قارو… قصة قصيرة جداً

وليد معمو 
في كل موسم من مواسم تزواج كلاب القرية ، كان قارو كلب الجيران يذهب ويصعد سطح معصرة الزيتون القديمة  المنخفض من طرف ،  ككل أبنية معاصر كورداغ القديمة في منحدرات آمكا ، ويختار منطقة تؤمن له أكبر زاوية مناسبة للرؤية ، لتصبح مكان قعوده المؤقت ،  ريثما ينتهي شهر التزاوج الدامي !!.
هرباً من حرب أقرانه الكلاب ، وتنازلاً طوعياً منه  عن حقه وفرصته المحتملة ، بأن يكون هو الكلب الذكر المنشود الذي سيظفر بوصال الكلبة ديلا ، الكلبة السبب لكل هذه المعارك . 
في الاسفل على الأرض ،  بدأت المعركة كالمعتاد ، في صبيحة ذات ، وكان قارو قد اتخذ موضعه على سطح المعصرة الكبير ، وبدت الحرب حامية الوطيس ، نهشاً وعضاً وخرمشة بالأسنان والمخالب ، وتمرّغاً بالوحل والمياه الآسنة ، المتدفقة من بيوت القرية ، في صخب من عواء حاداً بين ذكور  كلاب القرية ، والقرى المجاورة ، من مختلف الأحجام والألوان .
وبعد فترة وجيزة من الحرب السنوية الدورية هذه   ، توحدت ألوان المتعاركين  بلون واحد ، هو لون الوحل ، و الدماء النازفة من جروحهم .
أما قارو ، فكان يركض من طرف لأخر على سطح المكبس ، كالمكوك ذهاباً وإياباً ، لكي لا تفوته تفاصيل المعركة ، ومتعة الفرجة للحظة الحاسمة  المنتظرة  ، ونظيفاً دون عناء .
احتدت الأمور ، في الاسفل في الساحة ، إلى أن فاز أحدهم بنتيجة العراك ، وقفز قفزته الظافرة… !!.
أما قارو في الأعلى ومن شدة نشوته ، وهياجه ، انفصل عن الأرض ، وقفز في الهواء مع قفزة الظافر وتوازياً معها في أرض المعركة ، ماداً كل أطرافه كطائرة ثابتة الجناحين ،  وكانت تلك  قفزته الأخيرة ، إذ سقط من سطح المعصرة على كومة من الحطب ، في الاسفل ، فيخترق عود رفيع مقلّم  بطنه ويخرج من الطرف الآخر ، كوتد ، وهو دون حراك . 
نازفاً الدم حتى الموت…  
معركة قارو هذه وقفزته في الهواء كانت  آخر معاركه الجوية السنوية ، المأسوية !!!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

 

مقدمة

تمثّل قراءة جاك دريدا لمقال والتر بنجامين «مهمّة المترجم» إحدى أكثر اللحظات ثراءً في الفكر المعاصر حول الترجمة، لأنّها تجمع بين اثنين من أهمّ فلاسفة القرن العشرين

— بنجامين: صاحب الرؤية «اللاهوتيّة – الجماليّة» للترجمة؛

— دريدا: صاحب التفكيك والاختلاف واللامتناهي لغويًا.

قراءة دريدا ليست شرحًا لبنجامين، بل حوارًا فلسفيًا معه، حوارًا تُخضع فيه اللغة لأعمق مستويات…

ماهين شيخاني

 

المشهد الأول: دهشة البداية

دخل عبد الله مبنى المطار كفراشة تائهة في كنيسة عظيمة، عيناه تلتهمان التفاصيل:

السقوف المرتفعة كجبال، الوجوه الشاحبة المتجهة إلى مصائر مجهولة، والضوء البارد الذي يغسل كل شيء ببرودته.

 

كان يحمل حقيبتين تكشفان تناقضات حياته:

الصغيرة: معلقة بكتفه كطائر حزين

الكبيرة: منفوخة كقلب محمل بالذكريات (ملابس مستعملة لكل فصول العمر)

 

المشهد الجديد: استراحة المعاناة

في صالة…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف…

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…