الانفجار السوري للسياسي الكردي عبد الباقي اليوسف أهم كتاب دّون الحدث السوري بعين باحث فاحص وسياسي قدير

فتح الله حسيني
يسلط كتاب “الانفجار السوري” لمؤلفه السياسي الكردي عبد الباقي اليوسف، الضوء بشكل واضح على ظلم النظام السوري على الشعوب السورية، والاخفاقات المتتالية للمعارضة العربية بشقيها السياسي والعسكري، الى أن وصل الأمر الى حالة فوضى السلاح، وانكسار لغة العسكرتاريا، ووجوب الوصول الى حل ساسي في البلاد، بعد خراب معظم المدن السورية جراء تلك المعارك العشوائية، والأهم من كل ذلك، مسؤولية المعارضة العربية في نشوء التسلط ومن ثم طغيان الكبت السياسي والاحتكارات الاقتصادية التي أدت الى حدوث ذلك الانفجار، فيما  يمكن تسميته بـ “نزيف الدم السوري الى الحلم بهوية جديدة” جراء عدم  تبلور فكرة الدولة في المفهوم القومي العربي، حيث اذا تحرك أي مكون سوري إن كان قومياً أو دينياً أو مذهبياً أو سياسياً ليعبر عن معاناته ويطالب بايجاد نظام تتوافر فيه الحدود الدنيا من الحرية ليفسح المجال أمامه للمشاركة في بناء الوطن والمساهمة في تخطيط مستقبله، سرعان ما تتحرك مؤسسات النظام المختلفة للاتقضاض عليه واظهاره وكأنه  يتحرك بأوامر خارجية تستهدف النيل من سوريا وشعبها ونظامها الممانع للامبريالية، حسب زعم النظام الدائم وحجته الأساسية والرئيسية في قمع أي شخص أو تنظيم أو حزب أو جمعية أو مكون سوريأ.
فقد تفائل قطاع واسع من الشعب بمجئ بشار الأسد الى السلطة وحاول الاعلام اظهاره كمصلح جيد وأصح للأوضاع الاقتصادية بعدما كان قد جاء الأسد “الابن” شاباً وطبيباً من أوروبا، حتى ان هذا التفاؤل عمّ الشارع الكردي أيضاً، وطبعاً، هو في حقيقته، لم يأت عبر صناديق لااقتراع ولا عبر قوائم الاتتخاب، بل من خلال ترتيبات مسبقة، مدروسة، لم يستفتى الشعب عليها، وظل التسلط سيد الموقف، في تخييم الترعيب والترهيب على رؤوس ومخيلة الشعب، وذلك بتسريب حجج وذرائع مثل هشاشة تسيّد “الحرس الجديد” الذي يتزعمه بشار الأسد، وقوة وتسلط “الحرس القديم” وتحكمه بمفاصل الحياة ومقاليد الحكم، في إشارة الى ثلة الحكم الضيقة أبان نظام حافظ الأسد.
أنهى النظام السوري الجديد، بعد تسنمه أضابير الحكم الجديدة، الحياة الحزبية ولم يبق منها سوى النظام والحكم فقط، ومن ثم تم القضاء على التعددية السياسية، واستخدم حزب “البعث” خطاباً سياسياً شعبوياً قائماً على إثارة النعرت القومية العمياء لدى معظم العرب السوريين، ومارس حزب البعث، كذلك، خطاب التخوين بشكل واسع ضد كل تيار فكري أو سياسي أ وآيديولوجي يختلف معه ولا يشاركه الرأي، وتم حصر كل الحقائق في شعارات البعث وحده، وازداد تمركز السلطة في ظل الشعارات القومية والطائفية حتى أصبحت الدولة تسمى بسوريا البعث، ولا تنظيم أو حزب أو سياسة أو قوة من غير البعث.
يستفيض كتاب “الانفجار السوري” ا(دار الزمان / مركز آشتي للدراسات والبحوث) في موضوع الثورة أو الأزمة أو الاتنفاضة، فقبل أن تبدأ  الأزمة السورية من مدينة “درعا” جرت بعض الوقفات الاحتجاجية في العاصمة دمشق ولكن تم احتواء المشكلة بتدخل وزير الداخلية، ثم اندلعت نيران الانتفاضة القمعية في 18/3/ 2011 بدرعا بعد حادثة اعتقال بعض الصبية الذين تأثروا بالتغطية الإعلامية لأحداث ما سمي بـ “الربيع العربي” فكتبوا على الجدران شعارات أبرزها: “إجاك الدور يا دكتور” في اشارة الى الدكتور بشار الأسد وضرورة تنحيه،  ليكون ردّ المخابرات السورية رداً قمعياً في تعذيب أولئك الصبية بشكل وحشي في السجون. 
بدأت الأحداث بمطالب صغيرة، ولكن لم يستجب لها النظام بمسؤولية، وجاء خطاب بشار الأسد في 30/3/2011 محبطاً لتطلعات الشعب السوري بعمومه، خطاب أقل ما يمكن وصفه بأنه خطاب استخف بالشعب ومطالباته، ولكن سرعان ما عمت المدن السورية تلك الأحداث الساخنة وتمت تسمية أيام “الجمع” وفق تواصل اعلامي، وظهرت تنسيقيات شبابية وأطر تنظيمية جديدة، في عموم المدن السورية، حتى وصل الأمر الى شيوع فوضى التأسيس، لتلك الأطر، وسرعان ما تمكنت الأحزاب المتواجدة خارج البلاد، من سلب تلك الطاقات وخاصة أحزاب التيار الاسلامي، لتصبح كل الحركات في الداخل أسيرة أجندات خارجية وخاصة من قبل جماعة الأخوان المسلمين وربيبتها تركيا، لتسرق الثورة، وتبقى الأزمة مستفحلة.
كردياً، خرجت أولى المظاهرات في مدينة قامشلو الكردية، يوم 1 نيسان من العام 2011 تضامناً مع أهل درعا السورية، وسرعان ما اجتمعت الأحزاب السياسية الكردية وأسست إطاراً سياسياً وأصدرت بياناً تضمن المبادرة الكردية لحل الأزمة في سوريا، مركزة على ضرورة تجنب اللجوء الى العنف والقنل تحت أية ذريعة كانت، والسماح للاحتجاجات السلمية بالتعبير عن نفسها ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية، والغاء العمل بالقوانين الاستثنائية والافراج عن معتقلي الرأي والسياسيين والدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل وحل القضية الكردية حلاً ديمقراطياً عادلاً .
كتاب “الانفجار السوري” لمؤلفه السياسي الكردي عبد الباقي يوسف، كتاب غني  بالأفكار والتحليلات منذ نشوء الدولة السورية والى مرحلة تسنم البعث السلطة والى الأزمة المستفحلة راهناً، وملئ بالوثائق والملاحق التي من شأنها خدمة الكتاب والأحداث، خلافات النظام والمعارضة، خلافات المعارضة العربية مع الكرد، والخلاف الكردي – الكردي، بالاضافة الى ما أسسه النظام من شرخ طائفي عنصري بين مكونات الشعوب السورية.
كتاب “الانفجار السوري” ربما أهم كتاب دّون الحدث السوري بعين باحث فاحص وسياسي قدير.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…