أحذيةٌ كُردية مُعلّقة و نِعالٌ كُردية تَعلو العَمَامَات

آزاد عنز
هكذا هيَ المُدنُ تَبقى حيَّةً ما دامَتِ الحَياةُ حيّةً باقيةً في ثَورةِ هَيجانِها المُضطَربِ لا يَخذُلُها التُرابُ ولا الهَواء ، ما يَخذُلُها أحياناً هو الآدَميُّ صَنيعُ التُّرابِ ، ما لا يَخذُلُهُ التّراب لا يُخْذَلْ ، هكذا هي المُدن .
أورمية إطلالةُ المَشرقِ الكُرديّ في الشرقِ الكُرديِّ المُلحَقِ بالأرضِ الفارسيةِ ، نهدُ البُحيرَةِ – بُحيرَةُ أورميةَ الضاربةُ بِجذُورِها أعماقَ الأرضِ،نهدُ البُحيرَةِ و مَهدُكَ يا زرادشتُ النبيُّ الكَهلُ العَجوزُ الكُرديُّ  بانيَ الأفيستا الذي سَيَعبُرُ بأحفَادِ الكُردِ على جِسرِ جينفات مُرُورَاً إلى الفِرْدَوسِ المُنتَظَرِ المُشرِقِ بنُوركَ يا أهورامزدا ربِّ الكُرديِّ و غيرِ الكُردي.
أورمية … الأرضُ المُعلّقَةُ أبداً ، ترابٌ مُعلّقٌ ، هواءٌ مُعلّقٌ ، بُحيرَةٌ مُجَفَفَةٌ مُهَدَدَةٌ بالانقراضِ مُعَلّقَة ، حِذاءٌ مُعلّقٌ ، و نِعالٌ مُعَلّقَةٌ ، أجسادٌ كُرديةٌ مُمتلِئَةٌ و هَزيلةٌ مُعَلّقَة ، أفخاذٌ و سَواعِدٌ مُعَلّقَةٌ كانتْ تَحرُثُ أراضيَ الكُرد المُعلقة ، رِقابٌ كُرديّة مُعَلّقَةٌ تَتوسَطُ حَلَقاتِ الحِبالِ المُعلّقة ، ابتساماتٌ مُعَلّقَة لا تَودُّ الرّحيلَ عنْ شِفاهٍ مُعَلّقَة ، نِكاحٌ كُرديٌ مُعَلّقٌ ، خِصىً مُمْتَلِئَةٌ مُعَلّقَة ، حَيواناتٌ مَنويةٌ كُرديّةٌ مُعَلّقَةٌ كَانَتْ سَتَهِبُ أطفَالاً كُرداً مُعلقِين ، نبيٌّ كرديٌّ مُعَلَّقٌ فيما لو بَقيْتَ حيّاً يَقينَاً كُنْتَ سَتُعَلّقُ يا زرادشت ، إذاً قَضيةٌ كُرديةٌ مُعَلّقَة ، و حِبالٌ فَارِسيةُ مُعَلّقَةٌ أيضاً ، هذه هي أورمية التي لا تَزالُ مُكَبَلَةً و الحِبالُ تَربُطُ عُنُقَها و تُعَلِّقُ جَسَدَها لا تودُّ الإطلاقَ ولا الانْفِكاكَ و لا التّحرِير.
أحذيةٌ كُرديةٌ مُعَلّقَةٌ و نِعالٌ كُرديّةٌ تَعلو العَمَامَات ، مُتْ وَحيداً أيّها الكُرديّ ، لا السّماءُ تَحمِلُكُ و لا الأرضُ تَحتَضِنُكَ ، مُتْ مُعَلّقاً كما أنتَ مُتْ كمَا لم يمُتْ أحدٌ قَبلَك، نُخْبُ الحِبالِ الفارسِيّةِ المَشدودَةِ بِثِقْلِ الكُرديّ المَمدودَةِ المُعَلّقةِ و الحِذاءِ الكُرديِّ المُعَلّقِ أيضاً ، نَخْبُكِ أورميةُ، ابقِي مُعَلّقَةً لا تسقُطي ، دَعْكِ مِنَ السّقوطِ ،سُقوطُكِ سَيَطحَنُ العَمَامَات ، ابقوا مُعَلّقينَ يا وَرَثةَ القاضي هَكذا كمَا عُلِّقَ قَبْلَكمْ و كمَا سَيُعلّقُ بَعْدَكمْ ، ابقوا هَكذا فنَحنُ خُلقْنا مُعَلّقِين .
ابقوا مُعَلّقِين كمَا عُلّقَتْ مَهَابَادُ في السابعِ و الأربعينَ الطِفلَةُ المُجْهَضَةُ ابنةُ الأحدَ عَشَرَ شَهراً طِفْلَةُ أقصى الشَمالِ الغَربِيّ الحَاضِرةُ في الوَثائقِ الرّسمِيّةِ ، أرْضٌ كُرديّةٌ عَقارٌ كُرديٌّ مُسَجَلٌ في السّجِلِ العَقاري الفارسي، جَارةُ أورميةَ و وارِثَتُها في التّعليقِ ، أرضٌ كُرديّةٌ لمْ تُورثِ الكُردَ إلّا حِبالاً مَمدودَةً مُعلّقة.
مَهَابَادُ ابنَةُ القاضي و أقَصى الوادي مَولُودةُ الابتسَامَاتِ المُختَصرَةِ لمْ يُكتَبْ لَها التّدوِينُ ولا طُولُ البقاءِ في عَهْدِ الشّياهِ ، الشاهُ الإبنُ عَهْدُ المَصائِدِ المُعَمّدَةِ في العَصرِ المُتَأَرْجِحِ بينَ القديمِ و الحَديثِ عَهْدُ الخِيانَاتِ المُلازِمَةِ للخَدِيعَةِ الكُرديّة المَطمُورةِ في التّراب.
نُصِبَتِ الأعمدةُ و هُيّئَتِ الحِبال و مُدَّتْ هَكذا لا يَنقُصُها إلّا جَسَدٌ كُرديّ مُهَفْهَفٌ أوْ شَحِيمٌ يَهِبُ نَفَسَهُ ليَكتَمِلَ المَشَهَدُ على فَرَاغِه ، أعدَدَتَ الحَبلَ بِكلتَا يَدَيكَ يا ترومان و عَقَدَتْ رِبَاطَهُ أنَامِلُ ستالين الجَسِيمة ، لِمَا كُلُّ هذا يا سَادة ؟ لِماذا يا ستالين يا زَعيمَ الخَيْبَات؟
أعمدةٌ مَنصوبةٌ و حِبالٌ مَمدودَةٌ و حَلقاتٌ مَعقودَةٌ هَذهِ هيَ لَوازِمُ المَوتِ الكُرديّ، الإجهاضِ الكُرديّ، الوَأدِ الكُرديّ، الطَمْرِ و الطَميِ الكُرديّ جَهاراً ولَنْ تُسْعفَ الصُورةَ إلى كَمَالِها إلّا و أنتَ تَضرِبُ بِقدَمِكَ اليُمنى أسفَلَ الكُرسيّ مُبتَسِمَاً يا شاهُ فَتَدَلّى الجَسَدُ هَاوِياً مُتَرَنّحَاً و عُلّقْتَ مَشنُوقاً أيّها القَاضي ، ابتسمْ يا شاه ، الكُردُ أيضاً يُعَلَقُونَ مُبْتَسِمين ، ابتسمي يا جارجرا لا تَلِيقُ بِكِ المَأسَاةُ هَكذا هيَ السّاحَات .
كاتب كُردي سوري

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…