنه متردد و.. بسيط جداً، إلى درجة يثق فيها بمن هب ودب!! أما الآن فيجب إخفاء هذه الدراجة في مكان ما، واللحاق به بسرعة يا جرتو.
(يضحك بسخرية، يخرج بسرعة حاملاً الدراجة على كتفه)

(يتغير المنظر. الطريق نفسه، على مقربة أكثر من المدينة، يدخل لقمان حاملاً الكرة، يلعب بها، يظهر جتو من مكان ما خلف لقمان وقد تنكر هذه المرة في زي امرأة، يمر من أمام لقمان ويطلق ضحكة سخرية مصطنعة)
جتو    : رجال آخر زمن!!
لقمان  : (يكف عن اللعب. باستغراب) ماذا؟!
جتو    : لقد أكلت هذه الكرة عقولهم أيضاً، مساكين.
لقمان  : مساكين؟!
(يخرج جتو وهو يتمتم،يقف لقمان خجلاً، يعود بعدها للعب بالكرة، يدخل جتو مرة أخرى بعد أن تنكر في هيئة رجل عجوز، يقف أمام لقمان، ينظر إليه باستغراب واستهجان يضرب كفاً بكف،يكف لقمان عن اللعب عندما يلاحظ وجود جتو)
جتو   : ألا تخجل من نفسك؟
لقمان : لماذا؟ ماذا فعلت يا عماه؟!
جتو   : (لنفسه. بسرور) يا عماه؟ يا سلام.. لم يعرفني هذه المرة أيضاً (للقمان) كيف لم تفعل شيئاً؟ تلاحق كرة مملوءة بالهواء كالأطفال وتقول لي ماذا فعلت؟!
لقمان : كرة القدم رياضة الصغار والكبار يا عماه.
جتو   : (بعصبية مصطنعة) لا تقل يا عماه. أنا لست عم من يتصرف كالمجانين.
لقمان  : مجانين؟!
جتو    : عيب عليك، عيب والله العظيم عيب. استح على طولك.
لقمان  : لكن يا عمي..
جتو    : (وهو يخرج) جيل باع عقله، لا أدب ولا عقل.
           (يجلس لقمان بخجل وضيق)
لقمان  : (لنفسه) العجوز على حق، من المعيب لرجل مثلي اللعب بالكرة خاصة وأنني لم أكن في يوم من الأيام لاعب كرة، كيف لم أفكر بهذا حين بادلت الدراجة بالكرة؟ ماذا سأقول لليلى؟ لا شك أنها ستغضب مني أشد الغضب.
(يدخل جتو وقد تنكر في زي حكم مباراة كرة القدم، وقد تدلت من عنقه صافرة كبيرة، يقترب من لقمان وهو ينظر إليه بسخرية. يطلق عدة صافرات)
جتو   : هيا اقذف الكرة أيها اللاعب، لا تمسك بها؟ هيا قم وتابع اللعب. هيا أيها اللاعب.. (يطلق عدة صافرات ويخرج كرتاً أحمر) أنت مطرود، عليك مغادرة الملعب حالاً، نفذ الأمر بسرعة.
(ينظر لقمان إلى جتو بضيق، ثم بغضب بعد أن يدقق النظر في وجهه، يهب واقفاً ويمسك بخناقه)
لقمان  : من.. المحتال؟
جتو      : (خائفاً وهو يكاد يختنق) ماذا تفعل أيها اللاعب؟ أنت مطرود أنت ممنوع من اللعب في كل الملاعب المحلية والعالمية.
لقمان  : بل أنا من سيطردك من الحياة أيها المحتال، أيها اللص.
جتو    : (بخوف) أنا محتال؟ أنا لص؟! أنت واهم يا هذا.
لقمان  : أنا يا هذا يا.. يا جرتو. يا سارق الدراجة؟
جتو    : (بارتياح) جرتو؟ أنا لست جرتو.
لقمان  : بل أنت هو أيها المحتال، لقد عرفتك.
جتو   :  أنت واهم، أنا لست جرتو، أنا..
لقمان : (يهدأ. يدقق النظر في وجه جتو) فرتو! أنت فرتو، فرتو المحتال.
           (يضغط على خناقه) أيها المحتال. لن تفلت مني.
جتو   : أنا لست فرتو، أنا.. أبعد يديك عن خناقي.. أف. لقد جئت، أنا الحكم الدولي، لألعب معك، وأنت تريد قتلي؟ هذه ليست أخلاقاً رياضية (يقدم له الصافرة، ويأخذ منه الكرة ويتراجع إلى الوراء) حسن. انس الأمر، لنلعب معاً، أنت الحكم، وأنا اللاعب، سأقذف الآن الكرة،وإذا تأخرت بقذفها أطلق صافرة واحدة للتنبيه، وإذا تأخرت أكثر أطلق صافرتين لطردي من اللعب. لقد بدأ اللعب.
           (يتراجع جتو حتى يختفي، يطلق لقمان عدة صافرات)  
لقمان  : (يناديه) تنبيه. طرد.. هيا اخرج أيها اللاعب، أيها اللاعب.. (يبحث عنه، لنفسه بخيبة) لقد هرب، أخذ الكرة وترك لي هذه الصافرة،لاشك أنه هو: جرتو، أو فرتو. أو..غريب! لماذا لا يكون جرتو هو فرتو، وفرتو هو.. يا إلهي لقد خدعت! خدعني المحتال ماذا أفعل؟ ماذا سأقول لليلى، ذهبت لشراء حصان فعدت بصافرة؟! أنا رجل غشيم: غشيم وغبي وأستحق الضرب.
(يدخل جتو،يسير بحذر نحو لقمان الجالس بحزن وحيرة)
جتو    : (بصوت ممطوط يتصنع الود والمزاح) لقمان. لقمانو.. لق لق.
لقمان  : (يهب فجأة بغضب) من؟ المحتال جرتو وفرتو؟
جتو    : (بخوف واضطراب) لا. لا. أنا جتو، صديقك جتو.
لقمان  : (بخيبة) أنت. (يجلس بحزن وهو ينظر باستغراب إلى جتو)
جتو    : (بمكر) ما بك يا صديقي؟ لماذا تنظر إلي هكذا؟ اشتقت لصديقك جتو؟ أنا أيضاً اشتقت لك. لماذا لا تتكلم يا صاحبي؟
لقمان   : ماذا أقول يا.. جتو؟
جتو     : (يتصنع البراءة) أين العربة التي اشتريتها؟
لقمان   : (وهو ينظر إليه بريبة) العربة؟!
جتو     : (مستدركاً) أقصد الحصان، حصان لجر العربة: عربة العطارة.
لقمان   : وهل تريد أن تعرف؟
جتو     : نعم، ألست صديقك؟ 
لقمان   : بلى، بلى يا صديقي وجاري العزيز. كان يا مكان.. في هذا الزمان رجل طيب اسمه..
(يروي لقمان لجتو ما حدث معه وهما يخرجان)

(يتغير المنظر، دكان جتو، أطفال أمام وداخل الدكان يلعبون ويتصايحون، يدخل بعض قليل كل من جتو ولقمان)
جتو    : (يضحك) هكذا إذاً.. ذهبت لشراء حصان فعدت بصافرة؟
لقمان  : هذا ما حدث معي في طريق العودة.
جتو   : وماذا ستقول لزوجتك ليلى؟
لقمان : لا أعرف.
جتو   : لا شك أنها ستغضب منك أشد الغضب.
لقمان : هذا صحيح.
جتو   : مسكين.
(يتشاجر طفلان أمام الدكان، يتابع لقمان ما يحدث بينهما بفضول واهتمام)
طفل 1 : (وهو يبكي) أنت من سرق نقودي.
طفل 2 : لست أنا، أقسم لك إنني لست أنا من سرق نقودك.
طفل 1 : ماذا سأقول لوالدي؟ أعطاني النقود لأشتري بها أدوات هندسية فسُرقت مني.
طفل 2 : وماذا سأقول أنا لوالدي؟ أعطاني النقود لأسدد بها دين السمان فجئت إلى هنا لألعب مرة واحدة فقط، ولكنني نسيت نفسي فرحت ألعب وألعب.. حتى أنفقت كل ما كان لدي من نقود.
طفل1  : (يبكي) لن أذهب إلى المدرسة بلا أدوات هندسية؟ سيعاقبني المعلم.
طفل 2 : (يبكي) وأنا لن أذهب إلى البيت قبل أن أسدد دين السمان.
           (يبكيان)
لقمان   : (بضيق زائد) ما هذا يا جتو؟
جتو     : (يضحك) ألعاب أطفال، ألعاب مسلية ومثيرة جداً، وهي مسلية للكبار أيضاً، ما رأيك أن نلعب معاً؟
لقمان  : إنها ألعاب مسيئة يا جتو، وخاصة للصغار.
جتو    : لكنها مفيدة ومربحة لي.
لقمان  : (بضيق) حتى الأطفال يا جتو؟!
جتو    : من أجل الحصول على المال كل شيء مباح وحلال.
لقمان  : هكذا إذاً؟
جتو    : نعم يا صديقي، ليس هناك شيء أهم وأفضل من المال، لا الأهل ولا الخلان، ولا حتى الأطفال.
لقمان  : (لنفسه) أكاد أقسم إنك هو: جرتو وفرتو أيها النصاب.
جتو    : بماذا تفكر يا لقمان؟
لقمان  : (لنفسه) ماذا أفعل مع هذا النصاب؟
جتو    : (بسخرية) هل تخشى الذهاب إلى البيت يا صديقي؟
لقمان  : (لنفسه) سيفسد هذا المحتال كل شيء.. حتى الأطفال.    
جتو    : (بسخرية) هل تخشى غضب زوجتك؟
لقمان  : لا.
جتو    : لا؟! أقسم إنها ستفقد عقلها.
لقمان  : لن تفعل ليلى ذلك؟
جتو    : بل ستفعل.. إنها امرأة سريعة الانفعال.
لقمان  : أنت واهم.
جتو    : واهم؟! قد لا تلجأ إلى الصياح والولولة، هذا صحيح،لأنها ستشبعك ضرباً. (يضحك بسخرية)
لقمان  : ماذا تقول.. ليلى تضربني؟! أنت واهم. واهم جداً.
جتو    : نعم ستضربك، وبعد الضرب ستهجر البيت من غير رجعة.
لقمان  : ليلى زوجة طيبة ومحترمة، ولا يمكن أن تفعل ذلك.
جتو    : (بسخرية) أنت رجل غشيم فعلاً، لا تعرف شيئاً عن النساء، لكن اليوم، حين تروي لها كل ما حدث لك،سترى كيف تغضب،ويجن جنونها.
           (يضحك بسخرية)
لقمان  : لن تغضب ليلى.
جتو    : وأنا أقول لك إنها ستغضب، كما حدث عندما بعت الدكان، لقد رأيت وسمعت كل ما دار بينكما.
لقمان  : لن تغضب.
جتو    : بل ستغضب.
لقمان  : أف، دعني أذهب يا جتو وكفى ثرثرة.
جتو    : هل تراهن أنها ستغضب؟
لقمان  : أراهن؟! أراهن على ماذا؟
جتو    : على أي شيء.
لقمان  : لا أملك أي شيء أراهن عليه، فدعني أذهب.
جتو    : بل تملك يا صديقي.. تملك البيت.
لقمان  : وهل تريد أن أراهن على البيت؟!
جتو    : تراهن أنت على بيتك، وأراهن أنا على الدكان: الدكان الذي اشتريته منك.
لقمان  : هل جننت؟!
جتو    : قد تكسب الرهان يا عزيزي، فيعود لك دكانك.
لقمان  : لا.
جتو    : (بمكر) الدكان بما فيه من أجهزة كومبيوتر.
لقمان  : (وهو يفكر) حقاً؟
جتو    : نعم، وستكسب من الأطفال الكثير من النقود.          
لقمان  : (بسرور) ولكن..
جتو    : بلا لكن يا صديقي، إنها فرصة العمر،إذا غضبت زوجتك فصرخت أو بكت، أو لجأت إلى ضربك..فإنك ستتنازل لي عن بيتك.
لقمان  : (لنفسه) هكذا إذاً أيها المحتال؟ سرقت مني العربة والدراجة والكرة، والآن جاء دور بيتي.
جتو    : (لنفسه) أنا أعرف أنها ستغضب، وكيف لا تغضب وزوجها ذهب ليشتري حصاناً فعاد بصافرة. هيا وافق يا لقمان الغشيم لأستولي على بيتك أيضاً.
(تخرج الجوقة، تغني وترقص وهي تدور حول لقمان الذي يفكر بقلق)
المجموعة :  لا تخش شيئاً    لقمان
                  كن أحكمَ     أو كن يقظان
                  بالحكمة تصبح   سلطان
                  كن أحكمَ فالعقلُ ضمان
لقمان  :  (لنفسه) أنا أعرف أن ليلى لن تسيء إليَّ أمام غريب. وخاصة أمام رجل لئيم مثل جتو، لكن ماذا لو غضبت فعلاً؟ يجب أن أكون حذراً جداً هذه المرة.
جتو   : لماذا لا تقل شيئاً يا لقمان؟ هل أنت موافق أم لا؟
لقمان : (بعد تردد قصير) أنا موافق يا جرتو.
جتو   : جرتو؟!
لقمان : (بسخرية) أقصد يا فرتو.. أقصد: يا صديقي وجاري جتو.
جتو   : حسن، وعقد البيع والشراء جاهز.
(يوقعان على العقد، يخرجان،يعلو صوت صبي الدكان بالنداء)

(يتغير المنظر. أمام دار لقمان: منزل متواضع في حي شعبي، ليلى زوجة لقمان واقفة أمام باب الدار تنتظر قدوم لقمان وهي قلقة يدخل لقمان وجتو، يقفان في مكان غير بعيد عن ليلى، يتردد لقمان في التقدم نحو ليلى، يدفعه جتو إلى الأمام. الوقت: بعد الغروب)
جتو    : (بهمس) تقدم.
لقمان  : (بهمس وتردد) اصبر قليلاً.
جتو    : إنها بانتظارك.
(تنتبه ليلى لوجودهما)
ليلى   : من؟ من هناك؟ من أنتم؟ لماذا لا تجيبون؟ هل أنتم لصوص؟ (تنادي بصوت مرتفع) يا ناس.. يا أهل الحي.لصوص.في بيتنا لصوص..
        (يندفع لقمان نحو زوجته بسرعة وخوف)
لقمان  : هسس.. أنا لقمان يا ليلى: زوجك لقمان.
ليلى   : (بفرح) لقمان؟ زوجي العزيز؟ لماذا تأخرت؟ قلقت عليك كثيراً.
لقمان : أنا بخير يا زوجتي العزيزة.
ليلى   : (تنظر ناحية جتو الذي يقف في الظلمة، تندفع نحوه) لماذا تركت الحصان هناك؟ سأجلبه إلى الداخل. (لجتو) تعال أيها الحصان تعال.
جتو   : أنا..أنا جتو يا جارتنا.
ليلى   : (تقف كالمصعوقة) جتو؟! هل مُسخ جتو إلى حصان؟! غريب!!
جتو   : (بضيق)لا. لا. أنا لست حصاناً.. أنا جاركم جتو. لماذا لا تتكلم يا لقمان؟ قل شيئاً يا أخي.
لقمان : إنه جتو: جارنا جتو وليس حصاناً.
ليلى   : جتو؟! ذهبت لشراء حصان فعدت بجتو؟!
جتو   : (لنفسه. بسرور) بداية حلوة.
ليلى   : أين الحصان يا لقمان؟ ألم تشتر حصاناً؟
لقمان : بلى، اشتريت،اشتريت. أقصد: اشتريت عربة بدل الحصان،لأن العربة أهم من الحصان، الحصان يأتي فيما بعد، حصان أو حمار.. لا يهم.
ليلى  : حسن، كلام معقول. أين العربة؟ هل هي متينة ومناسبة؟
جتو  : (بسخرية) العربة؟ قل لها ماذا فعلت بالعربة يا صديقي.
لقمان : (وهو يقترب من ليلى) لسانك حصانك  يا ليلى.
ليلى   : (بعدم فهم) ماذا.. لساني حصاني؟!
جتو   : (يضحك بسخرية)..
لقمان  : نعم يا زوجتي الفهمانة.. لسانك حصانك، إن صنته صانك.
ليلى   : وإذا لم أصنه؟
لقمان : والله إذا لم تصونيه..  ضاع دارك بعد دكانك.
جتو   : (يطلق صافرة محذراً) لقمان.. انتبه.
لقمان : اسمعي يا زوجتي الذكية، بعد أن اشتريت العربة، وكانت عربة متينة، وجميلة، ومناسبة جداً، جداً..
ليلى   : (تقاطعه) حسن، حسن. أين هي؟
لقمان : إنها..
ليلى   :  ماذا حدث لها؟ هل صدمتها سيارة كبيرة فحطمتها؟
لقمان : لا. لم يحدث ذلك.
ليلى   : (بنفاد صبر) هل سُرقت منك؟ ماذا حدث للعربة يا لقمان؟
جتو   : جاري بدل العربة الجميلة بدراجة: دراجة هوائية.
ليلى   : (باستغراب) ماذا؟! بدلتها بماذا؟!
جتو   : بدراجة هوائية.
ليلى   : (بضيق) اصمت أنت يا جتو،لا علاقة لك بالأمر.
لقمان : نعم. اصمت أنت يا جتو، لا علاقة لك بالأمر.
ليلى   : (لجتو) هيا اخرج من بيتي.
لقمان : نعم. هيا اخرج من بيتي.
جتو   : (محذراً) لقمان؟!
لقمان : (مستدركاً) لا. ابق. (لليلى) يجب أن يبقى.. إنه ضيف يا زوجتي العزيزة الذكية.
ليلى   : (بضيق) من هو صاحب الدراجة؟ هل تعرفه؟
لقمان : (بحرج) أعرفه؟ لا.  قد يعرفه جارنا جتو، ألا تعرفه يا جتو؟
جتو   : لا.  كيف لي أن أعرفه وأنا لم أره؟
لقمان : غريب؟! لقد كان يشبهك، وكان اسمه جرتو. اسمه أيضاً كان يشبه اسمه يا زوجتي اللماحة الذكية.
جتو    : يخلق من الشبه أربعين.
لقمان  : حتى أنه قال لي هذا المثل، شبه غريب، أليس كذلك يا زوجتي العزيزة؟
ليلى    : (بضيق) بماذا تثرثر يا لقمان؟! أنا لا أفهم ما تقوله.
جتو    : (بفرح) تثرثر؟ قالت: تثرثر.
(يأخذ الصافرة من لقمان ويطلق  صافرة)
لقمان   : اللبيب من الإشارة يفهم يا ليلى.
ليلى   : (لنفسها) لو لم أسامحه في المرة السابقة لما أخطأ ثانية. هل أهجر البيت؟ أم أولول نادبة حظي العاثر مع هذا الرجل الغشيم؟ أم..ماذا أفعل؟
جتو   : لا شك أن جارتنا غاضبة.. أليس كذلك؟
ليلى   : نعم. أنا..
جتو   : (بفرح. يطلق صافرة) قالت نعم، يعني: أنها غاضبة. هل سمعت ذلك يا لقمان؟ جارتنا غاضبة. (يطلق عدة صافرات)
لقمان : (بضيق) لسانك حصانك يا زوجتي.
جتو   : (بسخرية) حصانك؟ الحصان الذي أصبح في خبر كان.
لقمان : هل صحيح أنك غاضبة؟
جتو   : لا شك أنك ستضربينه على أم رأسه؟
ليلى   : (باستهجان) أضربه؟! أنا أضرب لقمان؟!
جتو   : إذاً ستهجرين البيت غاضبة.. أليس كذلك؟
ليلى   : لا.
جتو   : هل ستكتفين بالبكاء كالنساء العاجزات؟
ليلى   : (بعد لحظة تفكير وشك) وما علاقتك أنت بالأمر؟
جتو   : (بخيبة) ألست غاضبة؟ ما حدث لجاري مثير للغضب. سامحك الله يا جاري العزيز.. عربة بدراجة يا لقمان؟!
ليلى   : (لنفسها) طبعاً أنا غاضبة، ولكن لن أظهر ذلك أمامك أيها الماكر.
لقمان  : هل أنت غاضبة يا زوجتي الذكية؟
جتو   : (للقمان) طبعاً غاضبة. عربة بدراجة يا لقمان؟! أمر يثير الغضب فعلاً.
ليلى   : (بعد صمت وتنظر بضيق إلى جتو) بل أنا سعيدة.
جتو   : ماذا.. سعيدة؟!
لقمان : (بسرور) شكراً يا زوجتي الطيبة.
ليلى   : أين هي دراجتنا؟ أريد أن أراها.
لقمان : اصبري يا زوجتي العزيزة.
ليلى  : (وهي تحدج جتو بنظرة ضيق) الدراجة وسيلة نقل سهلة، ومفيدة للعمل ولممارسة الرياضة.
لقمان : (بسرور) أحسنت يا زوجتي الذكية.
جتو   : (بسخرية وبحنق) أحسنت؟! كيف ستمارس جارتنا العزيزة الرياضة والدراجة .. (يضحك بسخرية)
ليلى   : ماذا حدث للدراجة؟! هل سرقت منك يا لقمان؟
جتو   : (يضحك بسخرية) لماذا لا تتكلم  يا جاري العزيز؟
ليلى   : ما الحكاية يا لقمان؟ أين الدراجة؟ ألم تقل إنك بادلتها بالعربة؟
لقمان : (بحرج) بصراحة..
ليلى   : تكلم يا لقمان.    
لقمان : اعلمي يا زوجتي اللبيبة..
ليلى   : (بعصبية) أين الدراجة يا لقمان؟
جتو   :  أين الدراجة يا لقمان؟
ليلى   : اصمت أنت يا جتو.
لقمان : نعم، اصمت أنت يا جتو.
ليلى   : هيا اخرج من بيتي.
لقمان : نعم، هيا اخرج من بيتي.
جتو   : (يطلق صافرة محذراً) لقمان.. هل نسيت؟
لقمان : ابق. لا تخرج.
ليلى   : أين الدراجة يا لقمان؟ لماذا لا تتكلم؟
لقمان : (بحيرة وخوف) هل قلت: الدراجة؟
جتو   : لا شك أن جارتنا تقصد: الدراجة التي بدالتها بكرة يا صديقي؟ 
لقمان : اصمت أنت يا فرتو.
ليلى   : ماذا؟ هل بدلت الدراجة أيضاً؟
جتو   :  بكرة.. كرة قدم.. كرة جميلة.
لقمان : اصمت يا جتو.
ليلى   : (بضيق زائد) لقمان!!
جتو   :  لا شك أنك غاضبة يا جارتنا العزيزة، وكيف لا تغضب امرأة من زوجها حين يبدل كرة بدراجة! لو فعلت أنا ما فعله جاري الطيب لقمان ؛ لجن جنون زوجتي، وربما لجأت إلى ضربي.
ليلى   : (بانفعال) لقمان.
لقمان : كوني عاقلة يا ليلى.
ليلى   :(لنفسها) عاقلة أيها الغشيم؟! ماذا أفعل؟ هل أولول نادبة حظي؟ هل أهجر هذا البيت دون رجعة؟ ماذا أفعل؟ لقد أضاع كل شيء: الدكان والعربة، والدراجة… يا لحظي العاثر! ماذا أفعل الآن؟
لقمان : هل تعرفين من احتال علي هذه المرة أيضاً يا زوجتي الذكية؟
ليلى   : من؟
لقمان : جتو.
جتو   : أنا؟!
لقمان : أقصد: فرتو. فرتو الذي كان يشبه جتو: جارنا جتو.
جتو   : يخلق من الشبه أربعين يا صديقي.
لقمان : هذا صحيح. جرتو أيضاً كان يشبه جتو.
ليلى   : ليشبه العفاريت، لقد أضعت كل شيء يا لقمان.
جتو   : هذا صحيح يا جارتنا، لقد أضاع جاري العزيز كل شيء.
لقمان : (بخوف) لسانك..
جتو   : مسكينة أنت يا جارتنا.
ليلى   : (بعصبية) لقمان.
جتو   : من الخير لك أن تهجري البيت يا جارتي المسكينة.
ليلى   : (بضيق يزداد) لقد أضعت الدكان فلم أفعل شيئاً.
جتو   : والحصان، أقصد: العربة المتينة.
ليلى   : وأضعت العربة.. فلم أقل شيئاً.
لقمان : (بخوف زائد) كوني عاقلة يا ليلى.
ليلى   : أضعت الدراجة أيضاً، وعدت لي بكرة بدلاً عنها..  فقلت: لا بأس.
لقمان : (بخوف) لسانك حصانك يا ليلى.
ليلى   : لا أريد الحصان ولا الدراجة.. أريد الدكان الذي بعته لهذا السمسار.
لقمان : لكنني اشتريت بثمن الدكان عربة يا ليلى.
جتو   : والعربة أصبحت دراجة، والدراجة تحولت إلى كرة (يلعب بالكرة التي يختطفها من يد لقمان)
ليلى   : ماذا قلت يا لقمان؟
لقمان : كوني عاقلة واصبري قليلاً. 
ليلى   : لم أعد أصبر، قد يذهب بيتي أيضاً إن صبرت أكثر.
لقمان : بالعكس يا زوجتي، إذا لم..
جتو   : (بلهجة تحذير) لقمان.
لقمان : هل أنت مصرة؟
ليلى   : نعم.
لقمان  : (بعد تفكير قصير) حسن، أنا موافق.
جتو    : (وهو يحاول أن يقترب منهما أكثر) ألست غاضبة يا جارتنا؟
لقمان  : ستعود لك كل هذه الأشياء: الدراجة والعربة والدكان، ولكن دون لقمان.
جتو    : يا سلام. فكرة ممتازة.
ليلى    : دون لقمان؟ يعني دونك أنت؟
لقمان  : نعم و لا.
ليلى  : نعم و لا؟! لم أفهم!
جتو  : أنا أيضاً لم أفهم، ولكن هذا لا يهم. المهم هو أنك غاضبة، أليس كذلك؟
لقمان : أقصد: أنني لن أعود كما كنت، بل سأصبح مثل جتو تماماً.
ليلى   : (بضيق واستغراب) مثل من؟ مثل هذا؟!
جتو   : يا سلام!! تريد أن تصبح مثلي..
ليلى   : (تقاطعه. للقمان) تريد أن تصبح مخادعاً، وماكراً؟
جتو   : أنا مخادع و..؟!
لقمان : نعم، من أجل دراجة.
ليلى   : وتصبح لصاً؟
جتو   : أنا لص؟!
لقمان : نعم، من أجل عربة وحصان أيضاً.
ليلى   : وتصبح أنانياً تستغل الناس بلا رحمة؟!
جتو   : ما هذا الكلام يا جارتنا؟ هل أنت غاضبة من لقمان أم لا؟ هذا هو المهم الآن.
لقمان : عندما أصبح مثله سيعود لك الدكان، ومعه الكثير من الأموال.
جتو   : هل أنت غاضبة أم لا؟         
ليلى   : (بعد تفكير) طبعاً لا.
جتو   : لا؟!
ليلى   : لم أعد أريد العربة ولا الدراجة ولا حتى الدكان. 
جتو   : و ماذا تريدين إذاً؟
ليلى   : أريد بدلاً منها زوجي الطيب لقمان.
جتو   : (بسخرية وحنق) لقمان الذي أضاع الدكان والدراجة؟ 
ليلى   : أين الكرة يا زوجي الطيب؟ أحب أن ألعب بها.
جتو   : لا أصدق ما أسمع!   
ليلى   : ارم الكرة.
لقمان : حاضر يا زوجتي الطيبة.
(يقف حائراً، خجلاً، ينقل جتو نظراته الساخرة بين ليلى و لقمان)
           لقد سرقها أحدهم، أعطاني صافرة وخطف الكرة.
جتو   : (بسخرية وهو يقدم الصافرة لليلى) وهذه هي الصافرة يا جارتي هذه الصافرة بدل الكرة. بل بدل الدراجة، بل بدل العربة،بل بدل الدكان.. مسكين يا لقمان، ذهبت لشراء حصان فعدت بصافرة؟!
ليلى    : (تتأمل الصافرة بضيق. لنفسها) آه منك يا لقمان! ماذا أقول لك؟ ماذا أفعل؟ صافرة يا لقمان؟!عدت لي بصافرة؟ لكن لا بأس. لن أفعل شيئاً أمام هذا المحتال، سأصمت، بل سأفرح كي لا يشمت بك هذا اللئيم..وبعدها سنرى. (تطلق عدة صافرات، بفرح وسعادة) صافرة جميلة. صوتها موسيقى.  
جتو   : ماذا؟ موسيقى؟! (لنفسه) لاشك أنها فقدت عقلها.. مسكينة.
ليلى   : أنت رجل عبقري يا زوجي الفهمان.
جتو   : عبقري؟! لقمان عبقري؟!
لقمان : ألست غاضبة يا زوجتي الحلوة والذكية؟
ليلى   : طبعاً لا. كيف أغضب وأنت جلبت لي هذه الصافرة الجميلة والمفيدة؟ (تطلق عدة صافرات) يمكن أن تستخدمها للنداء، وذلك بدل أن تنادي الآخرين بصوت عال. ويمكن أن تستخدم للتنبيه،وكذلك لـ…
لقمان : إذن أنت لست غاضبة؟
ليلى   : بل أنا مسرورة،وسعيدة جداً. (تزغرد)
جتو   : (بغضب وحنق) غير معقول. لا أصدق ما يحدث!!    
(يهم بمغادرة المكان.يناديه لقمان)
لقمان : إلى أين يا جتو؟
جتو   : إلى الجحيم.
لقمان : هات العقد، لقد خسرت الرهان يا جاري الفهمان.
جتو   : (يقدم له العقد) أكاد لا أصدق، مجانين، مجانين.
(يأخذ لقمان الصافرة من ليلى. يطلق عدة صافرات) 
لقمان : (بسخرية) ضربة مرمى. هدف.  طرد.. مع السلامة.
(يخرج جتو وهو يغمغم بضيق، يضحك لقمان بسرور)
ليلى    : (بغضب مكتوم) لقمان، ماذا فعلت يا لقمان؟! لقد أضعت كل شيء يا زوجي الفهمان.
لقمان  : بل استرجعنا الدكان، عاد إلينا الدكان أحسن مما كان.
ليلى    : عاد الدكان؟! هل تسخر مني يا فهمان؟
لقمان  : لا. لا يا زوجتي الطيبة والصالحة. عاد دكاننا مع أجهزة كومبيوتر (يقدم لها العقد، تقرأ) اسمعي، سأستخدم هذه الأجهزة الرائعة لتعليم أطفال الحي، سأطلب ممن يحسن استخدام هذا الجهاز الرائع أن  يعلم الأطفال عليه.
ليلى    : أحسنت يا لقمان الطيب.
لقمان  : والفهمان أيتها الزوجة الصالحة. لقمان الفهمان.
ليلى    : وليلى الفهمانة: الصالحة والفهمانة.
(يضحكان. تدخل الجوقة)
المجموعة : انظر فكر         في إمعان   
                فالمكر بعدّة     ألوان
                لا تغفل تمسي   ندمان
                بالفكر ستصبح     سلطان
                كن أحكم    فالعقل ضمان
                كن أحكم    فالعقل ضمان
      
                         انتهت
قامشلي
صيف -2006

·        تنويه :

  المسرحية مستمدة من حكاية شعبية كردية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…